منهاج الصالحين المجلد 3

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الصالحين/ فتاوي محمدسعيد الطباطبايي الحكيم.

مشخصات نشر : مكتب آيه الله العظمي السيد الحكيم ، 14ق. = 19 - م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : كاربرگه كتاب فارسي

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: مكتب آيه الله العظمي السيدالحكيم؛ موسسه المناره، 1416ق.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1418ق. = 1977م. = 1376).

مندرجات : ج. 1. العبادات .--

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

موضوع : فتوا هاي شيعه -- قرن 14

رده بندي كنگره : BP183/9 /ط15م 8 1376

رده بندي ديويي : 297/3422

شماره كتابشناسي ملي : م 78-6270

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 7

كتاب النكاح

اشارة

و هو رباط شريف شرعه اللّه تعالي رحمة بعباده، لبقاء النوع الإنساني و تنظيم الغرائز التي أودعها فيه، حفاظا علي عفة الإنسان و دينه، و أنسا لوحشته، و وصلا لوحدته و نظما لحياته. قال تعالي وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبٰاتِ أَ فَبِالْبٰاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ هُمْ يَكْفُرُونَ، و قال عز اسمه وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق اللّه في النصف الباقي». و قال الإمام الباقر عليه السّلام: «ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته و إذا غاب عنها حفظته في نفسها و ماله».

و هو من المستحبات المؤكدة بل يكره تركه. قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ما بني بناء في الإسلام أحب إلي اللّه عز و جل من التزويج»، و قال صلّي اللّه عليه و آله: «من أحب أن يكون علي فطرتي فليستن بسنتي و إن من سنتي النكاح»، و قال صلّي اللّه عليه و آله: «من أحب أن يلقي اللّه طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة».

و قال صلّي اللّه عليه و آله: «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله و يصوم نهاره». و قال صلّي اللّه عليه و آله: «رذال

موتاكم العزاب»، و النصوص في ذلك و نحوه لا تحصي كثرة.

و قد تضمن جملة منها النهي عن ترك الزواج خوف الفقر، و أن من فعل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 8

ذلك فقد ساء ظنه باللّه تعالي. بل ورد فيها أن الزواج من أسباب الرزق، و أن الرزق مع النساء و العيال. إلي غير ذلك. فعلي المؤمنين وفقهم اللّه تعالي الاهتمام بتسهيل أمر الزواج بتخفيف قيوده و تقليل نفقاته و التعاون عليه، إقامة للسنة و دفعا للفساد و الفتنة.

و من عجز عن الزواج فعليه أن يدرع التقوي و الصبر، و يبعد نفسه عن مواقع المعصية و الفتنة، و يحذر من كيد الشيطان و غروره، و يكبح جماح النفس الأمّارة بالسوء، و يتحلي بالعفة و الفضيلة، و يربأ بنفسه عن السقوط في مهاوي الخسة و الرذيلة متمسكا بوصية اللّه تعالي له، حيث يقول:

وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ نِكٰاحاً حَتّٰي يُغْنِيَهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ. و قد ورد عنهم عليهم السّلام: أنه يستحب الاستعانة علي العزوبية بالصيام و توفير الشعر، و أن بهما تخف حدة الحاجة للنكاح.

و نسأله سبحانه أن يعين شباب المؤمنين في بليتهم، و يعصمهم في محنتهم و يزيدهم إيمانا و تسليما وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً.

و ينبغي- مقدمة للكلام في المقام- التعرض لحكم العلاقة بين الجنسين، و بين أفراد الجنس الواحد، مع قطع النظر عن الزواج، ثم الكلام في النكاح في فصول تتضمن آدابه و أركانه و أقسامه و شروطه و أحكامه و نحوها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص:

9

مقدّمة في العلاقة بين الجنسين و بين أفراد الجنس الواحد

(مسألة 1): يحرم علي الرجل و المرأة التلذذ الجنسي بغير الزوجة و الزوج و نحوهما، سواء كان مماثلا، كالرجل بالرجل و المرأة بالمرأة، أم مخالفا محرما أو غير محرم. بل الظاهر عدم جواز التلذّذ المذكور بغير الإنسان، كالبهائم و التماثيل المجسمة و الصور غير المجسمة.

(مسألة 2): لا فرق في حرمة التلذذ المذكور بين أن يكون باللمس و التقبيل و النظر و السماع، كما لا فرق بين أن يكون بقصد الإنزال و غيره.

(مسألة 3): إذا كانت الأمور المذكورة مبنية علي الإعجاب بجمال المنظور أو الملموس أو المسموع من دون أن تصل إلي التلذذ الجنسي فلا تحرم، لكن ينبغي الحذر من الوصول إلي التلذذ الجنسي، فالأولي التجنب حذرا من الوقوع فيه. هذا كله في المماثل و أما في غيره فيلحقه ما يأتي.

(مسألة 4): يحرم علي الإنسان- رجلا كان أو امرأة- التلذذ بمس عضوه الجنسي، ببعض جسده أو بغيره، و إن لم يبلغ حد الإنزال، فضلا عما إذا بلغ ذلك. بل الأحوط وجوبا العموم للتلذذ بالنظر. نعم يستثني من ذلك العبث بالعضو الجنسي للاستعانة علي الوطء المحلل و استكمالا للتلذذ به من دون أن يبلغ حد الإنزال.

(مسألة 5): يجب علي المرأة ستر جميع جسدها و شعرها عن غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 10

المحرم من الرجال عدا الوجه و الكفين. و أما القدمان فالأحوط وجوبا سترهما.

نعم إذا قعدت عن النكاح جاز لها أن تكشف رأسها و ذراعيها من دون زينة غير ما يأتي، و إن كان الأفضل لها ستر ذلك.

(مسألة 6): يجوز للمرأة التزين في الموضع الذي يحل كشفه من بدنها بالكحل و الخاتم و السوار، و لا يحل ما زاد علي ذلك كالمكياج المتعارف في

عصورنا. نعم يحل علي كراهة زينة الثياب الظاهرة، سواء كانت بمثل التلوين و التطريز أم بكيفية الخياطة و التفصيل، إلا ما كان مظنة الإثارة و الفتنة فالأحوط وجوبا تجنبه. كما أن الأحوط وجوبا لها عدم استعمال الطيب بحيث يشمه الأجنبي.

(مسألة 7): لا يجب التستر عن غير ذي الإربة من الرجال، و هو الذي لا رغبة له في النساء. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي من استمر علي ذلك من طفولته لنقص في إدراكه و لبلاهته، دون مثل الشيخ و المريض.

(مسألة 8): لا يجب علي المرأة التستر عن المحارم، و هم الذين يحرم نكاحهم لها بالنسب أو الرضاع المحرّم كالأب و الولد و الأخ و العم. و كذا المحارم بالسبب، و هم الذين يحرم نكاحهم لها مؤبدا بسبب عقد النكاح الصحيح، كأب الزوج و ابنه و زوج البنت و زوج الام المدخول بها، أو بسبب وطء مشروع كموطوءة الأب و الابن بالملك. دون ما يحرم بسبب عقد نكاح غير مشروع كنكاح ذات البعل أو في العدة أو بسبب وطء محرم كاللواط بالأخ، أو بسبب آخر كالطلاق تسعا، فضلا عما يحرم مؤقتا كالمطلقة ثلاثا و بنت الزوجة غير المدخول بها و أخت الزوجة.

(مسألة 9): يستثني من جواز التكشف للمحارم و من جواز النظر إليهم العورة علي ما تقدم في أحكام التخلي من كتاب الطهارة. كما أن الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 11

ترك ما كان مظنة الإثارة و الفتنة من التخلع و التزين، نظير ما تقدم في غير المحارم.

(مسألة 10): يحرم علي الرجل النظر لما يجب ستره من جسد المرأة، إلا أن تكون متكشفة بحيث إذا نهيت لا تنتهي و لا تتستر، من دون فرق في

ذلك بين كون تكشفها لاعتقاد الحل و أن يكون تسامحا و عصيانا. أما إذا كان تكشفها غفلة عن وجود الناظر بحيث لو نبهت لاستترت فلا يجوز النظر إليها إذا كانت مسلمة، بل حتي إذا كانت كافرة علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 11): الأحوط وجوبا عموم وجوب الستر و حرمة النظر لصورة المرأة في المرآة و نحوها مما يحكي حكاية تامة، بل الأحوط وجوبا العموم لمثل الماء الصافي مما يحكي حكاية ناقصة، إلا أن لا تتميز الصورة حينئذ، بل تكون شبحا لا غير. و أما الصورة التلفزيونية و الفتوغرافية و نحوهما فالظاهر جواز النظر إليها، و إن كان الأحوط استحبابا تركه إذا لم تتعمد المرأة بذل الصورة. بل يحرم إذا كانت مؤمنة و كان النظر هتكا لها و توهينا عرفا، كما قد يكون ذلك فيما إذا كانت مصونة في نفسها و كانت الصورة معرفة لها.

(مسألة 12): يجوز نظر المرأة للرجل الأجنبي، و الأحوط وجوبا أن لا تملأ نظرها منه و تتأمله.

(مسألة 13): يحرم علي كل من الرجل و المرأة الأجنبيين مس أحدهما الآخر، من دون فرق بين ما يحل النظر له من المرأة و غيره، فلا يجوز لهما المصافحة. و لا يسوّغ ذلك كونه في بعض الأوساط و الأعراف البعيدة عن الدين من جملة آداب المعاشرة، بحيث يرمي تاركه بسوء الخلق و مجانبة الأدب، فإن في الجري علي تلك الأعراف في مثل ذلك تضييعا لتعاليم الدين و طمسا لمعالمه و انصهارا بتقاليد الكفر و تبعية له، بل يلزم الإصرار علي تطبيق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 12

الحكم الشرعي و العمل عليه بلطف و وداعة و أدب، حتي يشيع و يعرف حاله علي حقيقته، و يصير التزام المسلم

به علامة علي قوة شخصيته و تمسكه بدينه و اعتزازه بمبدئه، و تسامحه فيه علامة علي ضعف شخصيته و تحلله.

(مسألة 14): الظاهر عدم وجوب ستر الشعر و الجزء المفصولين من المرأة عن الرجل و جواز نظره إليه. نعم إذا كانت المرأة الميتة مقطعة الأعضاء فالأحوط وجوبا عدم النظر إلي أعضائها المعتد بها المقومة لجسدها عرفا، بل إذا صدق علي النظر إليها النظر للمرأة الميتة فالظاهر حرمته.

(مسألة 15): إذا اضطر للنظر المحرم لعلاج أو نحوه، فإن أمكن الاكتفاء بالنظر للصورة المنعكسة في المرأة تعين، و إلا حلّ النظر للجسد بنفسه، و يقتصر علي مورد الاضطرار من حيثية المقدار المنظور إليه و مدة النظر و زمانه.

و هكذا الحال في المس.

(مسألة 16): ليس من الاضطرار المسوغ للنظر و المس المحرمين الاختلاط العائلي، لاجتماع العوائل في بيت واحد، أو لتآلفها و كثرة الاجتماع و التزاور بينها. و ما تعارف- نتيجة لذلك- من التسامح في الحجاب و النظر بين الرجل و زوجة أخيه أو أخت زوجته أو بنت عمه أو نحوهم من الأقارب بل الأصدقاء لا مسوغ له. و من الغريب تعارف ذلك بين بعض العوائل المحترمة و المعروفة بالتدين و الالتزام و الاحتشام. و الأنكي من ذلك و الأمض رفع الحواجز في مناسبات الأفراح و الأعراس حيث يستخف الفرح أهله فيدخل الشباب و هم في أوج حيويتهم و نشاطهم علي النساء المتبرجات بملابسهن الفاضحة و زينتهن الصارخة علي أتم الوجوه و ادعاها للفتنة و الإثارة، تغاضيا عن مقتضيات الغيرة و العفة، و خروجا عن قوانين الشرع الشريف، و نبذا لتعاليم الدين الحنيف، كفرا لنعمة اللّه تعالي بمعصيته و انتهاك حرمته و تعدي حدوده في موقف هو ادعي لشكره تعالي

بطاعته و الخضوع لإرادته و الوقوف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 13

عند أمره و نهيه، استيجابا لرحمته و استزادة من نعمته كما قال جلت أسماؤه و عظمت آلاؤه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ.

(مسألة 17): يجوز للرجل سماع صوت المرأة الأجنبية، و للمرأة سماع صورت الرجل الأجنبي. نعم لا بد من عدم التلذذ الجنسي بذلك كما تقدم.

(مسألة 18): يكره للرجل النظر لأدبار النساء.

(مسألة 19): يكره اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، و في حديث سيدة النساء عليها السّلام قالت: «خير للنساء أن لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال» بل قد يحرم إذا كان مظنة للفتنة و الفساد، خصوصا ما يبتني منه علي التزاحم و التضام.

(مسألة 20): يكره للرجل الجلوس في مكان المرأة إذا قامت عنه حتي يبرد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 14

الفصل الأول في آداب النكاح و سننه و ما يناسب ذلك

(مسألة 21): يستحب للرجل عند إرادة التزويج أن يصلي ركعتين و يحمد اللّه تعالي و يقول: «اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فقدّر لي من النساء أعفهن فرجا و أحفظهن لي في نفسها و في مالي و أوسعهن رزقا و أعظمهن بركة، و اقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي».

(مسألة 22): يجوز للرجل النظر للمرأة التي يريد الزواج منها، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما يتعارف كشفه عند لبس ثياب البيت كالعضدين و الساقين و الرأس و قسم من الصدر، دون ما يتعارف ستره بالثياب، و لا بأس بترقيق الثياب و كونها بحيث تحكي حجم البدن. نعم لا بد من الاقتصار علي ما يعرف به حالها و عدم الاستزادة من النظر عن قدر الحاجة.

(مسألة 23): يستحب اختيار البكر الجميلة الطيبة الريح الطيبة

الطبخ الضحوك العفيفة الهينة اللينة الودود الكريمة الأصل ذات الدين و الخلق و التي تعين زوجها و تحفظه في غيبته. و في الحديث: «إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد».

(مسألة 24): يكره اختيار المرأة لمالها و جمالها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من تزوج امرأة لمالها و كله اللّه إليه، و من تزوجها لجمالها رأي فيها ما يكره، و من تزوجها لدينها جمع اللّه له ذلك». كما يكره تزوج المرأة الحسناء السيئة الأصل، و قد شبهها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالنبتة الخضراء في المزبلة. و يكره تزوّج الحمقاء، و قد ورد أن الأحمق قد ينجب و الحمقاء لا تنجب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 15

(مسألة 25): يستحب اختيار المرأة الولود و يكره تزوّج العقيمة و إن كانت جميلة.

(مسألة 26): يستحب الإشهاد علي العقد و الإعلان به، و الخطبة أمام العقد، و أقلها حمد اللّه تعالي. كما يستحب الوليمة فيه نهارا يوما أو يومين، و يكره ما زاد علي ذلك.

(مسألة 27): يستحب زف المرأة و إدخالها علي زوجها ليلا. و يستحب للزوج صلاة ركعتين عند ذلك و أن يدعو بالمأثور و قد ورد عدة صور لذلك، و منها أن يأخذ بناصيتها مستقبل القبلة و يقول: اللهم بأمانتك أخذتها و بكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد، و لا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا». و قد ورد عن الإمام الباقر عليه السّلام لجلب الألفة بين الزوجين قال: «إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثم أنت لا تصل إليها حتي تتوضأ و تصلي ركعتين ثم مرهم أن يأمروها أن

تصلي أيضا ركعتين، ثم مجّد اللّه و صل علي محمد و آل محمد، ثم ادع اللّه و مر من معها أن يؤمّنوا علي دعائك. و قل: «اللهم ارزقني الفها و ودها و رضاها و رضني بها، ثم اجمع بيننا بأحسن اجتماع و أسر ائتلاف، فإنك تحب الحلال و تكره الحرام».

(مسألة 28): يكره دخول الرجل بالمرأة ليلة الأربعاء.

(مسألة 29): أكد الإسلام علي لسان نبيه صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة من أهل بيته عليهم السّلام علي نبذ فوارق النسب في النكاح و أن المؤمن كف ء المؤمنة. كما أكد علي أنه ينبغي الاهتمام بالدين و الخلق و الأمانة و العفة، و قد ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و عنهم عليهم السّلام في نصوص كثيرة: «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير». فلا ينبغي رد الخاطب المؤمن إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 16

كان متدينا حسن الخلق، خصوصا إذا كان ذا يسار، بحيث ينهض بمعاشه و معاش عياله. و أما ما تعارف عند بعض القبائل من عدم تزويج بناتهم لغيرهم اعتزازا بأنفسهم و ترفعا و تعاليا عن غيرهم أو قصر بناتهم علي فئة خاصة من الناس فهو استجابة لدعوة الشيطان للعصبية الجاهلية، مع ما يترتب علي ذلك من تعطيل النساء و حرمانهن من أهم حقوقهن، فإن صبرن ظلمن ظلم من لا يجد ناصرا إلا اللّه تعالي و هو أفحش الظلم، و إن خرجن عن ذلك فهو الجريمة و الإثم منهن و من القبيلة و العار و الشنار عليهن و عليها، ثم ردود الفعل الظالمة التي ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان أَ

فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

(مسألة 30): ما تعارف عند كثير من المؤمنين من عدم الاستجابة لتزويج الخاطب الذي يرتضونه إلا بعد الاستخارة بالوجه المتعارف في زماننا، ليس له أساس شرعي، و لا يناسب النصوص المشار إليها آنفا. نعم يحسن في الزواج و في جميع الأمور الاستخارة بمعني طلب الخيرة من اللّه تعالي بالوجه المتقدم في مبحث صلاة الاستخارة من الصلوات المستحبة.

(مسألة 31): يكره تزويج شارب الخمر و سيئ الخلق و المخنث، بل كل من ليس له التزام ديني. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدة فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته».

(مسألة 32): يكره للمرأة تعطيل نفسها عن الزواج، و عن الزينة لزوجها و إن كانت مسنة.

(مسألة 33): يستحب تعجيل زواج البنت، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من سعادة المرأة أن لا تطمث ابنته في بيته». بل يكره تأخيرها إذا أدركت و حاضت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 17

(مسألة 34): يكره إيقاع عقد الزواج إذا كان القمر في برج العقرب، كما يكره في محاق الشهر، و هو آخره عند عدم ظهور القمر و دخوله في شعاع الشمس.

(مسألة 35): يكره الجماع ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس، و من مغيب الشمس إلي مغيب الشفق، و حين اصفرار الشمس عند طلوعها و غروبها، و في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، و في الليلة التي ينخسف فيها القمر، و في الليلة و في اليوم اللذين يكون فيهما الزلزلة، و خصوصا حال الزلزلة، و في حال هياج الريح السوداء و الصفراء و الحمراء، و في محاق الشهر.

و يكره الجماع

أيضا في أول ليلة من الشهر الهلالي و ليلة النصف منه، و يستثني من ذلك أول ليلة من شهر رمضان المبارك، فقد ورد في بعض الروايات استحباب الجماع فيها.

(مسألة 36): يكره الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها، و في السفينة، و علي ظهر طريق عامر، و تحت السماء.

(مسألة 37): يكره الجماع بعد الاحتلام قبل الغسل منه، و حين الاختضاب قبل أن يأخذ الخضاب مأخذه.

(مسألة 38): يكره الجماع عاريا، و من قيام. كما يكره الكلام حال الجماع بغير ذكر اللّه تعالي، و لبس خاتم فيه ذكر اللّه تعالي أو شي ء من القرآن.

(مسألة 39): يكره نظر الزوج لفرج امرأته خصوصا حال الجماع.

(مسألة 40): يستحب التستر بالجماع، و يكره الجماع في بيت فيه أحد يصف حالهما و يسمع نفسهما و إن كان صبيا. و تستحب التسمية عند الجماع و الاستعاذة من الشيطان، و الدعاء بالمأثور، و منه أن يقول: «بسم اللّه و باللّه اللهم جنبني الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتني».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 18

(مسألة 41): يستحب أن يختص كل من الرجل و المرأة بخرقة للتمسح بها بعد الجماع، و يكره اشتراكهما بخرقة واحدة يتمسحان بها معا، و في النصوص أن ذلك من أسباب النفرة و البغضاء بينهما.

(مسألة 42): يستحب لمن رأي امرأة فأعجبته أن يجامع زوجته. نعم يكره أن يجامع الرجل امرأته بشهوة غيرها. و الظاهر أن المراد به ما إذا كان الداعي للجماع هو شهوة امرأة أجنبية خاصة إشباعا لتلك الشهوة، بل ينتظر حينئذ حتي تهدأ فورة الشهوة بما يشغله عنها. أما الأول فالمراد به أن يكون الجماع لإشباع الشهوة حذرا من تعلق النفس بالأجنبية من دون أن تكون قد تعلقت بها فعلا.

(مسألة 43):

يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتي يعلمهم.

(مسألة 44): يجوز لكل من الزوجين التلذذ الجنسي بما يشاء من جسد الآخر، صغيرا كان أو كبيرا بجميع وجوه التلذذ من النظر و اللمس و التقبيل و غيرها، كما يجوز له الإنزال بذلك. نعم يكره للرجل وطء الزوجة في دبرها.

بل يحرم إذا لم يكن برضاها.

(مسألة 45): لا يجوز الدخول بالزوجة قبل أن يتم لها تسع سنين قمرية. لكن لو دخل بها لم تحرم عليه مؤبدا حتي لو أفضاها. كما أنه يجوز له الاستمتاع بها بغير الوطء.

(مسألة 46): يجوز العزل عند الوطء بإخراج الذكر من الفرج و إراقة المني خارجه. نعم يكره العزل عن الحرة إذا لم يشترط ذلك عليها و لم ترض به، خصوصا إذا كانت ممن يتوقع حملها و كانت ترضع ولدها و لم تكن سليطة و لا بذيئة. و السليطة هي طويلة اللسان الصخابة. و البذيئة هي ذات الكلام الفاحش السافل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 19

(مسألة 47): الامتناع عن الأنجاب إن كان بتعقيم أحد الطرفين، بأن يتعطل جهازه التناسلي فلا ينجب أبدا فالأحوط وجوبا الاقتصار فيه علي لزوم الضرر البدني من الاستمرار في الأنجاب. و إن كان بتوقفه عن الأنجاب مؤقتا جاز اختيارا، إلا أن يستلزم كشف العورة المحرم- كما لو توقف علي الاستعانة بالطبيب أو الطبيبة- فيقتصر فيه علي مورد الحاجة العرفية، بحيث يلزم من الأنجاب الحرج أو الضرر.

(مسألة 48): لا يجوز للمرأة الامتناع عن الحمل بما ينافي حق الزوج في الاستمتاع- كالعزل و عدم التمكين من الوطء في الوقت الذي يتوقع فيه قابلية البويضة للإخصاب- إلا برضا الزوج أو باشتراط ذلك عليه في عقد النكاح أو غيره من العقود اللازمة. و أما

بالطرق الأخري غير المنافية للاستمتاع فالأحوط وجوبا استئذان الزوج في ذلك، إلا أن يكون الحمل مضرا بها فلا يجب استئذان الزوج حينئذ.

(مسألة 49): المراد بالامتناع عن الأنجاب في المسألة السابقة هو فعل ما يمنع من انعقاد النطفة و تلقيح البويضة بها. أما بعد انعقاد النطفة و تلقيح البويضة بها فلا يجوز الإجهاض مهما قصرت المدة، و لا يسوغه تشوه الجنين و لا مرض المرأة أو إجهادها و لا الضائقة الاقتصادية، قال تعالي وَ لٰا تَقْتُلُوا أَوْلٰادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلٰاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّٰاكُمْ.

نعم يجوز مع الاطمئنان بتعرض الام للموت بدونه، بحيث يدور الأمر بين موتها مع الجنين و موت الجنين وحده. و لا بد من التثبت في ذلك.

(مسألة 50): في مورد حرمة الإجهاض تجب الدية به، و يتحملها المباشر الذي يستند الإجهاض لفعله، كالمرأة إذا شربت الدواء أو تحركت حركة عنيفة فأجهضت، و كالطبيبة إذا قامت بعملية الإجهاض. و لا يتحملها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 20

الذي يأذن به أو يطلب من الغير إيقاعه، كما لا تتحملها المرأة إذا سلمت نفسها للطبيبة فقامت بعملية الإجهاض، و إن كان ذلك كله محرما.

(مسألة 51): يجب علي الزوجة تمكين الزوج من الوطء و غيره من الاستمتاعات في أي وقت شاء، و علي أي حال كانت. و يحرم عليها الامتناع من ذلك مغاضبة أو للانشغال عنه، أو لخوف الحمل أو لغير ذلك. بل يستحب لها التزين و التطيب و التهيؤ له، بل عرض نفسها عليه. نعم إذا خافت علي نفسها الضرر جاز لها الامتناع مما تخاف منه.

الفصل الثاني في عقد النكاح

يحل النكاح بأحد وجهين.

الأول: الزواج.

الثاني: ملك اليمين.

و حيث يندر الابتلاء بالثاني في زماننا، فالمناسب الاقتصار علي الأول.

و هو عقد يتضمن علقة خاصة

معروفة بين الرجل و المرأة، بل مطلق الذكر و الأنثي و إن كانا صغيرين. و هو علي قسمين.

الأول: الدائم.

الثاني: المنقطع. و الكلام هنا في الأول.

(مسألة 52): لا بد في هذا العقد من إنشائه باللفظ، فلا يقع بدونه، و إن دلّ علي إنشاء المضمون و الالتزام به، كالتوقيع علي ورقة العقد. و بذلك يخالف سائر العقود. نعم مع تعذر العقد- لخرس و نحوه- تجزئ الإشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 21

المفهمة له.

(مسألة 53): لا يشترط في عقد النكاح العربية، فيجوز إيقاعه بكل لغة، و إن كان الأحوط استحبابا الإتيان به بالعربية مع الإمكان.

(مسألة 54): العقد عبارة عن الإيجاب من أحد الطرفين و القبول من الآخر بأي وجه وقعا، و ذلك يكون.

تارة: بالإيجاب من المرأة و القبول من الرجل بأن تقول: زوجتك نفسي بمهر كذا، فيقول: نعم أو رضيت أو قبلت.

و اخري: بالإيجاب من الرجل و القبول من المرأة بأن يقول: تزوجتك بمهر كذا فتقول: نعم، أو نحو ذلك.

(مسألة 55): لا يتعين في الإيجاب لفظ التزويج، بل يقع بلفظ النكاح و غيره مما يؤدي معني الزواج، كما لو قالت المرأة: أنكحتك نفسي، أو قال الرجل: أنكحك، أو نحو ذلك.

(مسألة 56): لا يشترط في عقد النكاح موافقة القواعد الإعرابية، بل يقع مع اللحن إذا قصد بالكلام إنشاء عقد الزواج به و كان مؤديا لذلك عرفا.

(مسألة 57): لا يشترط الإيجاب بلفظ الماضي، فكما يقع بمثل:

تزوجت فلانة و زوجت فلانا فلانة أو من فلانة و أنكحت فلانا فلانة، يقع بمثل: أتزوج فلانة، و أزوج فلانا فلانة أو من فلانة، و أنكح فلانا فلانة.

(مسألة 58): يصح إيقاع عقد النكاح من الطرفين مباشرة، فيقول الرجل: تزوجتك، أو تقول المرأة: زوجتك نفسي،

و يقبل الطرف الآخر بنفسه، كما يصح إيقاعه ممن يقوم مقامهما كالولي و الوكيل، فيقول ولي أحد الطرفين أو وكيله مثلا: زوجت فلانا من فلانة، فيقبل الطرف الآخر بنفسه أو يقبل وليه أو وكيله عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 22

(مسألة 59): يصح قيام شخص واحد مقام كلا الطرفين في العقد بأن يكون أصيلا عن نفسه و وليا أو وكيلا عن الطرف الآخر، أو وليا أو وكيلا عن كلا الطرفين، أو وليا علي أحدهما و وكيلا عن الآخر. نعم لا يجوز أن توكل المرأة رجلا في تزويجها من نفسه علي أن يتولي طرفي العقد.

(مسألة 60): مع قيام شخص واحد مقام كلا الطرفين في العقد لا يجب أن يوجب عن أحدهما و يقبل عن الآخر، بل يكفي إنشاؤه للمضمون عن كل منهما من دون حاجة للقبول.

(مسألة 61): يكفي في صورة عقد الزواج أن تقول المرأة للرجل الذي تريد الزواج به: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا، أو تقول لوكيله: زوجت نفسي من فلان بمهر قدره كذا. أو يقول وكيلها للزوج: زوجتك فلانة بمهر قدره كذا، أو يقول لوكيله: زوجت فلانة من فلان بمهر قدره كذا، فيقول الزوج أو وكيله: قبلت. و إنما أثبتنا ذلك لأنه المعروف و ليسهل تعلمه علي من يريده، و إلا فالصور المجزئة كثيرة، كما يظهر مما سبق.

(مسألة 62): الزواج في المحاكم إن اقتصر فيه علي تسجيل الزواج و توقيع كلا الطرفين علي ورقة العقد لم يصح و لم يترتب عليه الأثر، و إن اشتمل علي الصيغة بالوجه المتقدم صح. و حبذا لو لم يقتصر القائمون بتسجيل الزواج علي سماع إقرار كلا الطرفين برضاه بالزواج و أخذ توقيعه به، بل يلتزمون مع ذلك

بإجراء الصيغة بين الطرفين بأخذ الوكالة عليها من أحدهما و إجرائها مع الآخر أو الطلب من الطرفين بإجرائها بينهما قبل التسجيل فإن في ذلك الحفاظ علي الحكم الشرعي من دون كلفة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 23

الفصل الثالث في أولياء العقد

(مسألة 63): للأب و الجد للأب- و إن علا- الولاية في النكاح علي الولد و البنت الصغيرين، و كذا علي المجنونين الكبيرين اللذين يتصل جنونهما بصغرهما. فإن زوجاهما نفذ التزويج عليهما و ليس لهما الرجوع عنه إذا بلغا و تم رشدهما. و أيهما سبق صح تزويجه، فإن تقارنا أو تشاحا كان المقدم هو الجد.

(مسألة 64): المراد بالجد للأب هو أبو الأب و أبو أبيه و إن علا، دون أبي أم الأب أو أبي جدته أو نحوهما ممن يتصل بالأب من طريق النساء.

(مسألة 65): يكفي في جواز تزويج الأب و الجد للصغير عدم المفسدة، و لا يشترط ثبوت المصلحة. نعم لا بد من عدم التفريط حينئذ، كما لو دار الأمر بين زوجين لا مفسدة في التزويج منهما إلا أن أحدهما أصلح من الآخر، فإنه لا يجوز اختيار المرجوح، نظير ما تقدم في البيع.

(مسألة 66): ليس لغير الأب و الجد للأب من الأرحام الولاية علي الصغيرين كالأخ و الجد للام و الأعمام و الأخوال و غيرهم.

(مسألة 67): ليس للأب و الجد و لا غيرهما الولاية في التزويج علي البالغ الرشيد، رجلا كان أو امرأة، بل يستقل بالولاية علي تزويج نفسه، إلا في البنت البكر مع أبيها أو جدها فإن الولاية في التزويج تشترك بينها و بينهما، فلا ينفذ نكاحها إلا بإذنها و إذن أحدهما، و إذا كانا معا موجودين كفي إذن أحدهما. نعم لو تشاحا فالظاهر تقديم الجد.

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 24

(مسألة 68): المراد بالبكر غير المتزوجة زواجا يستتبع الدخول في القبل، سواء لم تتزوج و بقيت بكارتها أو ذهبت من دون دخول أو بوطء محرم و لو عن شبهة، أم تزوجت و لم تذهب بكارتها أو ذهبت بغير وطء الزوج.

(مسألة 69): ليست البنت بضاعة بيد الأب و الجد يملكان التصرف فيها تبعا لرغبتهما، بل اللازم عليهما ملاحظة مصلحتها و حاجتها الطبيعية للزواج و إن خرجا بذلك عن مقتضي العرف و العادة. بل تسقط ولايتهما علي البنت مع منعهما لها من التزويج بنحو يضر بها عرفا. كما تسقط ولايتهما بتعذر استئذانهما لمرض أو غيبة طويلة أو نحوهما، و حينئذ تستقل بنفسها بالتزويج و لا تحتاج إلي إذن أحد حتي الحاكم الشرعي.

(مسألة 70): ليس لأحد من الأرحام مع فقد الأب و الجد للأب الولاية علي البالغة البكر فضلا عن غيرها، بل تستقل فيه بنفسها. و ما قامت عليه بعض الأعراف من تدخل الأرحام و منعهم للمرأة عما تريد، بل عما يريده لها وليها مع وجوده ظلم صارخ و خروج عن الموازين الشرعية و انتهاك لحدود اللّه تعالي و تجاهل لأحكامه في عباده. و هو من أسباب الفساد المهمة التي قد يترتب عليها ردود فعل لا تحمد عقباها، يتحمل المفسد عارها و شنارها في الدنيا، و تبعتها و مسئوليتها في الآخرة، يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون.

(مسألة 71): يكفي في إذن البكر سكوتها عند عرض التزويج عليها و عدم إبائها له، إلا مع وجود ما يثير احتمال كون السكوت عن غير رضا منها بما عرض عليها، بحيث يكون أمرها مريبا أو يكون هناك أمارة علي عدم الرضا منها.

و لا فرق في ذلك بين وجود الأب أو الجد و عدمه. و المراد بالبكر هنا من بقيت بكارتها، فلا يعم من ذهبت بكارتها و لو بغير الوطء علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 25

(مسألة 72): إذا أوصي الأب أو الجد بالطفل أو المجنون لشخص، فإن نص علي أن له تزويجه كان له ذلك علي النحو الذي يثبت للموصي، و إن لم ينص علي ذلك فالأحوط وجوبا للوصي الاقتصار علي صورة حاجة الموصي به للتزويج بمرتبة معتد بها و لو من غير جهة الرغبة الجنسية، كما لو احتاج للتزويج من أجل إدارة شؤونه الخارجية. لكن لا بد من استئذان الوصي من الحاكم الشرعي، و مع تعذره فالأحوط وجوبا له استئذان عدول المؤمنين إن لم يكن الوصي منهم، و مع تعذره يستقل هو بالتزويج. لكن الأحوط وجوبا في صورة تعذر الرجوع للحاكم الاقتصار علي صورة لزوم الضرر أو الحرج من الانتظار. و تقدم في كتاب الوصية ما ينفع في المقام.

(مسألة 73): مع فقد الأب و الجد و الوصي لا يجوز تزويج الصغير و لا المجنون إلا مع الحاجة بالنحو المتقدم في المسألة السابقة، و يتولي ذلك من له تولي أمورهما ممن تقدم التعرض له في مبحث الأولياء من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع، و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان حتي لو كان المتولي لاموره غيره، و مع تعذره يراجع العادل إن لم يكن المتولي لاموره عادلا.

(مسألة 74): السفيه في الماليات إذا كان رشيدا في بقية الأمور لا يستقل هو و لا وليه في تزويجه، بل لا بد من اشتراكهما فيه و وقوعه بإذنهما معا.

(مسألة 75): إذا وقع عقد النكاح من

غير من له السلطنة عليه كان فضوليا و توقف نفوذه علي إجازة من له السلطنة، علي نحو ما تقدم في البيع، و تقدم من فروعه ما يجري في المقام.

(مسألة 76): كما يمكن وقوع عقد النكاح ممن له السلطنة عليه يمكن وقوعه من وكيله، علي نحو ما تقدم في العقود.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 26

الفصل الرابع في أسباب التحريم

اشارة

و هي أمور.

الأول: النسب.

(مسألة 77): يحرم نكاح الام و إن علت، كأم أحد الأبوين أو أحد الجدين و ما فوق. و البنت و إن نزلت، كبنت البنت و بنت الولد و بنات أولادهما فما دون. و الأخت و بناتها و إن نزلن. و العمة و الخالة و إن علتا كعمة الأبوين و الجدين و خالتهما و هكذا. و بنات الأخ و إن نزلن.

الثاني: المصاهرة و ما الحق بها.

(مسألة 78): من تزوج امرأة حرمت مؤبدا علي آبائه مهما علوا، و علي أبنائه مهما نزلوا، سواء دخل بها أم لا.

(مسألة 79): من تزوج امرأة حرمت عليه مؤبدا أمها و إن علت، سواء دخل بها أم لم يدخل. كما تحرم عليه بنتها و إن نزلت ما دامت الأم في حبالته، و لا تحرم عليه البنت مؤبدا إذا لم يدخل بالأم، فإن طلق الأم أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له زواج البنت. أما إذا دخل بالأم فإن ابنتها تحرم عليه مؤبدا، من دون فرق بين ابنتها التي ولدتها قبل الزواج منه و ابنتها التي ولدتها بعد الزواج منه.

(مسألة 80): بنت الزوجة المدخول بها و إن كانت تحرم علي الزوج مؤبدا إلا أنها لا تحرم علي أبيه و لا علي ابنه من زوجة أخري، فيجوز لهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 27

الزواج منها و إن بقيت الأم في حبالته.

(مسألة 81): تحرم أخت الزوجة جمعا، لا مؤبدا، فلا يجوز له الزواج منها ما دامت أختها في حبالته و إن كانت في عدتها الرجعية. أما إذا خرجت من حبالته- و إن كانت في عدة منه بائنة- فإنه يجوز له الزواج بأختها.

(مسألة 82): يجوز الزواج من المرأة علي عمتها و خالتها بإذنهما، و لا يجوز بغير إذنهما.

نعم إذا عقد بغير إذنهما ثم أجازتا صح العقد. و إن كان الأحوط استحبابا تجديد العقد بإذنهما.

(مسألة 83): الظاهر أن الزني لا ينشر التحريم، فمن زني بامرأة لم تحرم عليه أمها و لا بنتها، و لا تحرم هي علي أبيه و لا علي ابنه. نعم الأحوط استحبابا أن لا يتزوج الزاني بعد الزني أم المزني بها و لا بنتها، و لا يتزوج المزني بها أبو الزاني و لا ابنه، بل لو كان الزني بعد الزواج قبل الدخول فالأحوط استحبابا ترتيب أثر الحرمة عليها، و مع منافاته لحقها يطلقها. أما إذا كان الزني بعد الزواج و الدخول فلا إشكال في عدم اقتضائه تحريم الزوجة.

(مسألة 84): يستثني من المسألة السابقة من زني بعمته أو خالته، فإن الأحوط وجوبا له أن لا يتزوج ابنتها. أما إذا كان الزني بعد الزواج بالبنت فإنه لا يحرمها، خصوصا إذا كان بعد الدخول بها، كما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 85): الظاهر عدم إلحاق وطء الشبهة بالزني في الاحتياط الوجوبي في المسألة السابقة. نعم يلحق به في الاحتياط الاستحبابي فيها و في المسألة التي قبلها. أما التقبيل و اللمس و النظر بشهوة و نحوها فلا يلحق بالزني حتي في الاحتياط الاستحبابي.

(مسألة 86): اللواط من الرجل موجب لحرمة أم الموطوء و أخته و بنته عليه فلا يجوز له أن يتزوج إحداهن، بل إن كانت إحداهن زوجة له قبل اللواط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 28

فالأحوط وجوبا له إذا تحقق اللواط ترتيب أثر الحرمة عليها، و مع منافاته لحقّها يطلقها. و إذا كان الواطئ صبيا فلا حرمة.

(مسألة 87): الأحوط استحبابا أن لا يتزوج ابن الواطئ أو الموطوء بنت الآخر.

(مسألة 88): يحرم التزويج دواما و

انقطاعا من المزوجة دواما و انقطاعا، و كذا من المعتدة من دون فرق بين أقسام العدة. و لو وقع الزواج كان باطلا.

(مسألة 89): من تزوج امرأة مزوجة حرمت عليه مؤبدا، إلا أن يكون جاهلا و لم يدخل بها لا قبلا و لا دبرا، فإنها لا تحرم عليه مؤبدا، بل له أن يجدد العقد عليها بعد أن تخرج عن حبالة زوجها و عن عدته.

(مسألة 90): المدار في عدم الحرمة المؤبدة علي جهل الزوج دون الزوجة، فلا تحرم عليه إذا كان جاهلا و إن كانت عالمة. و المتيقن منه الجهل بالموضوع- و هو أن لها زوج- أما الجهل بالحكم- و هو حرمة تزويج ذات الزوج- ففي كفايته في المنع من الحرمة المؤبدة إشكال.

(مسألة 91): من تزوج امرأة في عدتها حرمت عليه مؤبدا، إلا مع الجهل و عدم الدخول، نظير ما تقدم في المسألة السابقة. لكن لو كان أحدهما جاهلا و الآخر عامدا مع عدم الدخول تثبت الحرمة المؤبدة في حق العامد، و في ثبوتها في حق الجاهل إشكال. كما أنه لا فرق هنا في الجهل المانع من الحرمة المؤبدة بين الجهل بالموضوع و هو كونها في العدة، و الجهل بالحكم و هو حرمة التزويج في العدة.

(مسألة 92): إذا تزوج المرأة في العدة جاهلا و لم يدخل بها حتي خرجت من العدة ثم علم لم تحرم عليه مؤبدا، بل له تجديد العقد عليها. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 29

لو تزوج ذات الزوج جاهلا و لم يدخل بها حتي خرجت عن زوجية زوجها الأول و عن عدته. أما إذا دخل بها في عدته فالأحوط وجوبا حرمتها عليه مؤبدا، خصوصا إذا كانت العدة رجعية.

(مسألة 93): لا يصح

العقد علي المتوفي عنها زوجها قبل أن يبلغها الخبر. و لو حصل العقد حينئذ ففي جريان حكم تزوج المرأة في العدة- و هو الحرمة المؤبدة- إشكال، و الأحوط وجوبا العمل علي ذلك.

(مسألة 94): يجوز تزوّج الزانية و إن كانت معروفة بالزني. نعم يكره تزوجها لمن لم يعرف توبتها، و لو بأن يدعوها للحرام فتأباه.

(مسألة 95): يستحب لمن يريد أن يتزوج الزانية أن يستبرئها بحيضة خصوصا إذا كان هو الزاني بها، بل هو الأحوط- حينئذ- استحبابا. و أما إذا كانت حاملا فلا حاجة للاستبراء.

(مسألة 96): من زني بامرأة مزوجة- دواما أو متعة- فالأحوط وجوبا ترتيب أثر حرمتها مؤبدا، من دون فرق بين العلم بأنها مزوجة و الجهل بذلك.

و كذا إذا كانت معتدة عدة رجعية، دون غيرها من أقسام العدة.

(مسألة 97): إذا زنت المرأة المزوجة لم تحرم علي زوجها، نعم يستحب له استبراؤها بحيضة.

(مسألة 98): إذا تزوج المحرم بطل نكاحه، فإن كان عالما بحرمة التزويج عليه حرمت عليه مؤبدا، سواء دخل بها أم لم يدخل، و إن كان جاهلا لم تحرم عليه مؤبدا، سواء دخل بها أم لم يدخل. و الأحوط وجوبا جريان ذلك في المحرمة.

(مسألة 99): يحرم الجمع بين أكثر من أربع نساء بالزواج الدائم.

و يجوز ما زاد علي ذلك في الزواج المنقطع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 30

الثالث من أسباب التحريم: الرضاع.

و يشترط في الرضاع المحرم أمور.

الأول: أن يكون بالامتصاص من الثدي، و لا يكفي التغذي بحليب المرأة بطريق آخر.

الثاني: أن تكون الرضعة تامة، بحيث يمتلئ الرضيع و يشبع، و لا يكفي في التحريم الرضعة القليلة، لقلة لبن المرأة، أو لعدم تقبل الرضيع للرضاع مهما كثر العدد. نعم لا يضر الفصل القليل غير المعتد به الذي يكثر

حصوله في الرضعة الواحدة لانشغال الطفل بلعب قليل أو لتبديل الثدي أو نحوهما. و لا فرق في اعتبار الشرط المذكور بين الرضاع العددي و غيره من الوجوه الثلاثة الآتية.

الثالث: أن يكون خمس عشرة رضعة، أو يوما و ليلة، أو يشد العظم و ينبت اللحم و الدم بحيث يزيد نمو الطفل المرتضع به عرفا.

(مسألة 100): لا بد في التحريم في الخمس عشرة رضعة و باليوم و الليلة من التوالي بين الرضعات، بمعني عدم الفصل بين الرضعات برضاع امرأة غيرها. و كذا بغير الرضاع من طرق التغذية في اليوم و الليلة. بل هو الأحوط وجوبا في الخمس عشرة رضعة. و أما فيما يشد العظم و ينبت اللحم و الدم فلا يخل الفصل برضاع آخر فضلا عن غيره من طرق التغذية، إلا إذا كان الفاصل كثيرا بحيث لا يستند الإنبات و الاشتداد للرضاع عرفا.

(مسألة 101): لا بد في نشر الحرمة بالرضاع يوما و ليلة من إرضاع الطفل كلما احتاج للرضاع في المدة المذكورة، و لا يكفي حبسه علي الرضاع من امرأة خاصة من دون أن يكتفي به.

الرابع: أن يكون الرضاع من مرضعة واحدة بلبن فحل واحد، فلا حرمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 31

لو رضع الطفل تمام المقدار المذكور من امرأتين أو أكثر و إن كان لبنهن لفحل واحد، فلا يكون ولدا للفحل المذكور. كما لا حرمة لو رضع تمام المقدار المذكور من امرأة واحدة ملفقا من لبن فحلين- لو أمكن ذلك- فلا يكون ابنا للمرضعة المذكورة.

الخامس: أن يكون اللبن عن ولادة، فلو درّ لبن المرأة من دونها فأرضعت ولدا لم ينشر الرضاع المذكور الحرمة. و الأحوط وجوبا أن لا تكون الولادة من زني.

السادس: أن يكون قبل

بلوغ الطفل الرضيع سنتين. و الأحوط وجوبا أن يكون قبل فطامه أيضا، و قبل مضي سنتين من ولادة صاحبة اللبن.

(مسألة 102): إذا تحقق الرضاع بشروطه المتقدمة صار الرضيع ابنا للمرضعة و لصاحب اللبن، فيترتب علي ذلك ما يترتب علي بنوته لهما نسبا، فيصير أولادهما له إخوة و أخوات و آباؤهما له أجدادا و جدات و إخوتهما له أعماما و أخوالا و أخواتهما عمّات و خالات، و هكذا. و يترتب حينئذ أثر العلاقة الحاصلة من حيثية التحريم بها أو بالمصاهرة المترتبة عليها أو بالجمع المترتب عليها أو نحوها. فكما يحرم علي الرجل نكاح بنته الرضاعية يحرم عليه نكاح زوجة ابنه الرضاعي، و يحرم الجمع بين الأختين الرضاعيتين، و يحرم نكاح المرأة علي عمتها الرضاعية أو خالتها إلا بإذنها، و هكذا.

(مسألة 103): كما تتحقق بالرضاع العلاقة المحرمة بين المرتضع و من يتعلق بصاحب اللبن أو بالمرضعة بالنسب تتحقق بينه و بين من يتعلق بهما بالرضاع، فكما يحرم المرتضع علي آبائهما و أبنائهما و إخوانهما النسبيين يحرم علي آبائهما و أبنائهما و إخوانهما الرضاعيين. و يستثني من ذلك ما إذا أرضعت امرأة واحدة أطفالا من لبن فحولة مختلفين، فإن كلا منهم و إن صار ابنا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 32

لها فيحرم عليها و علي آبائها و إخوتها النسبيين و الرضاعيين، إلا أنه لا تحصل الاخوّة المحرّمة بين المرتضعين أنفسهم لاختلاف الفحل، بل يجوز النكاح بينهم. كما لا يحصل ما يترتب عليها من العلاقات المحرّمة، فكما لا يكون أحدهم أخا للآخر من الرضاعة لا يكون عما أو خالا لابنه أو بنته. نعم تتحقق الاخوّة المحرّمة بين ولدها الرضاعي و أولادها النسبيين حتي من كان منهم ولدا لغير

صاحب اللبن.

(مسألة 104): مما تقدم يظهر أن من وسائل تحليل نظر الرجل للمرأة الأجنبية أن يتزوج طفلة رضيعة فترضعها تلك المرأة بالشروط المتقدمة، فإنها تصير أم زوجته.

(مسألة 105): يحرم علي أبي المرتضع- و إن علا- أن يتزوج أولاد صاحب اللبن و أولاد أولادهم- مهما نزلوا- نسبيين كانوا أو رضاعيين، كما يحرم عليه أن يتزوج أولاد المرضعة النسبيين، دون أولادها الرضاعيين إذا رضعوا من لبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع ابنه من لبنه. و علي ذلك ينبغي الحذر من إرضاع الطفل من قبل جدته لأمه أو زوجة جده لأمه، لأن ذلك يوجب حرمة امه علي أبيه و بطلان نكاحهما، لأن النسبة الرضاعية كما تمنع من صحة النكاح لو كانت سابقه عليه توجب بطلانه لو حصلت بعده. أما إرضاعه من قبل جدته لأبيه فلا يوجب تحريم امه علي أبيه، غايته أنه يصير أخا لأبيه و لأعمامه و عماته فيحرم علي أولاد أعمامه لأنه يصير عما لهم بالرضاع و علي أولاد عماته لأنه يصير خالا لهم بالرضاع.

(مسألة 106): لا يحرم أولاد صاحب اللبن علي إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا معه.

(مسألة 107): يثبت الرضاع المحرّم بالعلم و بالبينة، و لا يثبت بدعوي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 33

المرأة الإرضاع، و لا بشهادة النساء و إن كنّ أربعا، إلا أن يحصل العلم من قولها أو من قولهن.

الرابع من أسباب التحريم: اللعان

، بشروطه المقررة التي يأتي الكلام فيها في آخر كتاب الطلاق.

(مسألة 108): يلحق باللعان قذف الزوج زوجته الخرساء و كل من لا تستطيع الكلام فإن ذلك يوجب حرمتها و إن لم تلاعن. و المتيقن من ذلك ما إذا تمت بقية شروط اللعان، و أما بدونها فلا يخلو التحريم عن إشكال.

الخامس: الطلاق

تسعا، علي ما يأتي في كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

السادس: الكفر، علي التفصيل الآتي.

(مسألة 109): لا يجوز نكاح المسلمة من الكافر مطلقا، كتابيا كان أو غيره.

(مسألة 110): لا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة غير الكتابية مطلقا دواما و متعة.

(مسألة 111): يجوز للمسلم أن يتزوج اليهودية و النصرانية دواما و متعة علي كراهة، خصوصا في الدوام و مع وجود المسلمة عنده أو تيسر الزواج بها.

(مسألة 112): يشترط في نكاح اليهودية و النصرانية علي المسلمة دواما إذن المسلمة في ذلك، و يكفي رضاها بالتزويج بعد وقوعه. و لا يشترط اذنها في التزويج بهما متعة.

(مسألة 113): يجوز نكاح المجوسية متعة علي كراهة أشد من نكاح اليهودية و النصرانية. أما نكاحها دواما فلا يخلو عن إشكال، و الأحوط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 34

وجوبا الترك.

(مسألة 114): الارتداد عن الإسلام قسمان.

الأول: الفطري، و هو ارتداد من ولد علي الإسلام إما من أب مسلم أو من أبوين مسلمين. و أما ولادته من أم مسلمة و أب كافر فيشكل حاله، و لا سيما و أن ذلك لا يتم بناء علي ما سبق من حرمة تزويج المسلمة من الكافر، إلا في وطء الشبهة أو في فروض نادرة. هذا و الظاهر أنه لا يشترط في المرتد الفطري أن يصف الإسلام بعد البلوغ، بل يكفي أن يولد علي الإسلام بالمعني المتقدم.

الثاني: الملي، و هو ارتداد من ولد علي الكفر ثم أسلم.

إذا عرفت هذا فإذا ارتد الزوج ارتدادا فطريا بانت منه زوجته، و وجب عليها أن تعتد منه عدة الوفاة، سواء كان قد دخل بها أم لم يدخل. أما إذا كان ارتداده مليا ففي بينونة زوجته منه إشكال، خصوصا إذا كان قد دخل بها.

نعم لا إشكال في أنها تعزل عنه و يمنع من الاستمتاع بها. كما لا إشكال في بينونتها منه بعد خروج العدة. و عدتها عدة الطلاق. نعم إن مات في أثناء العدة المذكورة فالأحوط وجوبا أن تعتد عدة المتوفي عنها زوجها.

(مسألة 115): إذا ارتدت الزوجة عن الإسلام، فإن صارت غير كتابية بانت من زوجها المسلم و بطل نكاحهما. و إن صارت كتابية فالظاهر عدم بينونتها، بل تبقي في حبالته، سواء دخل بها أم لم يدخل، و سواء كان ارتدادها فطريا أم مليا.

(مسألة 116): الارتداد و إن كان مبطلا للنكاح- علي التفصيل السابق- إلا أنه لا يمنع من النكاح المستجد بعده، لا في الرجل و لا في المرأة، بل إن بقي المرتد علي ارتداده لحقه حكم دينه الذي اختاره، و إن رجع إلي الإسلام لحقه حكم المسلم، فله نكاح المسلمة حتي زوجته الاولي بتجديد العقد عليها، من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 35

دون فرق بين الارتداد الفطري و الملّي.

(مسألة 117): الارتداد الفطري حده القتل إلا أنه بنفسه بمنزلة الموت موجب لميراث مال المرتد و صيرورته لورثته حين الارتداد. نعم لا مانع من تملكه مالا جديدا بعد ارتداده فيستقر له و لا يورث إلا بقتله أو بموته، أما الارتداد الملي فهو لا يوجب القتل إلا بعد أن يستتاب المرتد ثلاثة أيام و لا يورث ماله بارتداده بل بموته أو قتله.

(مسألة 118): إذا ارتدت المرأة لم تقتل بل تستتاب و تحبس و يضيق عليها و لا يورث مالها بالارتداد من دون فرق بين الارتداد الفطري و الملي.

(مسألة 119): لا بد في ترتب الأثر علي الارتداد من أن يكون المرتد بالغا عاقلا مختارا قاصدا.

(مسألة 120): إذا أسلم الزوجان الكافران

معا بقيا علي نكاحهما.

(مسألة 121): إذا كان الزوجان كافرين فأسلم أحدهما دون الآخر قبل الدخول بطل نكاحهما. و إن أسلم بعد الدخول لزم التربص فإن أسلم الآخر في مدة عدة الطلاق بقيا علي نكاحهما، و إن لم يسلم حتي خرجت العدة بطل نكاحهما. و يستثني من ذلك ما إذا أسلم الزوج و كانت الزوجة يهودية أو نصرانية، فإنها تبقي في عصمته و لا يبطل زواجهما، سواء أسلم قبل الدخول أم بعده، و سواء أسلمت بعده في العدة أم بقيت علي الكفر.

(مسألة 122): الأفضل للمؤمن أن يتزوج المؤمنة، و لا بأس أن يتزوج المستضعفة، و يكره له تزويج المخالفة غير المستضعفة. كما يكره تزويج المؤمنة من المستضعف، و أشد منه تزويجها من المخالف غير المستضعف.

و الأحوط وجوبا عدم نكاح الناصبي و الناصبية.

(مسألة 123): إذا خيف الضلال من نكاح المخالف أو المخالفة حرم و لم يبطل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 36

الفصل الخامس في زواج المتعة

و هو الزواج إلي وقت محدد، بحيث ينتهي به من دون حاجة للطلاق.

و قد ثبت تشريعه بإجماع المسلمين، و أجمع أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم أعز اللّه دعوتهم علي عدم نسخه، و تشهد بذلك الأخبار الكثيرة التي رووها هم و جمهور المسلمين.

(مسألة 124): لا بد في زواج المتعة من الإيجاب و القبول اللفظيين، علي نحو ما تقدم في الزواج الدائم. و يكفي فيه أن تقول المرأة للرجل: زوجتك نفسي إلي وقت كذا بمهر قدره كذا، فيقول الزوج: قبلت. أو يقول الرجل:

أتزوجك إلي وقت كذا بمهر قدره كذا، فتقول المرأة: قبلت. و يجزئ غير ذلك من الصور كما يظهر مما تقدم في الزواج الدائم.

(مسألة 125): يشترط في زواج المتعة ذكر المهر، فإن لم يذكر

بطل، و بذلك يختلف عن الزواج الدائم.

(مسألة 126): يشترط في زواج المتعة ذكر الأجل، فإن نسيا ذكره أو استحييا منه أو اكتفيا بالقصد إليه من دون تصريح به في العقد صار الزواج دائما.

(مسألة 127): الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء عن الأجل بتعيين عدد المواقعة كالمرة و المرتين. و لو حصل ذلك فالأحوط وجوبا الطلاق ثم تجديد العقد. نعم لا بأس باشتراط العدد زائدا علي الوقت، فيجعل الأجل يوما مثلا و يشترط العدد الخاص فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 37

(مسألة 128): لا بد من ضبط الأجل و تعينه، و لا يكفي الأجل المردد بين الأقل و الأكثر كقدوم المسافر، فلو وقع ذلك بطل و لم يقع متعة و لا دائما.

(مسألة 129): لا بد من تعيين الوقت، و لا يكفي تحديده من دون تعيين، كما لو تزوجها شهرا و لم يعينه، فإنه يبطل حينئذ و لا يقع متعة و لا دائما. بل الأحوط وجوبا أن يكون متصلا بالعقد، فلو اشترط شهرا معينا منفصلا عن العقد جدد العقد، و لا يقع دائما.

(مسألة 130): ليس في المتعة طلاق، بل تبين بانقضاء الأجل و بهبة المدة.

(مسألة 131): إذا عينا أجلا ثم أرادا الزيادة عليه فالأحوط وجوبا تجديد العقد بعد انتهاء الأجل أو هبة المدة، و لا يكفي اتفاقهما علي الزيادة بالأجر في أواخر الأجل قبل خروجه.

(مسألة 132): يجوز لولي الصغيرين تزويجهما متعة بمدة قليلة لا يكونان فيها قابلين للاستمتاع، بل لغرض آخر كالتحريم المترتب علي المصاهرة. نعم لا بد من عدم لزوم المفسدة أو التفريط في حق الصغيرين، كما تقدم في أولياء العقد.

(مسألة 133): يجوز لولي الصغير أن يهب المدة في زواج المتعة إذا كان ذلك صلاحا له.

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 38

الفصل السادس في العيوب و الشروط

النكاح عقد لازم، بل يمتاز عن كثير من العقود اللازمة بعدم إمكان فسخه بالتقايل، و لا بالاشتراط و لا بتخلف الشرط. نعم يثبت الخيار فيه في بعض الموارد الخاصة- علي ما يتضح في المسائل الآتية- و لا يتعدي عنها.

(مسألة 134): للزوجة الخيار في فسخ النكاح بجنون الزوج قبل العقد أو بعده و لو بعد الوطء.

(مسألة 135): للزوجة الخيار في فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن الوطء لعنن أو عمل شيطاني أو لكونه ممسوحا أو مجبوبا أو نحو ذلك. و إن وطأها مرة واحدة فلا خيار. و كذا إذا كان قادرا علي وطء غيرها من النساء، فإنه لا خيار لها ما دام قادرا علي غيرها، فإذا تجدد له العجز عن غيرها أيضا ثبت الخيار لها.

(مسألة 136): ليس للزوجة المبادرة للفسخ مع عجز الزوج عن الوطء، بل ترافعه للحاكم فيؤجله سنة، فإن قدر علي وطئها أو وطء غيرها فلا خيار، و إلا كان لها الخيار.

(مسألة 137): للزوجة الخيار في فسخ النكاح إذا كان الزوج خصيا حين العقد عليها.

(مسألة 138): إذا تزوجت المرأة الرجل علي أنه من قبيلة خاصة فبان من غيرها كان لها الخيار في فسخ العقد، سواء ظهر ذلك قبل الوطء أم بعده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 39

(مسألة 139): للزوج خيار فسخ النكاح بأحد أمور في زوجته.

الأول: الجنون.

الثاني: الجذام.

الثالث: البرص.

الرابع: كل عيب فيها مانع من وطئها أو موجب لصعوبته، كرتق موضع الوطء أو غدة فيه أو عليه أو لحمة أو عظم، بل حتي ضيق المسلك بنحو غير متعارف بحيث يعد عيبا.

الخامس: الإفضاء، و هو اتصال مخرج الحيض و الغائط و انخرام الحاجز ببينهما.

السادس: العمي، و هو فقد البصر،

و لو مع فتح العينين.

السابع: العرج.

الثامن: الزني.

و إنما توجب هذه الأمور الخيار إذا كانت قبل العقد، دون ما إذا كانت بعده قبل الوطء أو بعده.

(مسألة 140): لا فرق في ثبوت الخيار في عيوب الزوج و الزوجة بين الزواج الدائم و المنقطع.

(مسألة 141): ليس الخيار المذكور في عيوب الرجل و المرأة فوريا، بل لصاحب الخيار التراخي في ذلك و لا يسقط خياره إلا بإسقاطه أو بالرضا بالعقد بعد العلم بالعيب. نعم يكفي في الرضا من الزوج الوطء بعد العلم بالعيب. بل الأحوط وجوبا ذلك في الزوجة، فيكون تمكينها للزوج من الوطء بعد العلم بالعيب مسقطا للخيار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 40

(مسألة 142): الفسخ حلّ لعقد النكاح فيسقط به المهر و يسترجعه الزوج مع عدم الدخول إلا في العنن، فإن عليه معه نصف المهر، و كذا في الخصاء علي الأحوط وجوبا. و أما مع الدخول فإنها تستحق بسببه تمام المهر الذي جعله لها. لكن مع التدليس و الغش يكون له الرجوع بالمهر علي من دلسها، و إن كانت هي المدلّسة استرجعه منها. أما مع عدم التدليس منها و لا من غيرها فلا يرجع به.

(مسألة 143): إذا تزوج امرأة علي أنها بكر فبانت ثيبا فليس له الخيار في فسخ العقد، نعم ينتقص من المهر بنسبة التفاوت بين مهر البكر و الثيب، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا ثبت أن ارتفاع بكارتها بسبب وطء سابق، دون ما إذا كان بسبب آخر أو احتمل ذلك. و لا ينتقص المهر في غير ذلك من العيوب.

(مسألة 144): لا يثبت الخيار بسبب المرض المعدي أو نحوه في أحد الزوجين، سواء كان قبل العقد أم بعده، نعم إذا خاف الآخر من

الضرر جاز له اعتزال المريض بالمقدار الذي يندفع به احتمال الضرر، فإن كان المعتزل حينئذ هو الزوجة لم تسقط نفقتها، و إن كان هو الزوج لم يجب عليه الطلاق الرافع لحقوق الزوجية، إلا أن يلزم الضرر علي الزوجة من الاعتزال، فالأحوط وجوبا حينئذ للزوج الطلاق إذا لم يؤد لها حقوقها.

ثم إن ما سبق يختص بما إذا لم يعلم أحد الزوجين بمرض الآخر حين العقد و لم يقدم علي ذلك، أما إذا علم به و أقدم عليه فاللازم عليه القيام بحقوق الزوجية للآخر و إن لزم الضرر، إلا أن يكون الضرر شديدا يحرم إيقاعه بالنفس فيجب تجنبه بالاعتزال.

(مسألة 145): إذا تزوج المريض امرأة توقفت صحة زواجه علي دخوله

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 41

بها، فإن دخل بها صح زواجه و ترتبت عليه جميع الآثار، و إن لم يدخل بها بطل زواجه و لم يترتب عليه الأثر، فلا ميراث بينهما و لا مهر و لا عدة.

و المعيار في المرض ما يظهر و يصدق به أنه مريض عرفا، دون الأمراض الكامنة التي لا مظهر لها و لا يدركها إلا الأطباء بطرقهم الخاصة.

(مسألة 146): إذا كانت المرأة مريضة صح الزواج منها و لو مع عدم الدخول.

(مسألة 147): تخلف الشرط في عقد النكاح و إن لم يوجب الخيار في فسخه كما تقدم، إلا أنه يجب الوفاء بالشرط الواجد للضوابط المتقدمة في مبحث الشروط من كتاب البيع. و لا يجب الوفاء به بدونها من دون أن يوجب ذلك بطلان العقد.

(مسألة 148): إذا اشترطت الزوجة في العقد أن لا يطأها أو أن لا يخرجها من بلدها أو من بيتها وجب علي الزوج الوفاء بذلك إلا أن تتنازل عن شرطها.

(مسألة 149): إذا

اشترطت الزوجة علي الزوج في العقد أن لا يتزوج عليها وجب الوفاء بالشرط، بل لو تزوج بطل زواجه إلا أن ترضي به و لو بعد ذلك.

(مسألة 150): إذا اشترطت الزوجة علي الزوج في عقد النكاح أو في عقد آخر أن يطلقها في حال خاص- من مرض أو سفر أو غيرهما- نفذ الشرط و وجب الوفاء به، و كذا لو اشترطت عليه أن لا يطلقها فإنه لا يصح منه الطلاق حينئذ.

(مسألة 151): إذا اشترطت عليه أن يوكلها علي طلاق نفسها في أي وقت شاءت، أو في حال خاص- كمرض أو سفر طويل أو سجن أو غير ذلك وجب عليه أن يوكلها. و إذا اشترطت عليه مع ذلك أن لا يعزلها لم يصح منه عزلها، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 42

يصح ضم التوكيل لعقد النكاح مشروطا بعدم العزل، كما لو قالت: زوجتك نفسي و جعلت نفسي وكيلة عنك في طلاقي منك علي أن لا تعزلني، فقال:

قبلت. فإنها تصير زوجة له و وكيلة عنه بلا حاجة للتوكيل ثانيا، و حينئذ يصح طلاقها لنفسها. نعم لا يجوز أن تشترط عليه أن بيدها الطلاق، بحيث يكون وقوع الطلاق و عدمه منوطا بها لا به، بل يبطل الشرط المذكور.

الفصل السابع في المهر

و هو كل شي ء له مالية و يحل التكسب به، و إن قلّ، عينا كان أو دينا أو منفعة، كخياطة الثوب و تعليم القرآن. و أما ما لا يحل التكسب به، كالخمر و الخنزير و آلات اللهو و المنافع المحرمة، فلا يصح جعله مهرا.

(مسألة 152): لا بد من جعل المهر ملكا للزوجة في العقد، فإن جعل لغيرها من أب أو أخ أو غيرهما بطل النكاح، و كذا لو اشترط الولي

شيئا له من مهرها. نعم لها أن تشترط هي شيئا لغيرها غير المهر زائدا عليه.

(مسألة 153): لا يصح نكاح الشغار، و هو: أن يتزوج شخصان امرأتين علي أن يكون مهر كل منهما زواج الأخري، مثل أن يزوج الرجل أخته من رجل علي أن يزوجه ذلك الرجل أخته. و هو من أنكحة الجاهلية. و أما إذا اشتمل الزواج علي المهر و اشترط فيه زواج آخر، فالزواج صحيح و الشرط باطل إلا أن يرضي به الزوجان الآخران.

(مسألة 154): لا بد في الزواج من المهر، و إن ابتني علي عدم المهر بطل، أما لو أهملا ذكره في العقد من دون أن يبتني علي عدمه فإن كان العقد منقطعا بطل أيضا كما تقدم، و إن كان دائما صح، لكنها تستحق مهر المثل بالدخول،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 43

فإن طلقها قبل الدخول كان عليه المتعة، و ذلك بأن يعطيها شيئا علي حسب حاله من حيثية الغني و الفقر. و الأولي مع ذلك مراعاة حالها أيضا فلا يدفع لها ما لا يناسب شأنها. و الأحوط وجوبا ثبوت المتعة أيضا بموت أحدهما قبل الدخول، فلا بد من التصالح.

(مسألة 155): إذا كان طلاق غير المدخول بها التي لم يسمّ لها مهر خلعيا فلا متعة لها، و في المبارأة إشكال.

(مسألة 156): من تزوج امرأة علي حكم أحدهما، فإن كان العقد منقطعا بطل، و إن كان دائما صح، و حينئذ إن كان الحكم للزوج ثبت للزوجة ما يحكم به الزوج قلّ أو كثر، و إن كان الحكم للزوجة لم يكن لها أن تتجاوز مهر السنة.

فإن مات أحدهما قبل الحكم و قبل الدخول فلا حكم حينئذ، بل تستحق المتعة إن كان الميت هو الحاكم،

بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. و إن كان بعد الدخول، فإن كان الميت هو الحاكم استحقت مهر المثل، و إن كان الميت هو الآخر كان للحاكم أن يحكم علي التفصيل المتقدم، فينفذ حكمه، و كذا ينفذ حكمه لو كان الموت بعد الحكم مطلقا.

(مسألة 157): تملك المرأة المهر بالعقد، و إطلاقه يقتضي التعجيل فلها حينئذ المطالبة به كاملا، بل لها الامتناع من تسليم نفسها حتي تقبضه، سواء كان الزوج موسرا أم معسرا. لكن لو دخل الزوج بها قبل التسليم لم يكن لها الامتناع بعد ذلك من أجل أن تستلمه، فلو امتنعت حينئذ كانت ناشزا. نعم يجب علي الزوج حينئذ تسليمه مع مطالبتها به و قدرته عليه، كسائر الديون.

(مسألة 158): يجوز اشتراط التأجيل في المهر، فإن ابتني التأجيل علي تأجيل تسليم نفسها تبعا للمهر كان لها الامتناع من تسليم نفسها قبل الأجل و بعده حتي تستلم المهر، و لا تكون فائدة التأجيل حينئذ إلا عدم استحقاقها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 44

المطالبة بالمهر قبل الأجل. و إن لم يبتن علي ذلك- بأن يكون الغرض من المهر المؤجل التوثق لبقاء الزواج أو لمجرد تكريم المرأة بتكثير مهرها كما يتعارف في عصورنا- فليس للمرأة الامتناع من تسليم نفسها من أجل قبض المهر، سواء طلب الزوج إدخالها عليه قبل الأجل أم لم يطلبه حتي حلّ الأجل.

(مسألة 159): مع إطلاق التأجيل في المهر- بتمامه أو في بعضه- من دون ذكر أجل لا تستحق تسليم المهر إلا بالطلاق أو الموت، و يجوز للزوج التعجيل بأدائه. و مع تعيين الأجل يتعين العمل عليه، إلا أن يراد استحقاق التأجيل ما دامت عنده، كما هو غير بعيد في زماننا، و حينئذ يجب تسليمه بالطلاق

و إن حصل قبل الأجل، كما يحل بالموت مطلقا.

(مسألة 160): يكفي تعيين الأجل في الجملة، مثل ورود المسافر و وضع الحمل، و لو كان مبهما بحتا سقط الأجل و كان معجلا.

(مسألة 161): يسقط نصف المهر في الزواج الدائم بالطلاق قبل الدخول، و بموت أحد الزوجين قبله. و يستقر تمامه بالدخول و لو دبرا، و لا يقوم مقامه إزالة البكارة بغير الوطء. نعم يثبت مع إزالة بكارتها بغير إذنها مهر المثل، فإن دخل بها بعد ذلك أو قبله ثبت تمام المهر المسمي أيضا. و كذا يثبت مهر المثل علي غير الزوج لو أزال بكارة المرأة بغير إذنها.

(مسألة 162): في الزواج المنقطع لا يسقط شي ء من المهر بانقضاء الأجل أو الموت قبل الدخول، و في سقوط نصفه بهبة المدة قبل الدخول إشكال. نعم إذا أخلت بتمكين نفسها من الوطء بعض المدة مع طلبه منها أو شرطه عليها سقط من المهر بالنسبة، سواء كان الإخلال لعذر أم لا. و يستثني من ذلك أيام الحيض أو النفاس أو الإحرام أو نحو ذلك مما يحرم فيه الوطء. هذا إذا كان الغرض المهم من الزواج هو الوطء، أما إذا كان الغرض بقية الاستمتاعات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 45

فالإخلال بها بعض المدة موجب لنقص المهر و إن صادف أيام الحيض مثلا.

و المدار في تبعيض المهر علي تبعيض مدة الحضور، لا علي التبعيض في وجوه الاستمتاع.

(مسألة 163): إذا دفع الزوج للزوجة شيئا عوضا عن مهرها ثم طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما رجع نصف المهر المسمي، لا نصف ما دفعه لها.

(مسألة 164): إذا أبرأت الزوجة الزوج من مهرها أو من بعضه ثم طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما كان عليها نصف

المهر. و كذا إذا قبضت المهر ثم تلف عندها و طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما.

(مسألة 165): إذا كان المهر عينا فقبضتها ثم زادت عندها أو نقصت و طلقها أو مات أحدهما قبل الدخول رجع نصف قيمتها بلحاظ حالها حين قبضها. أما إذا زادت القيمة السوقية أو نقصت من دون تغيير في العين فاللازم دفع نصف العين و إن اختلفت القيمة.

(مسألة 166): إطلاق عقد النكاح يقتضي ثبوت المهر في ذمة الزوج.

و يمكن أن يتحمله عنه غيره بأن يشترط ذلك في العقد. بل إذا زوج الأب ولده الصغير و لم يكن للولد مال كان المهر علي الأب و إن لم يشترط ذلك في العقد.

(مسألة 167): إذا تحمل غير الزوج المهر فطلق الزوج أو مات أحد الزوجين قبل الدخول لم يرجع نصف المهر للزوج، بل لمن تحمله. و كذا إذا كان المهر علي الزوج فتبرع به غيره عنه.

(مسألة 168): من وطأ امرأة شبهة بعقد فاسد قد اشتمل علي المهر كان عليه ذلك المهر، فإن لم يشتمل العقد علي المهر كان عليه مهر المثل، و كذا عليه مهر المثل إذا وطأها شبهة بغير عقد. نعم إذا كان مغرورا كان له الرجوع علي من غره. و إن كانت هي التي خدعته سقط مهرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 46

(مسألة 169): لا يثبت للمرأة شي ء من المهر بالعقد الفاسد من دون وطء. نعم في عقد الفضولي من دون وطء يحتمل ثبوت نصف المهر المسمي علي الفضولي لا علي الزوج، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 170): لا يثبت شي ء مع الزني من دون شبهة. و المعيار في الزني و الشبهة علي الزوجة لا علي الزوج.

(مسألة 171): من وطأ امرأة مكرها لها كان

عليه مهر المثل لها.

(مسألة 172): الهدايا التي تتعارف في عصورنا لكل من الزوجين بمناسبة الزواج لا يلحقها حكم المهر، بل يلحقها حكم الهبة، فتلزم إذا كان المهدي رحما أو عوضت الهدية أو تصرف المهدي له فيها تصرفا مغيرا لصورتها، علي ما تقدم توضيحه في كتاب الهبة. و لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول. نعم لا يبعد ابتناء هبة النيشان و بعض الملابس التقليدية علي عدم الطلاق قبل الدخول، بحيث يكون مشروطا بذلك ارتكازا، فإن تمّ ذلك تعيّن ثبوت الخيار لدافع الأمور المذكورة بحصول الطلاق قبل الدخول حتي مع حصول أحد الملزمات.

(مسألة 173): يكره زيادة المهر، حتي ورد عنهم عليهم السّلام أن من بركة المرأة قلة مهرها و من شؤمها كثرة مهرها. كما يكره الزيادة علي مهر السنة، و هو خمسمائة درهم فضة، تكون ألفا و أربعمائة و سبعة و ثمانين غراما و نصفا من الفضة تقريبا.

(مسألة 174): إذا وقع العقد الشرعي علي مهر خاص، و أعلن مهر آخر أو ثبت عند تسجيل الزواج في المحكمة كان الثابت هو المهر الذي وقع عليه العقد، و يحرم العمل علي غيره.

(مسألة 175): يكره الدخول بالمرأة قبل دفع شي ء لها من مهرها، أو هدية خارجة عن المهر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 47

الفصل الثامن في القسمة و النشوز

(مسألة 176): تستحق الزوجة الدائمة علي الزوج المبيت عندها في كل ليلة من أربع ليال، سواء كان عنده غيرها أم لم يكن. و لا تستحق ذلك المتمتع بها.

(مسألة 177): المبيت الواجب هو المبيت المبني علي الإيناس و حسن المعاشرة بالوجه المتعارف، و لا يكفي ما يبتني منه علي الهجر و الإعراض و النفرة.

(مسألة 178): يجوز لمن كان عنده أكثر من امرأة أن يفضل بعض نسائه علي

بعض في المبيت و المواقعة و النفقة بما يزيد عما تستحقه منه من دون أن ينقص الأخري عن حقها. فمن كان عنده زوجتان جاز له أن يبيت عند إحداهما ثلاث ليال و عند الأخري ليلة واحدة. إلا أن يكنّ أربعا فلا مجال للتفضيل في المبيت.

نعم يكره له تفضيل بعضهن، بل ينبغي له أن يجهد في العدل بينهن في جميع الأمور عدا الميل النفسي الذي قد يخرج عن الاختيار. و قد حكي عن بعض الأكابر ممن كان له نساء أربع أنه كان يقول: إن إحداهن في نفسي كالعقرب و لا يستطعن أن يعرفن من هي.

(مسألة 179): إنما يجب المبيت مع الحضور في البلد، و يجوز السفر و ترك المبيت عند الزوجة. إلا أن يخرج السفر عن المتعارف في كثرته و يبتني علي إهمال حق المرأة عرفا بنحو ينافي المعاشرة بالمعروف، فالأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 48

إرضاؤها حينئذ. كما أن الأحوط وجوبا مع تعدد النساء المحافظة علي الدورة عند الرجوع، فيبدأ بصاحبة النوبة عند حصول السفر.

(مسألة 180): إذا كان الزوج ممن لا يتسني له المبيت في بيته لعمل يتعيش به أو نحوه ففي سقوط حق الزوجة في القسمة إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح معها. و مع الاضطرار لذلك و إبائها فالأحوط وجوبا تعويضها بالصيرورة عندها في النهار.

(مسألة 181): إذا كانت الزوجة أمة أو كتابية كان لها ليلة من ثمان.

(مسألة 182): من تزوج امرأة جاز له تفضيلها عند إدخالها عليه بأن يبقي عندها ثلاث ليال، بل إن كانت بكرا جاز له أن يزيدها إلي سبع ليال.

(مسألة 183): للمرأة أن تتنازل عن ليلتها رغبة عنها، و زهدا فيها- لملل أو نحوه- أو تجنبا لمحذور- كالطلاق- أو تعرضا

لأمر ترغب فيه كزيادة النفقة أو الإذن في الخروج أو نحو ذلك. و لها العدول عن ذلك بعد صدوره منها، إلا أن يلزمها بشرط أو عقد لازمين.

(مسألة 184): أن تنازلت الزوجة عن ليلتها لزوجها كان له أن يقضيها حيث شاء، و إن تنازلت عنها لضراتها أجمع دخلت في قسمتهن، فإذا كنّ ثلاثا مثلا كان لكل منهن ليلة من ثلاث، و إن تنازلت عنها لواحدة بعينها اختصت بها، فتكون لها ليلتان. لكن التنازل في الأخيرين لا ينفذ علي الزوج إلا أن يرضي به، و لو رضي به كان له العدول إلا أن يلزمه بشرط أو عقد لازمين.

(مسألة 185): تستحق الزوجة علي الزوج الوطء في القبل في كل أربعة أشهر، من دون فرق بين الشابة و غيرها. و الظاهر عدم كفاية مسمي الوطء، بل ما يتعارف الإتيان به لإشباع الحاجة الجنسية. و في عموم ذلك للمتمتع بها إشكال، و إن كان أحوط وجوبا. كما تستحق عليه أيضا النفقة، علي ما يأتي في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 49

الفصل العاشر إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 186): إذا ترك الزوج وطء زوجته أربعة أشهر مغاضبا لها رفعت أمرها للحاكم الشرعي فيلزمه بأحد أمرين: الوطء أو الطلاق، نظير ما يأتي في الإيلاء. أما لو ترك وطأها من دون مغاضبة بل لعجز أو سفر أو نحوهما ففي رجوعها للحاكم الشرعي إشكال و الأظهر العدم.

(مسألة 187): يجب علي الزوجة التمكين من الاستمتاعات- عدا الوطء في الدبر- و إزالة المنفر، بل التهيؤ و التطيب و التزين بما يهيؤه الزوج لها و يطلبه منها.

(مسألة 188): يحرم علي الزوجة الخروج من منزل زوجيتها إلا بإذن زوجها أو بإحراز رضاه، إلا أن تضطر لذلك للتداوي أو

نحوه مما تتضرر بتركه أو يتوقف عليه أداء واجب كحجة الإسلام. أما لو أخرجها عن منزل زوجيتها فذهبت إلي منزل آخر فالظاهر جواز خروجها حينئذ منه بغير إذنه.

(مسألة 189): للزوجة أن تعمل ما شاءت من غير إذن الزوج في بيتها من الأعمال التي تتكسب بها و غيرها ما لم يناف حق الزوج في الاستمتاع أو يوجب التعدي علي ملكه.

(مسألة 190): إذا نشزت الزوجة فلم تؤد للزوج حقه كان له وعظها، فإن لم ينفع هجرها في المضجع بأن يوليها ظهره و يعرض عنها، فإن لم ينفع ضربها من دون إدماء لحم و لا كسر عظم.

(مسألة 191): إذا نشز الزوج لم يكن للزوجة النشوز معه و الامتناع عن أداء حقه، نعم لها أحد أمرين.

الأول: أن ترفع أمره للحاكم الشرعي، فيلزمه بأداء الحق، و مع امتناعه له تعزيره. كما أن له إلزامه بالطلاق إذا طلبته الزوجة، فإن امتنع طلق عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 50

الثاني: أن تتنازل عن بعض حقوقها كالمبيت و نحوه، تأليفا له و تجنبا لتفاقم الأمر حذرا من الطلاق.

(مسألة 192): إذا وقع الشقاق بين الزوجين و التنافر بينهما فالأولي عدم التسرع في الطلاق و عدم إهمال الأمر حتي يتفاقم الشر، بل يختار كل منهما حكما عنه، و إن أمكن أن يكون من أهله فعل، و لينظر الحكمان في مشكلتهما و ليجهدا في تقريب و جهات النظر و الإصلاح، مع صدق النية منهما في ذلك، فإن تعذر ذلك لم يكن لهما اختيار البذل و الطلاق إلا مع تحقّق شروط الخلع أو المبارأة و رضا الزوجين به أو عموم وكالتهما له، و مع اتفاق الحكمين عليه.

(مسألة 193): حيث جعل اللّه سبحانه القيمومة للزوج فالمنتظر منه

القيام بما يناسب ذلك من مقتضيات الحكمة، و ذلك بسعة الصدر و محاولة تخفيف الأزمة و استيعاب المشاكل و التروي في حلها و الصبر علي الأذي، و التسامح عن الخطأ و غفران الزلل و تجنب الغضب و الضجر و اللجاجة و الحرص و نحوها من وسائل الشيطان الرجيم مستعينا باللّه تعالي و مستمدا منه التوفيق و التسديد.

كما ينبغي للمرأة أن تعرف موقعها و تتحمل مسئوليتها و لا تنسي أن جهادها الذي أراده اللّه تعالي منها حسن التبعل و محاولة إرضاء الزوج و التجاوب معه، فإنه أعظم حقا عليها من كل أحد، حتي ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». و ما جعل اللّه سبحانه كلّا من الزوجين في موقعه و أدبه بأدبه إلا حفاظا علي كيان العائلة و محاولة لإسعاد أفرادها و راحتهم، فعليهما شكر ذلك و تحمل المسؤولية الملقاة علي عاتقهما، و الحذر من نزغات الشيطان الرجيم و تسويلات النفس الأمارة بالسوء، و تجنب الاندفاع في سورة الغضب و الانفعال، حيث قد يصلان بذلك إلي ما لا تحمد عقباه و لا يمكن تلافيه، و اللّه سبحانه من وراء القصد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 51

الفصل التاسع في أحكام الأولاد

يلحق الولد بصاحب النطفة التي انعقد منها، سواء كان الانعقاد عن طريق الوطء أم بدونه، كما لو سال مني الرجل فدخل فرج المرأة، أو أدخل بآلة، أو لقحت بويضتها بحيمن الرجل خارج الرحم ثم أدخلت البويضة في الرحم، أو غير ذلك.

(مسألة 194): توصل العلم الحديث إلي تلقيح بويضة المرأة بحيمن الرجل خارج الرحم ثم زرعها في رحم امرأة أخري فتحضنها حتي يستكمل الجنين نموه

فتلده. و في إلحاق الولد حينئذ بصاحبة البويضة أو بالحاضنة التي حملته وجهان أقربهما الأول. و كذا يلحق بصاحبة البويضة لو فرض استكمال نموه خارج الرحم في حاضنة صناعية. و إن كان الظاهر أن ذلك فرض مجرد لا واقع له الآن.

(مسألة 195): يجوز تلقيح بويضة المرأة بنطفة زوجها، من دون فرق بين تلقيحها في الرحم- بطريق الوطء أو بإدخال المني من دون وطء- و تلقيحها خارج الرحم. و أما تلقيحها بنطفة أجنبي فهو حرام إذا كان التلقيح في الرحم بطريق الوطء المحرم أو بمجرد إدخال المني، بل الأحوط وجوبا تركه مطلقا و إن كان التلقيح خارج الرحم، إذا استتبع دخول البويضة بعد التلقيح في الرحم. بل مطلقا، إلا أن لا يستتبع التلقيح تكوّن آدمي، بل كان لمحض التجارب العلمية في مرحلة بدائية.

(مسألة 196): الأحوط وجوبا عدم حضن المرأة بويضة ملقحة بنطفة غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 52

زوجها، سواء كانت البويضة لها أم لغيرها، و يجوز حضنها لبويضة ملقحة بنطفة زوجها، سواء كانت البويضة لها أم لغيرها، كما لو كان للرجل زوجتان فاستخرجت بويضة إحداهما و لقحت بحيمنه ثم أودعت رحم الأخري.

(مسألة 197): لما كان استخراج البويضة و إرجاعها للرحم مستلزما لكشف العورة للأجنبي و مسها غالبا فهو محرم من هذه الجهة، و لا يحل إلا بمبرر يبلغ حد الحرج أو الضرر. و كذا الحال لو توقف التلقيح علي الاستمناء من الرجل.

(مسألة 198): قد سبق المعيار في إلحاق الولد بالرجل و المرأة و حينئذ تترتب مع المعيار المذكور جميع آثار الأبوة و الأمومة، كحرمة النكاح و جواز النظر و النفقة و الميراث و غير ذلك. و يستثني من ذلك التوارث، فلا يترتب مع الانتساب

بسبب الزني و هو وطء المرأة من دون زواج و لا ملك يمين و لا اشتباه بأحدهما.

(مسألة 199): إذا كان الوطء عن شبهة من أحد الطرفين دون الآخر تمّ التوارث بين الولد و الطرف الذي حصل الاشتباه له، دون الطرف الآخر الذي لا شبهة منه، بل كان وطؤه زناء.

(مسألة 200): إذا حملت المرأة من الزني لم ينفع زواجها من الواطئ في ارتفاع حكم الزني فلا يترتب التوارث بين الزاني و الولد.

(مسألة 201): قد سبق حرمة تلقيح بويضة المرأة بنطفة الرجل الأجنبي عمدا؟ و حينئذ هل يترتب معه حكم الزني في عدم التوارث بين الطفل و المتعمد للتلقيح المحرم؟ إشكال. فاللازم الاحتياط.

(مسألة 202): هل تلحق النفقة بالتوارث في الاستثناء المتقدم مع الزني؟

إشكال. فاللازم الاحتياط أيضا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 53

(مسألة 203): إذا علم بأن الولد قد انعقد من حويمن الرجل فلا إشكال، و إن لم يعلم فإذا حملت الزوجة الدائمة أو المنقطعة الحق الحمل بالزوج بشروط.

الأول: وطؤه لها وطء يحتمل كونه سببا للحمل، أو ما يقوم مقامه، كإراقته المني علي فرجها بنحو يحتمل دخوله في رحمها و تلقيحها به.

الثاني: ولادة الحمل تاما- بحيث تستقر فيه الحياة- بعد ستة أشهر من الوطء المذكور أو ما الحق به، فلو ولد لأقل من ستة أشهر و عاش فهو ليس له.

الثالث: عدم تجاوز أقصي الحمل، و هو سنة قمرية علي الأظهر. فمع تحقق الشروط المذكورة يحرم علي الأب نفي الولد.

(مسألة 204): إذا اعترف الزوج بتحقق الأمور المذكورة لم يقبل منه نفي الولد. أما إذا لم يعترف بها فله نفي الولد إذا كانت المرأة التي حملت بالولد زوجة متمتعا بها أو أمة، و كذا إذا كانت زوجة دائمة لم

يثبت دخوله بها. أما إذا ثبت دخوله بها فلا يقبل منه نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه، كاعتزالها أو غيبة طويلة عنها أو نحو ذلك.

(مسألة 205): إذا ادعي عدم الدخول فالقول قوله بيمينه إلا أن تقيم الزوجة البينة علي أنه اختلي بها خلوة يمكن معها الدخول عادة.

(مسألة 206): إنما يلحق الولد بالزوجين- مع الشروط المتقدمة- إذا تصادقا علي أن الزوجة قد حملت به، أو ثبت ذلك بالعلم أو البينة، و لا يلحق بدون ذلك، كما إذا ولدت الزوجة في المستشفي مثلا، فدفع لها ولد و احتملت هي أو الزوج أن الذي ولدته طفل آخر.

(مسألة 207): إذا طلقت المرأة ثم ولدت قبل مضي مدة أكثر الحمل من طلاقها الحق الولد بزوجها مع تحقق الشروط المتقدمة فيه. هذا إذا لم تتزوج أما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 54

إذا تزوجت قبل ولادتها فسيأتي الكلام فيه.

(مسألة 208): إذا طلقت الزوجة الدائمة أو انقضي أجل المتمتع بها فاعتدت و تزوجت ثم ولدت ولدا تاما لستة أشهر فما زاد من زواجها الثاني الحق الولد بزوجها الثاني مع تحقق الشروط المتقدمة فيه. و إن ولدت لأقل من ستة أشهر منه، أو لم تتحقق الشروط المتقدمة فيه لم يلحق الولد به، و حينئذ إن لم تمض مدة أكثر الحمل لخروجها عن زوجية الأول ألحق الولد بزوجها الأول مع تحقق الشروط المتقدمة فيه، و انكشف أن الزواج الثاني في عدة الأول فتحرم علي الثاني مؤبدا إن كان قد دخل بها. و إن مضت مدة أكثر الحمل لخروجها عن زوجية الأول أو لم تتم الشروط المتقدمة فيه لم يلحق الولد به أيضا.

(مسألة 209): إذا وطأ الرجل

المرأة شبهة الحق الولد به مع تحقق الشروط المتقدمة فيه، إلا أن تكون المرأة مزوجة أو في العدة الرجعية، فإنه إن علم بلحوق الولد بالواطي أو بالزوج عمل به، و إن تردد بينهما يقرع بينهما و يعمل علي مقتضي القرعة.

(مسألة 210): المراد بوطء الشبهة هنا هو الوطء عن شبهة من جانب الرجل الواطئ، و إن كانت المرأة الموطوءة زانية لعلمها بالحال.

(مسألة 211): إذا تردد الولد بين الزوج و الزاني الحق بالزوج.

(مسألة 212): إذا تردد الولد بين اثنين أقرع بينهما و عمل علي مقتضي القرعة، كما إذا ولدت زوجتان لزوجين و اشتبه ولد كل منهما بولد الآخر، أو ولدت زوجتان لرجل واحد و اشتبه ولد كل منهما بولد الأخري، أو وطء رجلان امرأة شبهة أو كان أحدهما زوجها و أمكن إلحاق الولد بكل منهما إلي غير ذلك. نعم إذا كان أحدهما زانيا و الآخر صاحب فراش- و لو لكونه واطئا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 55

بشبهة- كان الترجيح للثاني و الحق به الولد من دون حاجة للقرعة.

(مسألة 213): يقبل من الرجل الإقرار بالولد الذي يولد من امرأة هي فراش له، و كذا من امرأة يتصادق معها علي أنها فراش له، سواء سبق منه نفيه عنه أم لا. نعم إذا سبق منه نفيه عنه الزم بنفيه في حق نفسه، لا في حق الولد، فيرثه الولد و يجب عليه نفقته و لا يرث هو الولد و لا يجب علي الولد نفقته. هذا و إذا أقر بالولد في فرض كون امه فراشا له فليس له بعد ذلك نفيه حتي باللعان.

كما لا يسمع من الولد الانتفاء منه إلا بالبينة. هذا كله مع احتمال صدقه في الإقرار بالولد. أما مع

العلم بكذبه به لخروجه عن الضوابط المتقدمة في لحوق الولد بأبيه فلا أثر للإقرار المذكور.

(مسألة 214): إذا أقر بولد امرأة لم يثبت كونها فراشا له فلا يقبل الإقرار و لا تثبت بنوة الولد إلا مع كون الولد تحت يده و في حوزته، إذا لم يكن هناك ما يوجب الريب في صدقه، و يكفي في الريب تكذيب الولد له إذا كان مميزا يدرك معني التكذيب. و كذا الحال في المرأة فإنه يقبل منها دعوي بنوة الولد الذي هو في حوزتها مع عدم ما يوجب الريب في صدقها. بل الظاهر جريان ذلك في جميع الأرحام. نعم إذا كبر الطفل و أنكر النسب- مدعيا العلم أو قيام الحجة علي نفيه- ففي إلزامه به إشكال، بل منع في جميع الفروض المتقدمة.

(مسألة 215): إذا تصادق شخصان كبيران علي نسب بينهما- كالبنوة و الاخوة و العمومة و الخؤولة و غيرها- و استمرا علي ذلك و لم يرجعا عنه و لم يكن هناك من يكذبهما فيه- مدعيا العلم بذلك أو قيام الحجة عليه- ثبت النسب المدعي بينهما و ترتب أثره من ميراث أحدهما من الآخر أو ممن يتقرب به و ميراث الآخر و من يتقرب به منه إلي غير ذلك من آثار النسب. نعم في ثبوت لازم النسب المدعي إشكال، كما لو تصادقا علي الاخوة، حيث يشكل البناء علي كون أحدهما ولدا لأب الآخر ليرث منه مع بقية أولاده أو ابن أخ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 56

لعمه، فلا يترك الاحتياط، خصوصا إذا كان للمورث ورثة آخرون.

(مسألة 216): يثبت النسب بالبينة، و لا يثبت بشهادة رجل و امرأتين و لا بشاهد و يمين حتي بالإضافة إلي الميراث علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 217):

من ادعي نسبا لا تنهض دعواه بإثباته لإخلاله بالشروط المتقدمة يلزم بالحقوق المترتبة عليه بمقتضي النسب الذي يدعيه أخذا له بإقراره إذا تمت شروط الإقرار.

(مسألة 218): يحرم علي الرجل و المرأة تبني طفل لم يتولد منهما و لم يحكم عليه شرعا بأنه لهما، و لا أثر للتبني المذكور شرعا في وجوب النفقة أو حرمة النكاح أو الميراث أو غيرهما من أحكام البنوة. و قد ألغي الإسلام التبني المذكور الذي كان شائعا في الجاهلية قال تعالي وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ ذٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوٰاهِكُمْ وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبٰاءَهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوٰالِيكُمْ، كما يحرم علي الإنسان أن يتبرأ من نسبه و ينتسب لغير أبيه ففي الصحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «كفر باللّه من تبرأ من نسب و إن رق»، و من المؤلم ما نراه اليوم من رجوع هذه العادة الجاهلية عند بعض الناس غافلين أو متغافلين عن حكم الإسلام القاطع في ذلك. فإنا للّه و إنا إليه راجعون.

هذا، و أما التربية و الكفالة للطفل الذي لا يعرف أهله أو يضعف أهله عن تربيته و كفالته من دون أن يدعيه المربي و الكافل و يتبناه فهو إحسان محض يشكر فاعله. لكن يجب الحذر من أن يؤدي ذلك لاشتباه النسب أو ضياعه.

و كذا الحال في تسجيل الطفل باسم غير أبيه في دائرة النفوس بحيث يكون ولدا له بحسب القوانين الوضعية. فإنه لا بأس به في نفسه، بل قد يحسن إذا توقف عليه حل مشكلة قانونية ما لم يؤد ذلك لاشتباه النسب أو ضياعه أو ترتب آثاره

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3،

ص: 57

بوجه غير شرعي من ميراث و نحوه فإنه يحرم حينئذ كما ذكرنا. و الحذر ثم الحذر من مخالفة أحكام اللّه تعالي و تعدي حدوده و انتهاك حرماته بعد أن أوضح الحق و أقام أعلامه و لم يبق عذرا لمعتذر إذ قد يكون ذلك سببا للنكال و الوبال في الدنيا و الآخرة للمجتمع الذي يشيع فيه ذلك فضلا عمن يباشره و يقوم به.

(مسألة 219): يحرم عند الولادة اطلاع الرجل علي المرأة بنحو يقتضي النظر لما يحرم عليه النظر منها، خصوصا العورة، إلا مع الاضطرار، فيقتصر علي مقدار الضرورة.

(مسألة 220): ينبغي للمؤمن إذا بشّر بمولود أن لا يسأل عن أنه ذكر أو أنثي، بل يسأل عن استواء خلقته، فإذا كان سويا قال: «الحمد للّه الذي لم يخلق مني خلقا مشوها» فإن علم بعد ذلك أنه ذكر شكر اللّه علي نعمته، و إن كان أنثي لم يكره اختيار اللّه تعالي له، و في الحديث: «البنات حسنات و البنون نعمة و الحسنات يثاب عليها و النعمة يسأل عنها».

(مسألة 221): يستحب عند الولادة أمور.

الأول: غسل المولود. و الظاهر احتياجه للنية من قبل الغاسل.

الثاني: أن تكون الخرقة التي يلف بها بيضاء، و يكره أن تكون صفراء.

الثالث: أن يؤذن في اذنه اليمني أذان الصلاة، و يقام في اليسري.

و الأولي أن يكون قبل قطع سرته.

الرابع: أن يحنك بماء الفرات و بتربة الحسين عليه السّلام فإن لم يتيسر فبماء السماء. و أن يحنك بالتمر، بل العسل أيضا.

و المراد جعل هذه الأمور في حنكه. و للإنسان حنكان: أعلي الفم من داخل، و أسفله تحت اللسان في مقدم الفم، فيحتاط بجعله فيهما معا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 58

(مسألة 222): من حق الولد علي

الوالد أن يحسن اسمه، و قد ورد أن أصدق الأسماء ما تضمن العبودية للّه تعالي- كعبد اللّه و عبد الرحيم- و أفضلها أسماء الأنبياء، و أفضلها (محمد)، بل ورد: أن من ولد له أربعة أولاد، بل ثلاثة، و لم يسم أحدهم باسم محمد فقد جفا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كما ورد أيضا الحث علي التسمية بعلي، و في الحديث: «إن الشيطان إذا سمع مناديا ينادي: يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص»، و ورد عنهم عليهم السّلام: «لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد اللّه أو فاطمة من النساء». كما يكره التسمية بأسماء أعداء أهل البيت عليهم السّلام، و ورد عنهم عليهم السّلام: «ان الشيطان إذا سمع مناديا ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتز و اختال» و المراد به الاسم الذي يعرف بمرور الزمن لأعدائهم، بحيث ينصرف لهم عند إطلاقه، فلا تكره التسمية به قبل ذلك.

(مسألة 223): يستحب تسمية المولود عند ولادته بمحمد إلي اليوم السابع، ثم يترك بعد ذلك أو يغيّر.

(مسألة 224): يستحب تكنية المولود بأن يضاف لاسمه اسم مبدوء بأب إن كان ذكرا أو مبدوء بأم إن كان أنثي، فإن لم يكنّ في صغره استحب له أن يكتني إذا كبر و إن لم يكن له ولد. و يكره التكنية بأبي عيسي و أبي الحكم و أبي مالك و أبي مرة، و كذا بأبي القاسم إن كان اسمه محمدا.

(مسألة 225): يستحب حلق شعر الصبي في اليوم السابع و التصدق بوزنه ذهبا أو فضة.

(مسألة 226): يستحب ختان الصبي يوم السابع، و يكره تأخيره عنه. و إذا

بلغ غير المختون وجب عليه أن يختن نفسه. و لا بد في الختان من قطع تمام الغلفة و هي اللحمة التي تغطي الحشفة، و إن نبتت الغلفة بعد الختان وجبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 59

إعادته. و من ولد مختونا استحب إمرار الموسي علي مقطع الغلفة منه.

(مسألة 227): يستحب أن يقال عند ختان الصبي: «اللهم هذه سنتك و سنة نبيك صلّي اللّه عليه و آله، و اتباع منا لك و لدينك بمشيئتك و بإرادتك، لأمر أردته و قضاء حتمته و أمر أنفذته، فأذقته حر الحديد في ختانه و حجامته لأمر أنت أعرف به مني. اللهم فطهره من الذنوب و زد في عمره و ادفع الآفات عن بدنه و الأوجاع عن جسده و زده من الغني و ادفع عنه الفقر، فإنك تعلم و لا نعلم».

و عن الصادق عليه السّلام: «من لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم، فإن قالها كفي حرّ الحديد من قتل أو غيره».

(مسألة 228): يستحب مؤكدا العقيقة عن الصبي في اليوم السابع، فإن لم يعق عنه في اليوم السابع عقّ عنه بعد ذلك، بل لو كبر و لم يعلم بأنه عق عنه أو لا استحب له أن يعق عن نفسه. بل قد يظهر من بعض النصوص استحباب أن يعق الكبير عن نفسه و إن سبق أن عق عنه في صباه. كما يستحب قضاؤها لو مات بعد السابع، بخلاف ما لو مات قبله.

(مسألة 229): لا يجزئ عن العقيقة التصدق بثمنها، نعم تجزئ عنها الأضحية.

(مسألة 230): العقيقة شاة أو بقرة أو بدنة، و يستحب تعددها عن الواحد، و لا تجزئ الواحدة عن أكثر من واحد.

(مسألة 231): أفضل العقيقة كبش، خصوصا

عن الذكر، و أفضلها أسمنها، و لا يشترط فيها شروط الأضحية.

(مسألة 232): يستحب أن يقال عند ذبح العقيقة: «بسم اللّه و باللّه عقيقة عن فلان لحمها بلحمه و دمها بدمه و عظمها بعظمه، اللهم اجعله و قاء لآل محمد صلّي اللّه عليه و آله» و وردت أدعية اخري يضيق المقام عن ذكرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 60

(مسألة 233): يكره أن يأكل الأبوان و عيالهما منها. و تتأكد الكراهة في الأم، بل الأحوط استحبابا الترك. و يدفع للقابلة ثلثها أو ربعها أو رجل منها مع الورك أو بدونه. فإن لم تكن قابلة أعطيت حصتها للام تدفعه لمن تشاء، و يطبخ الباقي و يقسم علي المؤمنين أو يدعي عليه نفر منهم، و يستحب أن يكونوا عشرة فإن زادوا فهو أفضل، فيأكلون و يدعون للصبي. و يجوز إهداؤها لحما لم يطبخ. و الأحوط وجوبا تخصيص ما عدا حصة القابلة بالمؤمنين، و عدم دفعها لغيرهم ممن لا يوالي أهل البيت عليهم السّلام و عدم إطعامه منها.

(مسألة 234): يستحب أن تقطّع العقيقة أعضاء تامة، و يكره أن يكسر لها عظم. و أما ما اشتهر بين سواد الناس من لف العظام بخرقة و دفنها فلم نعثر له علي سند شرعي.

(مسألة 235): لا يشرع لطخ رأس الصبي بدم العقيقة، و هو من فعل الجاهلية، بل يلطخ بالخلوق، و هو- كما قيل- ضرب من الطيب أكثر أجزائه الزعفران.

(مسألة 236): أفضل المراضع الام، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه». لكن لا تجبر الام علي إرضاع ولدها، و لو أرضعته كان لها المطالبة بالأجرة من ماله إن كان له

مال، و إلا فمن مال أبيه إن كان له مال، و إلا فمن مال من تجب نفقته عليه الذي يأتي التعرض له في الفصل العاشر.

فإن رضيت بما يرضي به غيرها من تبرع أو اجرة فهي أحق بإرضاعه، و إن طلبت ما زاد علي ذلك لم يجب إجابتها، سواء زاد علي اجرة المثل أم لا.

نعم يستحب ترك الطفل حينئذ مع امه و إرضاعه منها.

(مسألة 237): أتم الرضاع شرعا عامان، و يجوز الزيادة علي ذلك. و أقل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 61

الرضاع شرعا واحد و عشرون شهرا. و الظاهر جواز النقص عن ذلك- مع عدم ظهور حاجة الصبي له- علي كراهة.

(مسألة 238): الولي علي الصبي هو الأب، إلا أن للام أن تطالب بحضانته و ذلك بتولي شؤون عيشه و تربيته، و يكون في حجرها حينئذ تحت نظر أبيه و في رعايته، كما هو مقتضي ولايته عليه. و الظاهر اختصاص ذلك بمدة الرضاع، فإذا فطم- و لو قبل مضي سن الرضاع الشرعي- سقط حقها في الحضانة، و اختص بذلك أبوه.

(مسألة 239): إذا طلقت الام تبقي حضانتها في مدة الرضاع ما لم تتزوج، فإذا تزوجت سقطت حضانتها، و كان للأب أن يضعه حيث يشاء. و إذا طلقت لم تعد لها الحضانة.

(مسألة 240): إذا ماتت الأم في مدة الرضاع سقطت حضانتها و لا تنتقل لورثتها و لا لوصيها.

(مسألة 241): إذا طلبت الأم أجرا زائدا علي الرضاع فاسترضع الأب غيرها سقطت حضانتها.

(مسألة 242): إذا سقط الأب عن الولاية بموت أو جنون فالحضانة للأم حتي لو كانت تزوجت، و ليس لوصي الأب أو الجد للأب انتزاعه منها، فإذا عادت الولاية للأب عادت له الحضانة إذا كان الطفل قد فطم.

(مسألة 243):

حق الحضانة الذي يكون للام يسقط بإسقاطها، و لها إسقاطه دفعة، كما لها إسقاطه تدريجا، مدة فمدة. أما ولاية الأب و حضانته للطفل فهي لا تقبل الإسقاط، و لو رضي بتركها مدة و إيكال أمر الصبي لغيره من أجل مصلحة الصبي كان له الرجوع عن ذلك متي شاء.

(مسألة 244): الظاهر عدم استحقاق الأم الأجرة علي الحضانة زائدا علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 62

اجرة الرضاع، فلو طالبت بالأجرة كان له انتزاع الصبي منها و دفعه لغيرها و لو بأجرة. نعم للأب أن يستأجرها حينئذ بما يتفقان عليه فتستحق الأجر.

(مسألة 245): لو اعتدي الأب أو غيره علي الام و منعها من حضانة الطفل مدة من الزمن، فلا يتدارك ذلك بالقضاء، و لا بدفع القيمة أو نحوها.

(مسألة 246): إذا فقد الأبوان فلا حق لأحد في حضانة الصبي، بل هي تابعة للولي فيضعه حيث يراه صلاحا له.

(مسألة 247): إذا بلغ الصبي رشيدا فلا ولاية للأبوين و لا غيرهما عليه، و يكون الخيار له في الانضمام لمن يشاء منهما أو من غيرهما أو الاستقلال.

(مسألة 248): يستحب تقبيل الصبي و التصابي له و ملاعبته، و ينبغي إشعاره بعطف الأبوة و حنوها.

(مسألة 249): يستحب تمرين الصبي علي العبادات، كالصلاة و الصيام و الصدقة، و التدرج معه في ذلك حسب إدراكه و طاقته، علي وجوه مذكورة في المطولات، و لا ينبغي إهمال ذلك و التهاون به، خصوصا الصلاة فقد ورد أنه يلزم بها لسبع سنين.

(مسألة 250): ينبغي للأب تربية ولده تربية يصلح بها في دينه و بدنه و خلقه، فقد ورد: أن من حقوق الولد علي أبيه أن يحسن أدبه، و قد ورد أنه يترك للعب ست سنين أو سبع سنين

و يلزمه الأب نفسه فيؤدبه بأدبه و يعلمه الكتاب سبع سنين و يعلمه الحلال و الحرام سبع سنين. كما يلزم إبعاده- بالتفهيم و التعليم و بالحكمة و الموعظة الحسنة- عن آداب الكفر و الجاهلية و عن الانحلال و الرذيلة. و لا ينبغي التهاون في ذلك و التفريط فيه، ففي ذلك فساده و فساد المجتمع و انحلاله، و قد قال اللّه تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 63

كما ينبغي علي المؤدب الرفق معه و اللين و الأناة في ذلك و في جميع الأمور و حسن المعاشرة و المخالطة، و التحبب و التودد حتي ينجذب إليه و يتقبل منه و يتفاعل معه، قال تعالي ادْعُ إِليٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن الرفق لم يوضع علي شي ء إلا زانه، و لا نزع من شي ء إلا شانه»،. و قال: «رحم اللّه و الدين أعانا ولدهما علي برهما». إلي غير ذلك.

(مسألة 251): يجوز للولي تأديب الصبي و ضربه بما يراه صلاحا له. نعم لا بد من الاقتصار علي مقدار الحاجة و التدرج في ذلك مع كمال التروي و التعقل، و عدم الزيادة عن الحاجة تشفيا و انتقاما أو استهوانا بأمر الصبي لضعفه. كما لا بد من الحذر من اختلاط النظر لمصلحة الصبي بالانفعال النفسي منه، أو من المؤثرات الخارجية الأخري. و قد ورد في الأخبار الترخيص بخمس أو ست ضربات مع الحث علي الرفق، فاللازم عدم الزيادة عليها إلا عند الحاجة و الضرورة.

(مسألة 252): لا يجوز لغير الولي ضرب الطفل بغير إذن الولي. و لو توقف دفع ضرره

علي ضربه و تعذر الرجوع للولي لزم الرجوع للحاكم الشرعي، و مع تعذر الرجوع إليه يتعين الاقتصار علي ما لا بد منه لدفع شره و ضرره من دون إضرار به مهما أمكن.

(مسألة 253): يجوز ضرب الصبي بإذن الولي و حينئذ إن كان الإذن مستفادا من شاهد الحال- كوضع الصبي عند المعلم الظاهر في الإذن له بتأديبه بالوضع المتعارف- لزم الاقتصار عند الحاجة علي ثلاث ضربات و عدم الزيادة علي ذلك إلا بعد مراجعة الولي و شرح الحال له و التعاون معه. و إن كان الإذن مستفادا بالتنصيص لزم الرجوع لما يقتضيه الإذن سعة و ضيقا مع عدم تعدي الولي عن مقتضي وظيفته المتقدمة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 64

(مسألة 254): لا بد من الحذر من الإضرار بالصبي عند تأديبه بمثل الجرح و الكسر و العيب. و لو حصل شي ء من ذلك كان مضمونا بالدية. و كذا الحال في الضرب من دون حاجة أو مع الزيادة عليها.

الفصل العاشر في النفقات

اشارة

و محل الابتلاء منها أقسام.

الأول: نفقة الزوجة.

و هي تختص بالزوجة الدائمة و إن كانت أمة أو ذمية. و لا تجب للمتمتع بها، و لو شرطت في العقد المنقطع فإن رجع الشرط إلي وجوب النفقة بنفس الزواج المنقطع بطل، بل الأحوط وجوبا حينئذ بطلان العقد أيضا. و إن رجع إلي وجوبها بالشرط الذي تضمنه صح، و وجبت النفقة علي حسب الشرط.

(مسألة 255): تجب النفقة علي الزوجة و إن كانت صغيرة، إلا إذا ابتني الزواج بها علي عدم الإنفاق عليها ما دامت صغيرة غير قابلة للاستمتاع أو للوطء، بأن أخذ ذلك شرطا في العقد صريحا أو ضمنا مستفادا من شاهد الحال و لو بسبب تعارف ذلك.

(مسألة 256): لا يشترط في وجوب نفقة الزوجة فقرها، بل يجب الإنفاق عليها و إن كانت غنية.

(مسألة 257): يسقط وجوب النفقة علي الزوجة بنشوزها علي الزوج بأحد أمرين.

الأول: منعه عن حقوقه التي عليها من وجوه الاستمتاعات- غير الوطء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 65

في الدبر- و التزين الذي يريده منها، و عدم المنفرات له- و لو مثل سبه و شتمه و الإعراض عنه و سوء معاشرته- مع حفظه في ماله و عرضه و عدم خيانته فيهما.

الثاني: الخروج من بيت زوجيتها بغير إذن الزوج، الذي تقدم في المسألة (118) حرمته عليها. نعم لو كان خروجها لضرورة مسوغة لم تسقط النفقة. و كذا لو كان خروجها بإذنه، إلا أن يبتني إذنه لها علي عدم النفقة لها حين الخروج، كما يتعارف في الإذن لها بالذهاب إلي أهلها أو غيرهم لتكون في ضيافتهم و منه ما يتعارف من رضاه ببقائها عند أهلها أو في بيتها من حين العقد عليها إلي حين زفافها له و مجيئها إلي

بيته.

(مسألة 258): المطلقة رجعيا بحكم الزوجة، فتجب لها النفقة علي زوجها ما دامت في العدة، و كذا المطلقة بائنا إذا كانت حاملا منه. و لا تجب لها النفقة إذا كان حملها من غيره، أو لم تكن حاملا، كما لا تجب النفقة للمعتدة غير المطلقة علي صاحب العدة و إن كانت حاملا منه كالمتمتع بها و المنسوخ نكاحها و الموطوءة شبهة و الملاعنة.

(مسألة 259): المتوفي عنها زوجها لا نفقة لها من تركة زوجها و إن كانت حاملا.

(مسألة 260): النفقة الواجبة للزوجة هي الطعام- مطبوخا إن احتاج للطبخ- و الشراب، و الكسوة- مخيطة إن احتاجت للخياطة- بالوجه المتعارف، و السكن حيث يسكن الزوج حسب قدرته و طاقته مفروشا بالوجه المتعارف، كما يجب عليه أن يبذل لها فراش النوم في ليلته معها، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

و أما الزينة و التنظيف و نحوهما فإن طلبها الزوج كان عليه بذل مؤنتها و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 66

لم يطلبها لم يكلف بها، إلا مؤنة غسل الجنابة المسببة عنه فإن الأحوط وجوبا له بذلها، كما يجب عليه بذل مصاريف الحمل و الولادة بالمقدار الذي يحفظ به الولد، و يدخل في نفقة الولد لا نفقة الزوجة. و لا يكلف بما زاد علي ذلك لها، إلا مع التوافق بينهما فيبذل لها ما تحتاج إليه، بل يوسع عليها و يزيد في رفاهها، و تقوم هي بما يحتاج إليه من خدمة البيت و إدارته و رعاية الأطفال و غير ذلك، و بذلك تتم سعادة العائلة و يصلح أمرها.

(مسألة 261): إذا توقف سد حاجاتها التي تتضرر بتركها علي الخروج من البيت للعمل أو الاسترفاد كان لها ذلك، لكن تحاول- مهما أمكن- أن يكون

الخروج بنحو لا ينافي حقه، و ليس له منعها إلا أن يقوم بسد حاجاتها بنفسه لتستغني عن الخروج.

(مسألة 262): إذا لم ينفق الزوج علي زوجته- قصورا أو تقصيرا- ففي بقاء النفقة دينا عليه إشكال، و الأظهر العدم، إلا أن تنفق علي نفسها بقصد الرجوع عليه- علي ما يأتي- و كذا إذا لم تستوف الزوجة نفقتها منه مع بذله لها تسامحا منها أو لإنفاقها علي نفسها من مالها أو مما يبذله غير الزوج لها، حتي لو لم يرجع ذلك منها إلي إسقاطها النفقة عن الزوج و إبراء ذمته منها، فإنه في جميع ذلك لا تبقي النفقة دينا علي الزوج، و هكذا الحال في نفقة الأرحام.

(مسألة 263): إذا كان للزوج مال وجب عليه الإنفاق منه مع التمكن و لو بالاستدانة عليه. و إن لم يكن له مال، وجب عليه التكسب بتجارة أو عمل أو نحوهما.

(مسألة 264): إذا لم يكن للزوج مال و تعذر عليه التكسب أو لزم منه الضرر أو الحرج فالأحوط وجوبا له الاستدانة إن علم بقدرته علي الوفاء من مال يأتيه، و إن لم يعلم بذلك لم تجب الاستدانة حتي لو كان قادرا علي الاسترفاد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 67

و الاستيهاب، و طلب الحقوق و الصدقات و نحوها مما يفي دينه.

(مسألة 265): إذا لم ينفق الزوج علي زوجته فإن أنفق عنه غيره عليها فذاك، و إلا كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي مطالبة بأحد أمرين.

الأول: النفقة، فيلزمه بالإنفاق عليها، فإن امتنع و كان له مال أنفق عليها منه.

الثاني: الطلاق، فيأمره بطلاقها فإن تعذر أمره بذلك أو امتنع من طلاقها طلقها الحاكم و ليس علي الحاكم حينئذ إلزام الزوج بالإنفاق، أو الإنفاق عليها

من ماله و إن أمكن ذلك. نعم إذا كان عدم إنفاق الزوج لمانع خارجي من مرض أو حبس أو نحوهما مع إمكان الإنفاق عليها من ماله فالظاهر عدم مشروعية الطلاق، بل ينفق عليها من ماله حينئذ إن طلبت ذلك.

هذا، و يستثني من ذلك المفقود، علي ما يأتي في أول كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: نفقة الأرحام.

يجب الإنفاق علي الأولاد و إن نزلوا. و علي الأبوين، بل الأحوط وجوبا الإنفاق علي آبائهما و أمهاتهما. و لا يجب الإنفاق علي غيرهم من الأرحام، حتي الوارث الصغير، و إن كان أحوط استحبابا. نعم تستحب النفقة عليه و علي الأرحام قاطبة.

(مسألة 266): إنما تجب النفقة علي الأرحام مع فقرهم، و لا تجب مع غناهم و لو بقدرتهم علي التكسب اللائق بهم. و لا يكفي قدرتهم علي أخذ الحقوق- من الأخماس و الزكوات- و الصدقات و الهبات، نعم مع بذل ذلك فعلا من دون مهانة و لا حرج ففي وجوب الإنفاق حينئذ إشكال، و إن كان أحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 68

(مسألة 267): إنما تجب النفقة علي الأرحام مع القدرة، و لو بالقدرة علي التكسب أو الاستدانة علي مال موجود عنده، و لا تجب الاستدانة في غير ذلك، و إن كان قادرا علي الوفاء من مال يأتيه، كما لا يجب الاسترفاد و التعرض لطلب الحقوق و الصدقات و نحوها.

(مسألة 268): الواجب من النفقة للأرحام هو الطعام و الشراب و اللباس و الإسكان و الدواء و سائر ما يحتاجون إليه لمعاشهم، و لا يجب عليه ما عدا ذلك من حوائجهم، كوفاء الديون التي عليهم للّه تعالي أو للناس و كتزويجهم.

(مسألة 269): يختص الأب بالنفقة علي الولد مع قدرته،

دون الام، و دون الجد و الجدة للأب و الام. و مع فقده أو عجزه أو امتناعه- بحيث يتعذر الإنفاق من ماله- ففي وجوب الإنفاق عليهم كفاية أو توزيع النفقة عليهم أو الترتيب بينهم إشكال، و اللازم الاحتياط. نعم مع عدم الإنفاق من بعضهم و تعذر الإنفاق من ماله يتعين الإنفاق علي الباقين، و لا يبقي الولد بلا نفقة.

(مسألة 270): إذا كان لمن يحتاج النفقة أب و ولد ففي وجوب الإنفاق عليه علي أبيه أو عليهما معا كفاية أو بنحو التوزيع إشكال، و اللازم الاحتياط، و مع عدم الإنفاق عليه من أحدهما يتعين علي الآخر الإنفاق عليه و لا يبقي بلا نفقة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 271): إذا امتنع المكلف بالنفقة من الإنفاق كان لمن تجب النفقة له- من الأرحام أو الزوجة- أو لوليه المطالبة بالإنفاق عليه و إجباره علي ذلك، و الأحوط وجوبا رفع أمره للحاكم الشرعي ليجبره علي الإنفاق، و إن تعذر إجباره علي الإنفاق و كان له مال أنفق عليه منه، و إن تعذر ذلك أيضا جاز الإنفاق عليه بقصد الرجوع علي من تجب عليه النفقة إن كان له مال و يكون ذلك حينئذ دينا عليه. و إن تعذر الرجوع للحاكم جاز لمن له النفقة أو لوليه تولي ذلك كله و لو بالاستعانة بالغير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 69

و يجري ذلك كله في حق غير الممتنع ممن يكلف بالنفقة و لا ينفق، كالمسافر و المسجون و الغائب إذا تعذرت مراجعتهم.

(مسألة 272): نفقة النفس مقدمة علي نفقة الغير، إلا أن يكون واجب النفقة علي غيره و لم يكن الغير ممتنعا عنها فالأحوط وجوبا حينئذ له أن ينفق علي من

تجب عليه نفقته و يأخذ هو نفقته ممن تجب عليه.

(مسألة 273): نفقة الزوجة مقدمة علي نفقة الأقارب، و نفقة الأقرب منهم مقدمة علي نفقة الأبعد، فالولد مقدم علي ولد الولد، فإن تساووا و عجز عن الإنفاق عليهم نفقة تامة تخير بين أن ينفق علي بعضهم نفقة تامة و يترك الآخر و أن ينفق عليهم جميعا بعض النفقة الواجبة بنحو التوزيع، إلا أن لا ينتفع بعضهم بالتوزيع فيتعين الأول. و إذا كان بعضهم واجب النفقة علي غيره أيضا و لم يكن الغير ممتنعا عنها فالأحوط وجوبا إيكاله لذلك الغير و الإنفاق علي الآخر.

الثالث: نفقة المملوك.

تجب النفقة للإنسان المملوك، لكن لما لم يكن موردا للابتلاء غالبا في زماننا فلا نطيل الكلام ببيان فروعه. كما تجب النفقة علي الحيوان المملوك، و لو بتركه يرعي بنفسه، و مع تعذر ذلك فالأحوط وجوبا بيعه أو ذبحه.

(مسألة 274): نفقة الزوجة تقبل الإسقاط تبرعا أو بالمصالحة عن شي ء من الزوج يقوم به لها، من دون فرق بين نفقة اليوم و ما زاد عليها. أما نفقة الأقارب و المملوك فلا تقبل الإسقاط.

(مسألة 275): تستحب النفقة علي الأرحام غير من تقدم. و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن اللّه».

(مسألة 276): يستحب التوسعة علي العيال، و قد ورد الحث و التأكيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 70

علي ذلك عن المعصومين عليهم السّلام، ففي صحيح أبي حمزة عن الإمام السجاد عليه السّلام: «أرضاكم عند اللّه أسبغكم [أوسعكم] علي عياله» و في حديث مسعدة: «قال لي أبو الحسن عليه السّلام: إن عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه بنعمة فليوسع علي أسرائه، فإن

لم يفعل أو شك أن تزول النعمة». نعم ينبغي ملاحظة أمور.

الأول: عدم الإفراط في ذلك، بنحو يؤدي للترف و البطر، فعن الإمام زين العابدين عليه السّلام: «لينفق الرجل بالقسط و بلغة الكفاف، و يقدم منه الفضل لآخرته، فإن ذلك أبقي للنعمة و أقرب إلي المزيد من اللّه و أنفع في العاقبة»، علي أن عواقب ذلك و خيمة عليهم في سلوكهم و خلقهم و تكوين شخصيتهم و مستقبل حياتهم.

الثاني: عدم الاستهوان بالمال بتضييعه هدرا أو صرفه بمصارف تافهة، فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «إن القصد أمر يحبه اللّه عز و جل، و إن السرف أمر يبغضه اللّه عز و جل، حتي طرحك النواة فإنها تصلح لشي ء، و حتي صبك فضل شرابك»، و في حديث إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟ قال: نعم. قلت: عشرون؟ قال: نعم. قلت: ثلاثون؟

قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك».

الثالث: الموازنة بين الدخل و المصروف، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «رب فقير هو أسرف من الغني، إن الغني ينفق مما اوتي، و الفقير ينفق من غير ما اوتي».

و علي المؤمن أن يكون حكيما في ذلك و في جميع أموره، فالحكمة فوق كل شي ء. و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 71

كتاب الطلاق و ما الحق به

اشارة

الطلاق أمر شرعه اللّه تعالي رأفة بالناس و حلا لمشاكلهم، علي بغض منه تعالي له، لما فيه من تقويض بيت الزوجية- الذي هو أحب شي ء إليه تعالي و هدم كيان العائلة و تشتيت شملها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «ما من

شي ء أحب إلي اللّه عز و جل من بيت يعمر بالنكاح، و ما من شي ء أبغض إلي اللّه عز و جل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«ما من شي ء مما أحله اللّه أبغض إليه من الطلاق».

فينبغي للمؤمنين أعزهم اللّه تعالي أن يتجنبوه ما وسعهم ذلك بالصبر و الأناة و الحكمة و محاولة حل المشاكل أو استيعابها و تخفيفها، حتي إذا بقيت عقدة الزواج سببا لانتهاك حدود اللّه تعالي و تعدي أحد الزوجين علي الآخر و عيش العائلة وسط جحيم الشقاق و المشاكل المعقدة فليلجؤوا حينئذ لأبغض الحلال الذي منّ اللّه تعالي به عليهم لحل مشكلتهم، قال تعالي وَ إِنْ يَتَفَرَّقٰا يُغْنِ اللّٰهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «خمس لا يستجاب لهم:

رجل جعل بيده طلاق امرأته و هي تؤذيه و عنده ما يعطيها و لم يخل سبيلها.».

و الكلام في الطلاق و ما الحق به في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 72

الفصل الأول في حقيقة الطلاق و صيغته و مالكه

الطلاق إيقاع يتضمن فرقة بعد النكاح الدائم دون غيره من أقسام النكاح، فيكفي فيه الإيجاب ممن يملكه، و لا يحتاج إلي قبول من أحد. و هو بيد الزوج و أمره إليه ينفرد به، و لا يشاركه فيه غيره، و له أن يطلق متي شاء حتي لو كانت الزوجة موافقة، و إن كان ذلك مكروها كراهة شديدة.

نعم يقوم مقام الزوج غيره في موارد.

الأول: ما إذا لم ينفق الزوج علي الزوجة، كما تقدم تفصيل الكلام فيه في فصل النفقات من كتاب النكاح.

الثاني: ما إذا ظاهر الزوج علي ما يأتي في فصل الظهار.

الثالث: ما إذا فقد الزوج، فإنها إن

صبرت بقيت علي الزوجية حتي يعلم موته أو طلاقه، و كذا إذا كان للزوج مال فأنفق منه وليه عليها، أو أنفق الولي عليها من ماله، فإنه يجب عليها الصبر حينئذ. و إن لم يكن له مال و لم ينفق الولي عليها كان لها رفع أمرها للحاكم الشرعي، فيؤجلها إلي مضي أربع سنين من غيبته، و لا بد من الفحص عنه هذه المدة في البلاد التي علم ذهابه لها و فقد فيها. و إن لم يعلم له بلد خاص فقد فيه فحص عنه في جميع البلاد التي يحتمل وجوده فيها، فإن علم حياته صبرت، و إن علم موته اعتدت عدة الوفاة من حين يبلغها الخبر، كما يأتي في مباحث العدد، و إن جهل خبره أمر الحاكم وليّه- و هو أقرب الناس إليه ممن يقوم مقامه و يتولي أموره- أن يطلقها، فإن أبي أو لم يكن له ولي طلقها الحاكم، ثم اعتدت بقدر عدة الوفاة من حين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 73

طلاقها، فإذا انقضت عدتها كان لها أن تتزوج.

(مسألة 1): الطلاق المذكور رجعي و لا يجب فيه الحداد، فإذا قدم الزوج في أثناء العدة المذكورة كان له الرجوع بها، و إن قدم بعد انقضائها فقد بانت منه و ليس له عليها رجعة.

(مسألة 2): في عموم المفقود لمن فقد في بلده و احتمل عدم خروجه منه إشكال، و الظاهر عدم جريان الحكم المتقدم عليه، بل يتعين علي زوجته حينئذ الانتظار حتي يبلغها عنه موت أو طلاق.

(مسألة 3): الظاهر الاجتزاء بالفحص قبل أن ترفع أمرها للحاكم، سواء كان منها أم من غيرها، فإن الحاكم يجتزئ به إذا علم باستيعابه و أنه لا يتيسر له الفحص زائدا عنه.

و كذا الحال لو كان الفحص من الحاكم نفسه، كما لو كان للمفقود أكثر من زوجة فرفعت إحداهن أمرها له ففحص عنه، فإن الظاهر اجتزاؤه به لباقي زوجاته عند رفع أمرها، و لا يحتاج إلي تكرار الفحص.

(مسألة 4): إذا تعذر الفحص عن المفقود لم يشرع الطلاق و وجب علي المرأة الانتظار.

(مسألة 5): إذا علم بعدم وجوده في البلاد التي فقد فيها و لم يعلم موته فيها أو خروجه منها لغيرها لم يجب الفحص عنه لا في البلاد التي فقد فيها و لا في غيرها.

الثالث: ما إذا كان الزوج معتوها ناقص العقل، فإنه يطلق عنه وليه مع حاجته لذلك، و كذا المجنون المطبق الذي لا يتوقع زوال جنونه. أما الأدواري أو من يتوقع زوال جنونه فلا يطلق الولي عنه، بل ينتظر دور إفاقته و زوال جنونه، إلا مع الضرورة الملحة للتعجيل بحيث يعلم برضا الشارع الأقدس بالطلاق لو فرض تحقق ذلك. و كذا الحال في الصبي، فإنه ينتظر بلوغه إلا مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 74

الضرورة بالوجه المذكور فيطلق عنه وليه، و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي حينئذ، فلا يطلق الولي إلا بإذنه.

(مسألة 6): يجوز لمن يملك الطلاق أن يأذن لغيره في إيقاعه عنه، أو يوكله في ذلك، فينفذ طلاقه حينئذ، و إن كانا معا حاضرين في مجلس الطلاق.

(مسألة 7): إذا ادّعي غير الزوج الوكالة علي الطلاق أو الولاية عليه لم يقبل منه، و لو أوقع الطلاق لم يترتب عليه الأثر ظاهرا، إلا أن يثبت بعد ذلك سلطنته عليه، و لو بأن يصدق من له الولاية علي الطلاق الوكيل في دعوي الوكالة.

(مسألة 8): يجوز توكيل الزوجة علي طلاق نفسها و ينفذ طلاقها حينئذ، بل

لها أن تشترط في عقد النكاح الوكالة في الطلاق، كما تقدم في آخر الفصل السادس من كتاب النكاح.

(مسألة 9): لا يصح طلاق الفضولي، و هو الذي ليس له السلطنة علي الطلاق، و لا يصححه بعد وقوعه إجازة من له السلطنة عليه.

(مسألة 10): صيغة الطلاق أن يقول: فلانة طالق، أو أنت طالق، أو زوجتي طالق، أو نحو ذلك مما يتضمن تعيين الزوجة المطلقة مع المحافظة علي الهيئة المذكورة. و لا تجزئ مادة الطلاق مع اختلاف الهيئة، كما لو قال:

طلقتك، أو أنت مطلقة، أو نحو ذلك.

(مسألة 11): إذا قال: أنت طالق ثلاثا، أو اثنتين فلا يقع العدد المذكور.

و في حصول طلقة واحدة به إشكال.

(مسألة 12): لا يقع الطلاق بالكنايات من دون أن تشتمل علي مادة الطلاق، مثل: أنت حرام، أو بائنة، أو خليّة. و في وقوعه بقوله: اعتدّي، إذا نوي به إنشاء الطلاق إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 75

(مسألة 13): إذا قيل للزوج: هل طلقت زوجتك؟ فقال: نعم، لم يقع بذلك طلاق، سواء قصد بقوله: (نعم) إنشاء الطلاق أم الإخبار عنه. غاية الأمر أنه إذا قصد الإخبار كان إقرارا بالطلاق فيلحقه حكم الإقرار.

(مسألة 14): لا يقع الطلاق بغير العربية إلا مع تعذر العربية علي المطلق، فيطلق بلغة اخري، و لا يحتاج للتوكيل.

(مسألة 15): لا يقع الطلاق بالكتابة، و لا بالإشارة إلا مع تعذر النطق علي المطلق لخرس أو نحوه، فيجزئه الطلاق بالكتابة، بأن يكتب بقصد إنشاء الطلاق و يشهد علي ذلك مع مراعاة شروط الطلاق الأخري، و مع عجزه عن الكتابة يكتفي بالإشارة المفهمة بقصد إنشاء الطلاق أيضا، مثل أن يضع ثوبا علي رأسها كأنها صارت أجنبية عنه.

(مسألة 16): لا أثر

لتخيير الزوج زوجته، حتي لو كان بقصد إنشاء الطلاق، كما لا أثر لاختيارها نفسها بعد التخيير المذكور. نعم إذا رجع التخيير المذكور إلي الإذن لها في طلاق نفسها فطلقت نفسها علي النحو المأذون فيه صح طلاقها. و لا بد حينئذ من حصول شروط الطلاق حال طلاقها لنفسها، لا حال تخيير الزوج لها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 76

الفصل الثاني في شروط الطلاق

و هي أمور.

الأول: البلوغ، فلا يصح طلاق الصبي، و إن بلغ عشر سنين و طلق للسنة.

الثاني: العقل، فلا يصح طلاق المجنون و السكران و نحوهما.

الثالث: الرشد، فلا يصح طلاق المعتوه و نحوه.

الرابع: عدم الإكراه، فلا يصح طلاق المكره و إن رضي بعد ذلك.

(مسألة 17): يكفي في الإكراه وقوع الطلاق من دون رضي به، بل مداراة للغير كالأبوين و الزوجة و نحوهم. أما إذا أوقع الطلاق راضيا به لتجنب مشاكل الآخرين فليس ذلك من الإكراه و يصح الطلاق حينئذ.

الخامس: القصد إلي إنشاء الطلاق بالصيغة، فلا يصح طلاق الغالط و الساهي و الهازل و نحوهم، كما لا يقع الطلاق إذا تلفظ بالصيغة لا بقصد إنشاء الطلاق، بل لمجرد إرضاء الغير مثلا. و كذا إذا تلفظ بها بنية الإخبار عن الطلاق لا إنشائه. غايته أنه يكون إقرارا بالطلاق فيلحقه حكم الإقرار.

السادس: أن يكون منجّزا، فلا يصح الطلاق المعلّق، سواء علّقه علي التزويج، كما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أم علي أمر آخر، كما لو قال: إن خرجت من بيتها فهي طالق، أو نحو ذلك. و الأحوط وجوبا عموم ذلك لما إذا علّقه علي أمر معلوم الحصول، أو محتمل الحصول، مقوّما لصحة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 77

الطلاق، كما لو قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق،

أو إن كانت زوجتي طاهرا فهي طالق.

السابع: تعيين المطلقة و لو إجمالا، كما لو قال: أكبر نسائي طالق، بخلاف ما لو كانت مردّدة من كل وجه، كما لو قال: إحدي نسائي طالق، فإنه لا يقع حينئذ.

الثامن: أن يقع حال كون المرأة المطلقة في طهر لم يجامعها فيه، فلا يصح طلاقها حال الحيض أو النفاس، و لا في طهر قد جامعها فيه. بل الظاهر عدم صحة طلاقها في النقاء المتخلل بين الدمين في الحيض الواحد و إن كان بحكم الطهر.

(مسألة 18): لو طلق جاهلا بحالها لم يقع الطلاق ظاهرا، إلا أن ينكشف كونها في طهر لم يواقعها فيه، فينكشف صحته.

(مسألة 19): إذا شك في الحيض بعد العلم بالطهر بني علي عدم الحيض، و إذا علم بدخولها في الحيض و شك في طهرها منه بني علي بقائها في الحيض. لكن إذا أخبرت بأنها حائض صدّقت، و كذا إذا أخبرت بأنها قد دخلت في الطهر الذي لم يجامعها فيه.

نعم إذا أخبرت بأنها دخلت في طهر لم يجامعها فيه فطلقها ثم أخبرت بأنها كانت كاذبة في خبرها لم يقبل منها، و حكم بصحة الطلاق، إلا أن يعلم بصدقها في خبرها الثاني أو تقوم به البينة.

(مسألة 20): الغائب عنها زوجها إن علم حالها فهو كالحاضر يجري عليه الحكم السابق، و كذا إن جهله و تيسر له الفحص عنه. أما إذا صعب عليه الفحص فيجوز له طلاقها، لكن الأفضل أن ينتظر شهرا من سفره. بل لو كان سفره حال حيضها فليكن مبدأ الشهر بعد مضي مدة حيضها الذي فارقها عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 78

و الأفضل للغائب أن ينتظرها ثلاثة أشهر، بل خمسة أو ستة.

(مسألة 21): المسترابة إذا كانت

مدخولا بها لا يطلقها زوجها إلا بعد مضي ثلاثة أشهر قمرية من آخر مرة واقعها فيها، من دون فرق في ذلك بين الحاضر و الغائب. و المراد بالمسترابة من لا تحيض و هي في سن من تحيض، سواء كان ذلك لعارض اتفاقي لها من مرض أو نحوه، أم بوجه يتعارف في أمثالها، كما لو كانت في أول بلوغها أو قاربت سن اليأس، أو كانت مرضعة.

(مسألة 22): الحاضر إذا تعذر عليه معرفة حيض زوجته من طهرها لتعذر الوصول إليها أو لامتناعها من الإخبار عن حالها أو لغير ذلك- فإن علم بأنها مستقيمة الحيض جري عليه حكم الغائب، و إن احتمل كونها مسترابة لا تحيض أجري عليها حكم المسترابة المتقدم.

(مسألة 23): لا يشترط وقوع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه في موارد.

الأول: أن تكون صغيرة لم تبلغ سن الحيض، بأن كانت دون التسع سنين قمرية، و إن كان قد جامعها.

الثاني: أن تكون قد بلغت سن اليأس، و هو في القرشية ستون سنة قمرية، و في غيرها خمسون.

الثالث: الحامل المستبين حملها، بل مطلقا علي الأظهر، فإذا طلق الرجل زوجته في طهر قد جامعها فيه أو في حال الحيض- عمدا أو جهلا- ثم تبين أنها حامل حين الطلاق انكشف صحة طلاقه لها.

الرابع: غير المدخول بها قبلا أو دبرا، فإنه يصح طلاقها و إن كانت حائضا.

(مسألة 24): إذا جامع الرجل زوجته حال الحيض- عمدا أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 79

جهلا- صح منه طلاقها بعد طهرها من الحيض، و لا يشترط دخولها في طهر آخر.

(مسألة 25): إذا شك في البلوغ بني علي عدمه، و كذا إذا شك في اليأس، أو في الحمل، أو في الدخول، و يجوز ترتيب الأثر

علي ذلك ظاهرا في الجميع، لكن لو ظهر الخطأ فالحكم تابع للواقع.

التاسع: الإشهاد، و ذلك بأن يشهد الطلاق رجلان عادلان، بحيث يسمعانه إذا كان باللفظ، و يريانه إن كان بالإشارة و نحوها من الأخرس و نحوه.

(مسألة 26): يشترط عدالة الشاهدين حين الطلاق و لا يبطله خروجهما عن العدالة بعده، كما لا يكفي عدالتهما بعد الطلاق إذا لم يكونا عادلين حينه.

(مسألة 27): إذا أحرز من يتولي الطلاق- مباشرا كان أو موكّلا مفوضا عدالة الشاهدين حين الطلاق فطلق ثم ظهر منهما ما ينافي العدالة فإن كشف عن عدم عدالتهما حين إيقاع الطلاق انكشف بطلان الطلاق، و إن لم يكشف عن ذلك بل احتمل خروجهما عن العدالة بعد اتصافهما بها، بني علي صحة الطلاق. بخلاف ما إذا لم يحرز عدالتهما حين الطلاق، و أوقع الطلاق مترددا في حالهما و في صحة الطلاق، فإنه لا يجوز البناء علي صحة الطلاق حتي يعلم سبق العدالة منهما و وقوع الطلاق حينها.

(مسألة 28): لا يكفي إحراز عدالة الشاهدين من قبل الوكيل علي إجراء الصيغة فقط، بل لا بد من إحراز عدالتهما من قبل موكله. نعم يكفي إحرازها من قبل الوكيل إذا كان مفوضا إليه أمر الطلاق.

(مسألة 29): تقدم في فصل شروط إمام الجماعة تحديد العدالة، و التعرض لكيفية إحرازها.

(مسألة 30): لا يشترط في الشاهدين أن يعرفا الرجل المطلق أو المرأة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 80

المطلقة بعد أن كانت معينة في نفسها.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 80

(مسألة 31): لا يشترط في الإشهاد أن يطلب من الشاهدين تحمل الشهادة،

فلو فاجأهما بصيغة الطلاق كفي. نعم لا بد من معرفتهما مراده بالصيغة أو بالإشارة التي تقوم مقامها من الأخرس و نحوه.

(مسألة 32): لا بد من أن يشهد الشاهدان إنشاء الطلاق، و لا يكفي أن يشهد إقرار الزوج به إذا كان قد أوقعه من دون إشهاد. بل لا بد من إنشائه مجددا بشروطه المقررة أمامهما. و يترتب الأثر من حين الإنشاء الذي وقع أمامهما.

(مسألة 33): لا يشترط في شهادة الشاهدين حضور مجلس الطلاق، فلو سمعا الصيغة من بعيد صح الطلاق. و علي ذلك يصح الطلاق لو سمعه الشاهدان بالهاتف أو المذياع إذا كانا يسمعان صوت المطلق بنفسه، أما إذا كانا يسمعان الصدي ففيه إشكال، و كذا إذا كانا يريان الإشارة- من الأخرس و نحوه- في الصورة التلفزيونية و إن كان البث مباشرا. بل لا إشكال في عدم الصحة مع سماعه من التسجيل، أو رؤيته في الصور التلفزيونية إذا لم يكن البث مباشرا.

(مسألة 34): إذا طلقها وكيل الزوج فلا بد من شاهدين غير الوكيل. و في الاكتفاء بكون أحدهما الزوج الموكّل أو وليه- إذا كان قد حضر و كان عادلا إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 35): لا يشترط في صحة الطلاق حضور المرأة المطلقة في مجلس الطلاق، و لا علمها به حين وقوعه، فضلا عن رضاها به أو إذنها فيه.

(مسألة 36): لا بد من إحراز الشروط المتقدمة بالوجه المقرر شرعا من قبل الزوج الموقع للطلاق أو وليه أو وكيلهما المفوض فيه، أما الوكيل علي إجراء الصيغة فقط فلا يشترط إحرازه لها، بل يكفي إحراز الموكّل، و مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 81

إحرازها يصح الطلاق ظاهرا و يعمل عليه. لكن لو انكشف الخطأ انكشف بطلان الطلاق

و عدم ترتب الأثر عليه، و بقاء المرأة علي الزوجية.

(مسألة 37): إذا أوقع الطلاق من دون إحراز للشروط من قبل المتولي له- المباشر أو الموكّل علي إجراء الصيغة فقط- لم يصح ظاهرا و لا يجوز ترتيب الأثر عليه، إلا أن يثبت بعد ذلك بالوجه الشرعي تحقق الشروط حين الطلاق.

هذا إذا كان المتولي للطلاق مترددا في صحة الطلاق حين إيقاعه بسبب عدم إحراز الشروط. أما إذا أوقعه جازما بصحته غفلة عن لزوم إحراز الشروط، ثم احتمل تحقق الشروط و صحة الطلاق فالظاهر البناء علي الصحة.

لكن يحسن جدا الاحتياط حينئذ.

(مسألة 38): إذا أحرزت الشروط حين الطلاق ممن يجب عليه إحرازها ثم شك في صحة الطلاق لاحتمال الخطأ في إحراز الشروط بني علي صحة الطلاق.

(مسألة 39): إذا علم بإيقاع الطلاق ممن له السلطنة عليه و شك في صحته و فساده بني علي الصحة.

(مسألة 40): إذا أخبر من له السلطنة علي الطلاق بإيقاع الطلاق قبل منه حتي لو كان بعد مضي زمان العدة، بأن ادعي أنه طلق قبل مدة تزيد علي زمان العدة. و إذا شك حينئذ في صحته بني علي الصحة. و كذا إذا علم بوقوع الطلاق و شك في صحته، و لا يجب الفحص و السؤال. نعم إذا علم بكذبه في إخباره أو علم ببطلان الطلاق فلا مجال لترتيب الأثر عليه.

(مسألة 41): إذا وقع الطلاق بوجه صحيح عند بعض فقهائنا باطل عند آخر صح ظاهرا عند من يري صحته من الفقهاء و مقلديهم، و بطل ظاهرا عند من يري بطلانه من الفقهاء و مقلديهم، و لا يلزم الكل أحد الوجهين بعينه. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 82

الحال لو كان الاختلاف للاختلاف في الموضوع، كما

لو كان الشاهدان عادلين عند بعض فاسقين عند آخر.

(مسألة 42): إذا أوقع المتولي للطلاق الطلاق بوجه لا تراه المرأة صحيحا لم يجز لها ترتيب الأثر عليه، و كان لها مطالبته بحقوق الزوجية، فإن امتنع رفعت أمرها للحاكم الشرعي، فينفذ عليهما حكم الحاكم ظاهرا، فإن كان مطابقا لما تراه المرأة كان للزوج التخلص بتجديد الطلاق، و إن كان مخالفا له كان للحاكم تخليصها من مشكلتها بإلزامه بالنفقة، فإن أبي ألزمه بطلاقها، فإن أبي طلقها عنه. و كذا الحال إذا أخبر بالطلاق و اعتقدت المرأة كذبه.

أما إذا انعكس الأمر بأن كان الطلاق ثابتا أو صحيحا عند المرأة و خالفها الرجل في ذلك، فإن ترافعا للحاكم فحكم للمرأة و اعتقد الرجل بقاء الزوجية فليس عليه من حقوق الزوجية شي ء لعدم مطالبتها بها و عدم تمكينها من نفسها. لكن ليس له ترتيب الأثر علي عدم الزوجية- فلا يتزوج الخامسة مثلا إلا أن يطلق.

و إن حكم الحاكم للرجل نفذ الحكم علي المرأة و وجب عليها التمكين مع المطالبة و حرم عليها ما زاد علي ذلك. و ينبغي لهما حينئذ حل مشكلتهما بما يناسب وضعهما معا بتجديد العقد أو الطلاق، و البعد عن التعنت و المضارة أو الخروج عن الميزان الشرعي الثابت في حق كل منهما.

و يجري نظير ذلك لو اختلفا في حصول النكاح أو في صحته، كما يظهر بالتأمل.

(مسألة 43): إذا طلق المخالف طلاقا يصح في مذهبه و لا يصح عندنا لم يصح طلاقه واقعا، فيجوز لزوجته المؤمنة أن تمكنه من نفسها لو لم يرتب هو الأثر علي ذلك الطلاق. لكن لنا إلزامه بصحته، فيجوز لزوجته إن كانت مؤمنة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 83

أن تتزوج من غيره بعد

الخروج من العدة، و يصح زواجها حينئذ، كما يجوز للمؤمن أن يتزوج زوجته التي طلقها مؤمنة كانت أو مخالفة. و إن استبصر بعد أن تزوجت زوجته التي طلقها فلا سبيل له عليها، و إن استبصر قبل أن تتزوج فلا ينفذ الطلاق عليه، بل تبقي المرأة زوجة له علي النحو الثابت عندنا. أما المؤمن فإنه إذا طلق علي مذهب المخالفين مخالفا لما عندنا لم ينفذ طلاقه لا في حقه و لا في حقنا و لا يجوز إلزامه به.

(مسألة 44): إذا طلق الكافر من غير أهل القبلة زوجته طلاقا صحيحا في دينه باطلا عندنا فطلاقه نافذ عليه و علي غيره مطلقا، سواء بقي علي دينه أم أسلم، و قد تزوجت المرأة أو لم تتزوج.

الفصل الثالث في أحكام الطلاق

(مسألة 45): الطلاق الفاقد للشرائط المتقدمة باطل لا يترتب عليه الأثر.

و هو المعروف عند المسلمين بالطلاق البدعي.

(مسألة 46): الطلاق الصحيح قسمان.

الأول: البائن، و هو الذي تخرج به المطلقة عن عصمة الزوج، فلا يشرع له الرجوع بها حتي لو كانت ذات عدة. و هو طلاق المرأة بعد بلوغها سن اليأس المتقدم، و طلاق الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين قمرية، و طلاق المرأة التي لم يدخل بها الزوج قبلا و لا دبرا. و طلاق الخلع و المبارأة، علي تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي. و الطلاق الثالث للحرة، و الثاني للأمة، علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: الرجعي، و هو الذي تبقي فيه المطلقة في عصمة الزوج فيشرع له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 84

الرجوع بها ما دامت في العدة، و هو ما عدا الأقسام السابقة.

(مسألة 47): لا يشرع الطلاق بعد الطلاق من دون أن يتخلل بينهما رجوع، فإذا قال:

أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، صح الأول و بطل ما بعده.

(مسألة 48): يصح الطلاق بعد الطلاق إذا تخلل بينهما الرجوع، و إن لم يتخلل بينهما المواقعة، بل و إن كانا في طهر واحد. فيصح طلاق المرأة ثلاثا بينها رجوعان من دون مواقعة في طهر واحد، و يكون الثالث بائنا لا رجوع معه في العدة، و إن كان الأولي أن يكون لكل طلاق طهر. بل الأولي أن تحصل المواقعة بعد الرجوع، فيطلقها ثم يراجعها و يواقعها، و ينتظر بها طهرا آخر، فيطلقها ثم يراجعها و يواقعها، و ينتظر بها طهرا آخر، فيطلقها الطلاق الثالث.

و هذا هو المعروف بطلاق العدة.

(مسألة 49): إذا طلق الرجل المرأة ثلاثا حرمت عليه في الثالثة حتي تنكح زوجا غيره، فيكون هو المحلل لها، سواء كان الرجوع المتخلل رجوعا من طلاق رجعي أم زواجا بعقد جديد، بعد الخروج من العدة أو بعد طلاق بائن.

هذا في الحرة، أما الأمة فإنّ زوجها إذا طلقها مرتين حرمت عليه حتي تنكح زوجا غيره. و حيث كان الابتلاء بذلك في عصورنا نادرا أو منعدما فقد أعرضنا عن بقية أحكامها.

(مسألة 50): من طلق امرأته طلاق العدة- الذي تقدم في آخر المسألة (4)- ثم تزوجت غيره و حللها ثم طلقها و تزوجها الأول، ثم طلقها طلاق العدة المتقدم أيضا، ثم تزوجت غيره و حللها ثم تزوجها الأول، ثم طلقها طلاق العدة المتقدم أيضا، فتمّ له طلاقها تسع تطليقات للعدة حرمت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 85

عليه مؤبدا. و المشهور اختصاص التحريم المؤبد بذلك، فلا تحرم بغيره من أقسام الطلاق مهما بلغ. و لكن الأحوط وجوبا التحريم المؤبد بالطلاق التاسع مطلقا و إن لم تكن التطليقات للعدة.

(مسألة 51): يشترط

في الزوج المحلّل للحرة بعد ثلاث تطليقات و للأمة بعد تطليقتين أمور.

الأول: أن يكون زواجه منها دائما، فلا يكفي الزواج المنقطع، فضلا عن ملك اليمين أو وطء الشبهة.

الثاني: أن يكون بالغا.

الثالث: أن يدخل بها و إن لم ينزل. نعم لا اعتبار بزواج الخصي منها و إن دخل بها.

الرابع: أن يكون الوطء في القبل، علي الأحوط وجوبا.

فإذا تمت هذه الشروط حصل التحليل، فإذا خرجت عن زوجيته بطلاق أو موت أو نحوهما حلّ للأول تزوّجها.

(مسألة 52): المحلّل المذكور كما يوجب سقوط حكم التطليقات الثلاث و يرفع التحريم الحاصل بها يرفع حكم التطليقة الواحدة و التطليقتين أيضا، فمن طلق امرأته تطليقة واحدة أو تطليقتين ثم تزوجت غيره بالنحو المذكور و طلّقت، فإذا تزوجها الأول لم تحرم عليه حتي يطلقها ثلاثا بعد زواجه منها، و لا تحرم بطلاقها مرة أو مرتين.

(مسألة 53): الرجوع إيقاع يتضمن الرجوع في الزوجية و رفع اليد عن الطلاق، و لا يشترط فيه قول مخصوص، بل يقع بكل ما يدل عليه، مثل:

رجعت بك، و رددتك، و أنت زوجتي، و غير ذلك مما يراد به الرجوع. بل يقع بالفعل المقصود به الرجوع، كما لو واقعها أو قبّلها بقصد الرجوع. أما لو فعل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 86

ذلك لا بقصد الرجوع فلا يتحقق به الرجوع إلا في المواقعة، فإنها تكون رجوعا و إن لم يقصد بها الرجوع. نعم الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا واقعها ملتفتا لكونها في العدة الرجعية، دون ما إذا نسي الطلاق أو تخيل أنها قد خرجت من العدة أو أن عدتها بائنة أو أنها امرأة أخري غير المطلقة، فيحتاط حينئذ بتجديد الرجوع أو الطلاق. بل لو لم يقصد المواقعة- كما لو

كان نائما أو ساهيا- أو واقع مكرها فالظاهر عدم حصول الرجوع، و لا يحتاج للاحتياط.

(مسألة 54): إذا طلق بالشرائط ثم أنكر الطلاق قبل خروج العدة الرجعية كان إنكاره بحكم الرجوع، سواء قصد به الرجوع، أم لم يقصد بأن وقع منه نسيانا للطلاق أو مكابرة فيه و كذبا.

(مسألة 55): لا يشترط في الرجوع المباشرة، بل يمكن التوكيل فيه فيقع من الوكيل بكل ما يدل علي الرجوع و يقصد به.

(مسألة 56): لا يشترط في الرجوع الإشهاد، نعم هو مستحب. و لو لم يشهد حين الرجوع استحب له الإشهاد بعده، بأن يقرّ أمام شاهدين عادلين بأنه قد سبق منه الرجوع.

(مسألة 57): يقبل قول الرجل في الرجوع ما دامت المرأة في العدة، فإذا خرجت من العدة لم يقبل منه دعوي الرجوع في العدة إلا بالبينة. و لا يقوم مقام البينة شهادة رجل و امرأتين، و لا شهادة رجل واحد و يمين الزوج.

(مسألة 58): إذا رجع الزوج في العدة و أشهد علي ذلك، لكنه كان متسترا به و طلب من الشهود الكتمان، فلم يبلغ ذلك المرأة حتي خرجت العدة، ففي صحة الرجوع حينئذ إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 59): يكره للرجل الرجوع في الطلاق إذا لم يكن له بالمرأة حاجة، و كان رجوعه لأجل تجديد الطلاق. بل يستحب له تركها حتي تخرج

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 87

من عدتها بالطلاق من دون رجوع، متحليا بالصبر و الأناة لتبقي لهما حرية الاختيار، لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا.

و لا ينبغي للمؤمن أن يسد علي نفسه بابا فتحه اللّه تعالي له- توسعة عليه و رحمة به- في موقف انفعالي قد يدفع الشيطان له لا يستطيع بعد ذلك تداركه.

(مسألة 60): يكره للمريض طلاق

زوجته، فإن طلقها توارثا في العدة الرجعية مطلقا، و لا يرثها هو في غيرها كما هو الحال في الصحيح. أما هي فترثه- و إن كان الطلاق بائنا- إلي سنة من حين الطلاق إلا في موارد.

الأول: أن يصح من مرضه قبل السنة ثم يموت.

الثاني: أن تتزوج بغيره بعد الخروج من العدة في أثناء السنة. أما الزواج منه- دواما أو متعة- فلا يسقط ميراثها منه إلي السنة. بل لو كان دواما و دخل بها ورثته حتي لو مات بعد السنة.

الثالث: أن يكون الطلاق بعد مراجعتها و رضاها، أو كان خلعا أو مبارأة.

بل الظاهر عدم كراهة الطلاق منه حينئذ من حيثية المرض.

الفصل الرابع في العدة

تجب العدة علي المرأة بأمور.

الأول: وفاة الزوج.

الثاني: الخروج عن الزوجية- مع حياة الزوج- بأحد أمور.

أولها: الطلاق في الزواج الدائم.

ثانيها: انقضاء الأجل أو هبة المدة في المنقطع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 88

ثالثها: فسخ النكاح بأحد العيوب المتقدمة.

رابعها: بطلان النكاح، كما لو أرضعت إحدي الزوجتين الأخري حتي صارت اما لها، أو ارتد أحد الزوجين، علي التفصيل المتقدم في بحث حرمة النكاح بالكفر، أو غير ذلك من أسباب البطلان.

الثالث: وطء الشبهة.

إذا عرفت هذا فعدة الوفاة تثبت مطلقا، سواء كانا صغيرين أم كبيرين أم مختلفين، و سواء كانا مسلمين أم كافرين أم مختلفين، و سواء دخل بها أم لا.

أما غيرها فهي مشروطة بأمرين.

الأول: أن تكون المرأة في سن الحيض، فلا عدة علي الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين قمرية، و لا علي اليائسة التي خرجت عن سن الحيض ببلوغ ستين سنة قمرية في القرشية و خمسين في غيرها.

الثاني: الدخول قبلا أو دبرا، فلا عدة علي غير المدخول بها. نعم الأحوط وجوبا مع دخول مني الرجل في فرج المرأة

من غير وطء الجمع بين تكاليف المعتدة و غيرها، فلا تتزوج في مدة العدة مثلا و لا يرجع بها الزوج لو طلقها.

(مسألة 61): عدة الحرة المطلقة التي تحيض ثلاثة أطهار، و هي ما بقي من الطهر الذي طلقت فيه و طهران بعده، و تنتهي عدتها بأن ينزل عليها الدم من الحيضة الثالثة. فلها أن تتزوج حال الحيض حينئذ علي كراهة، لكن يحرم عليها أن تمكن زوجها من وطئها حتي تطهر.

(مسألة 62): تعتد الكافرة الحرة المطلقة بثلاثة أطهار من حين طلاقها إذا أسلمت قبل مضي طهرين من طلاقها، بل و إن لم تسلم علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 89

(مسألة 63): تعتد الأمة المطلقة بطهرين، و تخرج عن العدة بنزول الدم من الحيضة الثانية، إلا أن تعتق قبل ذلك فتتم عدة الحرة.

(مسألة 64): إنما يحسب الطهر الذي وقع فيه الطلاق من العدة إذا بقي منه شي ء بعد الطلاق. أما إذا كان الطلاق في آخر الطهر بحيث كان التحيض مقارنا للفراغ من الطلاق فلا يحسب ذلك الطهر من العدة، بل تبدأ العدة بالطهر الذي يكون بعد ذلك الحيض.

(مسألة 65): عدة المتمتع بها التي تحيض طهران، فإن خرجت عن الزوجية- بانتهاء المدة أو هبتها- في طهر كان عليها إكماله و إكماله الطهر الثاني فتخرج عن العدة بالحيضة الثانية، و إن خرجت عنها في آخر الطهر أو في أثناء الحيض كان عليها إكمال طهرين، فتخرج عن العدة بالثالثة.

(مسألة 66): تقدم في فصل شروط الطلاق أن المسترابة- و هي التي لا تحيض و هي في سن من تحيض- لا تطلق إلا بعد أن تستبرأ بأن يعتزلها الزوج و لا يطأها ثلاثة أشهر، فإذا طلقها و كانت حرة

فعدتها ثلاثة أشهر قمرية و لو ملفقة، و إن كانت أمة فعدتها شهر و نصف.

(مسألة 67): عدة المتمتع بها إذا كانت مسترابة شهر و نصف.

(مسألة 68): لا فرق في التي لا تحيض و هي في سن من تحيض بين من يتعارف ذلك منها في سنها- كالمرأة في أول بلوغها و في آخر أيام حيضها و من يتعارف ذلك منها لرضاع و نحوه، و من ينقطع حيضها لعارض خاص من مرض أو نحوه. نعم إذا احتمل أن انقطاع حيضها للحمل فإنها تنتظر أقصي الحمل من حين المواقعة الأخيرة، و هو سنة، فإن ظهرت حاملا و إلا انكشف أن عدتها ثلاثة أشهر أو شهر و نصف.

(مسألة 69): من تحيض كل ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر إن كان طلاقها في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 90

أول الطهر فمضي لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما كانت عدتها الأشهر المذكورة لا غير. و إن كانت تري الدم في أقل من ثلاثة أشهر فلا يتم لها طهر ثلاثة أشهر كانت عدتها ثلاثة أطهار. و إن كانت أطهارها مختلفة بالطول و القصر تعتد إلي أسبق الأمرين من ثلاثة أشهر بيض و ثلاثة أطهار، فأيهما سبق تمت به عدتها. و عليه قد تكون عدتها مركبة من طهر أو طهرين و ثلاثة أشهر بيض.

نعم إذا كانت شابة مستقيمة الحيض، فلم تحض في ثلاثة أشهر إلا حيضة واحدة، ثم انقطع حيضها و جهل سببه، فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلاقها، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتكون عدتها سنة.

(مسألة 70): من كانت عدتها طهرين أو شهرا و نصفا- كالمتمتع بها و الأمة المطلقة- إذا كانت تحيض كل ثلاثة أشهر أو أكثر أو

أقل فالظاهر أن عدتها طهران، و لا تعتد بشهر و نصف أبيض لو سبق لها قبل إكمال الطهرين.

(مسألة 71): المستحاضة التي يستمر بها الدم تمام الشهر ترجع في تعيين أيام حيضها إلي ما تقدم في مبحث الحيض من كتاب الطهارة، فلا تطلق فيها، بل تطلق في الأيام المحكومة بأنها طهر. و الأحوط وجوبا أن لا تتحيض بالأطهار إن كانت حرة مطلّقة، بل بثلاثة أشهر، خصوصا إذا كانت تتحيض بالعدد، لعدم كونها ذات عادة سابقه، و لا ذات تمييز و ليس وظيفتها الرجوع لأقاربها.

أما إذا كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة فالأحوط وجوبا أن تعتد بأبعد الأجلين من الطهرين و الشهر و النصف، فإذا بدأت عدتها في أول الطهر تكمل الطهر الثاني و لا تكتفي بشهر و نصف، و إذا بدأت عدتها بأواخر الطهر تكمل شهرا و نصفا و لا تكتفي بإكمال الطهر الثاني.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا في التي تحيض في الشهر مرارا أن تعتد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 91

بأبعد الأجلين و هو الشهور، فتعتد بثلاثة شهور إن كانت حرة مطلقة، و بشهر و نصف إن كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة.

(مسألة 73): المطلقة الحرة إذا كانت صغيرة و هي في سن من تحيض فاعتدت بشهر ثم حاضت لم يحسب الشهر من عدتها، بل تستأنف عدتها بالأطهار فتعتد بثلاثة أطهار بعد الحيض الذي وقع عليها. و هو الأحوط وجوبا في كل من تكون عدتها بالشهور إذا فجأها الحيض قبل إكمال عدتها.

(مسألة 74): من تكون عدتها بالأطهار إذا بدأت عدتها بطهر أو طهرين ثم انقطع حيضها تلغي الأطهار ثم تستأنف عدتها بالشهور، إلا أن تكون طاعنة في السن بحيث يكون انقطاع حيضها لانتهائه عادة لا

لاضطرابه فإنها لا تلغي ما تعتد به من الأطهار، بل تكمل عدتها بالشهور، فإذا اعتدت بطهر و حاضت حيضة واحدة ثم انقطع حيضها أتمت عدتها بشهرين، و إذا اعتدت بطهرين و حاضت حيضتين ثم انقطع حيضها أتمت عدتها بشهر، سواء بلغت سن اليأس أم لا.

هذا، إذا كانت حرة مطلقة أما إذا كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة فإنها إذا اعتدت بطهر واحد و حاضت حيضة واحدة ثم انقطع حيضها بالنحو المذكور تلغي الطهر و تستأنف عدتها بشهر و نصف.

(مسألة 75): عدة الحامل من الطلاق وضع الحمل و إن كان بعد الطلاق بلحظة.

(مسألة 76): لا فرق في وضع الحمل بين كونه تاما و كونه سقطا إذا علم أنه مبدأ تكون آدمي.

(مسألة 77): إذا كانت حاملا بأكثر من واحد بانت من زوجها- إن كانت العدة رجعية- بوضع الأول، فلا يجوز لزوجها الرجوع بها حينئذ، لكن لا يحل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 92

لها الزواج حتي تضع ما بقي من حملها.

(مسألة 78): الأحوط وجوبا في المتمتع بها إذا كانت حاملا أن تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل و عدتها إذا لم تكن حاملا.

(مسألة 79): الاعتداد بوضع الحمل يختص بما إذا كان الحمل محكوما شرعا بأنه من صاحب العدة، كالمطلّق، أما إذا كان من غيره لشبهة أو زنا فلا دخل له في العدة، بل عدتها حينئذ الأطهار أو الشهور، علي ما تقدم. هذا مع الدخول أما بدونه فلا عدة، كما تقدم.

(مسألة 80): إذا توفي الزوج اعتدت زوجته أربعة أشهر و عشرة أيام، سواء كان الزواج دائما أم منقطعا، و سواء كان الزوجان كبيرين أم صغيرين، و مسلمين أم كافرين، و حرين أم مملوكين أم مختلفين في الكل.

هذا إذا

لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة و وضع الحمل.

(مسألة 81): إذا طلقت المرأة و مات زوجها في العدة البائنة أتمت عدتها و لم تعتد للوفاة. أما إذا مات في العدة الرجعية فإن عليها أن تعتد عدة الوفاة.

هذا و ربما زاد ما بقي من عدتها عن عدة الوفاة، كما لو كانت تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فمات زوجها و هي في طهرها الأول، و حينئذ فالأحوط وجوبا أن تتمه بعد عدة الوفاة.

(مسألة 82): إذا طلقت زوجة الغائب بعد الفحص عنه وجب عليها أن تعتد بقدر عدة الوفاة، كما تقدم في أول كتاب الطلاق.

(مسألة 83): يجب علي المرأة في عدة الوفاة الحداد بترك الطيب و الزينة في البدن و اللباس، و يجوز لها الغسل و التنظيف و التمشط و تقليم الأظفار و نحو ذلك مما لا يعد زينة عند العرف، بل حتي مثل الاكتحال إذا لم يكن للزينة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 93

لحاجتها إليه أو لتعارفه من دون أن يعد زينة عرفا.

(مسألة 84): يجوز لها الاعتداد في بيت زوجها و في أي بيت شاءت، بل لها أن تقضي عدتها في بيوت متعددة كل مدة في بيت. و يجوز لها الخروج من البيت الذي تعتد فيه، نعم هو مكروه إلا أن تكون في حاجة لذلك أو لأداء حق أو في طاعة، و لو تيسر لها أداء ذلك بالخروج بعد نصف الليل و الرجوع في اليوم الثاني عشاء كان أولي.

و أما ما شاع عند كثير من عوام الناس من أن عليها الاعتزال و الاحتجاب حتي لا يري شخصها من ليس محرما لها و لا يسمع صوتها و لا يري

ما يحل كشفه من بدنها، و غير ذلك من القيود فليس له أصل شرعي.

(مسألة 85): الحداد ليس شرطا في العدة، بل هو واجب فيها، فعدم قيامها به جهلا أو عمدا لا يبطل العدة، و لا يجب معه قضاؤها.

(مسألة 86): لا يجب الحداد علي الأمة، و لا علي الصغيرة و المجنونة، كما لا يجب علي وليهما أو غيره إلزامهما به.

(مسألة 87): لا يجب الحداد علي المعتدة في غير عدة الوفاة، بل يستحب لذات العدة الرجعية أن تتجمل و تتزين لزوجها.

(مسألة 88): تثبت عدة الطلاق في كل ما يوجب الفراق بعد الزواج الدائم، كفسخ النكاح بأحد العيوب المتقدمة، و بطلانه بعروض أحد أسباب البطلان كالرضاع المحرّم. فإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بالأقراء، و إن كانت من ذوات الشهور اعتدت بالشهور، و إن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل. و أما لو عرضت هذه الأمور علي الزواج المنقطع فعدتها عدة المتمتع بها المتقدمة.

(مسألة 89): هذه العدة بائنة تخرج بها المرأة عن عصمة الزوج. و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 94

يجري عليها حكم العدة الرجعية.

(مسألة 90): تثبت عدة الطلاق المتقدمة علي المرأة الحرة بوطء الشبهة، سواء كانت الشبهة لتوهم وقوع العقد مع عدم وقوعه، كما لو اشتبهت علي الرجل زوجته بغيرها فوطأها، أم لتوهم صحة العقد الباطل، كما لو تزوج ذات الزوج لتوهم خروجها عن عصمته، أو ذات العدة لتوهم عدم العدة، أو لتوهم عدم مانعية العدة من الزواج.

(مسألة 91): إذا كانت الموطوءة بالشبهة خلية غير ذات زوج حرم عليها الزواج في عدتها، و إن كانت مزوجة حرم علي زوجها وطؤها في عدتها، بل الأحوط وجوبا اعتزاله لها فلا يستمتع بها بقية الاستمتاعات، بل الأحوط وجوبا أيضا

عدم نظره إلي ما يحرم علي غيره النظر إليه منها.

(مسألة 92): المدار في وطء الشبهة علي الشبهة من جانب الرجل، فمع الشبهة من طرفه تثبت العدة و إن كانت المرأة متعمدة الحرام، و مع عدم الشبهة من طرفه لا تثبت العدة و إن كانت المرأة في شبهة.

(مسألة 93): لا عدة مع الزنا و لا استبراء، نعم يستحب استبراء المزني بها من ماء الفجور، بل هو الأحوط استحبابا، خصوصا إذا كان الزاني هو الذي يريد التزويج بها.

(مسألة 94): لا تعتد الموطوءة شبهة عدة الوفاة لموت الواطئ قبل ارتفاع الشبهة و لا لموته في العدة بعد ارتفاع الشبهة.

(مسألة 95): إذا اجتمعت عدة وطء الشبهة مع عدة أخري للمرأة تتداخل العدتان، سواء كانتا من سنخ واحد، كما لو وطأها رجل شبهة و وطأها آخر شبهة أيضا، أو وطأها الواطئ نفسه في عدته، أم من سنخين، كما لو طلق الزوج المرأة بائنا ثم وطأها هو أو غيره شبهة، أو وطئت ذات الزوج من غيره

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 95

شبهة فطلقها الزوج أو مات عنها، و غير ذلك. مثلا لو وطأها رجل شبهة فشرعت في العدة ثم وطأها آخر بعد مضي شهر من العدة وجب عليها الاعتداد ثلاثة أشهر لوطء الثاني و لا يجب عليها إكمال عدة الأول ثم استئناف عدة الثاني.

(مسألة 96): مبدأ عدة الطلاق و الفسخ و بطلان عقد النكاح من حين حصول السبب، سواء بلغها الخبر حينه أم بعده، قبل مضي مقدار العدة أو بعده، فإذا بلغها بعد مضي زمان العدة فلا عدة عليها. نعم لو جهلت تاريخ حصول السبب بنت علي تأخره.

(مسألة 97): مبدأ عدة الوفاة علي المرأة من حين يبلغها خبر وفاة زوجها،

لا من حين نفس الوفاة، من غير فرق بين الغائب و الحاضر، حتي لو كانت المدة بين الوفاة و حصول الخبر قريبة كثلاثة أيام أو أربعة علي الأحوط وجوبا. كما أن الأحوط وجوبا العموم لمن لا يجب عليها الحداد كالأمة و الصغيرة.

(مسألة 98): المراد ببلوغ الخبر وصول ذلك إليها بعلم أو حجة معتبرة يعمل عليها.

(مسألة 99): مبدأ عدة وطء الشبهة من حين ارتفاع الشبهة و ظهور الحال، لا من حين آخر وطء. و لو توفي الواطئ و الشبهة باقية كان مبدأ العدة الوفاة، لكن العدة حينئذ عدة الطلاق لا عدة الوفاة كما سبق.

(مسألة 100): جميع أنواع العدة المتقدمة بائنة، إلا عدة الطلاق الرجعي و قد تقدم بيانه في أول الفصل الثاني.

(مسألة 101): الطلاق البائن تخرج به المرأة عن عصمة الزوج و تصير أجنبية فليس له النظر إليها، و لا يجب عليه نفقتها و لا إسكانها، و لها الخروج من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 96

بيتها بغير إذنه، و لا تجب عليها طاعته، و له أن يتزوج الخامسة لو كانت هي الرابعة و غير ذلك. نعم ترثه إلي سنة إذا طلقها و هو مريض، علي تفصيل تقدم في آخر كتاب الطلاق كما أن الأحوط وجوبا عدم تزوج إحدي الأختين في عدة أختها من النكاح المنقطع و إن كانت بائنة، و اعتزال الزوجة بوطء أختها أو أمها شبهة حتي تنقضي عدة الوطء من الشبهة.

(مسألة 102): تبقي المرأة في عصمة الزوج في العدة الرجعية و هي بمنزلة الزوجة، فليس له الزواج بأختها، و لا بالخامسة إذا كانت هي الرابعة، و يتوارثان إذا مات أحدهما في العدة، و يجوز له الدخول عليها بغير إذنها، كما يجوز لها إبداء

زينتها له، بل هو مستحب- كما تقدم- و يجب عليها طاعته، و إجابته لمواقعتها لو طلب ذلك و تكون مواقعته لها رجوعا بها كما تقدم، كما يجب عليه نفقتها و إسكانها، معه و لا يجوز له إخراجها من بيته و ترك إسكانها معه مراغما لها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، و الأحوط وجوبا الاقتصار في الفاحشة المبينة علي القبيح من القول و الفعل مما يتعلق بالجنس. أما لو تراضيا بعدم إسكانه لها و سكناها منفصلة فلا بأس.

(مسألة 103): لو أسكنها معه لم يجز لها الخروج بغير إذنه، إلا لضرورة لا تستطيع معها استئذانه، أما مع إذنه فلا بأس بخروجها، كالزوجة.

(مسألة 104): إذا طلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا و رجع بها ثم طلقها طلاقا خلعيا أو غير خلعي- قبل الدخول وجب عليها استئناف عدة تامة، و لا يكون طلاقا بلا عدة، كما لا يكفي إكمال العدة الأولي التي انقطعت بالرجوع.

(مسألة 105): لا تعتد المرأة من صاحب العدة، فله أن يتزوجها في عدتها البائنة- إذا لم تحرم عليه من جهة أخري- كعدة الطلاق الخلعي، و عدة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 97

العقد المنقطع، و عدة فسخ النكاح أو بطلانه بأحد موجبات البطلان، و عدة وطء الشبهة.

لكن لو تزوجها دواما أو متعة ثم خرجت عن عصمته قبل الدخول- بالطلاق أو هبة المدة أو فسخ النكاح أو بطلانه- لم تحل لغيره حتي تستكمل عدتها الاولي بعد احتساب مدة زواجها الثاني منها. مثلا: إذا كانت المرأة ممن تعتد من الطلاق بثلاثة أشهر، فطلقها زوجها- بعد الدخول- طلاقا خلعيا في أول شهر رجب ثم عقد عليها في أول شهر شعبان ثم طلقها في أول شهر رمضان قبل الدخول بها، لم

يحل لغيره أن يتزوجها إلا في شهر شوال بعد إكمال عدتها الأولي التي بدأت بشهر رجب.

و إذا كانت المرأة ممن تعتد من العقد المنقطع بشهر و نصف فوهبها المدة- بعد الدخول- في أول شهر شوال، ثم عقد عليها في نصف شهر شوال متعة، ثم وهبها المدة من دون أن يدخل بها في آخر شهر شوال لم يحل لغيره أن يتزوجها إلا بعد خمسة عشر يوما من شهر ذي القعدة.

و ربما يتوهم سقوط عدة الفراق الأول بالزواج الثاني و عدم العدة بالفراق من الزواج الثاني لأنه قبل الدخول، فتحل لكل أحد بمجرد الفراق، حتي قيل:

إن المرأة الواحدة تدور علي جماعة في ليلة واحدة، فيعقد عليها أحدهم و يدخل بها ثم يهبها المدة و يعقد عليها ثانيا ثم يهبها المدة قبل الدخول فيعقد عليها الثاني و يدخل بها، ثم يهبها المدة و يعقد عليها ثانيا ثم يهبها المدة قبل الدخول، و يعقد عليها الثالث، و هكذا حتي تدور علي الجماعة كلهم.

و إن صح ذلك فهو من الفجائع الفضيعة و المنكرات الشنيعة، و إن كان هناك من يفتي بجوازه كان شاهد عيان علي نقصان الإنسان، و أن غير المعصوم قد يتعرض للخطإ الفاضح و الغفلة العجيبة ليكون ذلك عبرة تمنع من الإغراق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 98

في حسن الظن بغير المعصوم مهما بلغ شأنه، و داعيا للتثبت عند الفتوي و عدم التسرع فيها حذرا من سقطات الوهم و عثرات الفكر و النظر. و نسأله سبحانه و تعالي التسديد و التوفيق لتحقيق الحقائق، و نعوذ به من الخطل و الزلل في القول و العمل، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الفصل الخامس في الخلع و المبارأة

و هما نوعان من الطلاق يبتنيان علي

طلب الزوجة من الزوج أن يفارقها مع بذلها له مالا من أجل ذلك، فيكون فراقه لها إجابة لطلبها و رضي بعرضها.

(مسألة 106): لما كان الخلع و المبارأة من أنواع الطلاق فلا بد فيهما من الشروط المتقدمة في الطلاق نفسه، كالإشهاد، و في المطلق، كالبلوغ و العقل و القصد و عدم الإكراه، و في المطلقة، ككونها في طهر لم يواقعها فيه، إلا ما استثني كالحامل و الصغيرة و غيرهما، علي التفصيل المتقدم في الطلاق.

(مسألة 107): يشترط في الخلع أن تكون المرأة كارهة لعلقة الزوجية بينها و بين الرجل، بنحو يؤدي ذلك إلي امتناعها عن القيام بحقوقه و التعدي عليه و عصيان اللّه تعالي فيه و انتهاك حدوده، أو بحيث تهدد الزوج بذلك جادة به. و لا يكفي كراهتها للعلقة المذكورة إذا كانت ملتزمة بأداء حقوق الزوج تدينا أو تجملا، بل حتي لو احتمل أداء الكراهة للتفريط بحقوقه من دون أن تهدد بذلك جادة به. بل لا يشرع الخلع لو لقنها غيرها و حملها علي أن تهدد بذلك من دون أن يحرز قناعتها به و عزمها علي الجري عليه.

(مسألة 108): يشترط في المبارأة كراهة كل من الزوجين للآخر و إن لم يبلغ حد التعدي من أحدهما علي الآخر و التفريط بحقه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 99

(مسألة 109): لا يشرع الخلع و المبارأة لتفادي مشاكل اخري علي المرأة تابعة لعلقة الزوجية من دون كراهة لها، بأن صعب عليها مثلا أداء بعض حقوق الزوج أو السفر معه أو معاشرة أهله، فضلا عما إذا كان ذلك منها لأمر خارج عن العلقة الزوجية، كاستجابة لطلب أهلها أو لعرف عشائري أو خوف من ظالم أو رغبة في خير موعود به،

أو غير ذلك.

(مسألة 110): يحرم علي الزوج التعدي علي زوجته و التضييق عليها من أجل أن تتخلص منه ببذل مالها، ففي ذلك استغلال لضعفها، و هو من أفحش الظلم، و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و من أضرّ بامرأة حتي تفتدي نفسها منه لم يرض اللّه له بعقوبة دون النار، لأن اللّه يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم.

ألا و إن اللّه و رسوله بريئان ممن أضرّ بامرأته حتي تختلع منه». و كذا الحال في غير الزوج ممن يتدخل بين الزوجين و يسعي لحمل الزوجة- بالترغيب و الترهيب و المضايقات- علي البذل و طلب الطلاق. و لو سولت النفس و غرّ الشيطان الزوج أو غيره فأجرم و فعل ذلك فطلبت الطلاق و بذلت لم يحل للزوج ما بذلت و لم يقع الخلع و لا المبارأة.

نعم إذا أدي ذلك إلي حصول شرط الخلع أو المبارأة بالنحو المتقدم فبذلت حلّ المال و صح أحد الأمرين، و تحمل المسبب لذلك إثم هذه الجريمة.

(مسألة 111): حيث تقدم ابتناء الخلع و المبارأة علي بذل المال من قبل الزوجة، فلا بد من كون الشي ء المبذول مما يصح التعارض به شرعا، عينا كان أو منفعة أو حقا، دون مثل الخمر و الخنزير. كما لا بد من كونه معينا، و لا يكفي المردد، كأحد الثوبين أو ما يطلبه الزوج. نعم لا بأس بجهالته مع تعيينه، كما لو بذلت مجموعة من الأوراق النقدية من دون أن يعرف قدرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 100

(مسألة 112): لا حدّ في الفداء من حيثية القلة و الكثرة. نعم لا بد في المبارأة من أن لا يتجاوز الفداء مقدار المهر، و لا بأس في الخلع

بزيادته عن ذلك.

(مسألة 113): لا بد من كون الفداء الذي تبذله المرأة مالا لها تملكه قبل البذل أو تجعله عليها و في ذمتها عند البذل. و لا يصح أن تبذل مال غيرها حتي لو كان بإذنه. نعم لو أذن لها في تملكه و بذله فتملكته و بذلته فلا إشكال.

(مسألة 114): لا بد من كون الطالب للفراق الباذل من أجله هو الزوجة، و لا يجزئ طلب غيرها- كأبيها و عشيرتها- حتي لو كانت كارهة بالوجه المتقدم و كان الفداء ملكا لها و بذله بإذنها. نعم إذا كان الغير وكيلا عنها في طلب الفراق و بذل الفداء أجزأ طلبه و بذله.

(مسألة 115): لا بد في الخلع و المبارأة من أن يكونا مرتبطين بالبذل متفرعين عليه، نظير ارتباط القبول بالإيجاب، فلا يكفي فيهما العلم برضا المرأة بالفداء من دون أن تبذله فعلا، و كذا إخبارها للزوج بأنها مستعدة للبذل في سبيل فراقها، بل لا يصح به الخلع و لا المبارأة ما لم يتحقق منها البذل بالفعل فيخلعها أو يبارئها استجابة لها.

(مسألة 116): يشرع الإتيان بصيغة الخلع و المبارأة بأحد وجهين.

الأول: أن يأتي بصيغة الطلاق، فيقول: أنت طالق علي ما بذلت، أو فلانة طالق علي ما بذلت.

الثاني: أن ينشئ الفراق خاليا عن صيغة الطلاق، و يجزئ فيه كل ما يدل علي إخراجها عن زوجيته و حبالته و عصمته من غير أن يتضمن فسخ عقد النكاح و حله.

فيقول في الخلع: خلعتك علي كذا، أو أنت مختلعة علي كذا، أو خلعت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 101

فلانة علي كذا، أو هي مختلعة علي كذا، و يقول في المبارأة: بارأت فلانة علي كذا، أو بارأتك علي كذا. أو يقول فيهما معا:

فارقتك علي كذا أو فارقت فلانة علي كذا أو تركتك علي كذا أو تركت فلانة علي كذا. بل لو قالت في مقام البذل: اخلعني علي كذا، أو: بارئني علي كذا، أو: لك كذا و اخلعني، أو بارئني، أو فارقني، فقال قاصدا إنشاء الخلع أو المبارأة: رضيت بذلك، بحيث تحقق منهما معا الرضا بذلك كفي في تحقق أحد الأمرين، بلا حاجة حينئذ إلي إنشاء الفراق من الزوج ابتداء.

و لا يحتاج في الوجه الثاني إلي الإتيان بعد ذلك بصيغة الطلاق. نعم هو أحوط استحبابا خصوصا في المبارأة، فيقول- بعد تمامية الخلع أو المبارأة بإحدي العبارات المتقدمة في الوجه الثاني و مع بقاء شروط الطلاق- كحضور الشاهدين و طهر المرأة-: فلانة طالق، أو: أنت طالق.

(مسألة 117): لا بد في الخلع و المبارأة من التنجيز، فلا يصحان معلقين علي أمر مستقبل أو حاضر مجهول الحصول. نعم لا بأس بتعليقهما علي أمر حاضر معلوم الحصول، كما لا بأس بتعليقهما علي ما يتوقف صحتهما عليه، كما لو قال: خلعتك أو بارأتك إن كنت كارهة لي، أو إن كنت زوجتي. و بذلك يفترقان عن الطلاق، حيث تقدم عدم صحة تعليقه حتي علي ما يتوقف صحته عليه.

(مسألة 118): لا تشترط المباشرة في الخلع و المبارأة، بل يمكن لكل من الطرفين التوكيل في طلب الفراق و البذل، و في إيقاع الفراق استجابة للطلب و مبتنيا علي البذل.

(مسألة 119): إذا خلعها أو بارأها علي ما لا يصح التعاوض به شرعا كالخمر و الخنزير- لم يصح الخلع و لا المبارأة، كما لا يقع طلاقا بلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 102

عوض، بل تبقي المرأة زوجة. من دون فرق بين إقدامهما علي ذلك عمدا و عدمه،

بأن وقع ذلك منهما خطأ جهلا بالحكم أو الموضوع. و كذا الحال إذا لم تكن الفدية ملكا للمرأة، بل مملوكة لغيرها أو وقفا. نعم لو كان قد أتبعها بالطلاق المجرد- كما تقدم أنه مقتضي الاحتياط في الوجه الثاني- صح الطلاق و كان رجعيا أو بائنا حسب اختلاف الموارد.

(مسألة 120): إذا ظهر بعد الخلع أو المبارأة أن الفدية معيبة أو علي خلاف ما وصفت لم يبطل الخلع و لا المبارأة. و في استحقاق الرجل الأرش أو التبديل إشكال، فاللازم الاحتياط. هذا إذا كانت الفدية شيئا معينا في الخارج كثوب خاص، أما إذا كانت أمرا كليا في ذمة المرأة كعشرة مثاقيل من الذهب، فسلمت للرجل فردا معيبا أو مخالفا للوصف فلا إشكال في استحقاق الرجل التبديل، و إن تعذر علي المرأة التبديل كان عليها إرضاء الرجل و لو بالمصالحة معه علي شي ء من المال.

(مسألة 121): تعتدّ المرأة من الخلع و المبارأة عدة الطلاق إذا كانت ممن تعتدّ في الطلاق، كالمدخول بها و هي في سن الحيض، إلا أن عدتها بائنة، حتي لو كانت المرأة بحيث لو طلقت من دون خلع و لا مباراة لكان طلاقها رجعيا، فتجري عليها أحكام العدة البائنة، كعدم جواز الرجوع للرجل فيها، و عدم التوارث بينهما لو مات أحدهما في أثنائها، و غير ذلك.

(مسألة 122): للمرأة الرجوع في الفدية ما دامت في العدة بشرطين.

الأول: بقاء الفدية في ملك الزوج، فلو خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف فلا مجال لرجوعها بها. هذا إذا كانت عينا خارجية كثوب خاص. أما إذا كانت أمرا كليا فسلمته فردا منه فخرج عن ملكه ففي صحة رجوعها به مع تكليف الرجل أن يدفع إليها فردا آخر إشكال،

فلا يترك الاحتياط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 103

الثاني: أن يشرع للرجل الرجوع بالمرأة. و لا بد في ذلك من أمرين.

أحدهما: كون المرأة لو طلقت من دون خلع و لا مباراة لكان طلاقها رجعيا.

ثانيهما: عدم حصول ما يمنع من الرجوع فيها، كما لو تزوج أختها، أو صار له أربع زوجات دائمة غيرها، أو أرضعت هي زوجته فصارت أمها بالرضاع، أو نحو ذلك.

هذا، و يشترط في الخلع شرط ثالث، و هو أن تقلع عن التعدي علي حقه و تتوب من معصية اللّه تعالي فيه.

(مسألة 123): إذا كانت المرأة قد تزوجت من دون ذكر مهر فاختلعت قبل الدخول لم يكن لها متعة، بخلاف ما لو طلقت بلا عوض، فإنها تمتع كما سبق في المهور.

(مسألة 124): الخلع و المبارأة و إن لم يجبا علي الزوج عند بذل المرأة، إلا أنه إذا توقف حل المشكلة علي أحدهما فلا ينبغي له التعنت و التصلب إحراجا للمرأة أو تشفيا منها، فإن اللّه تعالي إنما شرعهما لحل المشاكل المستعصية حذرا من انتهاك حرماته و تعدي حدوده، و ليتسني لكل من الزوجين أن يعيش تجربة أخري قد يحصل بها علي البيت السعيد و العيش الرغيد. قال جلت آلاؤه و عظمت نعماؤه وَ إِنْ يَتَفَرَّقٰا يُغْنِ اللّٰهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ وٰاسِعاً حَكِيماً و لم يجعل اللّه تعالي الأمر للرجل من أجل أن يتعنت و يستغل موقعه، إجحافا بالمرأة و استهوانا بها، بل لأنه الأرشد و الأقدر علي ملاحظة مقتضيات الحكمة و العمل عليها. فينبغي له أن يؤدي شكر نعمة اللّه تعالي عليه في ذلك بأن يقوم بمقتضي مسئوليته و يخرج عن عهدتها.

(مسألة 125): إذا لم تتم شروط الخلع و المبارأة

لم يشرع الطلاق بالعوض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 104

المبذول من المرأة أو غيرها، و انحصر الأمر بالطلاق المجرد عن العوض. نعم يمكن بذل العوض للزوج من المرأة أو غيرها و تمليكه له بشرط الطلاق، فإذا قبل الزوج بذلك وجب عليه الطلاق وفاء بالشرط، فلو لم يطلق كان عاصيا، و كان للباذل الرجوع في البذل. و إن طلق جري عليه حكم الطلاق بلا عوض، الذي قد يكون رجعيا، كما لو كانت المرأة مدخولا بها و في سن من تحيض و كان هو الطلاق الأول أو الثاني. و حينئذ يكون للزوج الرجوع، إلا أن يشترط عليه عند البذل و التمليك عدم الرجوع حينئذ، فيلزمه الشرط و يحرم عليه الرجوع. لكن لو عصي و رجع ففي نفوذ رجوعه إشكال، و اللازم الاحتياط.

نعم لا ينبغي سلوك هذا الطريق، إلا عند ضرورة تسوغ تقويض بيت الزوجية من دون أن يلزم حيف علي المرأة، و إلا تحمل من يقوم بذلك مسئولية جسيمة و إن كانت المعاملة صحيحة و الشرط نافذا.

و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الفصل السادس في الظهار

و هو تشبيه من يحل نكاحها بالفعل- من زوجة أو أمة- بإحدي المحارم بقصد تحريمها عليه، علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و هو من مبتدعات الجاهلية، و قد استنكره اللّه تعالي لما فيه من تحريم ما أحلّ، قال عز من قائل الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلَّا اللّٰائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً. و قد عاقب اللّه تعالي من أقدم عليه بإلزامه بما قال و تحريم من حرّمها علي نفسه حتي يكفّر. فحريّ بالمؤمن أن يتجنب ذلك

و يتثبت في أفعاله و أقواله، و يحفظ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 105

لسانه عن الخطل و الباطل مهما كانت الظروف المحيطة به، مراعيا تعاليم اللّه تعالي و متأدبا بأدبه، و لئلا يحرج نفسه و يضيق عليها و علي أهله متكلفا بذلك و متعديا.

(مسألة 126): المظاهر هو الرجل، و لا يقع الظهار من المرأة لتحريم الرجل عليها.

(مسألة 127): يتحقق الظهار بأن يقول الرجل للمرأة بقصد تحريمها عليه: أنت عليّ كظهر أمي. و يكفي كل ما يدل علي المرأة التي يراد تحريمها، كفلانة، أو هي. كما يكفي كل ما يدل علي التشبيه، مثل: أنت عليّ ظهر أمي، أو: أنت مني كظهر أمي، أو: أنت حرام عليّ كظهر أمي، إلي غير ذلك.

(مسألة 128): يقوم مقام الام جميع المحرمات النسبية، كالأخت و بنتها و بنت الأخ و العمة و الخالة، بل مطلق المحرمات بالنسب و الرضاع و المصاهرة.

(مسألة 129): الظاهر اختصاص الظهار بما إذا أخذ في المشبّه به العنوان المحرم، كالأم و الأخت، دون شخص المرأة التي هي محرم، فإذا قال: أنت عليّ كظهر زينب، و كانت زينب امه أو أخته لم يقع الظهار.

(مسألة 130): يقوم مقام الظهر كل عضو من أعضاء المحارم، كالرجل و اليد و البطن و الفرج و غيرها. و كذا لو كان المشبّه به هو المرأة المحرم نفسها، كما لو قال: أنت علي كأمي أو كاختي.

(مسألة 131): لا يقع الظهار بالتحريم المجرد عن التشبيه بالمحارم، كما لو اقتصر علي قوله: أنت عليّ حرام.

(مسألة 132): لا يقع الظهار موقتا بزمان، كشهر أو سنة، بل لا بد فيه من الإطلاق و عدم التوقيت.

(مسألة 133): لا يقع الظهار مؤجلا، كما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي

من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 106

يوم الجمعة، أو عند خروج هذا الشهر.

(مسألة 134): لا يقع الظهار في يمين، و هو الذي يراد به الحمل علي فعل أو الزجر عنه، كما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي إن تركت صلاة الليل، أو إن اغتبت مؤمنا. و في وقوعه مشروطا بشي ء من دون أن يراد به اليمين علي تركه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 135): يشترط في المظاهر البلوغ و العقل و القصد إلي الظهار المعهود المبني علي تحريم المرأة مع بقائها علي الزوجية، فلو قصد به الكناية عن الطلاق لم يقع ظهارا و لا طلاقا.

(مسألة 136): يشترط في المظاهر الاختيار، فلا يقع الظهار مع الإكراه، و لو لأجل إرضاء الغير، كأمه و زوجته تجنبا لبعض المشاكل.

(مسألة 137): لا يقع الظهار مع الغضب و الانفعال تسرعا من دون قصد سابق.

(مسألة 138): يقع الظهار بالزوجة دائمة كانت أو متمتعا بها، و لا يقع بالأجنبية، حتي لو علقه علي الزواج بها، بأن قال مثلا: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي.

(مسألة 139): لا يقع الظهار بالمرأة إلا بعد الدخول بها و لو دبرا.

(مسألة 140): لا بد في الظهار من أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت في سن الحيض، علي التفصيل المتقدم في الطلاق. و في جريان حكم الغائب هنا إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 141): لا بد في الظهار من شهادة عادلين، علي النحو المتقدم في الطلاق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 107

(مسألة 142): لا يقع الظهار في إضرار. و الظاهر أن المراد بذلك ما إذا أوقعه بقصد الإضرار بالمرأة و الإيذاء لها.

(مسألة 143): إذا تمّ الظهار حرم علي المظاهر وطء المرأة المظاهرة ما دامت

زوجة له حتي يكفّر، و لا يحرم عليه غير الوطء من وجوه الاستمتاع، فإن كفّر حلّ الوطء، و إن وطأها قبل أن يكفر عصي و وجبت عليه كفارة أخري للوطء المذكور، و هكذا إذا كرر الوطء قبل التكفير اللازم بالظهار، فإن الكفارة تتعدد بتعدد الوطء.

(مسألة 144): إذا خرجت المرأة المظاهرة عن زوجية المظاهر بطلاق أو غيره سقط الظهار و سقطت معه الكفارة، فإن عادت له بتزويج جديد حلّ له وطؤها بلا كفارة. نعم لو طلقها طلاقا رجعيا و رجع بها قبل خروجها عن العدة لم يسقط الظهار فلا يحل له وطؤها حتي يكفر، كما لو لم يطلقها.

(مسألة 145): إذا تعدد الظهار علي المرأة الواحدة في مجلس واحد أجزأته كفارة واحدة في تحليل وطئها، أما مع تعدد المجلس فاللازم تعدد الكفارة بتعدد الظهار المتفرق. نعم لو وطأها قبل التكفير لزمته كفارة واحدة للوطء مهما تعدد الظهار.

(مسألة 146): إذا ظاهر من نساء متعددات كان لكل امرأة ظهارها، حتي لو كان ظهارهن جميعا بكلام واحد، و حينئذ يحرم عليه وطء كل واحدة حتي يكفر لها، و لا يجزئه كفارة واحدة لتحليلهن جميعا.

(مسألة 147): كفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا. لكل مسكين مد، هذا في الحر، و أما العبد فكفارته صيام شهر واحد.

(مسألة 148): المراد بالتتابع هنا هو المراد بالتتابع في سائر الكفارات،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 108

و هو أن يصوم شهرا تاما و يوما من الشهر الثاني، ثم له أن يفرق الصوم حتي يكمل الشهر الثاني. و قد تقدم في أواخر كتاب الصوم بعض فروع التتابع.

(مسألة 149): إذا لم يقدر علي العتق و شرع في الصيام

ثم وطأ المرأة المظاهرة قبل إكمال الصوم لزمه كفارة الوطء قبل التكفير. ثم إن أخل الوطء بالتتابع- كما لو وطأها نهارا قبل مضي شهر و يوم- وجب عليه استئناف صوم كفارة الظهار، و إن لم يخل به- كما لو وطأها ليلا أو بعد مضي شهر و يوم- أجزأه إكمال صوم كفارة الظهار الذي شرع فيه و لم يجب استئنافه.

(مسألة 150): إذا عجز عن عتق الرقبة فشرع في الصوم ثم أيسر، فإن كان قد دخل في الشهر الثاني أجزأه إتمام الصوم، و إلا وجب عليه العتق. أما إذا عجز عن العتق و الصوم فشرع في الإطعام ثم قدر علي أحدهما قبل إكماله فإن الأحوط وجوبا التكفير بالعتق أو الصيام و عدم الاجتزاء بما أتي به من الإطعام إلا أن يستمر العجز حتي يكمله.

(مسألة 151): إذا عجز عن الخصال المتقدمة و آخرها إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. و لا يجب فيها التتابع، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 152): إذا عجز حتي عن صوم الثمانية عشر يوما ففي الاجتزاء بالاستغفار في تحليل الوطء- مع بقاء الكفارة في ذمته حتي يقدر عليها إشكال، و الأحوط بل الأظهر العدم، و يجري عليه حينئذ ما يأتي في المسألة الآتية.

(مسألة 153): إن كفّر المظاهر فلا إشكال، و إن لم يكفر فإن صبرت المرأة المظاهر منها فذاك، و إلا انتظر بالرجل ثلاثة أشهر من حين الظهار ثم كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الأمرين من الكفارة أو الطلاق، و مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 109

إبائه عن ذلك فإن أمكنه التضييق عليه حتي يطلق بنفسه فالأحوط وجوبا ذلك، و إلا طلق

عنه، و كان الطلاق بائنا أو رجعيا حسب اختلاف الموارد، فإن كان رجعيا كان له الرجوع في العدة، و وجب عليه التكفير، و إلا الزم مرة أخري بالطلاق، حتي ينتهي به إلي التكفير و الوطء أو خروجها عن عصمته و بينونتها منه.

الفصل السابع في الإيلاء

و هو الحلف علي ترك وطء الزوجة علي وجه مخصوص يأتي الكلام فيه، فإن خرج عن ذلك كان يمينا، و لحقه حكم اليمين المحض في اللزوم و عدمه، علي ما يأتي تفصيله في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

و لا ريب في كراهته من وجوه.

الأول: ما يأتي من كراهة اليمين إعظاما لاسم للّه تعالي أن يحلف به.

الثاني: ما يأتي أيضا من كراهة أن يتعرض الإنسان للحقوق و يجعلها علي نفسه بنذر و نحوه.

الثالث: أنه يبتني علي الإضرار بالمرأة و الإيذاء لها. فينبغي للمؤمن تجنب ذلك و التحلي بالحلم و الصبر و ضبط النفس، و لا يندفع في مواقفه الانفعالية إلي ما قد يحرج نفسه و يؤذي أهله بما هو في غني عنه، و ليبق لنفسه حرية الاختيار، التي جعلها اللّه تعالي له و لا يفرط بها. و اللّه سبحانه و تعالي وليّ التوفيق و التسديد.

(مسألة 154): لا يقع الإيلاء إلا بالحلف باللّه تعالي، كما هو الحال في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 110

سائر الأيمان، علي ما يأتي في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 155): لا بد في الإيلاء من أن يكون الحلف علي ترك وطء الزوجة بقصد الإضرار بها و إغضابها و هجرها. فلو كان بداعي أمر آخر- من مرض أو مراعاة الولد أو غيرهما- لم يكن إيلاء، و جري عليه حكم اليمين المحض.

(مسألة 156): الظاهر وقوع الإيلاء معلقا علي شرط،

كما لو قال: و اللّه لا أجامعك إن خرجت من الدار، أو إن طلعت الشمس.

(مسألة 157): يقع الإيلاء مؤبدا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك أبدا أو دائما. و يقع أيضا مطلقا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك، فيكون بحكم المؤبد.

و يقع أيضا مؤقتا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك إلي سنة. نعم لا بد حينئذ من أن يكون الأمد أكثر من أربعة أشهر، و إلا لم ينعقد الإيلاء، و لحقه حكم اليمين المحض.

(مسألة 158): لا بد في الرجل المولي من أن يكون بالغا عاقلا قاصدا مختارا، علي نحو ما تقدم في الظهار، و أن يكون قادرا علي جماع المرأة التي يؤلي منها، فلا يقع من المجبوب و العنين، و لا مع كون المرأة رتقاء أو نحوها ممن يتعذر وطؤها.

(مسألة 159): لا بد في المرأة المؤلي منها من أن تكون زوجة دائمة مدخولا بها، و لا يقع الإيلاء بدون شي ء من ذلك، بل يكون يمينا محضا.

(مسألة 160): إذا تمّ الإيلاء و انعقد فلا بد من الكفارة عند وطء الزوجة حتي لو كان الوطء المحلوف علي تركه راجحا. و بذلك يختلف الإيلاء عن اليمين المحض، فإن اليمين لا ينعقد إذا كانت مخالفته راجحة- كما يأتي- و لا تجب بمخالفته الكفارة.

(مسألة 161): كفارة الإيلاء هي كفارة اليمين، و هي عتق رقبة أو إطعام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 111

عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، علي ما يأتي في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 162): المشهور أن الكفارة في الإيلاء تجب بعد الوطء كما في اليمين، لكن الظاهر أنها شرط في جواز الوطء، فلا بد من تقديمها عليه ككفارة

الظهار. نعم لو وطأ قبل التكفير لم تجب كفارة أخري، بل يجزئ بكفارة واحدة للوطء اللاحق، و يكفي الاستغفار للوطء الأول، علي خلاف ما تقدم في الظهار.

(مسألة 163): إذا آلي الرجل من امرأته، فإن صبرت فذاك، مهما طالت المدة، و لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي من يوم آلي منها أو بعد ذلك، فيمهله الحاكم أربعة أشهر من حين رفع أمرها له يخيره فيها بين أن يفي ء و يرجع- و ذلك بأن يدفع الكفارة و يجامعها- و أن يطلق، فإذا مضت الأربعة أشهر و لم يفعل أحد الأمرين أجبره علي أحدهما، بأن يحبسه و يضيق عليه في المطعم و المشرب و نحو ذلك حتي يفعل أحدهما، فإن لم ينفع ذلك و أيس منه طلق الحاكم عنه و فرق بينهما.

(مسألة 164): لو حصل الطلاق كان بائنا أو رجعيا حسب اختلاف الموارد. فإن كان رجعيا و رجع الزم بأحد الأمرين أيضا علي النهج السابق.

(مسألة 165): إذا طلقها و بانت منه ثم تزوجها لم يسقط حكم الإيلاء و وجبت الكفارة بالوطء.

(مسألة 166): لا تتعدد الكفارة بتعدد الحلف مع اتحاد الزمان الذي وقع الحلف علي ترك الوطء فيه، بل تجب كفارة واحدة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 112

الفصل الثامن في اللعان

أكد الإسلام فيما أكد علي تهذيب اللسان و عفته، و قد ورد الردع عن قذف غير المسلم بالفاحشة ما لم يطلع علي ذلك منه، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه نهي عن قذف من ليس علي الإسلام إلا أن يطّلع علي ذلك منهم. و قال:

«أيسر ما يكون أن يكون قد كذب».

أما المسلم فقد أكد علي عرضه و شدد فيه حتي قال تعالي إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي

الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ.

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّٰهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ. و قد عدّ قذف المحصنة من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، و من الكبائر السبع الموجبات.

ثم لم يكتف بذلك حتي جعل عليه حدا أو تعزيرا- علي تفصيل مذكور في محله- يكونان عقوبة معجلة في الدنيا رادعة لمن لم يرتدع بعذاب الآخرة الموعود.

و لا يسقط ذلك إلا شهود أربعة يشهدون بالفاحشة عن حسّ و معاينة لا عن حدس و تخمين، و بدون ذلك يعدّ القاذف عند اللّه تعالي كاذبا فاسقا منتهكا لحرماته مستحقا للحد، و لا تقبل شهادته، بل يلزم علي المؤمنين ردعه و تكذيبه و إن احتملوا صدقه أو ظنوا به.

و مع الأسف الشديد نري تهاون الناس في ذلك، و تسرعهم في الطعن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 113

و القذف لأوهام و ظنون و اتهامات لا تغني من الحق شيئا، و لا تنهض حجة بين يدي اللّه تعالي، غافلين أو متهاونين بتعاليم اللّه تعالي، قال عز من قائل في حديث الإفك بعد أن شدد في الإنكار علي من قام به لَوْ لٰا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قٰالُوا هٰذٰا إِفْكٌ مُبِينٌ. لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ. وَ لَوْ لٰا فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ. وَ لَوْ لٰا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مٰا يَكُونُ

لَنٰا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهٰذٰا سُبْحٰانَكَ هٰذٰا بُهْتٰانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللّٰهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

فعلي المؤمنين أن يتأدبوا بأدب اللّه تعالي، و يتورعوا عن محارمه، و يقفوا عند حدوده التي لم يجعلها إلا لصلاحهم و خيرهم.

و قد استثني اللّه تعالي من ذلك الزوج مع زوجته لأن قيامها بالفاحشة خيانة عظيمة له، و قد توجب إلحاق ولد غيره به، و كثيرا ما لا يتيسر له إقامة الشهود، فاكتفي منه عند رمي زوجته باللعان بشروط مشددة، و تكون نتيجته الحرمة المؤبدة بينهما و الفراق الدائم. من دون أن يسوغ لغيره التعويل عليه في رمي المرأة و قذفها و انتهاك حرمتها، فإذا لا عن الرجل زوجته و فارقها حرم علي غيره قذفها بالزني.

و قد عقدنا هذا الفصل للنظر في شروط اللعان و كيفيته و أحكامه.

(مسألة 167): إنما يشرع اللعان بقذف الزوج زوجته إذا لم يشهد بزناها أربعة شهود مقبولي الشهادة يثبت زناها شرعا بشهادتهم، أما مع ذلك فلا لعان، بل تكفي شهادتهم في ثبوت الحد عليها و سقوط حد القذف عن الزوج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 114

و لا بد من إقامتهم الشهادة، أما بدون ذلك فيشرع اللعان حتي لو كانوا مستعدين لإقامة الشهادة لو دعوا إليها.

(مسألة 168): يكفي في الشهود الأربعة أن يكون أحدهم الزوج، و لا يجب أن يكونوا غيره.

(مسألة 169): إنما يشرع اللعان بقذف الزوجة إذا ادعي الزوج أنه عاينها تزني، أما إذا لم يدّع المعاينة فإنه يجري عليه حكم القاذف.

(مسألة 170): تقدم في أحكام الأولاد الضابط في إلحاق الولد بالرجل ظاهرا، و أنه لا يحل للرجل نفي الولد عنه، بل لا يقبل منه النفي مع اعترافه بتحقق الضابط المذكور. أما مع

عدم اعترافه بتحققه فيقبل منه نفي الولد عنه مع كون المرأة موطوءة بالملك أو متمتعا بها أو زوجة دائمة لم يدخل بها. أما إذا كانت زوجة دائمة مدخولا بها فلا يقبل من الزوج نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه.

و حينئذ نقول: إن رجع نفي الولد إلي قذف امه بالزني توقف انتفاء الولد و سقوط حد القذف عن الزوج علي اللعان، لكن لا يشترط حينئذ أن يدعي معاينة الزني منها، بل يكفي فيه أن يدعي عليها أنها حملت به من الزني.

و إن لم يرجع إلي قذف الام بالزني- لاحتمال وطئها من قبل الغير شبهة أو مكرهة، أو إدخال مني الأجنبي في فرجها من دون أن يطأها- انحصر نفي الولد بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه، فإن لم يتيسر له ذلك تعين لحوق الولد به ظاهرا و إلزامه به، نعم له و عليه فيما بينه و بين اللّه تعالي أن لا يجري عليه أحكام ولده لو علم بعدم تولده منه، كما لو علم من نفسه أنه كان عقيما أو أنه لم يطأ المرأة وطء يقتضي إلحاق الولد به أو غير ذلك.

(مسألة 171): قذف الزوجة بالزني بمجرده لا يقتضي نفي الولد، سواء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 115

أشهد علي زناها أم أقرت به أم تلاعنا، بل يلحق الولد به لأنه صاحب الفراش، و يتوقف انتفاء الولد منه علي أن يدعي أنها حملت بالولد من الزني، و يلاعنها علي ذلك.

(مسألة 172): يشترط في المتلاعنين البلوغ، و العقل، و أن يكونا زوجين زواجا دائما مع الدخول، كما يشترط في الزوجة الملاعنة أن لا تكون خرساء أو نحوها ممن

لا تستطيع الكلام، و قد تقدم في السبب الرابع من أسباب تحريم النكاح أن قذف الخرساء و نحوها موجب لتحريمها و إن لم تلاعن.

(مسألة 173): صورة اللعان أن يشهد الزوج القاذف أربع شهادات باللّه تعالي أنه صادق فيما رماها به، فيقول مثلا: أشهد باللّه أني صادق فيما رميتها به، ثم في الخامسة يجعل لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، فيقول مثلا: لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به، ثم تشهد الزوجة المقذوفة أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فتقول مثلا: أشهد باللّه أنه كاذب فيما رماني به، ثم في الخامسة تجعل غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين، فتقول مثلا: غضب اللّه عليّ إن كان صادقا فيما رماني به.

(مسألة 174): يجب التلفظ بالشهادات من الزوج، إلا في الأخرس و نحوه ممن يتعذر في حقه النطق، فإنه تكفيه الإشارة المفهمة صريحا حسب ما يعلم من حاله. أما الزوجة فلا يشرع اللعان معها إذا كانت خرساء كما تقدم.

(مسألة 175): يجب النطق بالشهادات بالعربية مع الإمكان، و مع تعذرها يجزئ غيرها.

(مسألة 176): يجب القيام عند الشهادة، بل الأحوط وجوبا قيامهما معا في تمام الملاعنة، فتقوم المرأة مع الرجل عند بدية بالشهادة، و يبقي الرجل قائما معها حتي تكمل هي الشهادة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 116

(مسألة 177): يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، و وقوف الرجل عن يمينه و المرأة- و الصبي المنفي إن كان- عن يساره مستقبلين القبلة. كما يستحب أن يعظ الحاكم كلا منهما بعد أن يشهد الشهادات الأربع قبل الخامسة، ففي الصحيح- بعد ذكر الشهادات الأربع من الرجل-: «ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: أمسك،

و وعظه، ثم قال: اتق اللّه فإن لعنة اللّه شديدة»، و بعد ذكر الشهادات الأربع للمرأة: «ثم قال لها: أمسكي، فوعظها ثم قال لها: اتقي اللّه فإن غضب اللّه شديد». قيل: و يستحب حضور جماعة من الأعيان و الصلحاء يسمعون اللعان، لكن لو تم ذلك فقد ورد الأمر بالتباعد عن المتلاعنين، و حينئذ يحضرون بنحو يسمعون التلاعن مع بعدهم عن مجلس الملاعنة.

(مسألة 178): إذا قذف الرجل المرأة و لم يكن له شهود عرض عليه الحاكم اللعان، فإن أبي حدّه حدّ القاذف، و كذا إذا أكذب نفسه. و إن لا عن و أتي بالشهادات الخمس سقط عنه الحد، ثم يعرض الحاكم علي المرأة اللعان، فإن أبت أو صدقته ثبت عليها حد الزني، و إن لا عنت و أتت بالشهادات الخمس سقط عنها الحد، و حرمت عليه مؤبدا، كما تقدم في فصل أسباب تحريم النكاح.

(مسألة 179): إذا لا عن لنفي الولد و تم اللعان انتفي الولد منه و الحق بامه، و لا يحكم عليه أنه ابن زني، بل من نسبه لذلك لزمه حد القذف، و حينئذ لا يرث الولد من الملاعن و لا ممن يتقرب به، و لا يرثونه، بل يكون التوارث بينه و بين امه و من يتقرب بها لا غير.

(مسألة 180): مع اختلال شروط اللعان المتقدمة و عدم مشروعيته لا تترتب أحكامه المتقدمة، بل يترتب حكم القذف علي الزوج لا غير. نعم إذا كانت المرأة خرساء تحرم مؤبدا بمجرد القذف و إن لم يشرع اللعان كما تقدم، و في انتفاء الولد بذلك إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 117

(مسألة 181): إذا أقر بالولد قبل أن يقذف امه الزم به، و لا يقبل منه نفيه

حتي باللعان.

(مسألة 182): إذا أقر الملاعن بالولد بعد أن ينفيه منه باللعان الحق به، فيرث الولد منه و من قرابته، لكنهم لا يرثونه، بل يبقي ميراثه لامه و من يتقرب بها.

(مسألة 183): إذا أكذب أحدهما نفسه بعد حصول اللعان منهما لم يرتفع التحريم بينهما، و لو كان الذي أكذب نفسه هو الرجل لم يجب عليه حد القذف.

(مسألة 184): إذا ادعت الزوجة أو المطلقة الحمل من الزوج فأنكر الدخول بها فالقول قوله، و له نفي الولد بلا لعان. نعم إذا أقامت بينة علي أنه اختلي بها خلوة يمكن معها الدخول عادة حكم به و الحق به الولد، و توقف نفيه علي اللعان، أو علي إقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 119

كتاب اليمين و النذر و العهد

اشارة

جعل اللّه سبحانه و تعالي علي الإنسان مجموعة من التكاليف لم يجعلها عليه إلا استصلاحا له و لمجتمعه، و كثيرا ما لا يقوم الإنسان بامتثالها استثقالا لها أو استهوانا بها. لكنه مع ذلك قد لا يكتفي بما جعله اللّه عليه حتي يجعل علي نفسه- بيمين و نحوه- ما لم يجعله اللّه تعالي عليه و يتكلف ما لم يكلفه به، أملا في تيسير عسر ضاق به ذرعا أو تفريج كرب جزع له قلبه هلعا أو لغير ذلك من الدواعي، مستسهلا ما جعله علي نفسه من أجل ذلك، لقصر نظره و عدم تدبره لعواقب الأمور، حتي إذا تيسر عسره و انفرج كربه، و وجب عليه ما جعله علي نفسه ثقل عليه القيام به. و كان بوسعه أن يتجنب ذلك من أول الأمر و يتدبر العاقبة قبل أن يورط نفسه، و كم رأينا من ورط

نفسه في نذور و أيمان يعجز عنها لا يدري كيف يخرج منها، و لذا ورد عن أئمتنا عليهم السّلام كراهة ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إني لأكره الإيجاب، أن يوجب الرجل علي نفسه».

و كثيرا ما يتسامح الإنسان بعد تحصيل مراده في القيام بما جعله علي نفسه و يسوف فيه بنحو قد ينتهي للإهمال و التضييع، مع ما شدد اللّه تعالي في ذلك. قال عز من قائل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ وَ لٰا تَنْقُضُوا الْأَيْمٰانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهٰا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، و قال سبحانه و تعالي إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَ لٰا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ، و قال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 120

عز و جل يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً. إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة، و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا لها».

إذا عرفت هذا، فجعل الإنسان علي نفسه لا يلزم إلا باليمين و النذر و العهد. و الكلام فيها يكون في ضمن مقدمة و فصول.

مقدّمة

اليمين علي قسمين.

القسم الأول: ما يريد به الحالف تأكيد دعواه و ما يخبر عنه، كالحلف علي وقوع أمر سابق، كأن يقول: و اللّه لقد مطرت السماء أمس، أو: و اللّه قتل زيد عمرا. أو تحقق أمر في المستقبل، كأن يقول: و اللّه تمطر السماء غدا، أو:

و اللّه يموت زيد. أو حصول أمر حالي، كأن يقول: و اللّه هذا بيتي، أو: و اللّه زيد عادل.

(مسألة 1): يجوز

من هذا القسم اليمين الصادقة، إلا أن يلزم منها محذور شرعي كالإضرار بمؤمن، فتحرم لذلك.

(مسألة 2): تكره اليمين باللّه تعالي، و إن كان الحالف صادقا، بل يستحب ترك طلب الحق إذا توقف علي اليمين المذكورة، ففي الحديث: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أجلّ اللّه أن يحلف به أعطاه اللّه خيرا مما ذهب منه».

و يتأكد ذلك في المال القليل، و في بعض النصوص أنه ثلاثون درهما فما دون، و هي تساوي تسعة و ثمانين غراما من الفضة تقريبا.

(مسألة 3): اليمين التي يثبت بها الحق شرعا عند الخصومة و التداعي و تسقط بها الدعوي هي اليمين باللّه تعالي دون غيره كالقرآن الشريف و الكعبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 121

المعظمة و الأنبياء و الأئمة صلوات اللّه عليهم و الأولياء، فلا تجب الإجابة إلي غيرها لو طلبها الخصم. و لا بد في ترتب الأثر عليها و سقوط الدعوي بها من أن تقع بطلب من الحاكم الشرعي عند التخاصم إليه. نعم إذا تصالح الخصمان علي سقوط حق الدعوي من أحدهما بيمين الآخر كانت اليمين مسقطة للدعوي و إن لم تكن باللّه تعالي، و لا بحضور الحاكم الشرعي، بل علي النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة 4): تحرم اليمين الكاذبة باللّه تعالي، و هي اليمين علي أمر مخالف للواقع، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من حلف علي يمين و هو يعلم أنه كاذب فقد بارز اللّه»، و قد ورد عنهم عليهم السّلام أنها تقطع النسل و تذر الديار من أهلها بلاقع. بل تحرم اليمين علي أمر مشكوك الحصول. كما يحرم الإخبار بأمر مخالف للواقع و بأمر مشكوك الحصول حتي من دون يمين، و مع

اليمين يتأكد التحريم، و كلما كان المحلوف به أجلّ كان التحريم آكد. نعم لا كفارة في جميع ذلك، بل ليس علي فاعله إلا التوبة. و قد تقدم جميع ذلك في مسألة حرمة الكذب من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(مسألة 5): يلحق باليمين الكاذبة قول: (اللّه يعلم) أو: (علم اللّه) و نحو ذلك. ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من قال: اللّه يعلم فيما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاما له»، و في حديث آخر عنه عليه السّلام أنه قال: «إذا قال العبد: علم اللّه، و كان كاذبا قال اللّه عز و جل: أما وجدت أحدا تكذب عليه غيري!».

(مسألة 6): تجوز اليمين الكاذبة لدفع مظلمة عن النفس و عن المؤمن.

بل قد تجب اليمين حينئذ، كما إذا كان الضرر اللازم من تركها مهما يجب دفعه، كما تجب لدفع الحرام إذا أكره عليه لو لا اليمين، كما لو طلب الظالم منه الغناء فيحلف له أنه لا يحسنه، أو طلب منه أن يدفع له مال شخص فيحلف له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 122

أنه ليس عنده.

(مسألة 7): تحرم اليمين بالبراءة من اللّه و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام صادقا أو كاذبا، بل الأحوط وجوبا عموم الحرمة للبراءة من دين الإسلام، أو أن يقول: أنا يهودي أو نصراني أو نحوهما إن كان كذا.

القسم الثاني من اليمين: ما يقصد به الحالف تأكيد ما يلتزمه علي نفسه و يتعهد به من فعل أو ترك، فلا بد في متعلقها.

أولا: من كونه فعلا اختياريا للحالف، دون ما هو خارج عن اختياره، كأفعاله السابقة، أو أفعال غيره، أو الحوادث الكونية- كطلوع الشمس و نزول

المطر- سابقه كانت أو لاحقة، لامتناع تعهد الحالف بذلك علي نفسه، بل اليمين في ذلك كله من القسم الأول.

و ثانيا: من ابتناء إخباره به علي التزامه به و تعهده بتحقيقه، فلو تجرد عن ذلك، بل كان قصده محض الإخبار عنه لم تكن اليمين عليه من هذا القسم، بل من القسم الأول أيضا، كما لو حلف علي أنه يأكل هذا اليوم نوعا من الطعام لتخيل أن أهله قد هيؤوه له، أو علي أنه لا يسافر، لتخيل عدم حصول الداعي له للسفر.

و لا تكون اليمين من هذا القسم إلا إذا ابتني إخبار الحالف بمتعلقها علي تعهده و التزامه به علي نفسه مؤكدا ذلك باليمين، و هذا القسم من اليمين هو الذي يكون من سنخ النذر و العهد، التي هي محل الكلام، و التي يكون انعقادها سببا لوجوب متعلقها، و يكون الخروج عنها محرما موجبا للحنث و الكفارة.

و الكلام في الفصول الآتية إنما هو في شروط الانعقاد و أحكامه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 123

الفصل الأول في الحالف و الناذر و المعاهد

(مسألة 8): يشترط في الحالف و الناذر و المعاهد البلوغ و العقل و القصد بالنحو الذي يعتد به عند العقلاء، فلا تنعقد من الصبي و المجنون و النائم و الساهي و السكران و الغالط و نحوهم.

(مسألة 9): لا ينعقد اليمين و النذر من الغضبان إذا أوقعهما في سورة غضبه، من دون تروّ و هدوء أعصاب، و إن كان قاصدا لهما في الجملة.

بخلاف العهد، فإنه ينعقد حينئذ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة 10): لا تنعقد اليمين إذا صدرت اندفاعا بسبب عادة، كما يشيع عند كثير من الناس. بخلاف النذر و العهد، فإنهما ينعقدان حينئذ مع تحقق القصد بنحو معتد به

عند العقلاء.

(مسألة 11): لا بد في انعقاد هذه الأمور من الاختيار التام، فلا تنعقد مع الإكراه، كما إذا طلبه إليه من يوعده بفعل ما يضره مع قدرته علي تنفيذ ما أوعد به بنحو يخاف تحققه. بل لا تنعقد اليمين إذا وقعت من الحالف لإرضاء من يهمه إرضاؤه- كالأب و الام و الزوجة- إذا طلب منه ذلك، بخلاف النذر و العهد، فإنهما ينعقدان مع ذلك إذا لم يبلغا حد الإكراه.

(مسألة 12): لا بد في انعقاد اليمين من الولد من إذن والده، و في انعقادها من الزوجة من إذن زوجها، و في انعقادها من العبد من إذن مولاه، فلو لم يسبق منهم الإذن لم تنعقد، و إن لم تكن منافية لحقوقهم، لا أنها تنعقد و لهم حلّها، و إن كان هو الأحوط استحبابا. و أحوط منه أنها لا تنحل حتي بحلّهم، إلا أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 124

للحالف مخالفتها إذا طلبوا منه المخالفة إذا لم يكن متعلقها واجبا بنفسه، فإن خالفها بأمرهم انحلت، و إن لم يخالفها حتي مات الأب و أعتق العبد و طلقت المرأة أو مات زوجها بقيت علي الانعقاد، و حرم علي الحالف مخالفتها، و وجبت بها الكفارة. كل ذلك مقتضي الاحتياط الاستحبابي. و الظاهر ما ذكرناه أولا من عدم الانعقاد إلا مع الإذن.

(مسألة 13): لا يقوم الجد للأب مقام الأب في حكم المسألة السابقة.

(مسألة 14): لا يشترط في نذر الولد و عهده إذن أبيه، و إن نذر أو عاهد بدون إذنه لم يكن له حله و لا أمره بالمخالفة. نعم إذا نهاه قبل النذر و العهد عن أمر نهيا يوجب كونه مرجوحا في حقه- بأن كان الأب في حاجة لترك ذلك

الأمر مثلا- لم ينعقد منه نذره و لا العهد عليه، كما أنه لو نهاه بعد النذر و العهد عنه نهيا يوجب كونه مرجوحا في حقه بطل النذر و العهد.

(مسألة 15): يشترط في نذر الزوجة و عهدها إذن الزوج إذا كانا منافيين لحقه و كان مطالبا بالحق، أما إذا لم ينافيا حقه- و لو لعدم مطالبته به- فالظاهر عدم اشتراط إذنه، فيصح منها النذر و العهد حينئذ و ليس له حلهما و لا أمرها بمخالفتهما.

(مسألة 16): إذا حلفت المرأة أو نذرت أو عاهدت ثم تزوجت، لم يبطل يمينها و لا نذرها و لا عهدها، حتي لو كانت منافية لحق الزوج، بل ليس له المطالبة بالحق حينئذ. نعم تبطل الأمور المذكورة إذا كانت مطالبة الزوج موجبة لكون مخالفتها خيرا من العمل عليها، لما يأتي. و كذا إذا كان النفوذ حرجيا في حقها بنحو معتد به، لاستلزامه تعطيلها عن الزواج- لعدم إقدام أحد عليها مع نفوذ ما جعلته عليها- و كانت محتاجة للزواج، و لم تكن قد أقدمت علي تحمل الحرج المذكور بيمينها أو نذرها أو عهدها، لغفلتها عن ذلك أو لتخيلها عدمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 125

(مسألة 17): ينعقد النذر و اليمين و العهد من الكافر، فإن خالفها حال كفره حنث و انحلت و وجبت عليه الكفارة، لكنها لا تصح منه لأنها عبادة، و لا تصح العبادة من الكافر. نعم إذا أسلم سقطت الكفارة، و إن لم يخالفها حتي أسلم لزمته، و وجب عليه العمل عليها. فإن خالفها حنث و وجبت عليه الكفارة، و صحت منه.

الفصل الثاني فيما ينعقد به اليمين و النذر و العهد

(مسألة 18): تنعقد اليمين باللّه تعالي سواء كان بلفظ الجلالة، أم بغيره من أسمائه المختصة- مثل فالق الحب و

بارئ النسم- أو المشتركة التي تنصرف إليه، مثل الخالق و الرحمن و الرحيم، بل حتي التي لا تنصرف إليه- كالجواد و الكريم- مع قصده بها. بل يكفي ما يدل علي الذات المقدسة و لو بغير العربية من اللغات الأخري.

(مسألة 19): لا تنعقد اليمين بغير اللّه تعالي و إن عظم قدره، كالقرآن الشريف و الكعبة المعظمة و الأنبياء و الأئمة- صلوات اللّه عليهم- و الأولياء.

نعم ينبغي رفع قدرها عن أن يحلف بها من دون وفاء، لما فيه من الامتهان لها و الاستهوان بشأنها، بنحو قد يبلغ مرتبة التحريم. إلا أن ذلك ليس لانعقاد اليمين بها بنحو يلزم بالحنث بها الكفارة، الذي هو محل الكلام.

(مسألة 20): لا تنعقد اليمين بمثل قدرة اللّه و عظمته و علمه، بل حتي حق اللّه تعالي، إلا أن يقصد به اليمين بالذات المقدسة، كما هو غير بعيد في كثير من الموارد. نعم ينعقد بقول: (لعمرو اللّه)، لأن المقصود به الذات المقدسة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 126

(مسألة 21): لا تنعقد اليمين بمثل: أشهد باللّه تعالي، أو أعزم باللّه، أو علم اللّه أني أفعل كذا، أو نحو ذلك.

(مسألة 22): لا يكفي في انعقاد اليمين القصد للحلف باللّه تعالي ما لم ينطق باللفظ الدال عليه جل شأنه. فإذا قال مثلا: أحلف أو أقسم لم ينعقد اليمين، ما لم يقل: أحلف باللّه، أو أقسم باللّه.

(مسألة 23): يكفي في اليمين كل ما يدل عليه من فعل، مثل: اقسم باللّه و أحلف باللّه. أو اسم، مثل: أيم اللّه و أيمن اللّه. أو حرف، مثل: و اللّه و باللّه و تاللّه.

(مسألة 24): تقدم أنه تحرم اليمين بالبراءة صادقا أو كاذبا. لكن لو حلف بالبراءة من اللّه و

رسوله- في القسم الثاني من اليمين الذي هو محل الكلام- انعقد مع بقية الشروط، فإن حنث فعليه إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ من طعام.

كما أن الأحوط استحبابا لمن حلف بالبراءة من دين محمد صلّي اللّه عليه و آله- بل بكل ما يرجع إلي البراءة من الإسلام- علي أمر مرجوح- كقطيعة الرحم- أن يصوم ثلاثة أيام و يتصدق علي عشرة مساكين، من دون أن تنعقد يمينه. و أما مثل: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذا، فلا تنعقد به اليمين، و لا تثبت به الكفارة.

(مسألة 25): لا بد في انعقاد النذر من جعل الأمر المنذور للّه تعالي، و لا يكفي فيه جعل المكلف الشي ء علي نفسه من دون أن يضيفه له تعالي، فلا يكفي أن يقول: علي كذا، أو: جعلت علي كذا، أو نذرت كذا. بل لا بد أن يقول مثلا: للّه تعالي علي كذا، أو: علي للّه كذا، أو: علي كذا للّه، أو: علي للّه نذر، أو: نذرت للّه علي كذا، أو نحو ذلك. نعم لا يشترط ذكر لفظ الجلالة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 127

يقوم مقامه كل ما يدل علي الذات المقدسة، نظير ما تقدم في اليمين.

(مسألة 26): يحسن الوفاء بما جعله الإنسان علي نفسه من الخير من دون أن يضيفه للّه تعالي، خصوصا إذا كان الجعل في مقابل قضاء حاجة، بل يخشي حينئذ من عدم وفاء المكلف أن يري ما لا يحب في حاجته أو في أمر آخر.

(مسألة 27): يكفي في النذر الصيغة بلفظ الخطاب معه تعالي، كما لو قال مثلا: لك يا رب علي كذا.

(مسألة 28): يكفي في العهد كل ما يدل علي التعاهد مع اللّه تعالي، مثل: عاهدت

اللّه، أو: علي عهد اللّه، أو: عاهدتك يا رب، أو نحو ذلك.

(مسألة 29): لا بد في انعقاد النذر من اللفظ و لا يكفي عقده في النفس إلا مع تعذر اللفظ لخرس و نحوه، فإن الأحوط وجوبا انعقاده مع الإشارة الدالة عليه. أما العهد ففي توقف انعقاده علي اللفظ إشكال، فلا يترك الاحتياط بترتيب الأثر علي عقده في النفس.

(مسألة 30): لا ينعقد النذر و العهد لغير اللّه تعالي، كالنبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و الأولياء و المشاهد الشريفة، فلا يجب الوفاء به شرعا، لكنه وعد يحسن الوفاء به، خصوصا بلحاظ رفعة مقام الموعود و عظيم شأنه، حيث قد يكون عدم الوفاء به منافيا لاحترامه، و لا سيما إذا كان معلقا علي تحقيق مطلوب شفاعته عند اللّه تعالي أو عظيم حقه عنده، حيث قد يكون عدم الوفاء هضما لحق عرفي له، بل يخشي من مغبة ذلك و عاقبته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 128

الفصل الثالث في متعلق اليمين و النذر و العهد

(مسألة 31): يشترط في متعلق اليمين و النذر أن يكون طاعة للّه تعالي، من فعل واجب أو مستحب و ترك حرام أو مكروه، فلا ينعقدان علي ترك واجب أو مستحب و لا علي فعل حرام أو مكروه، كما لا ينعقدان علي فعل مباح أو تركه. نعم ينعقدان علي فعله لو صار راجحا شرعا بعنوان ثانوي، و لو لأمر يعود للدنيا، كما ينعقدان علي تركه لو صار مرجوحا شرعا بعنوان ثانوي أيضا.

و هكذا الحال في متعلق العهد، إلا أن الأحوط وجوبا انعقاده علي المباح الذي لا رجحان فيه شرعا.

(مسألة 32): إذا انعقد النذر و اليمين و العهد لتحقق الشرط المذكور في المسألة السابقة ثم طرأ ما يقتضي رجحان

مخالفتها شرعا، بحيث يصير متعلقها مرجوحا، كان له مخالفتها و لا كفارة حينئذ، و إن كان ذلك الطاري راجعا للدنيا، كحفظ المال و التحبب للناس و نحوهما مما هو راجح شرعا.

(مسألة 33): لا بد في متعلق اليمين و النذر و العهد من أن يكون مقدورا في وقته، فإن لم يكن مقدورا في وقته لم تنعقد. و إن اعتقد المكلف القدرة عليه ثم ظهر عدمها انكشف عدم الانعقاد من أول الأمر. أما إذا تجدد العجز عنه في أثناء وقته قبل الوفاء- كما لو نذر مثلا أن يزور الحسين عليه السّلام في شهر رمضان، فتجدد العجز عن الزيارة من نصف شهر رمضان إلي آخره- فهو لا يمنع من انعقاد اليمين و النذر و العهد، بل يوجب انحلالها من حينه. و حينئذ إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 129

ظهرت أمارات العجز قبل وقته وجبت المبادرة للأداء ما دام قادرا، فإن فرّط عامدا كان حانثا و وجبت الكفارة، و إن لم تظهر أمارات العجز حتي فاجأه كان من موارد الحنث غير المتعمد الذي لا كفارة فيه.

(مسألة 34): إذا كان المتعلق أمرا مقيدا فعجز المكلف عن القيد دون المقيد، فإن كان القيد مقوما للمتعلق عرفا- كما لو حلف أن يعتمر عمرة رجبية، أو نذر أن يزور الحسين عليه السّلام في عرفة- كان من موارد تعذر المتعلق الذي تقدم في المسألة السابقة. أما إذا لم يكن القيد مقوما للمتعلق عرفا، بل موجبا لخصوصية فيه زائدة فالأحوط وجوبا الإتيان بالمتعلق الفاقد للقيد، كما لو حلف أن يحج أو يزور ماشيا، أو علي غسل، أو راكبا سيارة خاصة، أو مع جماعة خاصة، أو نحو ذلك. بل لو أمكن التبعيض في القيد فالأحوط

وجوبا الإتيان بما تيسر منه، كما لو قدر علي أن يمشي في بعض الطريق في المثال السابق.

(مسألة 35): يستثني مما تقدم- من اشتراط القدرة علي المتعلق- ما إذا نذر صوم يوم معين، كأول خميس من الشهر، فاتفق أن سافر، أو مرض في ذلك اليوم، أو صادف ذلك اليوم عيدا، أو أيام التشريق لمن كان بمني كان عليه قضاؤه. بل هو الأحوط وجوبا في بقية الأعذار، كالحيض و النفاس. أما إذا تعذر الصوم رأسا- معينا كان أو مطلقا- فالأحوط وجوبا أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

(مسألة 36): إذا حلف أو نذر أو عاهد علي أمر يتعلق بغيره ممن لا ولاية عليه شرعا لم ينعقد اليمين، كما إذا حلف الأب علي أن يزوج ولده الكبير من فلانة، أو يشتري الولد الدار الفلانية، أو نذرت الام أن تزوج بنتها علويا. إلا أن يرجع ذلك إلي ما له الولاية عليه، مثل أن يحلف علي أن يقوم بالزواج إذا طلبه الولد أو رضي به، أو علي إقناعه بالزواج مع قدرته عليه، فينفذ ذلك منه إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 130

تمت الشروط الأخري.

(مسألة 37): إذا حلف أو نذر أو عاهد علي أمر له الولاية عليه شرعا كان النفوذ مشروطا بكون المتعلق صلاحا للمولي عليه علي ما هو مقتضي ولايته، و إلا فلا نفوذ، و إن كان الأمر راجحا من بعض الجهات، كما إذا خطب إليه مؤمن ابنته الصغيرة فحلف أن يزوجه إياها مراعيا استحباب قضاء حاجة المؤمن و لم يكن الزواج صلاحا للبنت. كما أنه لو كان صلاحا للمولي عليه ثم خرج المولي عليه عن ولايته قبل التنفيذ انحل النذر أو اليمين أو العهد، و لم يجب

علي المولي عليه بعد أن استقل بنفسه العمل بمقتضاها، فإذا حلف الأب- مثلا- علي تزويج ابنته من شخص و هو يري ذلك صلاحا لها، فلم يزوجها حتي كبرت أو مات الأب، لم يجب عليها العمل باليمين. و إنما ذكرنا ذلك- مع أنه عند الفقهاء من الواضحات التي لا تحتاج للبيان- لتوهم كثير من عامة الناس النفوذ حينئذ، و وقوع بعضهم في الحرج منه و محاولتهم المخرج منه.

(مسألة 38): لا تنعقد يمين المناشدة، و هي الحلف علي الغير أن يفعل، كما لو قال الرجل لآخر: و اللّه لتفعلن كذا، أو: باللّه عليك لنفعلن كذا، أو نحو ذلك، فلا يجب علي المخاطب أن يفعل، و لا علي الحالف أن يقنعه، و لو لم يفعل لم تجب علي أحدهما الكفارة. و يجري ذلك في النذر و العهد.

(مسألة 39): متعلق اليمين و النذر و العهد علي قسمين.

الأول: أن يكون منجزا، كما لو قال: و اللّه أزور الحسين، أو: للّه علي أن أصوم عشرة أيام، أو: عاهدت اللّه أن لا أفعل محرما، سواء كان ذلك لمحض الرغبة في إلزام نفسه بالخير، أم شكرا علي نعمة حاصلة، أو دفعا لبلية مخوفة، أو تكفيرا عن خطيئة حاصلة، أو غير ذلك. من دون أن يؤخذ ذلك في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 131

اليمين أو النذر أو العهد.

الثاني: أن يكون معلقا علي أمر، مثل أن يقول: و اللّه أزور الحسين عليه السّلام إن رزقت ولدا، أو: للّه علي إن شفيت من مرضي أن أصوم عشرة أيام، أو: إن خرج ولدي من السجن فعلي عهد اللّه تعالي أن أصلي صلاة الشكر.

و الظاهر النفوذ في القسم الأول مطلقا، كما لا إشكال في نفوذ الثاني في

الجملة و ما يأتي تفصيله في المسألة اللاحقة.

(مسألة 40): لا ينعقد النذر و اليمين و العهد مع التعليق في موردين.

الأول: إذا كان شكرا علي معصية و لو مكروهة كما إذا قال: إن قتل عمرو فللّه علي أن أصلي ركعتين، و كان عمرو مؤمنا. أو: و اللّه إن أجاد ولدي الغناء ذبحت شاة و تصدقت بلحمها، و نحو ذلك. و كذا إذا قال: إن قتلت عمرا فلله علي أن أصوم، قاصدا بذلك الشكر علي تيسير ذلك له. أما إذا قصد زجر نفسه بذلك و التكفير به عن خطيئته فهو خارج عن ذلك، بل يكون زجرا عن المعصية و ينعقد حينئذ.

الثاني: إذا كان زجرا عن طاعة كما إذا قال: إن صليت جماعة فلله علي الصدقة بمد من طعام، أو: و اللّه إن صليت جماعة لأتصدقن بمد من طعام، قاصدا بذلك زجر نفسه عن الصلاة جماعة. أما إذا قصد الشكر علي تيسير ذلك له فهو خارج عن ذلك، بل يكون شكرا علي الطاعة و ينعقد حينئذ.

و تنعقد فيما عدا ذلك، سواء كان زجرا عن معصية أو شكرا علي طاعة، كالمثالين المتقدمين، أم شكرا علي نعمة غير الطاعة، كما لو قال: إن ولد لي ولد فلله علي أن أصوم شهرا، أم كان خارجا عن ذلك و لم يقصد به إلا التوقيت، كما إذا قال: إن دخل الليل فلله علي أن أتصدق بدرهم، أو: و اللّه لأتصدقن بدرهم إن دخل الليل، أو: علي عهد اللّه أن أتصدق بدرهم إن دخل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 132

الليل.

(مسألة 41): إذا انكشف مع التعليق حصول المعلق عليه قبل اليمين أو النذر أو العهد لم ينعقد شي ء منها، فإذا حلف- مثلا- أن يصوم

عشرة أيام إن رزق ولدا، ثم علم بعد ذلك أنه قد رزق الولد قبل زمان الحلف انكشف عدم انعقاد اليمين و لم يجب عليه شي ء، إلا أن يكون المعلق عليه هو مطلق وجود الشرط و إن كان سابقا.

(مسألة 42): إذا علق اليمين أو النذر أو العهد علي المشيئة، فقال مثلا:

و اللّه أزور الحسين إن شاء اللّه تعالي، أو استثني، فقال: أزور الحسين إلا أن يشاء اللّه، انحل النذر أو اليمين أو العهد، فلا حنث بمخالفتها و لا كفارة. نعم لو قصد تعليق وقوع الفعل في الخارج مع إطلاق التعهد به فلا انحلال، بل يجب الوفاء، و يقع الحنث بتركه و تجب الكفارة، كما لو قصد في المثال السابق الحلف علي زيارة الحسين عليه السّلام و التعهد بها مطلقا، و إن كانت لا تقع في الخارج إلا مع المشيئة. لكن ذلك محتاج إلي عناية لا تناسب تركيب الكلام، بل الكلام بطبعه يقتضي الأول، و هو أن الأمر المتعهد به هو المعلق علي المشيئة، لا المطلق.

و قد ورد في عدة أحاديث أن من لم يستثن في يمينه كان له أن يستثني متي ذكر و لو بعد أربعين يوما. و لا إشكال في رجحان ذلك، إلا أن في انحلال اليمين به و عدم حصول الحنث و سقوط الكفارة به إشكالا، و الأحوط وجوبا العدم. بل لا إشكال في عدم الانحلال بذلك في النذر و العهد.

(مسألة 43): إذا نذر و لم يعين شيئا لم ينعقد النذر و لم يجب عليه شي ء، كما إذا قال: إن ولد لي ولد فلله علي نذر.

(مسألة 44): إذا كان متعلق اليمين و النذر و العهد مطلق الطاعة كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3،

ص: 133

الاقتصار علي أدني البر، من صلاة أو صيام أو صدقة أو غيرها.

(مسألة 45): إذا كان المتعلق لهذه الأمور مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر اقتصر علي الأقل، و إذا كان مرددا بين المتباينين وجب الجمع بينهما، إلا أن يكون فيه ضرر مهم فالأحوط وجوبا الرجوع للقرعة، و كذا الحال إذا نسي المعلق و تردد بين الأقل و الأكثر أو المتباينين. نعم إذا كانت الأطراف كثيرة غير منحصرة فالظاهر الانحلال.

(مسألة 46): من نذر أن يصوم حينا كان عليه صيام ستة أشهر، و من نذر أن يصوم زمانا كان عليه صيام خمسة أشهر، و الأحوط وجوبا جريان ذلك في اليمين و العهد. نعم إذا قصد بأحدهما مقدارا معينا كان العمل علي ما قصد، حتي في النذر.

(مسألة 47): من نذر شيئا للكعبة أو المشهد، فإن أمكن الانتفاع به بعينه في مصالح الكعبة أو المشهد من سراج و فراش و تنظيف و عمارة تعيّن، و إلا بيع و صرف ثمنه في ذلك. و إن تعذر الانتفاع به في ذلك- و لو لظهور خيانة السدنة أو عجزهم عن الحفظ بوجه غير متعارف- صرف للمحتاجين من القاصدين و الزائرين للكعبة و المشهد في الطعام و نفقة الطريق و نحوهما.

أما مع نذر المال للنبي صلّي اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السّلام أو الولي بشخصه فإنه ينفق في القربات و المبرات و يجعل ثوابها للمنذور له، لأنه أظهر وجوه انتفاعه بالمال.

إلا أن يكون الناذر قد قصد وجها آخر من الإنفاق، فيتبع قصده. نعم نفوذ النذر في جميع ذلك مشروط بجعله للّه تعالي، و إلا كان من النذر لغيره الذي يجري فيه ما سبق.

(مسألة 48): ورد في الحديث الصحيح أن من

مرض فاشتري نفسه من اللّه تعالي بمال إن هو عافاه من مرضه فعوفي أن المال يكون للّه تعالي، و منه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 134

للإمام عليه السّلام، و حينئذ يلحقه حكم سهم الإمام عليه السّلام و يراجع به الحاكم الشرعي.

و الأحوط وجوبا صرفه في الفقراء و المساكين و ابن السبيل.

(مسألة 49): كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعة، و كذا كفارة النذر حتي نذر الصوم، علي ما تقدم في كتاب الصوم. و كفارة العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد من طعام. و قد تقدم في كتاب الصوم كثير من الفروع المتعلقة بالتتابع في الصوم، و بالإطعام، و هي تجري هنا.

فراجع.

(مسألة 50): الكسوة ثوب تام، و الأفضل بل الأحوط استحبابا ثوبان.

(مسألة 51): إنما تجب الكفارة بتعمد الحنث، و هو المخالفة، و لا تجب مع المخالفة لا عن عمد، نعم هي موجبة لانحلال اليمين و النذر و العهد مع إطلاق متعلقها علي ما تقدم. كما لا تشرع الكفارة قبل المخالفة من أجل أن ينحل اليمين و النذر و العهد، و تسوغ مخالفتها، بل هي لا تنحل بدفع الكفارة من دون مخالفة.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 135

كتاب الكفارات

اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في تعداد الكفارات

ذكرنا جملة من الكفارات في مواضعها المناسبة، فقد تقدمت كفارة إفطار شهر رمضان و كفارة قضائه في كتاب الصوم، و كفارة الجماع حال الاعتكاف في كتاب الاعتكاف، و كفارة الظهار و الإيلاء في مبحثهما، و تقدمت في كتاب اليمين و النذر و العهد كفاراتها. و ذكرنا في مناسك الحج و العمرة كفارات الإحرام علي كثرتها. و ذكرنا في المواضع المذكورة الفروع المناسبة لها، فلا نطيل بإعادتها.

(مسألة 1): كفارة قتل المسلم عمدا كفارة جمع- حتي لو كان عبدا للقائل الأحوط وجوبا- و هي عتق رقبة مؤمنة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد. و إذا كان القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم- و هي شهر رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم- لزم الصوم في الأشهر الحرم، و إنما تجب الكفارة بقتل العمد علي القاتل إذا لم يقتص منه و رضي أولياء المقتول بالدية.

(مسألة 2): كفارة قتل المسلم خطأ مرتبة، و هي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد.

لكن إذا كان القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم فكفارته صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، فإن عجز أعتق رقبة مؤمنة، فإن عجز أطعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 136

ستين مسكينا.

(مسألة 3): إنما تجب الكفارة في قتل الخطأ إذا صح نسبة القتل للشخص عرفا، دون بقية أسباب الضمان المذكورة في الديات، كما لو حفر بئرا في الطريق غفلة عما يترتب علي ذلك فوقع فيها شخص فمات.

(مسألة 4): لا بد في كفارة قتل العمد و الخطأ في الحرم أو في الأشهر الحرم من أن

يكون الصوم في الأشهر الحرم، و أن يكون التتابع فيه في تمام الشهرين، و لا يكفي التتابع في شهر و يوم ثم تفريق الصوم. و لازم ذلك صوم يوم عيد الأضحي، و لا بأس به، كما تقدم في كتاب الصوم.

(مسألة 5): إذا اشترك جماعة في قتل شخص واحد، فعلي كل منهم كفارة علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 6): تثبت كفارة العمد و الخطأ في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه، بل مطلقا علي الأظهر.

(مسألة 7): إذا كان المقتول مهدور الدم بحيث يحل للقاتل قتله- كسابّ اللّه تعالي و سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام- فلا كفارة لقتله. نعم إذا كان مهدور الدم بحد يوكل للإمام- كالزاني المحصن و اللائط- فلا يجوز لغير الإمام قتله إلا بإذن الإمام، فإن قتله شخص بغير إذن الإمام ثبتت عليه الكفارة.

(مسألة 8): يحرم علي المرأة في المصاب جزّ شعرها- و هو قصّه و نتفه، و خدش وجهها حتي تدميه، و فيها الكفارة. و أما اللطم علي الخد فلا كفارة فيه. و يستحب له الاستغفار و التوبة.

(مسألة 9): كفارة جز الشعر من المرأة في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد. و يكفي في وجوبها جز بعضه بمقدار معتد به، و يلحق به الحلق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 137

(مسألة 10): كفارة نتف المرأة شعرها في المصاب و خدش وجهها حتي تدميه كفارة يمين.

(مسألة 11): يحرم علي الرجل أن يشق ثوبه في مصابه بولده أو زوجته.

و لا يحرم الشق في غير ذلك، كشق الأخ علي أخيه و شق المرأة علي زوجها و الام علي ولدها و الأخت علي أخيها و

غير ذلك. و إن كان الأولي ترك ذلك و التجمل بالصبر.

(مسألة 12): كفارة شق الرجل ثوبه علي ولده أو زوجته كفارة يمين.

(مسألة 13): من تزوج امرأة ذات زوج أو في عدتها جاهلا استحب له التكفير بخمسة أصوع من الدقيق، بل هو الأحوط استحبابا. و الصاع أربعة أمداد يقارب ثلاث كيلوات و أربعمائة و ثمانين غراما، كما تقدم في زكاة الفطرة.

(مسألة 14): من نام عن صلاة العشاء حتي انتصف الليل استحب له التكفير بأن يصوم اليوم اللاحق، بل هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 15): ورد أن كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان، و حمل علي الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حرمة العمل للجائر مع عدم الإكراه إلا أن يكون الغرض نفع المؤمنين.

(مسألة 16): ورد أن من اغتاب مؤمنا فكفارته أن يستغفر له، و حمل علي الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لزوم الاستغفار له مع تعذر الاستحلال منه.

(مسألة 17): ورد في بعض الكفارات المستحبة أن كفارة الطيرة التوكل، و كفارة الضحك أن تقول: اللهم لا تمقتني، و كفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ. وَ سَلٰامٌ عَلَي الْمُرْسَلِينَ. وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 138

الفصل الثاني في أحكام الكفارات

(مسألة 18): لا تثبت الكفارة بفعل شي ء من أسبابها إلا إذا كان الفاعل مكلفا بعدم فعل السبب بأن يكون بالغا عاقلا غير مكره إكراها رافعا للتكليف، فإذا قتل الصبي مثلا مسلما عمدا أو خطأ فلا كفارة عليه. و كذا إذا أكره البالغ علي الحنث بيمينه. نعم إذا لم يكن الإكراه رافعا للتكليف فلا أثر له، بل تجب معه الكفارة، كما إذا

أكره علي قتل مسلم، فإن الإكراه لا يسوّغ القتل و لا يسقط كفارته.

(مسألة 19): لا تثبت الكفارة بفعل شي ء من أسبابها لا عن عمد، بل خطأ أو نسيانا أو جهلا بالحكم أو الموضوع. إلا كفارة قتل المسلم خطأ علي ما تقدم، و كفارة الصيد في الإحرام علي ما يذكر في محله.

(مسألة 20): تجب المبادرة إلي أداء الكفارة عقلا لأنها بمنزلة التوبة من الذنب.

(مسألة 21): وجوب الكفارات المذكورة تكليف محض، فيجب علي المكلف القيام بها من دون أن تكون من سنخ الديون التي تخرج من تركته بعد وفاته. نعم لو أوصي بها خرجت من ثلثه.

(مسألة 22): الكفارات المتقدمة عبادات لا بد فيها من نية القربة، فيجري فيها الفروع المناسبة لذلك، المذكورة في محلها كمباحث الوضوء.

(مسألة 23): لما كانت الكفارات من العبادات فهي لا تصح من الكافر لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 139

تحقق سببها منه و إن وجبت عليه. كما أنه لو أسلم تسقط عنه. و كذا لا تصح من غير المؤمن. لكنه لو استبصر أجزأته كما يجتزئ بسائر عباداته. أما إذا لم يأت بها حتي استبصر فإنها لا تسقط عنه، بل يجب عليه أداؤها. نعم إذا لم يتحقق في حقه شرط ثبوتها فلا شي ء عليه، كما إذا أقدم علي السبب معتقدا حليته.

(مسألة 24): يكفي في عدم كون المكلف واجدا للرقبة عدم وجدانه من المال ما يفضل عن حاجته و حاجة عياله فعلا و لا قوة، لعدم قدرته علي التكسب بما يزيد علي ذلك. و إن كان عدم تيسر العثور علي الرقبة في زماننا غالبا يغني عن الكلام في ذلك و في جميع الفروع المتعلقة بها.

(مسألة 25): يكفي في العجز عن الصيام المرض أو الحرج

المعتد به إذا لم يرج زوالهما قريبا.

(مسألة 26): يكفي في التتابع صوم شهر و يوم، كما تقدم في كتاب الصوم و تقدمت بعض الفروع المتعلقة به. نعم لا بد من التتابع التام في صوم كفارة القتل في الحرم أو في الأشهر الحرم عمدا كان أو خطأ، كما تقدم في الفصل الأول.

(مسألة 27): المراد بإطعام المسكين في الكفارة هو أن يشبعه أو يتصدق عليه بمد من طعام. و قد تقدم في كتاب الصوم الفروع المناسبة لذلك.

(مسألة 28): لا يجوز في إطعام الفقير في الكفارة الدفع لمن تجب نفقته علي صاحب الكفارة إلا أن تكون عليه نفقات لا تجب علي صاحب الكفارة نظير ما تقدم في الزكاة.

(مسألة 29): المدار في العجز في الكفارة المرتبة علي العجز حين إرادة التكفير، فإذا عجز عن المرتبة السابقة فأتي باللاحقة و أتمها ثم قدر علي السابقة أجزأه ما أتي به و لا يحتاج للتكفير مرة أخري بما قدر عليه من المرتبة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 140

نعم إذا قدر علي المرتبة السابقة قبل إكمال التكفير بالمرتبة اللاحقة فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بما أتي به، بل يستأنف التكفير بالمرتبة السابقة، فإذا عجز عن العتق مثلا فشرع في الصوم ثم قدر علي العتق قبل إكمال الصوم أعتق و لم يجتزئ بالصوم الذي وقع منه. نعم تقدم في كفارة الظهار الاجتزاء بالصوم في بعض الصور.

(مسألة 30): من عجز عن بعض الخصال في كفارة الجمع أتي بالباقي، و استغفر بدلا عما عجز عنه، و الأحوط استحبابا أن يتصدق أيضا بدلا عنه بما يطيق. بل الأحوط وجوبا مع العجز عن الإطعام فيها أن يصوم ثمانية عشر يوما.

(مسألة 31): من عجز في الكفارة المرتبة عن

الخصال الثلاث و آخرها إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. فإن عجز عنها أيضا لحقه حكم من عجز عن الكفارة من الاجتزاء بالاستغفار بدلا عنها. و الأحوط استحبابا أن يتصدق أيضا بما يطيق. هذا في غير كفارة الظهار، فقد تقدم الكلام فيها في محله.

(مسألة 32): من كان عليه كفارات متعددة فعجز عن القيام بها كلها أتي بما يقدر عليه منها و جري علي الباقي حكم العجز عن الكفارة. و لا يجري حكم العجز عن الكفارة بالإضافة إلي الجميع، إلا إذا لم يقدر علي شي ء منها.

(مسألة 33): من عجز عن الكفارة فأتي بالبدل من الاستغفار أو غيره سقطت عن ذمته، فإذا قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تداركها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 141

كتاب الإقرار

اشارة

و هو إخبار عن حق ثابت علي المخبر أو نفي حق له علي غيره. و ينفذ في حق المقر علي نحو لا تسمع منه الدعوي علي خلافه، و يقدم علي جميع الحجج حتي البينة. و يقع الكلام في شروط نفوذه و أحكامه.

(مسألة 1): يشترط في المقر البلوغ و العقل بالنحو المناسب للرشد في الجهة التي أقر بها من مال أو غيره، فإذا كان رشيدا في جهة دون اخري نفذ إقراره في الجهة التي هو رشيد فيها دون الجهة التي ليس رشيدا فيها. فإذا كان رشيدا في الماليات إلا أنه سفيه فيما يتعلق ببدنه لقصور في إدراكه، فلا يهمه مثلا إتلاف عضو من أعضائه، فأقر بأنه قد قطع يد رجل، لم ينفذ إقراره بنحو يستحق عليه القصاص، بل تثبت الدية لا غير. و قد تقدم في كتاب الحجر تحديد السفه

في الماليات بنحو يجري نظيره في غيرها. فراجع.

(مسألة 2): يشترط في المقر أيضا القصد، فلا ينفذ إقرار النائم و السكران، و الساهي و الغالط. نعم لما كان السهو و الغلط علي خلاف الأصل فلا بد له من إثباتهما، فإذا لم يثبتهما يحكم بعدمهما ظاهرا فينفذ الإقرار في حق الشاك في تحقق أحدهما، و لا ينفذ في حق العالم بوجوده.

(مسألة 3): يشترط في المقر أيضا الاختيار فلا ينفذ الإقرار من المكره، و لا من المضطر، كما إذا عطش و خاف علي نفسه التلف فطلب ماء فامتنع صاحب الماء من أن يعطيه حتي يقر له بأنه قد باعه الدار، فأقر له بها، فإن إقراره حينئذ لا ينفذ. نعم لما كان الإكراه و الاضطرار علي خلاف الأصل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 142

فلا بد له من إثباتهما، علي نحو ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 4): لا يشترط في الإقرار صيغة خاصة، بل يكفي كل ما يدل علي ثبوت الحق علي المقر للمقر له، أو نفي حقه عليه، و لا يشترط صراحته فيه، بل يكفي ظهوره فيه عرفا. بل يكفي الاعتراف بلازم ذلك في ثبوت الملزوم، فإذا ادعي رجل علي آخر مالا، فادعي الآخر الوفاء، كانت دعواه الوفاء إقرارا منه بسبق استحقاق المدعي للمال عليه، فيلزم بأدائه ما لم يثبت الوفاء. و كذا إذا ادعي الرجل زوجية امرأة فادعت الطلاق، فإن دعواها الطلاق منه إقرار منها بسبق زوجيته لها، و هكذا.

(مسألة 5): إذا لم يتضمن الكلام الإخبار بثبوت الحق أو بلازمة، بل تضمن طلب تصرف يلازم ثبوته، فالظاهر عدم صدق الإقرار عليه بمجرد ذلك، كما إذا رأي في يد زيد عينا فقال: بعنيها، فإن البيع و إن كان

لا يتحقق إلا من المالك إلا أن طلب البيع قد يبتني علي كونه صاحب يد محكوم بأنه المالك ظاهرا، فلا يقتضي الإقرار بملكيته واقعا بحيث ليس له بعد ذلك دعوي ملكيته تكذيبا لليد. نعم إذا قامت القرينة علي ابتناء طلب البيع علي تصديقه في ملكيته مع قطع النظر عن اليد كان ذلك إقرارا. بل يجري ذلك حتي في الإخبار بملكية صاحب اليد، فإنه لا يكون إقرارا إلا إذا قامت القرينة علي رجوعه إلي الإخبار بالملكية واقعا مع قطع النظر عن اليد.

(مسألة 6): لا يشترط في الإقرار اللفظ، بل يكفي كل ما يدل علي الإخبار بثبوت الحق أو نفيه من إشارة أو كتابة أو غيرهما.

(مسألة 7): يشترط في المقر به أن يكون حقا للمقر له، بحيث له مطالبة المقر و إلزامه به، كالأعيان و المنافع الخارجية و الذمية المملوكة و الحقوق كحق الخيار و الاستمتاع و الإنفاق و نحوها. فلو لم يكن كذلك فلا أثر للإقرار به، كما لو أقر أنه قد حلف أن يدفع لزيد عشرة دنانير أو نذر أن يكسوه كسوة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 143

الشتاء، لأن اليمين و النذر إنما يجب الوفاء بهما للّه تعالي، من دون أن يثبت بهما حق للشخص الذي ينتفع بمضمونهما. و كذا إذا أقر أن عليه حقا شرعيا، فإن ذلك لا يصحح للفقير المطالبة به، لأن الحق ليس ملكا للفقير، بل هو مصرف له، فليس له المطالبة به إذا لم يدفع له. نعم لو تمت ولاية الحاكم الشرعي علي الحق كان له المطالبة به نيابة عن صاحبه.

(مسألة 8): إذا أقر بثبوت الحق عليه بسبب باطل لم يثبت شي ء، كما لو قال: لزيد عليّ ألف دينار من

ثمن خمر أو خنزير أو دين ربوي أو نحو ذلك.

نعم لو أطلق الإقرار بثبوت الحق، ثم ادعي أن ثبوته كان بسبب باطل، ثبت الحق كما أقر، و لم تسمع منه دعوي بطلان السبب. و هكذا الحال في الإقرار بنفي حقه، كما لو قال: ليس لي عليه شي ء بسبب إبرائي لذمته من الدين قبل بلوغي.

(مسألة 9): لو أقر بدين مؤجل ثبت ما أقر به، و لم يستحق المقر له المطالبة قبل الأجل، إلا أن يثبت المقر له عدم التأجيل في الدين. بخلاف ما لو أقر بالدين و أطلق ثم ادعي التعجيل، فإن مقتضي الأصل في الحق التعجيل إلا أن يثبت من عليه الحق تأجيله.

(مسألة 10): المتبع في تحديد الحق المقر به ظاهر كلام المقر المستفاد من إطلاقه أو من القرائن الحالية و المقالية المحيطة بكلامه، فإن ادعي خلاف ذلك لم يسمع منه. إلا أن يقر المقر له بما يشهد بمخالفة ظاهر كلام المقر الأول للواقع. كما لو أقر زيد لعمرو بألف دينار، فإنه يحمل علي عملة البلد عملا بظاهر الكلام ما لم يقر عمرو بأن سبب الاستحقاق عقد قد تضمن التقييد بعملة اخري غير عملة البلد، و كذا إذا ادعي وجود القرينة الصارفة عن مقتضي الظهور الأولي، فإن الدعوي المذكورة تسمع منه و يطالب بإثباتها.

(مسألة 11): إذا أقر بعين تحت يده محكومة بأنها ملكه لشخصين في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 144

كلامين لا تعلق لأحدهما بالآخر حكم بأنها لمن أقر له أولا. و حينئذ إن كذبه الثاني في إقراره بها للأول كان له أن يقيم الدعوي علي الأول و إثبات أنها له فينتزعها من الأول إن تيسر له ذلك، و إن لم يتيسر له ذلك

كان له أن يقيم الدعوي علي المقر بأنه قد تعمد حرمانه منها بإقراره بها للأول، بنحو يكون مفرطا فيها، فيضمنها له و كذا إذا كان المقر قد سلمها للأول اختيارا، حيث يضمنها بعدم تسليمها للثاني الذي هو مالكها بمقتضي إقراره له. أما إذا لم يتيسر له أحد الأمرين فلا شي ء له علي المقر، كما إذا كان إقراره الأول عن خطأ منه أو ادعي هو ذلك من دون أن يتيسر للثاني تكذيبه فيه، و كان دفع العين للأول بإلزام من الحاكم الشرعي أو كان الأول قد انتزعها منه إرغاما من دون أن يكون هو قد فرط بتسليمها له.

(مسألة 12): إذا أقر بعين تحت يده لشخصين في كلام واحد، فإن كان بنحو يظهر في العدول من الإقرار بها للأول إلي الإقرار بها للثاني كان بحكم المسألة السابقة، كما إذا قال: هذا الثوب لزيد، كما قد نسيت هذا لعمرو. و إن كان بنحو الإضراب الظاهر في الغلط و سبق اللسان حكم بها لمن أقر له بها ثانيا، كما إذا قال: هذه الدنانير لزيد، بل لعمرو. و حينئذ إن كذبه الأول في إقراره بها للثاني كان له أن يقيم الدعوي علي الثاني و إثبات أنها له فينتزعها منه إن تيسر له ذلك، و إن لم يتيسر له كان له أن يقيم الدعوي علي أن المقر قد تعمد الإقرار بها له أولا حقيقة ثم عدل للإقرار بها للثاني ليحرمه منها، و ليس ما صدر منه من الخطأ و سبق اللسان، كما هو ظاهر الكلام، فإن تم له إثبات ذلك حكم بها للمقر له أولا و جري حكم المسألة السابقة، و إن لم يتم له إثبات ذلك أيضا فلا شي ء له.

(مسألة

13): لو أقر بما يتردد بين الأقل و الأكثر ثبت الأقل و الزم به، دون الأكثر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 145

(مسألة 14): لو أقر لشخص بأمر مبهم كلف الخروج عنه بدفع ما يصلح تفسيرا له، فإذا قال: له علي مائة، و ترددت المائة بين أمور، كلف بدفع مائة مما يصلح لأن يملك و يفسر به إقراره.

(مسألة 15): لو أقر لشخص مبهم فإن كان مرددا بين أشخاص بعضهم لا يصلح للمطالبة بالحق لغيبة أو لكونه تحت ولاية المقر أو غير ذلك، فلا يلزم بإقراره. و إن كان مرددا بين أشخاص كلهم يصلح للمطالبة بالحق فإن فسر المبهم و عينه قبل منه، و إن لم يفسره لم يكن لكل منهم المطالبة بالأمر المقر به و لا بالتفسير. نعم لهم أن يوكلوا شخصا واحدا- منهم أو من غيرهم- بالمطالبة بإيصال الأمر المقر به لصاحبه الواقعي، فله أن يلزمه بذلك، و لا يتسني له ذلك إلا بتفسير المبهم و تعيين صاحب الحق.

ثم إن فسر صاحب الحق و عينه بشخص خاص حينئذ أو من أول الأمر، فإن لم يعترض غيره أخذ ذلك الشخص الأمر المقر به، و إن اعترض غيره كان خصما له لا للمقر، فإن أقام البينة علي أنه صاحبه انتزعه منه، و إلا كان له علي ذلك الشخص اليمين، فله أن يحلف اعتمادا علي الإقرار، إلا أن يعلم بخطإ الإقرار أو كذبه فلا يحق له التعويل عليه في أخذ الأمر المقر به فضلا عن اليمين عليه.

(مسألة 16): إذا أقر إقرارا يلزم شرعا بظاهر الحال ثم ادعي أن إقراره لم يكن بداعي بيان الواقع، فإن رجع ذلك إلي خلل في شروط الإقرار، كما لو ادعي الإكراه أو

الاضطرار أو الغلط، سمعت دعواه و كان عليه الإثبات، فإن لم يثبت نفذ الإقرار في حقه. و إن رجع إلي كذب الإقرار من دون خلل في شروطه لم تسمع دعواه، كما إذا أقر بالبيع أو بقبض الثمن و أشهد علي إقراره، ثم ادعي ابتناء إقراره علي المواطاة مع الطرف الآخر من أجل تنظيم المعاملة رسميا و تثبيت شهادة الشهود عليها من دون أن يتحقق المقر به بعد في الواقع. و مجرد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 146

تعارف ذلك بين الناس و كثرة وقوعه لا يكفي في سماع الدعوي بعد رجوعها إلي تكذيب الإقرار.

(مسألة 17): الإقرار حجة في حق كل أحد، و لا تختص حجيته بالحاكم الشرعي، و لا يتوقف نفوذه في حق غيره علي حكمه.

(مسألة 18): الإقرار حجة ظاهرية، إنما ينفذ مع احتمال الصدق، فلو علم بكذبه لم ينفذ و لم يجز ترتيب الأثر عليه. نعم هو مقدم علي جميع الحجج الظاهرية.، بل لا تسمع معه الدعوي علي خلافه من المقر، كما تقدم.

(مسألة 19): إذا أقر لشخص بشي ء فإن صدقه المقر له أو قال: لا أعلم، نفذ الإقرار. و إن كذبه لم ينفذ لتعارض الإقرارين المسقط لهما عن الحجية، و حينئذ يرجع للحجج الأخري المتأخرة عن الإقرار، كالبينة و اليد و الأصل.

تتميم.

يقبل الإخبار من بعض الأشخاص في بعض الموارد كحجة معتبرة، و قد يطلق عليه في كلماتهم الإقرار. لكنه ليس إقرارا بالمعني المتقدم، لعدم ابتناء قبوله علي تضمنه الاعتراف بحق علي المقر.

منها: أخبار الإنسان عما تحت يده مما ليس ملكا له كالأمانة و المغصوب، فإنه يرجع إليه في أمره و يقبل قوله فيه، فإذا أقر بأنه ملك لإنسان حكم له به، و كذا

إذا أخبر بأنه وقف أو حق شرعي أو نحو ذلك. بل لو أخبر بأنه محقوق لغير المالك قبل منه، كما لو ادعي أنه رهن علي دين أو مستأجر إلي أجل أو نحوهما. و كذا إذا ادعي أنه عارية أو وديعة إلي غير ذلك. نعم إذا كذبه المالك أو من أقر هو بأنه المالك كان قوله مقدما. كما أن حجية خبره فيه ليس كحجية الإقرار الذي سبق أنه يقدم علي جميع الحجج، بل تقدم البينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 147

عليه، كما يقدم عليه قول من ثبت سبق يده عليه.

و منها: أن من كان له السلطنة علي شي ء يقبل منه إخباره به في الظاهر، كإخبار الزوج بطلاق زوجته، و إخبار الولي أو الوكيل بفعل ما له الولاية عليه أو و كل فيه، و إخبار الأجير علي تفريغ ذمة الغير بإتيانه بالعمل المستأجر عليه، إلي غير ذلك. و هو المعروف عند الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) بأن من ملك شيئا ملك الإقرار به. نعم يمكن رفع اليد عنه بحجة منافية، كالبينة.

و منها: الإقرار بالنسب، حيث يقبل في بعض الموارد علي ما تقدم في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح، مع أنه قد يستلزم أحكاما ليست من سنخ الحقوق الثابتة علي المقر، كميراث المقر و من يتقرب به ممن يدعي بنوته، و ميراث الولد المدعي من المقر و ممن يتقرب إليه به. إلي غير ذلك من الموارد التي يقبل فيها أخبار الإنسان من دون أن يكون إقرارا بالمعني المتقدم.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 149

كتاب الغصب

و هو العدوان علي ملك الغير و استلابه بدون حق شرعي، بل لمجرد القدرة عليه، و به يخرج

الإنسان عن إنسانيته الفاضلة إلي حيوانيته و بهيميته، حيث يقهر القوي الضعيف من دون أن يصغي إلي وازع من ضمير و لا يرتدع برادع من دين.

و قد حرمه اللّه تعالي استصلاحا للإنسان، و تنظيما للعلائق بين أفراده بما يناسب إنسانيته. بل تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن من الكبائر حبس الحقوق، و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلي المحشر»، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:

«أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق». بل في آثاره في الدنيا ما يصلح أن يكون رادعا لذي الرشد و الحجا، فعنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «الحجر الغصب في الدار رهن علي خرابها».

و يلحق به في أكثر الأحكام في محل الكلام الاستيلاء علي مال الغير بغير حق لا بنية العدوان، بل خطأ أو لتخيل الاستحقاق، كالمقبوض بالعقد الفاسد و نحوه. و من ثم يكون موضوع الكلام هنا ما يعم ذلك، و هو الاستيلاء علي مال الغير من دون استحقاق واقعي، سواء كان علي وجه الظلم و بنحو العدوان أم مع العذر. و إذا اختص بعض الأحكام بصورة العدوان أشرنا إلي اختصاصه به عند التعرض له.

(مسألة 1): يحرم غصب المال المملوك و الذي يختص بجهة معينة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 150

كالحق الشرعي و المال الموقوف و غيرها. بل يحرم غصب المال غير المملوك لمحترم المال إذا كان فيه حق الاختصاص بتحجير و نحوه. نعم لا يحرم غصب مال من لا يحترم ماله و المال المملوك لمحترم المال إذا سقطت حرمته و وجب عليه إتلافه فلم

يتلفه.

(مسألة 2): يحرم غصب الحر إذا كان محترم الدم و كان في غصبه منافاة لسلطنته إذا كان كاملا تام السلطنة، أو لسلطنة وليه عليه إذا كان قاصرا مولي عليه. نعم لا يضمن بمجرد الغصب، بل بالإتلاف. و إنما تضمن منافعه التي يستوفيها الغاصب كما لو استخدمه. و أما التي لم يستوفها فلا ضمان لها إلا أن يكون أجيرا مملوك المنفعة لشخص آخر ففي الضمان إشكال.

(مسألة 3): يتحقق غصب الإنسان للعين باستيلائه عليها، بحيث تكون في حوزته. و لا يكفي فيه منعه للمالك من الاستيلاء عليها، كما لو منع المالك من إمساك دابته فشردت أو تلفت أو غصبت، فإنه لا يكون غاصبا بذلك ما لم يستول هو عليها. نعم يكون ضامنا لها إذا استند تلفها إليه عرفا، كما لو اندفعت فأمسكها المالك ففتح يد المالك أو قطع الحبل فاسترسلت حتي تردت. و كذا لو كان المالك قد ربطها ففك الرباط أو قطع الحبل، بخلاف ما إذا فك الرباط أو قطع الحبل فلم تندفع بل وقفت ثم مشت حتي تردّت أو تلفت بسبب آخر كغرق أو أكل سبع أو نحوهما. و يأتي في آخر كتاب القصاص و الديات التعرض لأسباب الضمان. و علي كل حال فالضمان حينئذ ليس للغصب، بل للإتلاف.

(مسألة 4): لا فرق في تحقق الغصب بالاستيلاء بين الأعيان المنقولة و الثابتة، كالدار و العقار و البستان و غيرها.

(مسألة 5): لا يتحقق غصب العين بمجرد التصرف فيها من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 151

استيلاء عليها و استقلال بها، كما لو دخل الدار أو صعد في السيارة أو جلس علي الفراش، بل غاية الأمر أنه يكون غاصبا للمنفعة، فيضمنها لو كان لها مالية، من دون

أن يضمن العين ذات المنفعة.

(مسألة 6): إذا سكن شخص مع المالك في الدار مراغما له فلذلك صور.

الاولي: أن يشغل موضعا من الدار من دون أن يستقل به و لا بالدار، بل يبقي الاستقلال للمالك، بحيث يستطيع المالك نقله من موضع لآخر، نظير النزيل في الفندق. و في ذلك لا يكون غاصبا للدار بل لمنفعتها لا غير.

الثانية: أن يستقل بالقسم الذي يسكنه بحيث يفقد المالك السيطرة عليه مع بقاء سيطرته علي الباقي منها. و حينئذ يكون غاصبا للقسم الذي استولي عليه دون الآخر، و إذا كان هناك موضع مشترك بينهما يلحقه ما يأتي.

الثالثة: أن لا يختص كل منهما بشي ء منها، بل يشتركان في الاستيلاء علي تمام الدار، كالشريكين. و في صدق الغصب هنا لعين الدار إشكال، كالإشكال في ضمانها، و المتيقن صدق الغصب بالإضافة إلي المنفعة و ضمانها.

الرابعة: أن يستولي علي تمام الدار و يستقل بها، و يكون المالك هنا كالغاصب في الصورة الاولي. و حينئذ يكون غاصبا لتمام الدار، و لما يستوفيه هو من منافعها، دون ما استوفاه المالك من منافعها.

و تجري الصور الأربع فيما إذا غصبت الدار من المالك و أشغلها أكثر من واحد، فإن ضمان كل منهم تابع لاستيلائه علي ما فصل في الصورة المذكورة.

و تجري أحكامها عدا الصورة الثالثة، فإن الغصب فيها يستند للمجموع لا لكل واحد، فيكون ضمان الدار عليهم بنحو التوزيع.

(مسألة 7): لا وكالة في الغصب، فإذا باشر الوكيل الغصب كان هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 152

الغاصب و الضامن دون الموكل. إلا أن يباشر الموكل الغصب بنفسه أيضا.

(مسألة 8): العين المغصوبة مضمونة علي الغاصب بمجرد وضع يده عليها، سواء كان معتديا في ذلك أم لا. فيجب عليه ردها

إلي مالكها مع وجودها و إن كان شاقا. و إذا استلزم صرف مال كان عليه.

(مسألة 9): إذا حدث في العين عيب أو نقص كان مضمونا علي الغاصب فيدفع مع العين الأرش، و هو فرق ما بين الصحيح و المعيب بحسب القيمة السوقية. نعم الأرش الشرعي مع تلف عين الدابة هو ربع قيمته.

(مسألة 10): إذا زادت العين عند الغاصب زيادة متصلة- كالسمن- أو منفصلة- كالبيض و اللبن- كانت للمالك مضمونة علي الغاصب فيجب عليه ردها مع العين أو رد بدلها لو كانت قد تلفت. نعم لو لم يستول الغاصب علي الزيادة و لم تصر تحت يده لم يضمنها، كما لو طار الطائر المغصوب من الغاصب، فتكونت فيه بيضة و باضها ثم رجع للغاصب. بل يكون الضمان علي من يستولي علي الزيادة المذكورة.

(مسألة 11): إذا استحالت العين المغصوبة في يد الغاصب كالبيضة تصير فرخا و الحب يصير زرعا، فالأمر المستحال إليه للمالك، فإن نقصت قيمته عن الأصل كان علي الغاصب الأرش. و كذا الحال لو انقلب الخل خمرا ثم انقلبت الخمر خلا.

(مسألة 12): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب فيها، و كانت الزيادة بسبب إضافة عين- كما لو وضع للثوب أزرارا- كان له انتزاعها ما لم يضر بالعين المغصوبة، فإن كان مضرا بها فالأحوط وجوبا حينئذ التصالح مع المالك و الاتفاق معه إما علي أخذ المالك الزيادة بقيمتها، أو إبقائها في العين بانتظار بيعها و دفع ما يقابل الزيادة من الثمن لمالكها، أو انتزاع الغاصب عينه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 153

و ضمان نقص العين المغصوبة أو غير ذلك.

(مسألة 13): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب و كانت زيادتها مسببة عن حدوث صفة- كصبغ

الثوب أو غسله و تجفيف الطعام أو طبخه و صياغة الذهب- فلا شي ء للغاصب، بل يجب عليه دفع العين للمالك، و كذا إذا كان مسببا عن عين لا تميز لها في مقابل العين المغصوبة، بل تعد عرفا تالفة فيها كالدهن في الطعام. نعم إذا لم يكن الغاصب معتديا بل أخذ العين و تصرف فيها بتخيل الاستحقاق، فالظاهر أنه يملك نتيجة عمله و لا يجوز لمالك العين تفويته عليه، فإذا بيعت العين كان له من الثمن ما يقابل الصفة و نحوها بالنسبة.

فإذا كانت قيمة الذهب مثلا عشرة و قيمة الصياغة خمسة، فبيعت العين مع الحفاظ علي النسبة كان له من الثمن الثلث.

(مسألة 14): إذا زرع الغاصب الأرض المغصوبة أو بني فيها كان عليه أجرة الأرض في المدة المذكورة و له زرعه و بناؤه و للمالك أمره بقلعه و إن تضرر بذلك، و عليه الأرش للمالك لو تضررت الأرض بحفر أو أملاح أو نحوهما. نعم إذا لم يكن الغاصب معتديا، بل تصرف في العين بتخيل الاستحقاق كان له إلزام صاحب الأرض بإبقاء ما جعله فيها بالأجرة، إلا أن يتضرر صاحب الأرض فله قلعه حينئذ، أو يصطلحان علي وجه آخر.

(مسألة 15): إذا امتزجت العين المغصوبة عند الغاصب بمال للغاصب امتزاجا رافعا للتمييز بينهما عرفا، جري علي المالين حكم الشركة، كما يظهر مما تقدم في كتاب الشركة. و الظاهر أن حصة كل منهما من المجموع بنسبة قيمة كل من المالين لقيمة المجموع، لا بنسبة مقدار ماله لمقدار المجموع، فإذا تساوي المالان قدرا و كانت قيمة مال أحدهما ضعف قيمة مال الآخر كان لصاحب الأول الثلثان و لصاحب الثاني الثلث. و إن اشتبهت القيمة لزم الرجوع للصلح. و حينئذ إن

نقصت قيمة المال المغصوب بسبب الامتزاج كان الغاصب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 154

ضامنا للنقص. كما أنه إن أمكن الفصل بين المالين كان للمالك مطالبة الغاصب به فيجب عليه القيام به، و إن استلزم صرف مال كان عليه، و إن تعذر فالظاهر عدم استحقاق المالك إلزام الغاصب بدفع البدل، خصوصا إذا رفع الغاصب يده عن ماله و أباحه له.

هذا كله إذا كان الغاصب معتديا، أما بدون ذلك فليس للمالك إلزامه بتمييز المالين إذا استلزم صرف مال، نعم له القيام بذلك بنفسه.

(مسألة 16): إذا نزلت قيمة العين السوقية من دون نقص فيها لم يكن علي الغاصب شي ء، بل يكفيه دفع العين.

(مسألة 17): لما كانت العين المغصوبة مضمونة علي الغاصب فاللازم عليه مع تلفها رد بدلها علي المالك.

(مسألة 18): إذا كانت العين قيمية فبدلها عند تلفها قيمتها، فإن اختلفت باختلاف الأوقات كان علي الغاصب قيمة يوم الغصب. هذا إذا كان الاختلاف في القيمة لاختلاف مالية العين المضمونة بسبب عزة وجودها في وقت و كثرته في وقت آخر أو نحو ذلك.

أما إذا كان بسبب اختلاف قيمة النقد الذي يكون التعويض به- كما شاع في عصورنا- فاللازم مراعاة مقدار مالية العين حين الغصب و دفع ما يقابلها من النقد حين التعويض.

(مسألة 19): إذا كانت العين مثلية فبدلها عند تلفها مثلها و إن توقف تحصيل الغاصب له علي شرائه بأكثر من قيمته وجب عليه ذلك. و إن تعذر عليه تحصيله وجب عليه دفع قيمته حين الدفع.

(مسألة 20): القيمي هو الذي تنسب القيمة فيه لشخصه، فيقال: هذا قيمته كذا، كما في كثير من المصنوعات اليدوية و الحيوانات و الأشياء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 155

المستعملة، و المثلي هو الذي

تنسب القيمة فيه لنوعه من دون خصوصية للفرد الخاص، فيقال: هذا النوع قيمته كذا، كما في الذهب و الفضة و الحبوب و القطن و منتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة. و قد تقدم نظير ذلك في الفصل الخامس من كتاب الإجارة.

(مسألة 21): كما يجب علي الغاصب دفع بدل العين المغصوبة عند تلفها كذلك يجب عليه دفع بدلها إذا لم تتلف لكن تعذر دفعها لغرق أو سرقة أو ضياع أو نحوها، إذا طالب المالك بالبدل و لم يرض بالانتظار. و الأحوط وجوبا له حينئذ إن كانت قيمية مراعاة أكثر الأمرين من ماليتها يوم الغصب و ماليتها يوم الأداء. و حينئذ إن دفع البدل و رضي المالك به صارت العين للغاصب، فلو قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تسليمها للمالك.

(مسألة 22): كما يضمن الغاصب العين المغصوبة يضمن ما استوفاه من منافعها، كما لو سكن الدار أو ركب السيارة أو الدابة أو لبس الثوب أو غير ذلك. إذا في الوقف فقد تقدم عدم ضمان المنافع المستوفاة في بعض أقسامه.

فراجع.

(مسألة 23): لا يضمن الغاصب المنافع المستوفاة من قبل غيره، بل يضمنها المستوفي لها، سواء كان استيفاؤه لها بإذن الغاصب أم بدونه. إلا أن يكون المستوفي غير مستقل بالإدراك بحيث يكون عرفا كالآلة بيد الغاصب و لا ينسب الاستيفاء له، بل للغاصب، كالطفل غير المميز.

(مسألة 24): لا يضمن الغاصب المنافع غير المستوفاة، كما لو كانت العين المغصوبة ذات منافع لها مالية و قد عطلها الغاصب.

(مسألة 25): إذا تعاقبت الأيدي علي العين المغصوبة- كما لو باع الغاصب العين علي غيره، أو غصبها منه غاصب- و جرت هكذا علي أيدي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 156

كثيرة كان الكل ضامنا، و

كان للمالك الرجوع عليهم جميعا، كما لو كانت العين لعلي فغصبها منه زيد فصارت منه لعمرو، و من عمرو لبكر، و من بكر لخالد، و من خالد لعباس و هكذا. و يجوز له أيضا الرجوع علي متلف العين بالمباشرة أو بالتسبيب و إن لم يكن غاصبا، لعدم وضع يده علي العين. و يأتي الكلام في تحديد المتلف بالمباشرة و التسبيب عند الكلام في أسباب الضمان من كتاب القصاص و الديات إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 26): مع تعاقب الأيدي علي العين المغصوبة إن رجع المالك علي السابق- كزيد في المثال السابق- كان علي السابق انتزاع العين ممن بعده و دفعها للمالك، فإن تعذر ذلك أو كانت العين تالفة كان عليه دفع البدل للمالك علي ما تقدم.

و أما حكمه مع من بعده ممن غصب العين أو أتلفها من دون أن يغصبها فله صور.

الاولي: أن يكون من بعده قد أخذ العين منه مضمونة عليه بعقد، كما لو كان قد باعها منه. و حينئذ يتعين بطلان العقد و رجوع البدل لصاحبه و رجوع الذي ضمن العين للمالك علي الشخص المذكور بالعين مع وجودها، و ببدلها مع فقدها، حتي لو زاد البدل عن البدل الذي تضمنه العقد الباطل، إلا أن يكون ذلك الشخص مغرورا أو مخدوعا من قبله بأن كان هو يعلم بالحال و أخفاه عليه، فله حينئذ أن يرجع بالزيادة عليه، و يقتصر علي مقدار الثمن.

الثانية: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين بدون إذنه. و حينئذ يتعين رجوعه عليه بالعين مع وجودها و ببدلها مع فقدها.

الثالثة: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين منه مجانا بنحو غير مضمن، كما لو وهبه إياها أو أودعها عنده. و حينئذ يرجع

الذي ضمن للمالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 157

عليه بالعين مع وجودها، و في رجوعه ببدلها مع تلفها إشكال، إلا أن يكون قد أخذها علي وجه الأمانة و فرط فيها، فيرجع حينئذ ببدلها.

(مسألة 27): حكم الشخص الذي يضمن للسابق مع من بعده ممن صارت العين عنده أو أتلفها حكم السابق الذي ضمن للمالك معه، فلذلك الشخص مع ضمانه للسابق الرجوع علي من بعده. و هكذا كل من رجع إليه من قبله له أن يرجع علي من بعده. ففي المثال السابق إذا رجع زيد بعد الضمان للمالك علي عمرو أو بكر كان لعمرو أو بكر الرجوع علي خالد مثلا فإذا ضمن خالد كان له الرجوع علي عباس و هكذا، و تجري في اللاحق الصور الثلاث المتقدمة.

(مسألة 28): مع تعاقب الأيدي علي العين المغصوبة إن رجع المالك علي من عدا الأول فدفع له العين مع وجودها و بدلها مع تلفها كان له الرجوع علي من بعده- كما تقدم- و لم يكن له الرجوع علي من قبله، إلا أن يكون قد أخذها منه بعوض فله الرجوع بالعوض لبطلان المعاوضة. و كذا إذا كان مغرورا مخدوعا من قبله، فإنه يرجع عليه بما غرم للمالك من قيمة العين و المنافع التي استوفاها. و كذا يرجع بما أنفقه علي العين من طعام أو حراسة أو غيرهما. أما لو لم يكن مغرورا من قبله- لجهل المأخوذ منه بالغصبية أو لعلم الآخذ بها و إقدامه معها- فلا يرجع عليه بشي ء غير العوض.

(مسألة 29): من أخذ العين المغصوبة من الغاصب- مجانا أو بعوض ليس له إرجاعها له و لا تبرأ ذمته بذلك، بل لا بد من إرجاعها لمالكها، فإن جهل المالك جري عليها

حكم مجهول المالك، الذي أشرنا إليه في مقامات متعددة و يأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 30): لا يجوز شراء المغصوب من الغاصب و لا التصرف فيه إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 158

بإذن المالك أو من يقوم مقامه- كالوكيل و الولي- و لا يسوغ الدخول فيه بغير إذنه صلة للرحم أو لشراء بضاعة لا توجد إلا فيه أو للتداوي أو غير ذلك من موارد الحاجة العرفية، إلا أن يبلغ الأمر حدّ الاضطرار المسوّغ للحرام. نعم لا بأس بالدخول في الأراضي المكشوفة غير المسورة و إن كانت مغصوبة.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 158

(مسألة 31): يجوز للمالك انتزاع العين المغصوبة من الغاصب، و إذا امتنع لدعواه استحقاق المغصوب كان له رفعه للحاكم الشرعي، و إذا امتنع من الترافع له كان له انتزاعها منه قهرا عليه و إن استلزم التصرف في ماله- بمثل دخول الدار و فتح القفل- أو الترافع لحاكم الجور بل له التصرف بإتلاف ماله إذا توقف عليه تحصيل العين المغصوبة بمثل كسر القفل و نقب الجدار و وطء الزرع و قتل كلب الحراسة، مع الاقتصار علي ما هو الأقل خسارة فالأقل، و لا ضمان حينئذ. نعم إذا توقف ذلك علي بذل مال من مالك العين المغصوبة أو غيره لم يكن لباذله مطالبة الغاصب به.

(مسألة 32): إذا تعمد الغاصب الغصب فوقع له مال عند مالك العين المغصوبة كان لمالك العين المغصوبة أن يأخذ من ذلك المال بمقدار حقه من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها و في شروطها في آخر كتاب الدين،

و عليه رد الزائد له. و إذا توقف استيفاء الحق علي بيع المال الذي وقع في يد المغصوب منه فالأحوط وجوبا استئذان الحاكم الشرعي فيه.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 159

كتاب إحياء الموات

اشارة

الأرض علي قسمين.

الأول: الأرض العامرة ببناء أو زرع، فإن كانت مملوكة لشخص بالإحياء أو الشراء فهو، و إن لم تكن مملوكة- كالغابات- فهي تملك بالسبق إليها و حيازتها بقصد التملك، كسائر المباحات الأصلية.

الثاني: الأرض الميتة، و هي الخالية من البناء و الزرع. و هي محل الكلام في المقام.

(مسألة 1): يجوز إحياء الأرض الميتة بالأصل و يجري عليها بالإحياء حكم الملك سواء كان المحيي لها مسلما- مؤمنا أو مخالفا- أم كافرا.

(مسألة 2): لا تملك الأرض الميتة بغير الإحياء كالتسجيل في الطابو هبة من الدولة أو شراء منها، بل تبقي علي إباحتها الأصلية، فيجوز لكل أحد تملكها بالإحياء و ليس لمن سجلت الأرض باسمه حق منعه منها، فضلا عن إزالة بنائها و نحوه مما يتحقق به الإحياء، نعم لا يجب عليه أن يتنازل للمحيي في دائرة الطابو، بل له الامتناع منه و أخذ مال في مقابله. و علي ذلك لا يجوز لمن سجلت الأرض باسمه من دون إحياء بيع الأرض ما دامت ميتة، إذ لا بد في المبيع من كونه مملوكا للبائع. نعم له أن يأخذ المال في مقابل التنازل لدافعة في دائرة الطابو.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 160

(مسألة 3): الأرض المملوكة إذا ترك المالك عمارتها حتي خربت جاز لغيره عمارتها، سواء لم يكن لها مالك عرفا- كأراضي الأمم السالفة التي لا بقية لها معروفة- أم كان لها مالك معلوم أو مجهول، و سواء كان المالك الأول قد تملكها

بالإحياء أم بغيره، كالإرث و الشراء و نحوهما، و سواء كان الترك للإعراض عن نفس الأرض أو عن عمارتها أم للعجز عن العمارة أم لدواع أخر، كالانشغال بما هو أهم. نعم لا بد من مضي مدة معتد بها، بحيث يصدق بأنه أخربها.

(مسألة 4): إذا كان ترك المالك عمارتها حتي خربت بسبب منع ظالم من عمارتها فالظاهر عدم جواز إحيائها بغير إذن المالك. إلا أن يستمر الخراب بعد ارتفاع المنع، بحيث يصير بوسعه أن يحييها، فيترك إحياءها، فيجوز حينئذ لغيره إحياؤها. و أولي بالجواز ما إذا صار ذلك سببا في الإعراض عن الأرض.

(مسألة 5): الأحوط وجوبا عدم مزاحمة المالك الأول إذا أراد السبق لإحياء الأرض التي تركها حتي خربت، فلا يسابقه غيره في الإحياء. نعم إذا أحياها غيره فليس له المطالبة بها ليحييها هو، بل الحق للثاني وحده.

(مسألة 6): الأحوط وجوبا عدم إحياء الأرض إذا كان عدم إحياء المالك الأول لحاجة له في الأرض غير الإحياء، كما لو أراد أن ينتفع بحشيشها أو قصبها أو يجعلها مرعي لأنعامه أو نحو ذلك مما لا يصدق معه أنه ترك الأرض.

(مسألة 7): ما في الأرض الخربة من الأخشاب و الأحجار و الحديد و أصول الشجر و غير ذلك إن أحرز إعراض مالكه عنه جاز تملكه، و كذا إذا كان تابعا لأرض خربة قد باد أهلها أو انجلوا عنها. و في غير ذلك لا يجوز تملكه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 161

بل لا بد من مراجعة مالكه مع معرفته و الفحص عنه مع الجهل به، و مع اليأس من العثور عليه يجري عليه حكم مجهول المالك الذي يأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 8): الأوقاف إن كانت في القري القديمة

التي خربت و باد أهلها أو انجلوا عنها تملك بالإحياء. أما في غير ذلك فهي باقية علي الوقفية، و مع الجهل بوجه الوقفية يجري ما تقدم في كتاب الوقف.

(مسألة 9): يشكل ملكية الأرض بالإحياء إذا كان الإحياء لا بقصد حيازة الأرض و تملكها، بل كان لمجرد قضاء وطر منها، كما لو زرع الخارج للنزهة أيام الربيع في الأرض زرعا ليأكل منه في وقت نزهته، أو بني فيها بناء لينتفع به موقتا. نعم لا إشكال في تملكه لها بعد الإحياء بمجرد الحيازة بقصد التملك، نظير ما تقدم في الغابات.

(مسألة 10): لا يشترط في حصول الملك بالإحياء المباشرة، بل يكفي التوكيل فيه، فإذا أحيي الوكيل الأرض للموكل مجانا أو بثمن ملكها الموكل.

و كذا الحال للولي بالإضافة للمولي عليه، نعم في كفاية التبرع عن الغير في الإحياء ابتداء من دون توكيل في ملكية المتبرع عنه إشكال، بل منع. و حينئذ يشكل ملكية المحيي لها أيضا، لأنه لم يقصد التملك، كما يظهر مما تقدم.

(مسألة 11): إحياء الأرض عبارة عن فعل ما يصدق معه أعمارها عرفا كجعلها مزرعة أو دارا أو محلا تجاريا أو مخزنا للحبوب أو حظيرة للحيوانات أو غير ذلك، و مع عدم حصول شي ء من ذلك لا إحياء. نعم قد يتحقق التحجير الذي يأتي الكلام فيه.

(مسألة 12): من ملك أرضا بالإحياء أو غيره يثبت له الحق في حريمها كالطريق و النهر و المرعي و نحو ذلك مما يتوقف عليه الانتفاع بها بالوجه المعدة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 162

له علي ما يأتي تحديده، فلا يجوز لغيره تملكه بالإحياء و لا بالتصرف تصرفا ينافي الوجه المطلوب من الحريم.

(مسألة 13): حد الطريق المبتكر مع التشاح خمسة أذرع- تقارب

المترين و نصفا- و يستحب سبعة أذرع- تقارب الثلاثة أمتار و نصفا- بمعني:

أن من كانت له أرض، و أراد الآخر أن يحيي أرضا في الجهة المقابلة فلا بد أن يتباعد عنه من أجل فسح المجال بالمقدار المذكور. و كذا إذا أحيي أرضا تبعد عن الطريق العام فإن له الطريق إليها بالمقدار المذكور. أما إذا اتفقوا علي الأكثر أو الأقل فلهم ذلك، إلا أن يكون مضرا بالمارة فلا بد من سعة الطريق بما يناسبهم.

(مسألة 14): إذا اتفق الطرفان عند إحياء الجانبين علي جعل الطريق دون الحد و لم يكن مضرا بالمارة، ثم بعد ذلك كثر المارة و احتاجوا لسعة الطريق لم يجب علي الطرفين توسيعه من ملكهما. كما أنه إذا اتفق الطرفان علي جعل الطريق أكثر من الحد و جري عليه المارة مدة من الزمان لم يكن لأحد الطرفين أو كليهما تضييقه و إن لم يضر بالمارة.

(مسألة 15): إذا كان الطريق مطروقا بمرور القوافل أو السيارات في الأرض الموات قبل إحياء جانبيه لا يجوز تضييقه بإحياء جانبيه مهما كان واسعا، و الحد المتقدم إنما هو للطريق المبتكر عند إحياء الجانبين.

(مسألة 16): حريم البئر التي تحفر في الموات لسقي الإبل و نحوها أربعون ذراعا- تقارب العشرين مترا- من جوانبها الأربعة، ليكون ذلك المكان مجمعا للإبل حين السقي. أما إذا حفرت لسقي الزرع فحريمها ستون ذراعا تقارب الثلاثين مترا- من جوانبها الأربعة ليكون ذلك مجمعا للحيوانات التي تنقل الماء لسقي الزرع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 163

(مسألة 17): لا يجوز لأحد أن يحفر بئرا تضر ببئر سابقه علي بئره لغيره، و لا عينا تضر بعين سابقه لغيره إذا كان الضرر معتدا به.

(مسألة 18): حريم النهر العام و

المستحدث لشخص خاص الموضع الذي يجعل فيه ترابه عند حفره و تنظيفه و الطريق الذي يعبر عليه المارة من جانبيه.

(مسألة 19): حريم الدار الطريق إليها من جهة بابها، بالمقدار المتقدم في تحديد الطريق. و أما ما زاد عليه مما قد يحتاج إليه لإلقاء القمامة و نحوها فالظاهر عدم ثبوت الحريم فيه، إلا أن يتخذ صاحب الدار مكانا لذلك و يستغله مدة من الزمن ففي جواز مزاحمته حينئذ في ذلك المكان إشكال.

(مسألة 20): ما يخصص في بعض البلاد من المواضع العامة كالمنتزهات و الساحات و المراعي و البيادر و الغابات و المقابر- لا يتعين بمجرد تعيين الموضع رسميا أو باتفاق أهل البلد، بل لا بد مع ذلك من استغلالهم له فيما أعد له و جريهم علي ذلك مدة معتدا بها.

(مسألة 21): كما يملك الإنسان الأرض بالإحياء و يثبت له الحق في حريمها، كذلك يثبت له الحق فيها و في حريمها بالتحجير مقدمة للإحياء، كتحديد الحدود و حفر الأسس مقدمة لبنائها بل و كذا بناء الأسس إذا لم يبلغ مرتبة يتحقق به الإحياء عرفا، فإن ذلك يوجب الحق في الأرض و في الحريم المناسب لما يراد بالإحياء، و أمد الحق المذكور هو الزمن الذي يتعارف بين التحجير بالوجه الحاصل و الإحياء، فإن طالت المدة سقط حق التحجير، و كان للغير المبادرة للإحياء. نعم إذا كان التحجير بشي ء مملوك للمحجر، كبناء الأسس أشكل التصرف فيه ما لم يثبت إعراضه عنه و كذا إذا صدق عرفا تعطيله للأرض. لكن الأحوط وجوبا حينئذ مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لو تصرف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 164

فيه من دون ذلك فإزالة كان ضامنا و صح منه الإحياء و ملك الأرض به.

(مسألة

22): من حفر بئرا أو استنبط عينا أو شق نهرا للزرع ثبت له حق التحجير في الأرض التي من شأنها أن تزرع بتلك البئر أو العين أو ذلك النهر، بل يثبت له الحق بالشروع في حفر البئر أو استنباط العين أو حفر النهر علي النحو المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 23): التحجير و إن لم يوجب ملكية الأرض المحجورة- فلا يجوز بيعها- إلا أنه يوجب حقا فيها يمكن المصالحة عليه بعوض.

(مسألة 24): لا أثر لتحجير ما لا يراد إحياؤه أو ما يعجز المحجر عن إحيائه، فلا يثبت به حق مانع من إحياء غيره، ليمكن المصالحة عليه بعوض.

نعم يجري في المواد التي يحجر بها- من بناء أو نحوه- ما تقدم في المسألة (21).

(مسألة 25): من بني حائطا حول قطعة من الأرض، فإن عدّ ذلك إحياء لها ملكها، كما لو جعلها حظيرة للحيوانات أو موضعا لجمع الحبوب أو نحو ذلك، و إلا كان محجرا لها و جري حكم التحجير المتقدم، كما لو بناه مثلا من جوانبها الأربعة من دون باب يفضي منه للخارج.

(مسألة 26): الأراضي المنسوبة للقبائل لمجاورتها لمساكنهم إذا لم تكن مملوكة لهم بالإحياء فإن كانت مخصصة منهم للانتفاع بها بمثل الرعي و النزهة و نحوهما كانت من حريم أملاكهم، نظير ما تقدم في المسألة (20) و لا يسوغ لغيرهم إحياؤها و مزاحمتهم فيها، بل لا يجوز ذلك لبعضهم من دون رضا الباقين، و إن لم تكن مخصصة منهم لذلك فلا حق لهم فيها و جاز لبعضهم و لغيرهم الانتفاع بها، و تملكها بالإحياء من دون إذنهم، و يحرم عليهم المنع من ذلك أو أخذ العوض عليه. كما أنها لو قسمت بينهم بالتراضي من دون

منهاج الصالحين (للسيد

محمد سعيد)، ج 3، ص: 165

إحياء فلا أثر للقسمة، فهي نظير الصحاري المجاورة للمدن التي يجوز لكل أحد إحياؤها، و به تتسع المدن.

(مسألة 27): المواضع العامة التابعة للمدن- كالطرق و الساحات و المنتزهات- إن صارت من الموات عرفا جاز لكل أحد إحياؤها و تملكها، كما لو ماتت تبعا لموت المدينة أو المحلة التابعة لها، و كما لو هجر المنتزه أو الطريق حتي صار مزبلة أو مستنقعا. و إن لم تصر من الموات عرفا فمع احتياج الناس إليها لا يجوز مزاحمتهم فيها إلا مع الضرورة فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي لتشخيص مرتبة الضرورة التي يقطع معها برضا الشارع الأقدس بالتصرف. و مع استغناء الناس عنها يجوز الاستيلاء عليها و أخذها بالعوض أو جعلها لمنفعة عامة بدلا عما كانت عليه. و كل ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 28): يحرم علي الإنسان أن يتصرف في ملكه تصرفا يسري إلي ملك جاره بنحو يضر به ضررا لا يتعارف بين الجيران، كما لو أجري الماء بنحو يسري هو أو رطوبته لحائط الجار فيضر به، سواء كان ترك التصرف المذكور مضرا به أم لم يكن، و لو فعل كان ضامنا لما يحدثه من الضرر. أما إذا كان التصرف مضرا بالجار من دون أن يسري إلي ملك الجار، كما إذا رفع حائطه فمنع الهواء أو الشمس عنه فهو جائز، إلا أن يكون ضرر الجار كثيرا جدا ففي الجواز إشكال. هذا في غير البئر و العين، أما فيهما فلا يجوز الإضرار، كما تقدم في المسألة (17).

(مسألة 29): قد حث الشارع الأقدس علي حسن الجوار و الإحسان للجار، ففي وصية أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «و اللّه اللّه في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم ما

زال يوصي بهم حتي ظننا أنه سيورثهم»، و عنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال:

«الجار كالنفس. و حرمة الجار علي الجار كحرمة امه». و قد استفاضت الأخبار بأن حسن الجوار معمر الديار و يزيد في الرزق و الأعمار. كما أكد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 166

الشارع الأقدس أيضا في الزجر عن أذي الجار، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من كف أذاه عن جاره أقاله اللّه عثرته يوم القيامة»، و في حديث آخر: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يؤذي جاره»، و في حديث ثالث:

«من آذي جاره حرّم اللّه عليه الجنة، و مأواه جهنم و بئس المصير، و من ضيّع حقّ جاره فليس منا».

(مسألة 30): يستحب للإنسان أن يعين جاره- بل كل مؤمن- فيما يقدر عليه، و من ذلك إعانته في مسكنه إن احتاج إلي شي ء منه.

(مسألة 31): إذا أذن الجار لجاره بالتصرف في منزله و استغلاله، كما إذا أذن له في أن يضع فرسه في حظيرته، أو يضع سقف غرفته علي حائطه، أو يجري ماءه في بالوعته فلذلك صورتان.

الاولي: أن يرجع إلي تعهد الآذن باستحقاق الجار للأمر المأذون فيه علي تقدير فعل المقدمة من قبله و يفعل الجار المقدمة بناء علي التعهد المذكور فيكون مرجع الإذن في الأمور المتقدمة مثلا إلي تعهد الآذن لجاره بأنه إن اشتري فرسا كان له أن يضعه في حظيرته، و إن أقام بقية حيطان الغرفة و هيأ السقف كان له أن يضعه علي حائطه، و إن شق المجري للبالوعة كان له أن يجري ماءه فيه حتي يستقر فيها، و يفعل الجار المقدمات المذكورة اعتمادا علي التعهد المذكور، و حينئذ لا يجوز للآذن العدول عن

إذنه و لا يترتب الأثر علي عدوله بعد فعل المقدمات المذكورة قبل فعل الأمر المأذون فيه، فضلا عما لو باشر بفعله.

الثانية: أن لا يرجع الإذن إلي التعهد بالنحو المذكور، و حينئذ إن كان الأمر المأذون فيه مبنيا علي التكرار- كوضع الفرس في الحظيرة و إجراء الماء في البالوعة- كان للآذن العدول عن الإذن بعد الشروع في العمل المأذون فيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 167

فضلا عما قبله. و إن لم يكن الأمر المأذون فيه مبنيا علي التكرار، بل كان من شأنه البقاء بنفسه- كوضع سقف الغرفة علي حائطه- فلا إشكال في أن له العدول عن الإذن قبل فعل الأمر المأذون فيه، و كذا بعده إذا لم يبتن الإذن علي استمرار الأمر المأذون فيه، بل علي فعله موقتا، فله أن يأمره حينئذ برفع سقف الغرفة مثلا متي شاء، سواء أضر ذلك بالجار أم لا. و أما إذا ابتني الإذن علي استمرار الأمر المأذون فيه فإنما يجوز العدول عن الإذن إذا لم يكن العدول عن التصرف مضرا بالجار، أما مع إضراره به فلا يجوز، كما لو كان رفع السقف مثلا موجبا لتلف البناء أو نقصه علي الجار. إلا أن يتدارك الآذن الضرر الحاصل، فيجوز له حينئذ العدول.

و يجري هذا التفصيل في كل من أذن لغيره بالتصرف في ملكه، و لا يختص بالجار مع جاره.

(مسألة 32): إعراض المالك عن ملكه لا يوجب زوال ملكيته له، بل هو راجع للرضا بتملك غيره له، فمن سبق إلي تملكه ملكه منه. فإن خرج المالك الأول عن السلطنة- بموت أو جنون أو غيرهما- قبل تملك الغير بقي علي ملكه و لم يجز تملكه. نعم لو شك في عروض ذلك كان للغير

البناء علي عدمه، فله تملكه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 168

تتميم في المشتركات

و هي أمور.

الأول: الأوقاف للجهات العامة أو الخاصة، و الاشتراك فيها تابع لكيفية وقفها، و قد تقدم في آخر الفصل السابع من كتاب الوقف حكم تشاح الموقوف عليهم في الانتفاع به.

الثاني: المساجد و المشاهد المعدة للزوار. و قد سبق في مبحث مكان المصلي من كتاب الصلاة حكم السبق إلي مكان فيها و فروع ذلك. نعم الظاهر استمرار حق الاختصاص إلي الليل و عدم الاستمرار إلي اليوم الثاني، حتي لو أبقي متاعه فيه. إلا أن يبقي بنفسه فيه أو يسبق إليه في اليوم الثاني فيتجدد له الحق فيه.

(مسألة 33): يجوز لكل مسلم إشغال المسجد بالصلاة و سائر العبادات و التدريس و غيره حتي النوم و البيع و الشراء، إلا ما كان علي نحو تهتك به حرمة المسجد. و من سبق إلي مكان فيه فهو أحق به كما أشرنا إليه آنفا. نعم الظاهر تقدم الصلاة فيه علي غيرها. و المتيقن منه الصلاة في أوقات الفرائض جماعة بالوضع المتعارف عليه في ذلك المسجد، فلا يجوز مزاحمتها. بل الأحوط وجوبا ذلك في الصلاة فرادي عند دخول الوقت، أما بعد ذلك فالظاهر عدم الأولوية للصلاة، إذا أمكن الإتيان بها في موضع آخر من المسجد.

(مسألة 34): يجوز إشغال المشاهد المشرفة بما يجوز به إشغال المساجد، نعم الظاهر تقدم العبادات- من الصلاة و قراءة القرآن و غيرهما و وظائف الزيارة علي غيرها، فلا يجوز مزاحمة غيرها لها. و الظاهر عدم تقديم وظائف الزيارة علي غيرها من أنواع العبادة عند التزاحم. نعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 169

الظاهر عدم جواز المزاحمة بنحو يقتضي تعطيل المشهد عن وظائف الزيارة بالمقدار المعتد

به، إلا عند دخول وقت الصلاة فلا مانع من إشغال المشهد بها مع سبق المصلين و إن استلزم التعطيل عن وظائف الزيارة.

الثالث: الأسواق. و المراد بها الساحات الواسعة التي لا تختص بشخص أو جهة و التي تباني الناس علي عرض بضائعهم فيها للبيع و الشراء علي نحو العموم. و يجري في السبق إليها ما يجري في المساجد و المشاهد.

الرابع: الطرق. و هي علي قسمين.

الأول: الطرق غير النافذة و هي المحاطة بالبناء من جوانبها الثلاثة.

الثاني: الطرق النافذة و هي المحاطة بالبناء من جانبين فقط.

(مسألة 35): الطريق غير النافذ- و هو المسمي في عرفنا بالدريبة مختص بمن له باب مفتوح فيه و هو مشترك بينهم. نعم لا يحتاج تصرف كل منهم فيه بالعبور و الجلوس و غير ذلك إلي استئذان الآخرين حتي لو كان فيهم قاصر. بل الظاهر أنه يجوز لبعضهم أن يوسع بابه أو يفتح بابا أخري أو نافذة إلي الطريق المذكور من دون إذنهم. إلا أن يكون التصرف بذلك أو غيره مضرا ببعضهم فلا بد من استئذانهم. و كذا إذا وقع الاتفاق بينهم و التصالح علي أن لكل منهم نحوا خاصا من التصرف، فإنه لا يجوز لأحدهم الخروج عنه إلا بإذن الباقين.

(مسألة 36): لا يجوز إخراج الأجنحة الشاغلة للفضاء و حفر السراديب و البلاليع الشاغلة للباطن و نصب الميازيب في الطريق غير النافذ إذا كان مملوكا بالأصل لأصحاب الدور التي فيه فاتفقوا علي جعله طريقا بينهم، إلا أن يأذنوا في ذلك. و أما إذا لم يكن مملوكا لهم و إنما صار طريقا بسبب أحيائهم لجوانبه فالظاهر جواز الجميع من دون إذن، إلا مع الإضرار بالمارة و مزاحمته للعبور لكون الجناح منخفضا مثلا فلا يجوز. بل

لو كان مضرا بالطريق عرفا من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 170

أن يزاحم العبور ففي جوازه إشكال، كما لو كان موجبا لظلام الطريق أو حبس الهواء عنه.

(مسألة 37): إذا كان الطريق غير النافذ محجوبا بباب أو نحوه لم يحل لغير أهله التصرف فيه بالمرور أو الجلوس أو غيرهما إلا بإذنهم، و إن لم يكن محجوبا جاز التصرف فيه بغير إذنهم تصرفا لا يضرّ بهم.

(مسألة 38): من كان لملكه حائط مسدود في الطريق غير النافذ ليس له أن يفتح بابا له إلا بإذن أربابه و هم أصحاب الأبواب المفتوحة فيه.

(مسألة 39): إذا ألغي أحد أصحاب الطريق غير النافذ بابه لم يسقط حقه فيه إلا أن يصالحه بقية أرباب الطريق عن حقه، بحيث يتنازل لهم عنه و يجعله لهم.

(مسألة 40): الطريق النافذ من المشتركات العامة التي لا يختص بها أحد، فيجوز لكل أحد التصرف فيه بالعبور و الجلوس و النوم و البيع و الشراء و غيرها. و لا يجوز لأحد منعه و مزاحمته من قضاء و طره. نعم لا بد في جميع ذلك من أن لا يضر بالمارة، و إلا كان معتديا ضامنا لما يحدث من ضرر عليهم بسببه.

(مسألة 41): من سبق إلي مكان في الطريق كان أحق به ما دام فيه، و كذا إذا قام عنه و أشغله برحله و متاعه، فإنه لا يجوز لغيره التصرف فيه مهما طال الزمان. نعم إذا لم يشغله بشي ء سقط حقه و جاز لغيره إشغاله، سواء كان حين قيامه ناويا للعود أم لا.

(مسألة 42): يجوز التصرف في الطريق النافذ- بإنشاء الأبواب و النوافذ عليه و إخراج الأجنحة و نصب الميازيب و حفر البلاليع و السراديب و نحو ذلك

ما لم يضر بالمارة بنحو يزاحم العبور، بل الأحوط وجوبا الترك إذا كان مضرا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 171

بالطريق عرفا من دون أن يزاحم العبور. كما لو كان موجبا لظلامه أو حبس الهواء عنه. نظير ما تقدم في الطريق غير النافذ.

الخامس: مياه البحار و الشطوط و الأنهار الكبار و الصغار التي جرت من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج. و كذا مياه العيون التي تفجرت بنفسها و مياه الغدران و المستنقعات في الأرض الموات.

(مسألة 43): المياه المشتركة من المباحات الأصلية لا يجوز لأحد منع الناس عنها، كما لا يجوز لبعضهم بيعها قبل حيازتها و تملكها. نعم يجوز لبعضهم مصالحة الآخرين علي عدم استغلاله الماء في مقابل عوض يدفعه له.

(مسألة 44): من سبق إلي شي ء من المياه المشتركة كان أحق بالانتفاع به بالسقي و غيره، و من حاز شيئا منه ملكه.

(مسألة 45): من شق نهرا من المياه المشتركة في أرضه أو في أرض موات بقصد الحيازة لمائه ملك ماءه و لا يجوز لأحد مزاحمته فيه.

(مسألة 46): من فجر عينا أو حفر بئرا في أرض موات بقصد الحيازة لمائها كان الماء له، و كذا إذا تفجرت العين أو حفرت البئر في ملكه و إن لم تكن بقصد الحيازة.

(مسألة 47): إذا حفر غاصب الأرض بئرا فيها أو فجر عينا فيها كان ماؤها لصاحب الأرض المغصوبة فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، و لا يكفي إذن الغاصب. نعم إذا جري الماء بنفسه أو بفعل الغاصب فسقي بنفسه أرض الغير من دون أن يستولي عليه صاحب الأرض و لا يستند جريانه في متعرجات الأرض إليه لم يكن علي صاحب الأرض إثم و لا ضمان، بل يكون ذلك علي

الغاصب وحده.

(مسألة 48): من صنع علي حافة الماء المشترك- الذي تقدم أنه من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 172

المباحات الأصلية- مسناة أو نحوها مما يتيسر معه الاستقاء من الماء كان أولي بها، و لا يجوز لغيره مزاحمته فيها و يجوز له التنازل عنها لغيره، بل يجوز له المصالحة عن حقه فيها بعوض علي كراهة. و ليس له بيع الماء بنفسه لعدم كونه مملوكا له. و هذا بخلاف ما إذا كان الماء مختصا بشخص واحد أو أشخاص خاصين، فإنه يجوز لصاحب الماء أن يبيع لغيره الماء بنفسه، و كذا يجوز للشريك بيع حصته منه.

(مسألة 49): المياه الخاصة إن كانت في أرض محجوبة لم يحل التصرف فيها بالشرب و الغسل و نحوهما بغير إذن مالكها. أما إذا كانت في أرض مكشوفة فإنه يجوز التصرف فيها بذلك للعابرين و الواردين من غير حاجة لإذن المالك ما لم يضروا بالماء. نعم لا يجوز سقي الزرع به و لا خزن مقدار كثير منه، و نحوه من الاستعمالات المهمة المقصودة من المياه المذكورة إلا بإذن المالك.

(مسألة 50): من نصب علي نهر غيره رحي أو غرس عليه أشجارا فإن لم يكن بإذن صاحب النهر لم يمنع ذلك صاحب النهر من نقل النهر أو تحويل مجراه أو تغويره و إماتته. و كذا إذا كان بإذنه، إلا أن يرجع إذنه في ذلك إلي تعهده بإبقاء النهر لصلاح ذلك الشي ء الذي أذن فيه علي تقدير إحداثه و يكون إحداثه من قبل صاحبه مبنيا علي التعهد المذكور.

(مسألة 51): إذا اجتمع جماعة علي ماء مباح من أجل استغلاله و الانتفاع به لم يكن لبعضهم الاستئثار به و منع الآخرين منه، و لو بتحويل مجراه لصالحه وحده.

و حينئذ إن كفاهم فلا إشكال، و إن لم يكفهم فلذلك صورتان.

الاولي: أن يتعاقبوا علي الماء بأن يكون بعضهم أسبق من بعض، كما إذا أحيي جماعة علي التعاقب الأراضي المحيطة بالماء لزراعتها مثلا، و حينئذ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 173

يكون الحق للأسبق فالأسبق في أخذ مقدار حاجته لسقي الأرض التي سبق منه إحياؤها. أما الأرض التي يريد إحياءها لاحقا بعد إحياء غيره فلا يكون له الحق في أخذ ما تحتاج إليه إلا بعد أن تكتفي الأراضي المحياة قبلها من قبل غيره.

فإذا أحيي زيد دونما من الأرض ثم أحيي عمرو دونما ثم أحيي بكر دونما، ثم أراد زيد أن يحيي دونما آخر، كان زيد مقدما علي الباقين في سقي دونمه الأول، و ليس له سقي دونمه الآخر إلا بعد اكتفاء دونم عمرو و دونم بكر.

هذا كله مع شحة الماء من أول الأمر، و أما لو كان وافيا بحاجتهم من أول الأمر ثم شح بعد ذلك ففي ترجيح الأسبق منهم إشكال.

الثانية: أن يجتمعوا علي الماء دفعة واحدة و حينئذ لا ترجيح لبعضهم، بل يجب عليهم تقاسم الماء بالسوية و يقتصر كل منهم علي سهمه منه. نعم في الصورتين معا لو صالح بعضهم بعضا علي التنازل عن حقه من الماء بعوض كان له حقه منه.

(مسألة 52): مع شحة الماء و احتياج المتشاحين لقسمته، فقسمته بأحد وجهين.

الأول: قسمته بالأجزاء بأن يستقي كل منهم مقدارا من الدلاء أو يفتح كل منهم نهرا ضيقا بمقدار حصته من الماء.

الثاني: المهاياة بأن يتفقوا بينهم علي أن لكل منهم علي التعاقب أن يستقل بالماء كله مدة معينة، كساعة أو يوم أو أسبوع. و الوجه الأول هو الأصل، و لا ينفذ عليهم الثاني

إلا برضاهم، فإن اتفقوا عليه إلي مدة معينة لزمهم العمل عليه في تلك المدة، و لا يجوز لبعضهم الخروج عنه إلا برضا الباقين.

و إن اتفقوا مؤقتا من دون تحديد مدة كان لهم العدول عنه إلي الأول. نعم لا يجوز لمن استوفي نوبته العدول عنه إلا بعد استيفاء الباقين لنوبتهم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 174

و لا يفرق في الوجهين بين الماء المشترك بنحو العموم الذي يتشاح عليه المستفيدون منه و الماء المملوك المشترك بين جماعة خاصين.

(مسألة 53): تنقية النهر المشترك بين جماعة خاصين عليهم كلهم إن أرادوا ذلك، و إن اختلفوا فإن كانت التنقية ضرورية للنهر بأن كان ينقص نقصا معتدا به بدونها الزم المخالف بالاشتراك في نفقة التنقية أو ببيع حصته من النهر أو نحو ذلك مما يجمع بين الحقوق، و لو بالرجوع للحاكم الشرعي مع التشاح و التخاصم- نظير سائر موارد الشركة- لو احتاج الأمر المشترك للنفقة. و إن لم تكن التنقية ضرورية، بل كانت فائدتها تحسين النهر لا غير لم يلزم المخالف بشي ء. و في كلا الحالين لو أقدم بعضهم علي التنقية من دون مراجعة الآخرين تحمل هو نفقتها كاملا و ليس له إلزام الآخرين بدفع ما يناسب حصتهم منها. إلا أن يكون مفوضا من قبلهم.

السادس: المراعي في الأرض الموات غير مملوكة لأحد. فلكل أحد الانتفاع بها و ليس لأحد أن يحميها و يمنع غيره منها. أما المراعي في الأرض المملوكة لو اتخذها مالكها مرعي لأنعامه فهي تختص به و ليس لأحد الرعي فيها إلا بإذنه.

السابع: ما في الأرض الموات غير المملوكة لأحد من المعادن و غيرها كالحصي و الرمل و الحجر و الحطب و غيرها، فلكل واحد ما سبق إليه

منها و لا يجوز لأحد أن يحميها و يمنع غيره منها. نعم يثبت في المعدن الخمس بالشروط المتقدمة في كتاب الخمس.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 175

كتاب اللقطة

اشارة

المراد باللقطة هنا كل ضائع عمن يختص به. و هو إما إنسان أو حيوان أو غيرهما من الأموال. و الأول يسمي لقيطا، و الثاني يمسي ضالة، و الثالث يسمي لقطة بالمعني الأخص، و إليه ينصرف إطلاق لفظ اللقطة. فيقع الكلام في فصول ثلاثة.

الفصل الأول في اللقيط

و هو الطفل الضائع الذي لا يعرف أهله، سواء علم بأنه منبوذ من أهله قد تعمدوا تركه لعجز عن تربيته أو لخوف العار و الفضيحة أو لغير ذلك، أم علم بأنه قد ضاع علي أهله أو نهب منهم ثم نبذ، أم علم بأن أهله قد هلكوا من دون أن يعرفوا فبقي وحده، أم جهل حاله. و هو محكوم بالحرية، إلا أن يعلم برقيته، فيلحقه حكم الضالة الآتي.

(مسألة 1): يجب التقاط الطفل الضائع، إذا خيف عليه التلف لو لا الالتقاط، و كان محكوما عليه بأنه محترم الدم، كما لو علم بأنه من مسلم أو ذمي، أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون أو أهل الذمة أو هما معا. أما لو لم يخش عليه التلف فلا يجب التقاطه، و لو لم يحكم بأنه محترم الدم و خشي عليه التلف ففي جواز تضييعه و عدم التقاطه إشكال.

(مسألة 2): إذا التقط الطفل الضائع ملتقط كانت ولايته له، فيجب عليه رعايته و حضانته إلي أن يجد أهله أو من له الولاية عليه فيدفعه إليهم. و يجب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 176

عليه الفحص عنهم بالنحو المتعارف حتي يتحقق اليأس من العثور عليهم. إلا أن يعلم بكونه منبوذا من قبلهم قد أعرضوا عن القيام فيه بمقتضي ولايتهم عليه.

(مسألة 3): إنما تثبت الولاية للملتقط إذا كان بالغا عاقلا حرا، فلا أثر لالتقاط الصبي و المجنون و لا لالتقاط

العبد إلا إذا كان بإذن مولاه.

(مسألة 4): إذا كان اللقيط محكوما بالإسلام- كما إذا علم بإسلام أحد أبويه أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون- فلا بد في ولاية الملتقط عليه من أن يكون مسلما، و إلا وجب عليه حفظه و تكون ولايته للمسلمين. و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي في أمره.

(مسألة 5): إذا كان مع اللقيط مال حكم بأنه ملك له، لكن كثيرا ما تقوم القرينة علي خلاف ذلك، مثل كون المال مجعولا معه ممن ينبذه و يتركه لأجل أن ينفقه عليه الملتقط، أو كون المال لغيره قد تركه قسرا عليه، كالطفل الذي ضاع من أهله و معه مال لهم لا يناسب كونه ملكا له. و يجري علي الأول حكم المال المأذون في إنفاقه عليه، و علي الثاني حكم مجهول المالك.

(مسألة 6): إذا وجد متبرع ينفق علي اللقيط أنفق عليه، و منه ما إذا كان معه مال قامت القرينة علي إذن صاحبه في إنفاقه عليه، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، و كذا إذا تهيأ الإنفاق عليه من الأموال المعدة للفقراء كالحقوق الشرعية و نحوها إذا كان مصرفا لها. و مع عدم الأمرين فإن كان له مال أنفق عليه منه، و كذا إن أمكن اكتسابه بعمله و تعيشه من كسبه. و مع تعذر ذلك أيضا ينفق عليه الملتقط من ماله، و حينئذ إن أنفق عليه بقصد التبرع المحض فلا رجوع، و إن لم يقصد التبرع حين الإنفاق، بل كان الإنفاق بقصد الرجوع كان له الرجوع عليه إذا كبر إن كان له مال، و إن لم يكن له مال فلا رجوع، بل يحسب له ما أنفقه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 177

صدقة.

(مسألة 7): إذا

أنفق الملتقط من ماله علي اللقيط برجاء أن يكون ولاؤه له لم يلزم ذلك اللقيط، بل له أن يوال- بعد أن يكبر- من يشاء. و حينئذ فإن والي الملتقط لم يرجع الملتقط عليه بما أنفق حتي لو كان اللقيط موسرا. و إن والي غيره وجب عليه مع يساره أن يؤدي للملتقط ما أنفقه، و إن لم يكن موسرا لم يجب عليه شي ء، و حسب للملتقط ما أنفقه صدقة. و الظاهر عدم وجوب مراجعة الحاكم الشرعي في جميع ذلك، بل ينفذ تصرف الملتقط مع مراعاته لمصلحة اللقيط.

(مسألة 8): اللقيط إن عرف أهله فذاك، و إلا كان ميراثه للإمام عليه السّلام و عليه ضمان جريرته. إلا أن يكبر فيوالي الملتقط أو غيره، فيكون ميراثه لمن يواليه و جريرته عليه.

(مسألة 9): المراد بالولاء أن يوالي شخصا آخر علي أن يضمن جريرته، بأن يتحمل عنه دية الخطأ. و يأتي توضيح ذلك في كتاب الميراث إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 10): لا يجوز للملتقط تبني اللقيط بحيث ينتسب له، و لا يترتب الأثر علي التبني المذكور و لو حصل، كما هو الحال في غير اللقيط علي ما سبق التعرض لذلك في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(مسألة 11): إذا كان الضائع كبيرا لا يستقل بنفسه كالمجنون و المريض الفاقد لم يكن لقيطا بالمعني المتقدم، و لا تجري عليه أحكامه. بل تجري عليه أحكام المجنون الذي ليس له ولي خاص. و قد تقدم التعرض لذلك في ذيل مبحث أولياء العقد من كتاب البيع. نعم يجب حفظه مع خوف التلف عليه و احترام دمه، نظير ما تقدم في اللقيط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 178

الفصل الثاني في الضالة

و هي الحيوان المملوك للغير الضائع منه.

أما غير المملوك كحيوانات البر الوحشية فهو ليس ضالة، بل هو من المباحات الأصلية التي يملكها من سبق إليها. و لو احتمل سبق ملك مسلم أو ذمي عليه و ضياعه منه حكم بعدمه، فيجوز تملكه و لا يجري عليه حكم الضالة. نعم إذا علم بسبق مسلم أو ذمي عليه جري عليه حكم الضالة.

(مسألة 12): يجوز أخذ الضالة من غير أرض الإسلام أو الذمة- و هي الأرض التي يغلب عليها المسلمون أو الذميون- من دون حاجة للتعريف، و لا فرق بين العمران و غيره، و لا بين أقسام الحيوان. إلا أن يكون في أخذها مخالفة لقوانين تلك البلاد أو أعرافها بالوجه الذي يكون الخروج عليه موجبا للضرر علي المسلمين أو تشويها لصورة الإسلام فيحرم حينئذ. هذا إذا لم تكن هناك أمارة علي ملكية المسلم له، و إلا جري عليه حكم ما يوجد في أرض الإسلام الذي هو موضوع الكلام الآتي.

(مسألة 13): من وجد حيوانا في غير العمران- كالصحاري و الجبال و نحوها من المواضع الخالية من السكان- فإن لم يكن الحيوان معرضا للتلف حرم أخذه، و ذلك إنما يكون بأمرين.

الأول: أن يكون في كلأ و ماء، أو يكون بحيث يمكنه الوصول إليهما لكونه صحيحا و قريبا منهما أو بعيدا عنهما مع طاقته علي الصبر عنهما مدة طويلة كالبعير، بخلاف ما لو كان مريضا أو مجهودا لا يستطيع السعي إليهما، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 179

كان صحيحا مع بعدهما عنه من دون أن يطيق الصبر عنهما مدة طويلة، كالحمار و البقرة.

الثاني: أن لا يتعرض للسباع و نحوها مما يفتك به، إما لعدم كون الأرض مسبعة، أو لامتناعه عن السباع لقوته أو سرعة عدوه، كالبعير و

الفرس و الثور و الجاموس، بخلاف ما لو كانت الأرض مسبعة و لم يكن ممتنعا عن السباع بالذات- كالشاة- أو لصغر أو مرض أو جهد.

و إن كان الحيوان معرضا للتلف لأحد الأمور المتقدمة حل أخذه و الاستيلاء عليه. نعم هو مكروه. إلا أن يعلم بتلفه علي تقدير عدم أخذها، فلا كراهة حينئذ، بل قد يرجح أخذه. كما أنه تشكل الكراهة لو اطمأن الواجد له بتمكنه من إيصاله لصاحبه، بل قد يحسن أخذه حينئذ بقصد ذلك.

(مسألة 14): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الاولي- من الصورتين المذكورتين في المسألة السابقة و التي تقدم حرمة الأخذ فيها- كان ضامنا له، و وجب عليه الإنفاق عليه حفظا له، من دون أن يرجع بنفقته علي المالك لو وجده، كما لا يجوز له- مع عدم وجدان المالك- استيفاء النفقة من الحيوان نفسه- بتملكه لحصة منه أو من ثمنه- و لا من نمائه- كلبنه و صوفه و فرخه- و لا من منفعته كالركوب عليه و تحميله، بل يكون ضامنا للنماء و المنفعة أيضا لو استوفاها، و يحرم عليه التصرف في النماء و استيفاء المنفعة مجانا، بل يجب عليه حفظ النماء، أو بيعه بإذن الحاكم الشرعي و حفظ ثمنه للمالك، كما لا يجوز له استيفاء المنفعة بالضمان أو إيجار العين إلا بمراجعة الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل مغصوب لا يعرف صاحبه.

(مسألة 15): إذا أخذ الحيوان في الصورة الأولي المذكورة وجب عليه الفحص عن مالكه و بذل الجهد في العثور عليه لتسليمه له هو و نماؤه و اجرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 180

منفعته لو كانت، فإن يئس منه وجب عليه التصدق به عنه، كما هو الحال في كل مال

مجهول المالك. نعم الأحوط وجوبا هنا مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك بعد أن كان متعديا في أخذه و الاستيلاء عليه.

(مسألة 16): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الثانية- من الصورتين المذكورتين في المسألة (13) و التي تقدم جواز الأخذ فيها- عرّفه حيث وجده، كما لو كان هناك أعراب قاطنين أو رحّل أو قري قريبة، فإن عرفه صاحبه رده عليه، و إن لم يعرفه أخذه و أجري عليه حكم ملكه ثم هو ضامن له لو وجد صاحبه، فيرده عليه أو يرد ثمنه.

(مسألة 17): إذا ترك الإنسان حيوانا له في الطريق لجماحه أو لعجزه عن نفقته أو لأنه قد مرض أو كلّ و جهد، فإن تركه في موضع يقدر الحيوان علي التعيش فيه، لأنه ذو ماء و كلأ و أمن، حرم علي من يجده أخذه، بل يتركه في مكانه بانتظار رجوع صاحبه إليه، و إن أخذه ضمنه، نظير ما سبق في المسألة (14). إلا أن تقوم القرينة علي أنه قد أعرض عنه غير ناو الرجوع إليه، كما قد يحصل في الطرق البعيدة التي يصعب الرجوع فيها، حيث قد يعلم بعدم نية المالك الرجوع حينئذ من أجل حيوان واحد. و إن تركه في موضع لا يقدر الحيوان علي التعيش فيه- كالأرض المسبعة أو الخالية عن الماء و الكلأ- جاز لواجده أخذه، و لا سبيل لصاحبه عليه بعد ذلك. إلا أن يعلم بأن المالك قد تركه ناويا الرجوع إليه سريعا قبل تعرضه للتلف. و كذا يجوز الأخذ إذا أعرض أهل الحيوان عنه في المدن و نحوها، لعجزهم عن نفقته أو لمرضه أو لغير ذلك.

(مسألة 18): إذا وجد الحيوان في العمران- و هو المكان العامر بالناس- فإن احتمل عدم ضياعه

من صاحبه، و أنه قد تعود الخروج عنه لالتقاط العلف أو نحوه ثم الرجوع إليه، حرم أخذه، فإن أخذه ضمنه و جري عليه ما تقدم في المسألتين (14) و (15). و إن علم بضياعه من صاحبه جاز أخذه و كان لقطة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 181

فيجري عليه حكمها الآتي في الفصل الثالث، و منه التعريف به سنة.

(مسألة 19): لا فرق في الأحكام المتقدمة بين كون آخذ الحيوان كبيرا و صغيرا و عاقلا و مجنونا، إلا أن الولي في الصغير و المجنون هو يقوم مقامهما في التعريف و يتصدق أو يتملك عنهما.

(مسألة 20): إذا استغني الحيوان الملتقط في مدة التعريف عن النفقة بمثل التقمم في المزابل أو دفع فضلات الدار له- أو كان هناك متبرع بها فذاك، و إلا أنفق عليه من نمائه أو مقابل منفعته إن كان له نماء أو منفعة مراعيا في ذلك القيمة، فإن زاد من النماء أو قيمة المنفعة المستوفاة شي ء بقي للمالك تبعا للحيوان الملتقط. و إن لم يكن للحيوان نماء و لا منفعة أو لم يكفيها لما يحتاج إليه من النفقة كان له الإنفاق عليه بنية الرجوع علي المالك، فإن لم يجده استوفاه من الحيوان نفسه إذا انتهت مدة التعريف.

(مسألة 21): إذا رأي الملتقط صلاح المالك في بيع الحيوان قبل التعريف لدفع النفقة عنه باعه و قام ثمنه مقامه في التعريف و غيره، و ذلك إذا لم يكن هناك غرض عقلائي معتد به في الحيوان بشخصه، بل كان مطلوبا لماليته، لكن يلزم استئذان الحاكم الشرعي في البيع مع تيسر الوصول إليه، و مع تعذره فالأحوط وجوبا الاستعانة بمؤمن عدل ذي خبرة بذلك و إشراكه معه في الرأي.

(مسألة 22):

يستثني مما تقدم في المسائل السابقة الشاة، فإن من وجدها في العمران كفاه أن يعرفها ثلاثة أيام، فإن وجد صاحبها و إلا باعها و تصدق بثمنها، فإن جاء صاحبها و لم يرض بالصدقة ضمن له الثمن. و له أن ينتظر بها أكثر من ذلك. لكن تكون نفقتها عليه، لا علي المالك.

(مسألة 23): إذا دخل الحيوان دار الإنسان أو نحوها من الأماكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 182

المحجوبة لم يصدق بذلك أنه أخذه له و لا يكون في ضمانه، و له إخراجه منه، بل يجب عليه ذلك إن احتمل عدم ضياعه من صاحبه. و إن علم ضياعه منه جاز له أخذه و جري عليه ما تقدم في المسألة (18).

(مسألة 24): إذا ملك الطائر جناحيه و خرج عن حوزة مالكه حل لكل أحد أخذه، فإن عرف صاحبه رده عليه، و كذا إذا جاء من يطلبه مدعيا ملكيته إذا كان ثقة غير متهم. و مع عدم الأمرين يجوز لآخذه تملكه و لا حاجة للتعريف به، من دون فرق في ذلك بين كون الآخذ كبيرا و صغيرا، بل حتي المجنون إذا تأتي منه قصد التملك.

الفصل الثالث في اللقطة

اشارة

و هي المال المنقول الضائع غير الحيوان. و محل الكلام منه ما يوجد في أرض الإسلام أو الذمة أو كان هناك أمارة علي ملك المسلم أو الذمي له. أما ما عدا ذلك فيجري فيه ما تقدم في أول الكلام في الضالة.

(مسألة 25): يجوز أخذ اللقطة لمن وجدها علي كراهة، خصوصا في لقطة حرم مكة المعظمة، و خصوصا لمن لم يحرز من نفسه القيام بالتعريف الواجب فيها، كما هو الحال في أكثر الناس لصعوبة التعريف كما يظهر مما يأتي، بل قد يحرم عقلا بلحاظ

ذلك.

(مسألة 26): إذا كان المال غير منقول كالعقار و الأشجار لا يكون لقطة مع الجهل بمالكه و أخذ غيره له بل يجري عليه حكم مجهول المالك الآتي في ختام هذا الفصل.

(مسألة 27): إذا كانت اللقطة دون الدرهم جاز تملكها بدون تعريف.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 183

نعم الأحوط وجوبا السؤال ممن له خصوصية تقتضي احتمال كونها له مع معرفته، كالواقف بجنبها، و من سبق له الحضور في موضعها، و أهل الدار لو وجدت علي باب دارهم أو قريبا منها، و نحو ذلك.

(مسألة 28): إذا أخذ اللقطة التي هي دون الدرهم و تملكها ثم وجد صاحبها وجب ردها إليه مع بقاء عينها مهما طال الزمان، و لا يجب دفع بدلها مع تلفها. أما مع انتقالها عن ملك الواجد و بقاء عينها و إمكان الوصول إليها فالأحوط وجوبا التصالح بين مالكها الأول و الواجد و من انتقلت إليه.

(مسألة 29): الدرهم عبارة عن ثلاثة غرامات فضة إلا ربع عشر الغرام تقريبا.

(مسألة 30): المدار في تحديد القيمة علي مكان الالتقاط و زمانه، فإذا كانت اللقطة دون الدرهم في مكان الالتقاط حين الالتقاط لم يجب التعريف بها حتي لو زادت قيمتها بعد ذلك أو في مكان آخر، و العكس بالعكس.

(مسألة 31): إذا بلغت اللقطة الدرهم فما زاد وجب علي واجدها التعريف بها سنة، ثم هو مخير بين إبقائها عنده بانتظار صاحبها، و تملكها و الصدقة بها. إلا في لقطة حرم مكة المعظمة، فإن الأحوط وجوبا عدم تملكها، و الاقتصار علي إبقائها عنده لمالكها أو الصدقة بها.

(مسألة 32): لا بد في المتصدق عليه في المقام من أن يكون فقيرا، كما هو الحال في سائر موارد الصدقة.

(مسألة 33): لو عثر الملتقط

علي المالك بعد السنة فإن كانت اللقطة موجودة عنده ردها عليه، و إن كانت تالفة بتفريط منه ضمنها له، و إن لم يكن تلفها بتفريط منه ففي الضمان إشكال، و الأحوط وجوبا الصلح بينهما. و إن كان قد تصدق بها تخير المالك بين الرضا بالصدقة و يكون أجرها له، و الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 184

ببدلها علي الملتقط و يكون أجر الصدقة للملتقط.

(مسألة 34): يكفي التعريف سنة حتي لو احتمل العثور علي المالك بالاستمرار بالتعريف. نعم لو علم بالعثور علي المالك مع الاستمرار في التعريف فالظاهر وجوبه، و لو قصّر حينئذ وجب التعريف حتي ييأس من العثور علي المالك، و لم يجز له التملك، بل يتعين عليه إبقاء العين عنده بانتظار العثور علي المالك أو التصدق بها.

(مسألة 35): إنما يجب التعريف مع احتمال العثور به علي المالك، فإذا تعذر العثور به علي المالك لم يجب، كما إذا لم تكن في اللقطة علامة يمكن بها معرفة المالك، أو علم بسفر المالك للبلاد البعيدة عن موضع اللقطة بحيث لا يصله التعريف بها، أو علم بأنه ليس من شأنه الاهتمام بتحصيلها و البحث عنها و لو ليأسه من وجدانها. و حينئذ إن احتمل بوجه معتد به العثور علي المالك صدفة وجب الانتظار باللقطة سنة و إلا جازت المبادرة لتملكها أو التصدق بها.

(مسألة 36): يحرم الالتقاط علي الواجد إذا عرف من نفسه تعذر التعريف عليه أو خشي ذلك، كما لو كان محبوسا أو منتظرا الحبس مثلا أو كان مضطرا للخروج من بلد اللقطة، أو خشي من التعريف الضرر أو الخطر علي نفسه أو علي اللقطة أو نحو ذلك، إلا أن يحرز رضا المالك بالالتقاط فيما إذا كان

المال ضائعا عليه علي كل حال، أو يعلم برضا الشارع الأقدس بالأخذ حينئذ.

و علي كل حال إذا التقط الواجد اللقطة مع تعذر التعريف عليه وجب عليه الانتظار بها حتي ييأس من العثور علي المالك، ثم له أن يتصدق بها، و لا يجوز له تملكها. و هكذا الحال لو التقطها بنية التعريف ثم طرأ ما يمنع منه أو انكشف تعذره من أول الأمر بالوجه المذكور.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 185

(مسألة 37): تجب علي الملتقط المبادرة للتعريف بعد الالتقاط بالوجه المتعارف، و إن لم يبادر- عصيانا أو لعذر- لم يكتف بالسنة بل يجب عليه الفحص عن المالك بعد السنة حتي ييأس منه، ثم له أن يتصدق بالعين، و لا يجوز له تملكها. و كذا الحال إذا بادر للتعريف ثم قطعه قبل إكمال السنة مدة طويلة علي خلاف المتعارف.

(مسألة 38): لا تجب مباشرة الملتقط للتعريف، فيجوز له الاستنابة فيه بل يجزئ التعريف من المتبرع.

(مسألة 39): إذا احتاج التعريف لبذل مال كان علي الملتقط لا علي المالك، و كذا إذا احتاج حفظ اللقطة- عن السرقة أو التلف أو الضرر- لبذل مال. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضي ولايته كان له جعل النفقة علي المالك.

(مسألة 40): إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر وجب عليه التعريف بها، فإن وجد صاحبها دفعها إليه، و إن وجد الملتقط الأول دفعها إليه و كان علي الملتقط الأول إكمال التعريف حتي تتم السنة و لو بضميمة تعريف الملتقط الثاني.

هذا إذا لم يظهر من الملتقط الأول البناء علي الخيانة و التقصير في أمرها، و إلا حرم علي الملتقط الثاني دفعها إليه لو وجده، بل يجب عليه إكمال التعريف

بنفسه حتي يجد المالك. و الأحوط وجوبا حينئذ أن لا يجتزئ بتعريف الأول، بل يعرفها سنة من حين وجدانه لها، كما هو المتعين لو لم يعلم بأنها لقطة قد ضاعت من الملتقط. فإذا تمت السنة كان مخيرا بين الأمور الثلاثة كالملتقط الأول.

(مسألة 41): لا بد في التعريف باللقطة من تجنب ما يوجب إيهام المالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 186

و انصراف ذهنه عنها، فإذا كانت نسيجا مخيطا لم يكف أن يقول: من ضاع له نسيج، إذا كان النسيج ينصرف لغير المخيط، و إذا مرت علي اللقطة مدة طويلة لم يكف التعريف بما يوهم قرب ضياعها. بل إذا كان في اللقطة بعض الخصوصيات التي يكون ذكرها منبها للمالك عليها و مثيرا لاحتماله إرادتها من التعريف و محفزا علي طلبها وجب ذكره، ككونها ذهبا أو فضة أو مصوغا أو مخيطا أو غير ذلك. نعم لا بد من الإبهام من بعض الجهات بالنحو الذي يحتاج معه إلي ذكر العلامة التي يختص بمعرفتها المالك.

(مسألة 42): يجب في التعريف تحري المواضع التي يتوقع من التعريف فيها اطلاع المالك عليه إما لبحثه عن اللقطة فيها أو لحضوره فيها أو لوصول نبأ التعريف منها إليه، و هو يختلف باختلاف الأمكنة و الأحوال و الأزمنة، ففي اللقطة في المدينة يكون التعريف في المواضع القريبة من مكان اللقطة التي يتعارف فحص المالك عن اللقطة فيها و في الأماكن و المجامع العامة التي يتوقع حضور المالك فيها أو شيوع التعريف فيها بين أهل المدينة حتي يطلع المالك عليه. و في لقطة الصحراء يكون التعريف للنازلين في موضع اللقطة و في الأماكن القريبة منه. و من اللقطة في منازل المسافرين يكون التعريف في موضع الالتقاط

و في المنازل المتأخرة عنه حتي ينتهي إلي بلد المسافرين. و في اللقطة في أيام المواسم التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلدان- كالحج و الزيارات- يكون التعريف في المشاهد و في البلدان التي يجتمع فيها الناس و يرجعون إليها بعد انقضاء الموسم لو تيسر الوصول إليها.

إلي غير ذلك.

(مسألة 43): يجب تتابع التعريف في ضمن السنة بحيث يصدق عرفا استمرار التعريف فيها و عدم انقطاعه و ذلك يختلف باختلاف كيفية التعريف و باختلاف الأعراف و العادات التي تجري عليها الناس في ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 187

(مسألة 44): إذا ادعي اللقطة مدع و علم صدقه- إما لوثاقته في نفسه أو لذكره علامات لا يطلع عليها غير المالك عادة، أو لغير ذلك- فلا إشكال، و كذا إن قامت البينة علي ملكيته لها. و بدونهما لا بد من الاطمئنان بصدقه بذكره علامات للقطة يبعد اطلاع غير المالك عليها. و لا يكفي مجرد ذكره للعلامات إذا احتمل بوجه معتد به اطلاعه عليها من المالك أو نحوه، بل لا يكفي ذلك و إن أوجب الظن إذا لم يوجب الاطمئنان.

(مسألة 45): لا يشترط العلم أو البينة أو الاطمئنان بكون الشخص هو المالك الواقعي في جواز دفع اللقطة إليه، بل يكفي العلم أو البينة أو الاطمئنان بكونه صاحب اليد عليها قبل الضياع و إن احتمل عدم ملكيته لها واقعا، بل و إن علم ذلك إذا ادعي كونه وكيلا من قبل المالك أو وليا عليه أو نحو ذلك ممن يحق له الاستيلاء علي العين و المطالبة بها. نعم مع العلم بأن يده عادية كالسارق لها و الذي يأخذها بعقد فاسد و نحوهما- لا يجوز دفعها إليه، بل لا بد من

الفحص عن المالك- الواقعي أو الظاهري- أو من يقوم مقامه، و مع عدم العثور عليه يجري ما سبق. و كذا إذا ادعي الوكالة أو الولاية أو نحوهما و لم يثبت سبق يده علي اللقطة، فإنه لا يجوز دفعها إليه ما لم تثبت دعواه بوجه شرعي.

(مسألة 46): إذا عرف المالك و تعذر إيصال اللقطة إليه أو إلي وكيله أو وليّه، فإن كانت مما يصرف بعينه كالطعام و اللباس و علم رضا المالك بصرفها بعينها في بعض الوجوه- كبذلها للفقراء ليأكلوها أو يلبسوها- حلّ ذلك. و لا يكفي ذلك في جواز بيعها و إنفاق ثمنها. و في غير ذلك إن أمكن الرجوع له في كيفية التصرف فيها وجب، و إن تعذر وجب حفظها للمالك مهما طال الزمان.

نعم مع اليأس من الوصول له أو لوارثه لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي في كيفية التصرف فيها بدلا عن المالك.

(مسألة 47): لا يجوز دفع اللقطة للحاكم الشرعي ليستقل بإجراء حكمها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 188

و لا تبرأ الذمة بذلك. إلا أن يكون الدفع إليه راجعا إلي توكيل الملتقط له في التعريف بها و إجراء أحكامها، فلا تبرأ الذمة إلا بقيامه بذلك، كما هو الحال في سائر الوكلاء.

(مسألة 48): إذا حصل للقطة نماء في مدة التعريف كان للمالك تبعا للعين فيأخذه معها إذا عثر عليه بالتعريف، و كذا إذا لم يعثر عليه و بقيت العين و النماء عند الملتقط بانتظار العثور علي المالك. أما إذا أراد الملتقط تملكها فله تملك النماء معها إذا كان متصلا بها، كالسمن و الصوف قبل جزه. أما إذا كان منفصلا ففي جواز تملكه معها إشكال، و الأحوط وجوبا إجراء حكم مجهول المالك عليه، فيقتصر

علي الصدقة.

(مسألة 49): إذا مات الملتقط بعد تملك اللقطة انتقلت لوارثه مع بقاء عينها، فإن جاء المالك لزم الوارث إرجاعها له مع وجودها، و ضمانها من أصل التركة إذا كانت قد تلفت في حياة الملتقط، و كذا إذا كانت قد تلفت بعد وفاته بغير تفريط من الوارث. أما إذا تلفت بتفريط منه فإنه يضمنها من ماله لا من التركة.

هذا، و أما إذا مات الملتقط قبل تملكه للقطة فالأحوط وجوبا أن لا يتملكها الوارث، بل يتم تعريفها إن كان لم يتم، ثم يحفظها للمالك أو يتصدق بها، فإن جاء المالك و لم يرض بالصدقة ضمنها.

(مسألة 50): يجري علي التقاط الصبي و المجنون ما تقدم في الضالة.

(مسألة 51): إذا كانت اللقطة مما يفسد بالبقاء- كالخضر و الفواكه و الطعام المطبوخ- وجب علي الملتقط تقويمها بالثمن علي نفسه، ثم يتصرف فيها ثم يعرفها و يقوم الثمن مقامها في الأحكام المتقدمة بعد التعريف.

و أما بيعها علي غيره فهو إنما يجوز بثمن المثل فما زاد، و إذا لم يجد من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 189

يشتريها بثمن المثل كان النقص عليه. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضي ولايته كان له الاتفاق معه علي مقدار الثمن الذي يقومها به علي نفسه أو يبيعها به علي غيره.

و يجري ذلك فيما إذا طرأ عليها ما يمنع من البقاء بعد الالتقاط قبل إكمال التعريف أو بعده.

(مسألة 52): نظير فساد اللقطة بالبقاء العملة إذا تعرضت للسقوط المالية بسبب إلغاء الدولة لها. و الأعيان التي يتوقع عليها السرقة في ظروف طارئة و نحو ذلك.

(مسألة 53): المال الموجود في الدار العامرة يراجع فيه أهلها، فإن أدعو ملكيتهم له أو ملكية غيرهم

أو نفوه عنهم أو عن غيرهم صدّقوا. و إن جهلوا الأمر فإن كانت الدار لا يدخلها غيرهم حكم بأنه لهم، و كذا إذا وجد في مكان منها يختص بهم، و لا يدخله غيرهم. و إن كانت الدار يدخلها غيرهم و وجد في مكان منها لا يختص بهم، فإن كان الذي يدخلها محصورا في أشخاص معينين لزم مراجعتهم في المال فإن علم أنه لأحدهم فذاك، و إن تردد بين أكثر من واحد فالأحوط وجوبا التصالح بينهم، و إن كان الذي يدخلها كثير غير محصورين جري عليه حكم اللقطة في التعريف و غيره.

(مسألة 54): المال الموجود في الدار الخربة التي هجرها أهلها و تركوها إن احتمل العثور علي صاحبه بالتعريف عرف به، فإن لم يوجد له صاحب فهو لواجده، و لا ينتظر به سنة. و كذا إذا كان ميؤوسا من العثور علي صاحبه بالتعريف. نعم لو هجر الخربة أهلها و لم يتركوها بل بقيت محجوبة لهم يتعاهدونها فهي بحكم الدار العامرة. هذا كله إذا لم يكن مدفونا، أما المدفون فقد تقدم حكمه في مسائل الكنز من كتاب الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 190

(مسألة 55): إذا كان للإنسان صندوق أو نحوه محجوب معد لحرز المال و حفظه فوجد فيه مالا و شك في أنه له أو لا. فإن كان الصندوق مختصا به لا يودع فيه غيره إلا وكالة عنه حكم بأن المال له، و لا يعتني باحتمال كونه لغيره أمانة عنده أو أنه قد سقط من وكيله بلا قصد أو نحو ذلك. و إن كان مشتركا بينه و بين غيره عرفه ذلك الغير، فإن عرفه فذاك، و إن نفاه عنه و كان الأمر منحصرا بينهما صار

لصاحب الصندوق، و إن شك ذلك الغير بحيث ترد الأمر بينهما، فالأحوط وجوبا التصالح بينهما. أما لو لم يكن الصندوق محجوبا و لم يعد لحرز المال- بل يوضع فيه المال كما يوضع في سائر الأمكنة- فإن اختص بأهل الدار فالمال مردد بينهم و إن كان عاما جري عليه حكم ما يوجد في الدار التي يدخلها كل أحد. لكنه فرض لا يوجد غالبا.

(مسألة 56): إذا غرقت السفينة فما طاف علي الماء أو قذف به الماء علي الساحل فهو لأهله، فإن عرفوا دفع لهم، و مع الجهل بهم لو أخذه غيرهم جري عليهم حكم اللقطة، و أما ما بقي في أعماق الماء فإن صار أهله في مقام استخراجه لم يحل لأحد سبقهم إليه، و ما تركوه- و لو لعجزهم عن استخراجه فهو لمن استخرجه بالغوص أو نحوه.

(مسألة 57): إذا تبدل متاع الإنسان بمتاع غيره من حذاء أو لباس أو غيرهما، كما يتعارف كثيرا في المواضع العامة. فإن علم أن الذي بدّله قد تعمّد ذلك و اعتدي عليه جاز للآخر أخذ البدل من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها في آخر كتاب الدين. فإن كان البدل الباقي أكثر قيمة من متاعه الذي أخذه المتعدي بقي الزائد ملكا له، فإن عرفه أوصله له، و إن جهله جري علي الزائد حكم مجهول المالك. إلا أن يعلم أن المتعدي تركه ليؤخذ بدلا عما أخذه فيجوز أخذه بتمامه و إن كان أكثر قيمة.

و إن احتمل غفلته عن ذلك و عدم تعمده جري علي البدل حكم مجهول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 191

المالك، فلا يجوز التصرف فيه إلا أن يحرز رضا صاحبه لو علم بالحال. كما يجب الفحص عن المالك، و مع

اليأس عن معرفته أو عن الوصول إليه- بعد الفحص أو بدونه- يستأذن الحاكم الشرعي في أن يستوفي منه قيمة ما أخذه، و يتصدق بالزائد.

تتميم

و فيه أمران.

الأول: لا بد في كون الشي ء لقطة من أخذ الشخص له حال ضياعه من صاحبه. و لا تصدق في غير ذلك من موارد الجهل بالمالك، كالأمانة و المقبوض بالعقد الفاسد و المغصوب و المأخوذ خطأ إذا ضاع أصحابها و لم يعرفوا، و كما إذا نسي الشخص متاعه في مكان لغيره أو إذا دفع المشتري للبائع أكثر من مقدار الثمن أو دفع البائع للمشتري أكثر من المقدار الذي اشتراه إلي غير ذلك من موارد وقوع المال بيد غير مالكه. و في جميع ذلك يجب الفحص عن المالك مع احتمال العثور بالفحص عليه احتمالا معتدا به، و لا يكتفي بالسنة حتي في المأخوذ من السارق علي الأحوط وجوبا، و مع تعذر الفحص أو اليأس من العثور علي المالك بسببه إن احتمل بوجه معتد به العثور علي المالك من دون فحص أو مجيئه بنفسه لطلب ماله وجب انتظاره، و مع اليأس عن معرفة المالك لا يجوز لمن عنده المال تملكه، بل له أن يتصدق به عن المالك لا غير. فإن عثر علي المالك بعد التصدق بالمال فالأحوط وجوبا مراجعته فإن رضي بالتصدق كان له أجره، و إن لم يرض ضمن له المتصدق المال و كان أجر الصدقة للمتصدق.

(مسألة 58): يجوز مباشرة من عنده المال للتصدق بنفسه، كما يجوز له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 192

التوكيل فيه.

(مسألة 59): لا يجب استئذان الحاكم الشرعي في التصدق بمجهول المالك، كما لا يجزئ الدفع إليه. نعم لو دفع المال إليه- علي أنه وكيل عنه في

التصدق أو لأنه الأعرف بمواقع الصدقة أو لغير ذلك- فتصدق به أجزأ.

(مسألة 60): يجوز الصدقة بعين المال، كما يجوز الصدقة بثمنه بعد تقويمه علي نفسه أو بيعه من غيره. لكن لا بد في الإبدال بالثمن من وجود مرجح لذلك، كعدم انتفاع الفقير بالعين أو نحو ذلك. كما أن الأحوط وجوبا حينئذ استئذان الحاكم الشرعي. و إذا تيسر التصدق بعين المال علي الفقير ثم شراؤه منه بما يتفقان عليه كان أولي.

(مسألة 61): إذا خشي من بيده المال عليه التلف أو النقص أو نحوهما قبل اليأس من المالك و كانت المصلحة في إبداله بالمثل أو القيمة جاز له ذلك.

و الأحوط وجوبا حينئذ مراجعة الحاكم الشرعي و استئذانه في ذلك مع الإمكان.

(مسألة 62): إذا تصرف من بيده المال في المسألتين السابقتين من دون إذن الحاكم الشرعي ثم راجعه فأمضي التصرف نفذ و هكذا الحال في جميع موارد مراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 63): إذا تعددت الأيدي علي مجهول المالك كان الكل مسئولا به، فإن تصدق به أحدهم أجزأ عن الباقين، و كان للمالك الرجوع علي أي منهم شاء، بناء علي الاحتياط السابق من الضمان له لو لم يرض بالصدقة. نعم إذا تولي أحدهم التصدق وكالة عمن سبقه فلا ضمان عليه، بل الضمان علي الموكل الذي كان المال عنده قبله.

(مسألة 64): إذا أراد من عنده المال المجهول المالك الصدقة به فلا بد من أن يتصدق به علي فقير غيره، و لا يجزئ أخذه له علي أنه صدقة علي نفسه حتي لو كان هو فقيرا و مصرفا للصدقة. نعم لا بأس بأن يدفعه إلي غيره من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 193

أجل أن يتصدق به عليه، لما سبق من أن التصدق

وظيفة كل من يكون المال تحت يده. لكن لا بد من وقوع التصدق منه استقلالا، لا وكالة عمن كان عنده.

(مسألة 65): لا يجري حكم مجهول المالك علي الدين المجهول المالك، كما تقدم في فروع المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس، و في المسألة الثانية و الخمسين من كتاب الدين.

الثاني: إذا أعرض المالك عن ملكه جاز لغيره أخذه و تملكه. لكن الإعراض علي نحوين.

أحدهما: راجع إلي الإذن في تملك المال الذي يعرض عنه، مثل ما يلقيه أهل الدار في المزابل، و ما يلقيه أهل العمل من الآلات المستهلكة (السكراب) و ما يتركه صاحب القماش عند الخياط من قطع القماش الصغيرة التي لا ينتفع هو بها و نحو ذلك. و حينئذ يترتب علي ذلك حكم الهبة فيجوز الرجوع فيه ما لم يتصرف الآخذ في العين تصرفا مغيرا لها.

ثانيهما: راجع إلي الإعراض عن المال تخلصا من كلفته، كترك الحيوان للتخلص من الإنفاق عليه و ترك المال الذي يغرق بعدم تيسر الغوص له و إخراجه كما تقدم التعرض له آنفا، و ترك الحيوان في الطريق إذا جهد و أعيي عن السير الذي تقدم التعرض له في الفصل الثاني، و ترك الحيوان الوحشي إذا أفلت و فرّ في البيداء و نحو ذلك. و الظاهر جواز تملك المال حينئذ لمن تكلف تحصيله و أخذه، و لا يحق لصاحبه الأول المطالبة حتي مع بقاء المال علي حاله. نعم لا بد من إحراز إعراض المالك عنه و عدم سعيه لتحصيله، و لو من ظاهر الحال. أما لو اهتم بتحصيله و البحث عنه فيجب علي غيره أن يدفعه له لو تكلف تحصيله، و ليس له الامتناع من ذلك و لا المطالبة بما أنفقه في

سبيل تحصيله حينئذ.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 195

كتاب الصيد و الذباحة

اشارة

يحرم أكل الميتة كما يأتي، و هي أيضا نجسة إذا كانت لحيوان ذي نفس سائلة، كما تقدم في محله. و المراد بالميتة في محل الكلام كل حيوان مات من دون تذكية. و الكلام هنا فيما تتحقق به التذكية، و هو الصيد و الذباحة، فيقع الكلام في بابين.

الباب الأول في الصيد

اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في صيد ما له نفس سائلة

و يختص بالحيوان الوحشي الممتنع كأكثر الطيور و البقر و الحمار الوحشيين و الظبي و الأيل و نحوها. دون الحيوانات الأهلية كالإبل و البقر و الغنم و الدجاج و نحوها. و إذا توحش الحيوان الأهلي و امتنع حل بالصيد كالوحشي، و إذا تأهل الوحشي لم يحل بالصيد كالأهلي و كذا إذا لم يمتنع لكونه في قبضة الإنسان، كالغزال يصاد و يربط أو يحبس في الحظيرة. و فرخ الحيوان الوحشي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 196

قبل أن يمتنع و يقوي علي الفرار فإنه لا يحل بالصيد كالأهلي، و كذا فرخ الطير قبل أن يملك جناحيه و يمتنع بالطيران.

إذا عرفت هذا، فآلة الصيد أمران.

الأول: الحيوان. و يختص بالكلب و لا يحل صيد غيره من سباع الطير و البر، كالصقر و البازي و العقاب و الفهد و النمر و الذئب و الأسد و غيرها، إلا إذا أدركت ذكاته.

(مسألة 1): لا فرق في الكلب بين السلوقي و غيره. نعم الأحوط وجوبا عدم التذكية بالكلب الأسود البهيم، و هو الشديد السواد الذي لا يخالط سواده لون آخر.

(مسألة 2): يشترط في الكلب الذي يصطاد أن يكون معلما، بأن يتدرب علي الصيد لصاحبه و يتعلمه بالتعليم. و هو أمر عرفي يدركه أهله.

قيل: و ذلك بأن يسترسل إذا أرسل و ينزجر إذا زجر. و الظاهر أن ذلك من لوازم التعليم في الجملة. و ليس هو تمام معناه.

(مسألة 3): لا بد في حل الصيد بالكلب من أن يسترسل الكلب بإرسال الصائد و تهييجه، بحيث ينسب الصيد للمرسل، و يكون الكلب كالآلة له، فلو هاج الكلب بنفسه أو أفلت من صاحبه مع زجره له لم يحل صيده.

(مسألة 4): لو هاج الكلب

بنفسه نحو الصيد فأغراه صاحبه به فأسرع بسبب ذلك إليه فصاده ففي حل الصيد بذلك إشكال. نعم لو كان هياجه بانتظار أمر صاحبه، بحيث لو زجره فانزجر فأغراه صاحبه فاسترسل و صاد حل صيده. و أظهر منه ما إذا زجره فوقف، ثم أرسله فاسترسل و صاد.

(مسألة 5): إذا أرسله لغرض غير الصيد- كتعليمه علي الصيد أو طرد عدو أو مهاجمة سبع- فاصطاد حيوانا لم يحل ما صاده. بل لو أرسله لصيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 197

حيوان خاص فصاد غيره ففي حل ما صاده إشكال و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 6): إذا أرسله للصيد من دون أن يري المرسل صيدا، بل برجاء أن يري الكلب صيدا، فصادف أن رآه فصاده حل. و كذا إذا أرسله علي شبح برجاء أن يكون حيوانا يصاد، فصادف ذلك و صاده.

(مسألة 7): لا فرق في المرسل بين أن يكون واحدا و متعددا، و كذا الحال في الكلب و في الصيد، فإذا أرسل شخص واحد أو أكثر كلبا معلما واحدا أو أكثر علي حيوان واحد أو أكثر حل الصيد في الجميع. نعم لا بد من تمامية الشروط فيها جميعا، و لا يحل مع عدم تماميتها في بعضها، كما لو كان غير معلم أو قد هاج بنفسه أو قد أرسله كافر، أو تعمد من أرسله عدم التسمية.

نعم إذا علم باستناد موت الصيد لواجد الشرط دون فاقده حل الصيد.

الثاني من آلتي الصيد: السلاح، سواء كان قاطعا، كالسيف و السكين و الخنجر، أم شائكا كالرمح و السهم و الحربة و نحوها.

(مسألة 8): ما كان من السلاح من الحديد و نحوه من الفلزات الصلبة كالصفر و الذهب- أو مشتملا علي نصل من ذلك يحل الصيد

به إذا قتله و إن لم يخرق اللحم. نعم الأحوط وجوبا المبادرة لإخراج الدم بالنحو المتعارف و عدم أكل الصيد إذا بقي دمه فيه. و أما ما لا يشتمل علي ذلك كالخشب المحدد فلا يحل الصيد به إلا أن يخرق لحمه.

(مسألة 9): في جواز الصيد بالآلات القاطعة و الشائكة مما لا يعد سلاحا إشكال، و الأحوط وجوبا العدم، و ذلك كالمنجل و المنشار و المزرف و الدر نفيس و المخيط و الفالة. إلا أن يتخذ سلاحا و لو في خصوص مكان، فيحل الصيد به.

(مسألة 10): يحل الصيد بالطلقات النارية المتعارفة في زماننا إذا كانت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 198

محددة الطرف شائكة. و أما الكروية الشكل ففي الصيد بها إشكال و الأحوط وجوبا العدم. و أشكل منها الطلقات الحارقة إذا لم تكن محددة الطرف و تنفذ في البدن.

(مسألة 11): لا يحل الصيد المقتول بالحجارة و العمود و الشرك و الحبالة، و كذا بالضرب معترضا بمثل المسحاة و نحو ذلك مما يصاد به و لا يكون قاطعا و لا شائكا.

(مسألة 12): يشترط في حل الصيد بالآلة قصد الصائد الصيد بها، فلو رمي لا بقصد الصيد فأصاب حيوانا فقتله لم يحل و إن سمي بعد ما رماه. نعم لو رمي و سمي من دون أن يري صيدا بل برجاء أن يصيب صيدا فأصابه و قتله حل، نظير ما تقدم في الصيد بالكلب.

(مسألة 13): إذا رمي صيدا فوصلت الرمية للصيد بمعونة الريح فقتلته، بحيث لو لا الريح لما وصلت إليه حل الصيد و كذا إذا اصطدمت بالأرض ثم و ثبت للصيد فقتلته.

(مسألة 14): إذا رمي صيدا فأخطأه و أصاب غيره فقتله حل.

(مسألة 15): لا فرق في الرامي

بين أن يكون واحدا أو متعددا و كذا الحال في الصيد في الآلة التي يصاد بها نظير ما تقدم في الصيد في الكلب. بل لو اشترك في الصيد الكلب و الآلة حل إذا جمعا الشرائط، نظير ما تقدم أيضا.

(مسألة 16): يشترط في حل الصيد إسلام الشخص الذي يتولاه، و هو المرسل للكلب و الرامي بالآلة فيحل صيد المسلم مؤمنا كان أو مخالفا، كبيرا أو صغيرا مميزا يتحقق منه القصد للصيد. و لا يحل صيد الكافر، ذميا كان أو حربيا، كتابيا كان أو غيره. و يأتي في الذباحة ما ينفع في المقام.

(مسألة 17): يشترط في حل الصيد التسمية من الصائد عند إرسال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 199

الكلب أو رمي الآلة، أو بعد ذلك قبل إصابتهما للحيوان، فإن تعمد تركها حرم الصيد حتي لو كان جاهلا باشتراطها. نعم لو كان من شأنه الإتيان بها لكنه تركها نسيانا حل الصيد سواء كان يري اشتراطها أم لا، بل يأتي بها تبركا أو لبنائه علي استحبابها.

(مسألة 18): لا بد من التسمية من نفس مرسل الصيد، و لا يكفي من غيره عند إرساله الكلب أو رميه بالآلة.

(مسألة 19): يكفي في التسمية ذكر اللّه تعالي في ضمن جملة تتضمن التعظيم، مثل: بسم اللّه، و: اللّه أكبر، و: الحمد للّه. و يشكل الاكتفاء بذكر الاسم الشريف مجردا، أو مع وصف يتضمن التعظيم من دون أن تتم به جملة، كما لو قال: اللّه العظيم. و كذا الاكتفاء بالنداء بمثل: يا اللّه.

(مسألة 20): الأحوط وجوبا الاقتصار في اسمه تعالي علي لفظ الجلالة، و عدم الاجتزاء بترجمته بغير العربية من اللغات لأهل تلك اللغة.

(مسألة 21): يجوز صيد الأخرس و تسميته بتحريك لسانه و إشارته

بتحريك إصبعه.

(مسألة 22): الظاهر لزوم الإتيان بالتسمية بعنوان كونها علي الصيد و من أجله و لا تجزئ التسمية حين الصيد بداع آخر.

(مسألة 23): يشترط في حل الصيد استناد موت الحيوان للسبب المحلل، كجرح الكلب و عقره و الإصابة بالسلاح أما إذا استند إلي سبب آخر كصدمة أو تردّ من شاهق أو غرق في ماء أو غير ذلك- فلا يحل سواء استند الموت للسبب الآخر وحده أم لهما معا. و لو شك في ذلك حرم ظاهرا. إلا مع عدم ظهور السبب الآخر و عدم المثير عرفا لاحتماله، بحيث يطمأن نوعا باستناد الموت للسبب المحلل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 200

(مسألة 24): يحرم الصيد علي المحرم و لو في غير الحرم، كما يحرم الصيد في الحرم و لو لغير المحرم. و لا يحل الحيوان حينئذ حتي علي المحل علي ما ذكر في كتاب الحج مفصلا.

(مسألة 25): إنما يحل الصيد بالسبب المحلل- من جرح الكلب و الإصابة بالسلاح- إذا لم يدرك الصائد ذكاته بالذبح، إما بأن يدركه ميتا أو حيا في زمن لا يسع الذكاة، و كذا إذا اشتغل بمقدمات التذكية القريبة كسل السكين و الاستقبال به فمات. أما إذا أدرك ذكاته فلم يذكه حتي مات فإنه لا يحل، حتي لو كان لعدم وجود آلة التذكية عنده. نعم إذا كان صيده بالكلب و لم يكن له ما يذكيه به كان له أن يغري الكلب به حتي يجهز عليه، و يحل بذلك حينئذ.

(مسألة 26): لا يجب مبادرة الصائد للصيد- ليدرك ذكاته- ما دام الصيد ممتنعا، فإذا حبسه الكلب أو أقعده أو أثخنه الرمي حتي وقف، فإن علم بأنه لو بادر إليه لم يدرك ذكاته لم يجب عليه المبادرة

إليه و يحل بقتل الكلب له أو بنزف دمه حتي يموت، و إن احتمل أنه يدرك ذكاته لو بادر إليه فالأحوط وجوبا المبادرة إليه ليدرك ذكاته فلو لم يبادر إليه حينئذ لم يحل، إلا أن يعلم بعد ذلك أنه لو كان قد بادر إليه لم يدرك ذكاته.

نعم لا يضر عدم المبادرة للانشغال بغيره من الصيد فيما لو تعدد الصيد، أو للانشغال بحفظ متاعه من السرقة، أو بإمساك الحيوان الذي يركبه من الشرود و نحو ذلك. و إنما الإشكال في عدم المبادرة اعتباطا و تسامحا بانتظار موته بنزف دمه و نحوه.

(مسألة 27): إذا فقد الصيد بعض الشروط المتقدمة فمات حرم، و إن أدرك الصائد أو غيره ذكاته فذكّاه حلّ، إلا الصيد في الحرم أو من الحرم فإنه لا يحل علي ما يذكر في كتاب الحج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 201

(مسألة 28): يكفي في إدراك تذكية الحيوان- في المسائل المتقدمة- أن يدركه حيّا. و لو شك في ذلك كفي أن يحرك عينه أو يده أو اذنه أو ذنبه.

(مسألة 29): الصيد إنما يوجب حلية الحيوان من حيثية التذكية، مع حرمته من حيثية نجاسة موضع الدم و موضع عضة الكلب و نحوهما، فلا يحل إلا بعد تطهيرها.

(مسألة 30): إذا قطع رأس الصيد فمات حل جميعه، و إن أدركه الصائد و فيه بقية من الحياة ففي وجوب تذكيته من موضع التذكية إن لم يقطع منه إشكال، و إن كان أحوط وجوبا. هذا إذا كان الصيد واجدا للشرائط، و إن كان فاقدا لها حرم حتي إذا كان فيه بقية من حياة فذكي في موضع التذكية علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 31): إذا قطع عضوا من الصيد غير الرأس كاليد و الرجل

و الذنب أو قطعة منه صغيرة حرم المقطوع وحده و حل ما بقي من الحيوان مع تحقق شروط الصيد أو تذكيته بعد إدراكه حيا.

(مسألة 32): إذا قطع الحيوان قطعتين فإن كانتا متقاربتين في المقدار حلتا جميعا مع تمامية شروط الصيد، و الأحوط وجوبا تذكية ما فيه الرأس مع إدراك ذكاته. و إن لم تتم شروط الصيد حرمتا جميعا حتي ما فيه الرأس و إن أدركه حيا فذبحه بالوجه الشرعي علي الأحوط وجوبا. و إن اختلفتا قدرا بوجه ظاهر حلت الكبري إن كانت في جانب الرأس و الأحوط وجوبا تذكيتها مع إدراك ذكاتها. و في حلية ما عداها إشكال. هذا مع تمامية شروط الصيد، و مع عدم تماميتها حرم الجميع حتي الكبري إذا كانت في جانب الرأس مع إدراكها حية و ذبحها بالوجه الشرعي علي الأحوط وجوبا. إلا أن يصدق عليها أنها حيوان ناقص، كما لو قطعت الرجل مع بعض المؤخر فإن الباقي يحل بالتذكية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 202

(مسألة 33): الصيد بالآلة كما يذكي ما يحل أكل لحمه يذكي ما يحرم أكل لحمه، فينتفع بجلده. نعم لا بد أن يكون الحيوان في نفسه قابلا للتذكية، و يأتي بيان ذلك في الذباحة. أما الصيد بالكلب فهو يذكي ما يحل أكل لحمه، و لا يذكي ما يحرم أكل لحمه.

(مسألة 34): يملك الإنسان الحيوان المباح بالأصل بأخذه له، كما إذا قبض علي يده أو رجله أو رماه بانشوطة بنحو يحبسه بذلك، و كذا إذا دخل حجرته فأغلق عليه بابه و حبسه. و كذا إذا نصب شبكة أو شركا أو نحوهما مما يحبس الحيوان بقصد صيده و أخذه، فإنه يملكه إذا وقع فيها و انحبس. و كذا

إذا أرسل عليه الكلب ليصيده به فاستولي عليه و حبسه. و أما إذا رماه فقتله أو أقعده فصيّره غير ممتنع- كما إذا كسر جناحه فمنعه من الطيران أو كسر رجله أو جرحه بنحو يمنعه من العدو- ففي تملكه بمجرد ذلك من دون أن يأخذه و يصير في حوزته إشكال، و كذا إذا عقره الكلب من دون أن يحبسه. فيلزم الاحتياط في ذلك في حق الفاعل بعدم ترتيبه أثر الملكية إلا بعد أخذه له، و في حق غيره بعدم التصرف فيه و لا التملك إلا بإذنه.

(مسألة 35): إذا توحل الحيوان في أرضه أو انحبس الطائر في بيته أو و ثبت السمكة في سفينته لم يملك شيئا من ذلك، إلا أن يصدر منه ما يحقق أخذه له ناويا ذلك، كما إذا أغلق الباب علي الحيوان أو الطائر أو ساق السفينة و السمكة فيها. أما إذا أعد شيئا من ذلك ليأخذ به الحيوان- كما إذا أجري الماء في أرضه فأوحلها و فتح المضيق في بيته لينحبس فيهما الحيوان و الطائر، أو وضع سفينته في مكان ليثب فيها السمك- فإنه يملكه حينئذ بذلك.

(مسألة 36): أخذ الحيوان في المسألة السابقة إنما يوجب تملك الآخذ له إذا كان بنية تملكه له، كما هو الحال في سائر المباحات الأصلية، أما إذا لم يكن بنية التملك فهو لا يوجب الملك، كما إذا أخذه ليعرف مدي قوته، نظير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 203

ما إذا أخذ حجرا ليرمي به و يعرف مدي رميته.

(مسألة 37): إذا أخذ الحيوان في المسألة السابقة بأحد الوجوه المتقدمة ثم أفلت منه، فإن كان ذلك قبل استحكام الحبس، بحيث لا يصدق معه الأخذ للحيوان و حيازته فالحيوان باق علي

إباحته الأصلية و لم يملكه الآخذ، بخلاف ما إذا كان بعد استحكام الحبس و صدق الأخذ، كما إذا قبض عليه حتي تعب فضعف عن إمساكه و أفلت، و كما إذا أغلق عليه الباب ثم فتحها شخص ففر الحيوان، أو توحل حتي إذا جف الوحل قوي الحيوان علي التخلص منه و نحو ذلك. و حينئذ يبقي الحيوان في ملك الآخذ، و لا يجوز لغيره صيده أو قتله إلا أن يأذن في ذلك، أو يتحقق منه الإعراض عن الحيوان- و لو بسبب الإفلات- الذي تقدم الكلام فيه في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 38): إذا شك في سبق وضع اليد علي الحيوان بني علي عدمه، أما إذا علم بذلك فإن عرف صاحب اليد عليه وجب تسليمه له، و إن جهل جري علي الحيوان حكم اللقطة المتقدم. نعم إذا ملك الطائر جناحيه فأخذه شخص و لم يعرف صاحبه جاز له تملكه، كما تقدم في آخر الفصل الثاني من كتاب اللقطة.

(مسألة 39): إذا تبع حيوانا فركض الحيوان حتي أعيي و وقف لم يملكه الذي تبعه حتي يأخذه، فإن سبقه غيره و أخذه ملكه الآخذ، دون الذي تبعه.

(مسألة 40): الصيد بالكلب و الآلة المغصوبين يحرم من حيثية التصرف بالمغصوب، و يترتب عليه التذكية، كالصيد بالمملوك و المباح. كما أنه لو تحقق به الأخذ- الذي سبق أنه سبب الملك- كان المالك هو الغاصب الآخذ لا صاحب الكلب أو الآلة المغصوب منه. نعم يستحق المغصوب منه علي الغاصب اجرة العين المغصوبة التي يتحقق بها الصيد و الأخذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 204

الفصل الثاني في صيد ما ليس له نفس سائلة

لما كانت ميتة ما ليس له نفس سائلة طاهرة فلا أثر لتذكيته إلا حل أكله.

و حيث يختص ما يحل أكله

من غير ذي النفس بالسمك و الجراد، فالكلام في المقام إنما هو في تذكيتهما من أجل حل أكلهما فعلا.

(مسألة 41): ذكاة السمك صيده بأخذه و الاستيلاء عليه مع خروجه من الماء حيا سواء كان أخذه قبل خروجه من الماء أم كان خروجه من الماء قبل أخذه. فالأول كما إذا ألقي الصائد شبكة فدخلها السمك ثم أخرجه بها أو نصب شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء عنه و هو حي. و الثاني كما إذا نضب الماء عن السمك من دون صيد أو وثب السمك خارج الماء ثم أخذه شخص قبل أن يموت.

(مسألة 42): إذا نضب الماء عن السمك من دون أن يستولي عليه أحد و هو في الماء فاضطرب خارج الماء إلي أن مات لم يحل حتي لو كان عنده من ينظر إليه، إلا أن يأخذه أو يستولي عليه قبل أن يموت. و كذا إذا و ثبت السمكة من الماء إلي الشط أو السفينة، فإنها لا تحل إلا أن تؤخذ و هي حية، و لو بأن يسير بالسفينة ناويا الاستيلاء علي السمك الذي وقع فيها. نعم لو جعلت السفينة في مكان من أجل أن يثب فيها السمك كان وثوبه فيها حينئذ أخذا له، نظير دخوله في الحظيرة التي تجعل لصيد السمك.

(مسألة 43): إذا صيد السمك و هو في الماء بالشبكة أو الحظيرة أو نحوهما، ثم نضب عنه الماء أو اخرج منه، و قد مات بعضه في الماء حرم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 205

الميت منه، و حل الباقي. و مع الشك في أن موته كان و هو في الماء أو بعد خروجه منه، فإن علم زمان خروجه من الماء و شك في

زمان موته حل ظاهرا، و إلا حرم.

(مسألة 44): إذا أخرج السمك من الماء حيا، ثم ارجع إليه فمات فيه حرم، فإذا اضطر صاحبه لإرجاعه للماء فليكن ذلك بعد موته و لو بأن يقتله هو بضرب أو غيره. أما إذا مات بعد ذلك خارج الماء فهو حلال و إن لم يخرجه بل خرج بنفسه أو نضب الماء عنه، لأنه يكفي في تذكية أخرجه في المرة الأولي.

(مسألة 45): يجوز صيد السمك بإلقاء السم له- المعروف عندنا بالزهر- في الماء. لكن لا يحل السمك به حتي يخرجه الإنسان من الماء حيا، سواء كان المخرج له هو الذي ألقي السم أم غيره. و لا يكون السمك ملكا لملقي السم، بل لمن استولي علي السمك و أخذه.

(مسألة 46): لا يشترط في حل السمك إذا ذكي بإخراجه من الماء حيا أن يموت بنفسه خارج الماء، فلو مات بالتقطيع أو بشق بطنه أو بضربه علي رأسه أو غير ذلك حل أيضا. بل الظاهر جواز أكله حيا، كما إذا ابتلع السمك الصغار و هي أحياء.

(مسألة 47): إذا قطعت السمكة قبل أن تذكي، فإن صدق علي القطعة أنها سمكة ناقصة، كما لو قطع ذيلها وحده أو مع قسم قليل من أسفل بدنها، حلت بالتذكية بالنحو المتقدم، و إلا لم تحل كالرأس وحده أو مع قليل من البدن، و كأسفل البدن. و في البدن بتمامه من دون رأس إشكال، و الأحوط وجوبا اجتنابه. أما إذا ذكيت تامة ثم قطعت و أرجعت إلي الماء فما لم يمت منها في الماء حلال، و ما مات منها في الماء حرام، حتي لو لم يصدق عليه أنه سمكة ناقصة علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 206

(مسألة

48): إذا ابتلعت السمكة سمكة أخري فصيدت بالوجه المتقدم حلت هي و السمكة التي في جوفها.

(مسألة 49): الظاهر أن تذكيه السمك بالوجه المتقدم لا تختص بما يحل أكله، بل تجري فيما يحرم أكله. نعم في جريانها في غير السمك من حيوان الماء إشكال، خصوصا ما كان منه يعيش في البر أيضا كالسلحفاة و السرطان و الضفدع. بل الظاهر عدم تذكيته بذلك.

(مسألة 50): صيد الجراد و تذكيته بأخذه حيا، فإن مات قبل ذلك فهو ميتة حرام الأكل.

(مسألة 51): لا يحل الدبا، و هو الجراد قبل أن يستقل بالطيران.

(مسألة 52): إذا اشتعلت نار أو اشعلت في موضع فيه جراد فاحترق لم يحل أكله، و كذا إذا أوجبت هيجان الجراد من موضع آخر و سقوطه فيها فاحترق، سواء كان القصد من أشعالها مجي ء الجراد المذكور، أم كان الغرض منه أمرا آخر فصادف مجي ء الجراد لها و احتراقه بها.

(مسألة 53): يجوز أن يشوي الجراد و السمك بعد صيدهما و تذكيتهما قبل أن يموتا، و لا يحرمان بذلك.

(مسألة 54): لا يشترط في تذكية السمك و الجراد و صيدهما التسمية.

(مسألة 55): لا يشترط في تذكية السمك و الجراد و صيدهما إسلام الآخذ لهما، فيصح صيد الكافر لهما بأقسامه ذميا كان أو حربيا، كتابيا أو غيره.

(مسألة 56): لا بأس بصيد الصبي و المجنون للسمك و الجراد إذا تحقق منهما قصد الأخذ و الاستيلاء علي ما يصيدانه.

(مسألة 57): لا يحكم بتذكية ما يؤخذ من يد الكافر من السمك و الجراد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 207

إذا شك في تذكيته حتي إذا أخبر بتذكيته و لم يكن متهما إذا لم يوجب خبره العلم. نعم إذا أخبر بأخذه له من المسلم صدق في خبره

إذا لم يكن متهما، و حكم بتذكية ما يؤخذ منه لسبق يد المسلم عليه. و هكذا الحال في جميع ما يؤخذ من الكافر مما لا يحل إلا بالتذكية، و قد تقدم في مبحث نجاسة الميتة الفروع المناسبة للمقام. فراجع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 208

الباب الثاني في الذبح

اشارة

و محل الكلام هو الذبح الموجب للتذكية الذي يترتب عليه طهارة الحيوان و جواز أكله و بيعه و غير ذلك. و الكلام فيه يقع في ضمن فصول.

الفصل الأول فيما يقبل التذكية

(مسألة 58): كل حيوان محلل الأكل قابل للتذكية. فإن كان له نفس سائلة كان قابلا للتذكية بالذبح، و بعضه يقبل التذكية بالصيد، كما سبق. و إن لم يكن له نفس سائلة- و هو السمك و الجراد- فلا يقبل التذكية بالذبح، بل بالصيد لا غير كما تقدم.

(مسألة 59): ما ليس له نفس سائلة إذا كان محرم الأكل فإن كان سمكا فقد سبق تذكيته بالصيد، و إن لم يكن سمكا- كالضفدع و الوزغ- فهو لا يقبل التذكية لا بالذبح و لا بالصيد. لكن بعد حرمة أكل الحيوان علي كل حال، و الاحتياط الوجوبي بعدم استصحاب أجزائه في الصلاة إذا كان له لحم، و طهارة ميتته لا يظهر الأثر لعدم تذكيته إلا في وجوب الاحتياط بعدم بيعه.

(مسألة 60): لا تقع التذكية علي نجس العين.

(مسألة 61): تقع التذكية بالذبح علي ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس سواء كان له جلد يمكن الانتفاع به بلبس و فرش و نحوهما أم لا، و سواء كان من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 209

السباع أم من الطير أم من الحشرات التي تسكن باطن الأرض- كالضب و ابن عرس- أم من غيرها كالأرنب. فيطهر بالذبح لحمها و جلدها و يجوز بيعها.

الفصل الثاني في الذابح

(مسألة 62): يشترط في الذابح الإسلام، فلا تصح ذبيحة الكافر و إن كان ذميا، حتي إذا علم أنه قد سمي علي ذبيحته.

(مسألة 63): تحل ذبيحة المخالف إلا أن يكون محكوما بالكفر. نعم هي مكروهة.

(مسألة 64): تحل ذبيحة الصبي إذا كان مميزا يحسن التذكية. نعم لا بد من أن يكون معلنا للإسلام، أو يكون محكوما بأنه مسلم لكون أحد أبويه مسلما. نعم إذا كان معلنا بالكفر فالظاهر عدم حل ذبيحته و إن

كان أحد أبويه مسلما.

(مسألة 65): تحل ذبيحة ولد الزنا إذا كان معلنا للإسلام و إن كان صبيا.

بل الظاهر كفاية كون أحد أبويه مسلما في الحكم بإسلامه و إن كان صبيا لم يعلن الإسلام، و كذا إذا كان تابعا لمسلم. علي ما تقدم في مطهرية التبعية من كتاب الطهارة.

(مسألة 66): تحل ذبيحة المرأة و الأعمي و الأغلف و الخصي و الجنب و الحائض و الفاسق.

(مسألة 67): تحل ذبيحة ناقص العقل إذا كان مميزا يتأتي منه قصد الذبح المشروع، أما إذا لم يتحقق منه ذلك- كما في المجنون الصرف- فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 210

يصح. و كذا الحال في السكران، فإن سكره قد لا يمنع من تمييزه و قصده الذبح الشرعي بالوجه الذي يترتب عليه الأثر عند العقلاء، بخلاف النائم، فإن الظاهر عدم العبرة بقصده.

(مسألة 68): لا بأس بتعدد الذابح، بأن يتولي الذبح اثنان- مثلا- علي سبيل الاشتراك مقترنين بأن يأخذا السكين معا و يذبحا معا، أو يأخذ كل منهما سكينا و يقطع أحدهما بعض الأعضاء و الآخر الباقي دفعة واحدة. أو يكون ذلك منهما علي التعاقب فيقطع أحدهما بعض الأعضاء ثم يقطع الآخر الباقي. و من ذلك ما إذا ذبح شخص الحيوان و تركه فظهر النقص في ذبحه فأخذه الآخر و أتم ذبحه. و لا بد من تسمية الكل.

(مسألة 69): لا بأس بذبيحة المكره و إن لم يكن إكراهه بحق.

(مسألة 70): لا بأس بذبيحة من لا يعتقد بوجوب التسمية أو يعتقد بعدم وجوبها إذا سمي.

(مسألة 71): تحل ذبيحة المعتدي و الغاصب للحيوان المذبوح أو لآلة الذبح و إن كان آثما في ذبحه. و مثله ما إذا كان الحيوان منذورا مثلا لوجه خاص فذبح علي

وجه آخر. فالشاة التي ينذر صاحبها- مثلا- أن يضحي بها لو ذبحت في غير وقت الأضحية عمدا أو جهلا أو نسيانا تذكي بالذبح و يحل أكلها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 211

الفصل الثالث في كيفية الذبح

(مسألة 72): لا بد في الذبح من قطع الأعضاء الأربعة، و هي مجري النفس- الذي قد يسمي بالحلقوم- و مجري الطعام و الشراب- الذي قد يسمي بالمري- و الودجان، و هما عرقان محيطان بهما يجري فيهما الدم، و لا يكفي شق شي ء منها من دون قطع.

(مسألة 73): الظاهر أن قطع الأعضاء المذكورة يتوقف علي بقاء (الجوزة) في جانب الرأس، فلو بقي منها شي ء في الجسد لم يتم الذبح المذكي، لأن الحلقوم و المري ء يبدءان منها، فمع بقاء شي ء منها في جانب الرأس يكون موضع الذبح قبلهما، و لا يقطعان حينئذ.

(مسألة 74): إذا قطع بعض الأعضاء الأربعة من تحت الجوزة علي غير الوجه الشرعي- كما إذا استند إلي افتراس سبع أو ضرب لا يقصد به التذكية أو غير ذلك- لم يكف في التذكية قطع الباقي، بل يحرم الحيوان. نعم إذا شق بعض الأعضاء أو كلها من دون قطع و بقي الحيوان حيا أمكن تذكيته بقطعها من محل الشق أو من فوقه أو تحته.

(مسألة 75): إذا أخطأ الذابح فذبح من فوق الجوزة أو من بعضها أمكنه التدارك ما دام الحيوان حيا فإذا ذبحه من تحت الجوزة ذكي و حل لحمه.

(مسألة 76): لا يجب التتابع العرفي في قطع الأعضاء، فلو قطع بعض الأعضاء من الحيوان فأرسله أو أفلت ثم قبض عليه فقطع الباقي و هو حي ذكي الحيوان و حل لحمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 212

(مسألة 77): لا يجب في الذبح أن يكون

في أعلي الرقبة تحت الجوزة مباشرة، بل يجوز أن يكون أسفل من ذلك إذا تحقق قطع الأعضاء الأربعة.

(مسألة 78): لا يصح الذبح من القفا، حتي لو قطعت الأعضاء الأربعة بأن يبدأ من القفا و ينتهي بالحلقوم. بل الأحوط وجوبا وضع السكين في ظاهر الرقبة و النزول بها إلي الباطن، و لا يقلب السكين و يدخلها وسط الرقبة تحت الأعضاء و يخرجها إلي الظاهر.

(مسألة 79): الأحوط وجوبا عدم قطع رأس الحيوان عند الذبح، لكن لو حصل ذلك غفلة أو خطأ أو لإسراع السكين لم يحرم الحيوان المذبوح، بل لا يحرم حتي لو تعمد ذلك، و إن كان الأحوط استحبابا الترك. و يجري جميع ذلك في النخع الذي هو عبارة عن الوصول بالسكين للنخاع فيقطع قبل أن يموت الحيوان من دون أن يقطع الرأس.

(مسألة 80): يشكل الاكتفاء بقطع الأعضاء الأربعة بنحو القرض بمثل (المقص) و (المقراضة) و نحوهما مما يقطع بجمع الآلتين المحددتين لا بإمرار آلة واحدة كالسكين. نعم لا بأس به مع الاضطرار. و المعيار فيه خوف موت الحيوان لو تأخر ذبحه إلي حين القدرة علي مثل السكين.

(مسألة 81): تختص الإبل من بين البهائم بأن تذكيتها بالنحر، و لا يجوز ذلك في غيرها، حتي الخيل علي الأحوط وجوبا. فإن ذبحت الإبل لم تذك و لم تحل، إلا أن تنحر قبل أن تموت، و إن نحر غيرها لم يذك و لم يحل إلا أن يذبح قبل أن يموت.

(مسألة 82): كيفية النحر أن يطعن الحيوان بالآلة- من سكين أو حربة أو غيرهما حتي مثل المزرف و المنجل- في اللبة، و هي الموضع المنخفض في أصل العنق عند وسط أعلي الصدر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 213

(مسألة 83):

إذا تعذر ذبح الحيوان أو نحره جاز تذكيته في غير موضع التذكية بالنحو المتيسر، و حل أكل لحمه. سواء كان ذلك لاستصعابه و شروده أم لصيرورته في مكان لا يسيطر عليه فيه المذكي، كما لو تردّي في بئر أو سقط عليه البناء أو نحو ذلك. نعم لا بد من تحقق شروط التذكية الأخري عدا الاستقبال. كما أنه إذا أدرك ذكاته بعد جرحه أو عقره وجبت تذكيته كالصيد.

(مسألة 84): الجنين إذا ماتت امه من دون تذكية فإن استخرج منها حيا و أدركت ذكاته و ذكي حلّ، و إلا كان ميتة محرما. و كذا إذا استخرج من امه و هي حية بعملية قيصرية أو نحوها فإنه يحل إذا ذكي بالذبح، و لا يحل بدون ذلك.

(مسألة 85): الجنين إذا ذكيت امه فمات في بطنها قبل أن يستخرج منها كانت ذكاتها ذكاة له فيحل أكله، و كذا إذا لم تلجه الروح في بطنها.

(مسألة 86): الجنين إذا ذكيت امه فاستخرج منها حيا لم يحل إلا بالتذكية، فإن مات قبل أن يذكي فهو ميتة حرام، سواء ضاق الوقت عن تذكيته أم وسعها و لم يذك تسامحا أو غفلة.

(مسألة 87): تجب المبادرة بالنحو المتعارف إلي سلخ الذبيحة ثم شق بطنها لإخراج الجنين منها و إدراك تذكيته، فلو لم يبادر بالنحو المتعارف و احتمل موت الجنين بسبب ذلك حكم بعدم ذكاة الجنين و بحرمته. نعم لو علم بعدم إدراكه حيا علي كل حال لم تجب المبادرة لإخراجه، و حل حينئذ.

(مسألة 88): إنما يجوز أكل الجنين إذا كان تام الخلقة و قد نبت شعره، و إلا لم يحل، سواء ذكي بذكاة امه أم ينبرحه بنفسه.

(مسألة 89): لا فرق في تذكية الجنين بذكاة امه بين

محلل الأكل و محرمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 214

الفصل الرابع في شروط الذبح

و هي أمور.

الأول: القصد للذبح أو النحر، فلا تحصل التذكية بالذبح أو النحر من غير القاصد، كما لو وقع السكين من يده علي الأعضاء الأربعة فقطعها، أو قصد بتحريك السكين أمرا غير الذبح فقطعت الأعضاء الأربعة، و علي ذلك يبتني ما تقدم من عدم صحة الذبح و النحر من غير المميز، كالمجنون و النائم.

الثاني: أن يكون الذبح أو النحر بالحديد فلا يصح بغيره و إن كان من الفلزات الصلبة، كالنحاس و الذهب و الفضة. هذا مع تيسر الحديد، أما مع تعذره فيجوز الذبح بكل ما يفري الأوداج، كالفلزات الأخري و الزجاج و العظم و الخشب و غيرها. و كذا الحال في النحر.

(مسألة 90): يكفي في جواز الذبح بغير الحديد تعذر الحديد حين إرادة الذبح، و لا يشترط الاضطرار للذبح للحاجة للحم أو لخوف موت الحيوان.

(مسألة 91): يذكر بعض أهل الخبرة إن الستيل حديد مصفي مشتمل علي خليط من مواد اخري. كما يذكرون أيضا أن الحديد المتعارف مشتمل علي مواد اخري. و حينئذ إذا كانت نسبة الخليط في الستيل تقارب نسبة الخليط في الحديد المتعارف فلا بأس بالذبح به و لعل ذلك هو الغالب من أنواع الستيل.

(مسألة 92): الذبح بالسن و الظفر- عند تعذر الذبح بالحديد- إن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 215

بإمرار أحدهما علي الأعضاء نظير إمرار السكين فالظاهر جوازه، و إن كان بنحو القرض- كما لو قطعت الأعضاء بالعض أو بجمع الظفرين عليها- أشكل جوازه، لما سبق في الفصل الثالث من الإشكال في قطع الأعضاء بنحو القرض.

نعم مع الاضطرار لعدم تيسر الذبح إلا بهذا الوجه و خوف موت الحيوان فلا بأس

به، كما تقدم.

الثالث: الاستقبال بالذبيحة بأن توجه للقبلة بمقاديمها و مذبحها، فإن ذبحت نائمة وجهت إلي القبلة معترضة، لكن لا تطرح علي قفاها، بل تضجع علي جانبها الأيمن- بأن يكون رأسها إلي يمين المستقبل، كهيئة الميت حال الدفن- أو علي جانبها الأيسر- بأن يكون رأسها إلي يسار المستقبل- ليكون مذبحها موجها للقبلة.

و إن ذبحت جالسة أو قائمة وجهت بصدرها إلي القبلة، كما هو الحال في الإبل حال النحر.

(مسألة 93): يجوز ذبح الحيوان معلقا من رجليه أو من رأسه. و يكون الاستقبال به بتوجيه صدره و بطنه إلي القبلة.

(مسألة 94): إذا لم يستقبل الذابح أو الناحر بالحيوان القبلة عالما عامدا لم يذكه الذبح و حرم أكله، و إن كان ناسيا أو جاهلا بوجوب الاستقبال ذكاه الذبح و حل أكله، و كذا إذا كان مخطئا في القبلة بأن وجهها لجهة اعتقد أنها القبلة فتبين الخلاف.

(مسألة 95): إذا جهلت القبلة و لم يتيسر معرفتها قريبا سقط اعتبار الاستقبال، و كذا إذا تعذر الاستقبال لاستصعاب الحيوان أو لخوف موته لو صرف الوقت في توجيهه للقبلة.

(مسألة 96): لا يشترط استقبال الذابح، و إن كان أحوط استحبابا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 216

الرابع: التسمية ممن يباشر الذبح أو النحر أو غيرهما مما يقوم مقامهما عند تعذرهما و لا تجزئ التسمية من غير الذابح، و أظهر في عدم الإجزاء التسمية في المسجل أو نحوه مما يحكي الصوت من دون ان ينطق بها إنسان.

(مسألة 97): لا بد من مقارنة التسمية عرفا للذبح أو النحر أو ما يقوم مقامهما، و لا تجزئ التسمية عند الشروع في المقدمات كسحب الحيوان و ربطه و إضجاعه.

(مسألة 98): إذا نسي المذكي التسمية حلت ذبيحته، بخلاف ما لو

تركها عمدا و لو بسبب الجهل باشتراطها، نظير ما تقدم في الصيد. و تقدمت هناك فروع أخري في التسمية تجري هنا.

(مسألة 99): يستحب عند الذبح الصلاة علي النبي و آله صلوات اللّه عليهم.

(مسألة 100): من نسي التسمية عند الذبح أو النحر استحب له التسمية متي ذكر، يقول: بسم اللّه علي أوله و علي آخره. و إن لم يفعل تأكد استحباب التسمية حين الأكل من لحم الحيوان المذبوح.

الخامس: حياة الحيوان حين الذبح علي النحو المتقدم في إدراك الذكاة في الصيد.

السادس: خروج الدم المعتدل علي النحو المتعارف عند ذبح ذلك الحيوان فإن خرج متثاقلا لم يذك و حرم أكله و إن علم بحياته حين الذبح.

السابع: حركة الذبيحة بعد الذبح و لو يسيرا، كما لو تحركت رجلها أو عينها.

(مسألة 101): لا يشترط في حل الذبيحة استقرار الحياة، بمعني أن يعيش مثلها اليوم و الأيام، بل يكفي في إدراك ذكاتها حياتها حين الذبح، كما سبق في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 217

الشرط الخامس. و علي هذا لو طرأ عليها ما من شأنه أن يقضي عليها- من جرح أو عقر أو كسر أو غير ذلك- و ذبحت بالشروط المتقدمة ذكيت و حلت، بل لو شقت بطنها و خرجت حشوتها ثم ذبحت حلت. و كذا إذا حصل ذلك مقارنا للذبح. نعم لو قطع رأسها و انفصل من فوق المذبح، ففي حل جسدها بقطع الأعضاء الأربعة بالشروط المتقدمة إشكال، و الأظهر العدم. و أما الرأس فلا إشكال في عدم حله بذلك. و كذا سائر الأعضاء المنفصلة قبل الذبح- كالرجل و الألية- فإنها لا تذكي و لا تحل بذبح الحيوان إذا كان بعد فصلها منه.

(مسألة 102): إذا تم ذبح الحيوان بشروطه المتقدمة

ثم حصل له قبل موته ما يوجب الموت- كما لو وقع في ماء أو نار أو سقط إلي الأرض من شاهق أو نحو ذلك- لم يمنع ذلك من تذكيته بالذبح و حل أكله، بخلاف الصيد فإنه لا يحكم بتذكية الحيوان به إلا أن يعلم استناد موت الحيوان إليه، كما تقدم. نعم يكره هنا أكل الحيوان، بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 103): إذا قطع من الحيوان شي ء بعد ذبحه قبل موته لم يحرم.

و إن كان الأولي ترك ذلك، لاحتمال كونه سببا لإيذائه. بل قيل بكراهة قطع شي ء منه قبل أن يبرد.

(مسألة 104): سلخ الذبيحة بعد إكمال ذبحها و قبل موتها لا يوجب حرمتها. نعم هو مكروه، بل قيل بكراهة سلخها قبل أن تبرد.

(مسألة 105): قد ذكر للذبح و النحر آداب، فيستحب في ذبح الغنم ربط يدي الحيوان و رجل واحدة، ثم يمسك صوفه أو شعره بعد ذبحه حتي يبرد.

و في ذبح البقر ربط اليدين و الرجلين و إطلاق الذنب، و في الإبل أن تنحر قائمة مع ربط يد واحدة، و الأولي أن تكون اليسري، فإن نحرت باركة ربطت يداها ما بين الخف إلي الركبة. و يستحب إرسال الطير بعد الذبح.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 218

(مسألة 106): يستحب أن يساق الحيوان للذبح برفق، و يعرض عليه الماء قبل الذبح. و أن تحدّ السكين و يسرع في الذبح ليكون أسهل. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن اللّه تعالي شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته».

(مسألة 107): تكره الذباحة ليلا، و كذا في نهار الجمعة إلي الزوال.

و أن يذبح الإنسان بيده ما ربّاه من النعم. و أن تذبح الشاة عند الشاة و الجزور عند الجزور، بل الأولي العموم، فلا يذبح الحيوان عند حيوان ينظر إليه و إن لم يكن من جنسه. كما يكره أن يري الحيوان السكين عند إرادة ذبحه.

(مسألة 108): إذا شك في التذكية حكم شرعا بعدمها إلا بحجة شرعية.

و قد تقدم في مبحث نجاسة الميتة أن يد المسلم حجة علي التذكية، و تقدم جملة من الفروع المتعلقة بذلك فلا نطيل بإعادتها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 219

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في حيوان البحر

(مسألة 109): لا يحل من حيوان البحر إلا ما له قشر. و المراد بالقشر الصدف الذي يكسو الحيوان و يمكن أن ينفصل عنه، كفلس السمك، و قشر الإربيان الذي يعرف في عصورنا بالروبيان و غيرهما. أما الصدف اللازم للحيوان الملتصق به- كصدف السلحفاة و السرطان و المحار- فلا يكفي في تحليله.

(مسألة 110): إذا شك في أن للحيوان قشر أو لا حرم أكله. نعم بعض السمك الذي له قشر كثيرا ما يحتك ببعض الأشياء فيسقط قشره، و لذا يبقي عليه شي ء من القشر في بعض المواضع التي لا يصلها الحك و يراها الفاحص بالتأمل. و قد تضمنت ذلك الأخبار في سمك أطلقت عليه اسم الكنعت. و أكده في زماننا بعض المستفتين. و عن بعضهم تأكيد ذلك في نوعين من السمك يطلق عليهما (الصافي) و (المزلق). و علي كل حال فما كان من هذا النوع من السمك حلال. و ينبغي التأكد منه.

(مسألة 111): إذا أخبر من عنده السمك بأن لذلك السمك قشر، أو أنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 220

من النوع الذي له قشر أخذ بقوله إذا لم يكن متهما.

(مسألة 112): لا يجوز بيع السمك المحرم الأكل علي من يستحله أو علي من يبيعه ممن يستحله، إلا أن يكون له منفعة محللة معتد بها غير الأكل، و قد سبقت بعض الفروع المناسبة بذلك في مبحث المكاسب المحرمة.

(مسألة 113): إذا ابتلعت الحية سمكة ثم ألقتها و قد تسلخت فلوسها فالأحوط وجوبا عدم أكلها. أما إذا لم تتسلخ فلوسها فيحل أكلها إذا كانت ذكية، أو ذكيت بعد ذلك بأن أخذت و هي حية.

(مسألة 114): بيض السمك تابع للسمك الذي يكون فيه، فإن كان محرما حرم

بيضه، و إن كان حلالا حل بيضه. و إذا اشتبه حال البيض، و شك في أنه من السمك الحلال أو الحرام حرم أكله.

الفصل الثاني في حيوان البر

(مسألة 115): يحرم أكل لحم الإنسان.

(مسألة 116): يحرم من حيوان البر كل ذي ناب، و كل سبع و إن لم يكن له ناب. و المراد بالسبع ما يفترس الحيوان، و يأكل اللحم قويا كان كالأسد و النمر و الذئب، أو ضعيفا كالضبع و الثعلب و السنور.

(مسألة 117): يحرم من الحيوان المسوخ. و قد ورد في الكتاب المجيد و الأخبار الكثيرة أن اللّه تعالي مسخ جماعات من الناس قد عتوا و تمرّدوا علي صور بعض الحيوانات. كما ورد أن المسوخ قد هلكت و لم تتناسل، و أن التحريم إنما هو لما مثلت به من الحيوان. و قد عدّ منها من حيوان البر غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 221

السباع: الخنزير و القرد و الفيل و الدب و الأرنب و الضب و الفأرة و العقرب و الوزغ.

(مسألة 118): يحرم أكل الحشرات كالخنافس و الديدان و النمل و القمل و غيرها.

(مسألة 119): يحرم كلما يسكن باطن الأرض من صغار الحيوانات كالقنفذ و ابن عرس و الجرذ و اليربوع و الحية و غيرها.

(مسألة 120): يحل لحم النعم الثلاثة: الإبل- العراب و هي ذات السنام الواحد، و البخاتي و هي ذات السنامين- و البقر- و منه الجاموس- و الغنم الضأن و المعز.

(مسألة 121): يحل لحم الخيل و البغال و الحمير، علي كراهة في الجميع و تشتد في الأخيرين.

(مسألة 122): يحل من الحيوان الوحشي البقر و الكباش الجبلية و الحمر كحمار الزرد- و الظباء و اليحامير- التي هي نوع من الأيل- بل جميع أنواع الأيل، و الوعل،

و ما يسانخ ذلك عرفا. و في اختصاص الحل بذلك إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 222

الفصل الثالث في الطير

(مسألة 123): يحرم السبع من الطير، و هو ما يفترس، و يأكل اللحم، كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق و النسر و الحدأة و غيرها. و ليس منه طير الماء الذي يأكل السمك.

(مسألة 124): يحرم من الطير ما يغلب في طيرانه الصفيف، و يحل منه ما يغلب في طيرانه الدفيف و الخفوق.

(مسألة 125): إذا لم يعلم كيفية طيران الطير أو شاع في طيرانه الصفيف و الدفيف معا، فإن لم يكن له حوصلة و لا قانصة و لا صيصية فهو محرم الأكل.

و الظاهر أن الحوصلة مجمع الحب للطائر الذي يكون في آخر العنق، و القانصة هي العضلة الصلبة التي يهضم بها الطعام، فبعض الطيور له قانصة، و بعضها له معدة كمعدة الإنسان و كثير من الحيوانات. أما الصيصية فهي الشوكة التي خلف ساق الطائر خارجة عن الكف.

(مسألة 126): اللقلق و إن قيل أن له حوصلة و قانصة و صيصية، إلا أن الظاهر حرمته، لأن الغالب في طيرانه الصفيف.

(مسألة 127): يحرم من الطير الخفاش- و منه الوطواط- و الطاوس، و الغراب بجميع أنواعه.

(مسألة 128): يحرم من الطير ما كان من سنخ الحشرات كالزنبور و النحل و الذباب و نحوها، و لا يحل من هذا السنخ إلا الجراد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 223

الفصل الرابع فيما يحرم بالعرض

و هو أمور.

الأول: الجلال، و هو الذي يتغذي علي عذرة الإنسان لا يختلط معها غيرها. أما إذا كان يختلط معها غيرها فليس هو من الجلال المحرم، إلا أن يكون ذلك نادرا لا يعتد به عرفا بحيث لا يمنع من صدق أن غذاءه العذرة، فيحرم. كما لا بد في صدق الجلال من تغذيه بالعذرة مدة معتدا بها عرفا، بحيث يصدق عرفا

أن غذاءه العذرة. و لا يفرق في ذلك بين أنواع الحيوان حتي السمك.

(مسألة 129): يرتفع الجلل و التحريم عن الحيوان باستبرائه و منعه عن العذرة مدة معتدا بها. و قد تقدم في العاشر من المطهرات من مباحث الطهارة من الخبث تحديد مدة الاستبراء، فلا نطيل بإعادته. نعم لم يتقدم منا التعرض لاستبراء السمك. و الظاهر أنه يكفي فيه منعه من العذرة و تغذيته بغيرها يوما و ليلة.

(مسألة 130): الأحوط وجوبا حرمة نسل الجلال المتكون منه قبل الاستبراء و عدم حله بالاستبراء.

الثاني: الجدي الذي يرتضع من لبن خنزيرة مدة معتد بها. و الأحوط وجوبا عموم التحريم لغير الجدي من الحيوانات التي ترتضع من لبن الخنزيرة.

كما أن الأحوط وجوبا العموم لشرب اللبن من غير ارتضاع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 224

(مسألة 131): لا يلحق بالخنزيرة غيرها من الحيوانات النجسة كالكلبة و الكافرة التي قيل بنجاستها.

(مسألة 132): يستبرأ الحيوان المذكور بحبسه عن الخنزيرة، و إرضاعه من حيوان من سنخه سبعة أيام. و إن كان استغني عن الرضاع و اللبن يعلف علفا طاهرا سبعة أيام أيضا.

(مسألة 133): كما يحرم الحيوان المذكور يحرم نسله المتكون من منيه قبل أن يستبرأ، و لا يحل النسل حينئذ بالاستبراء. و أما إذا كان المرتضع أنثي ففي حرمة حملها الذي تعلق به قبل الاستبراء إشكال. و إن كان أحوط وجوبا.

الثالث: البهيمة التي يطؤها الرجل، قبلا أو دبرا و الأحوط وجوبا العموم في الواطئ لكل ذكر و إن كان صبيا، و في الموطوء لكل حيوان ذكرا كان أو أنثي مأكولا أو غيره حتي الطير. بل العموم لنسل الموطوء، فيحرم أيضا.

(مسألة 134): إذا كان الحيوان ميتا مذكي حلال اللحم لم يحرم بالوطء، و لا تجري

عليه الأحكام الأخري للموطوء. كما لا تجري الأحكام المذكورة إذا كان الميت حرام اللحم أو غير مذكي.

(مسألة 135): ما يحرم لكونه موطوءا أو نسلا لموطوء ليس له استبراء يحلله.

(مسألة 136): إذا كان الموطوء مما يطلب لحمه ذبح، فإن مات أحرق.

و إذا كان الواطئ غير المالك اغرم قيمته للمالك.

(مسألة 137): إذا كان الحيوان الموطوء مما يطلب ظهره للركوب و لا يطلب لحمه- كالحمار- اخرج إلي مدينة أخري لا يعرف فيها الواطئ، فيباع هناك. و حينئذ إن كان الواطئ غير المالك اغرم قيمته للمالك في المدينة التي وطئ فيها، و تحمل هو نفقة إخراجه و أخذ هو ثمنه بعد بيعه في المدينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 225

الأخري. و إن كان الواطئ هو المالك تحمل هو نفقة الإخراج و كان له الثمن بعد البيع. و الأحوط وجوبا جريان ذلك فيما يحرم أكل لحمه و لا يطلب ظهره للركوب.

(مسألة 138): إذا اشتبه الموطوء بغيره فيما يؤكل لحمه و يطلب أخرج بالقرعة.

(مسألة 139): إذا شرب الحيوان الذي هو حلال اللحم خمرا لم يحرم لحمه، بل يؤكل بعد أن يغسل علي الأحوط استحبابا. نعم إذا سكر فذبح حال سكره فالأحوط وجوبا عدم أكل ما في بطنه من القلب و الكبد و الكرش و غيرها. أما لو شرب بولا أو غيره من المائعات أو أكل نجسا فذبح فإنه يؤكل ما في بطنه بعد غسله و تطهيره من النجاسة مع بقاء عينها و عدم تحللها.

الرابع: الميتة، فإن الحيوان المحلل الأكل إنما يحل بالتذكية، أما إذا صار ميتة- بأن مات من دون تذكيته- فإنه يحرم مطلقا و ينجس إذا كان له نفس سائلة.

(مسألة 140): بحكم الميتة ما يقطع من الحيوان الحي، علي

تفصيل تقدم في مبحث نجاسة الميتة من مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 141): يستثني من نجاسة الميتة ما لا تحله الحياة منها، فهو طاهر و حلال إذا كان مما يؤكل أو يشرب كالبيضة و الأنفحة و اللبن، علي ما تقدم تفصيل الكلام في مبحث نجاسة الميتة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 226

الفصل الخامس في الجامد

(مسألة 142): البيض و الأنفحة تابعان للحيوان الذي يتكونان فيه، فما كان من الحيوان المحرم الأكل حرام، و ما كان من الحيوان المحلل الأكل حلال.

(مسألة 143): إذا اشتبه البيض بين ما يحل أكله و ما يحرم أكله أكل ما اختلف طرفاه و ترك ما تساوي طرفاه. هذا إذا كان المحتمل هو الحرمة بالأصل. أما إذا كان المحتمل الحرمة بالعرض- كالجلل- فمع الشك في حال البيض و الأنفحة يحكم بحليته إلا مع العلم الإجمالي بوجود الحرام فيه فيجتنب الكل. أما الإنفحة فإنها الاشتباه محكومة بالحل، إلا مع العلم الإجمالي بوجود الحرام فيحرم الكل.

(مسألة 144): يحرم من الذبيحة التي يحل أكلها الفرث و الدم و القضيب و الأنثيان و الغدد و الطحال. و الأحوط وجوبا اجتناب الرحم و الحياء- و هو فرج الأنثي- و العلباء- و هي العصبتان خلف الرقبة- و النخاع- و هو المخ الأبيض المستطيل في فقار الظهر- و المثانة و المرارة. و الأحوط استحبابا اجتناب الحدق و الخرز التي في الدماغ. و يكره الكليتان و إذنا القلب.

(مسألة 145): لا فرق في تحريم الأمور المذكورة بين الحيوان الصغير و الكبير. نعم لا بد من أن يكون لها فيه وجود عرفي متميز ملتفت إليه، فلو كانت خفية مغفولا عنها لصغرها لم تحرم، كما في جملة من هذه الأمور الحيوانات الصغيرة، و كالغدد الدقيقة في

الحيوان الكبير.

(مسألة 146): لا تحرم هذه الأمور في السمك و نحوه مما لا يذكي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 227

بالذبح. نعم في جواز أكل أو شرب دم السمك إذا كان له وجود معتد به عرفا إشكال. و الأحوط وجوبا تركه. بل يحرم إذا كان مما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 147): يعفي عن الدم القليل المتخلف في العروق الدقيقة و نحوه مما يكون عرفا تابعا للحم و من شؤونه من دون أن يكون له وجود عرفي متميز.

(مسألة 148): تحرم الأعيان النجسة كالعذرة، و كذا المتنجسة إذا لم تطهر.

(مسألة 149): يحرم أكل الطين. و الأحوط وجوبا إلحاق التراب و الرمل و نحوهما مما هو من سنخ الأرض به. أما بقية المعادن فلا تحرم، إلا أن تكون سببا في ضرر يحرم إيقاعه بالنفس.

(مسألة 150): يستثني من حرمة أكل الطين طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنه يجوز أكله بنية الاستشفاء. و يقتصر علي القليل منه بما لا يزيد علي مقدار الحمصة. و في إلحاق طين قبور بقية المعصومين عليهم السّلام بها إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 151): يجوز الاستشفاء بالطين المأخوذ من مسافة ميل من قبر الحسين عليه السّلام من جميع الجوانب. و يجوز أكله لذلك. و أفضله ما يؤخذ من مربع سعته سبعون باعا في سبعين باعا يتوسطه القبر الشريف. يقارب مربعا سعته مائة و عشرون مترا في مائة و عشرين مترا. و أفضل ذلك ما يؤخذ من عند الرأس الشريف و إن صار متعذرا في زماننا.

هذا، و قد ورد في بعض الأخبار أنه يستشفي بما بينه و بين القبر الشريف أربعة أميال، و حيث لم تتم عندنا حجية الخبر المذكور فلا مجال للاستشفاء بذلك بأكله. نعم لا بأس

بالاستشفاء به برجاء الشفاء بوجه غير الأكل و لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 228

بوضعه في ماء حتي يستهلك ثم يشرب الماء.

(مسألة 152): الأحوط وجوبا الاجتناب عن المستقذرات من إفرازات الإنسان و الحيوان المحلل فضلا عن المحرم و إن لم تكن نجسة.

(مسألة 153): الظاهر جواز أكل المواد المحروقة، كالخبز و اللحم و غيرهما.

الفصل السادس في المائع

(مسألة 154): يحرم الخمر و كل مسكر، و إن كان جامدا. و تختص النجاسة بالمائع بالأصل، نعم يطهر و يحل إذا انقلب خلا، و قد تقدم تفصيل ذلك في مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 155): يحرم الفقاع و هو نجس، كما تقدم.

(مسألة 156): يحرم كل مائع نجس أو متنجس. و قد تقدم تحديد كل منهما في مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 157): يحرم العصير العنبي إذا غلا بالنار حتي يذهب ثلثاه، و هو الأحوط وجوبا في العصير و الزبيبي، و الأحوط استحبابا في العصير التمري و قد تقدمت بعض الفروع المتعلقة بذلك عند الكلام في نجاسة الخمر.

(مسألة 158): لا يحرم شي ء من أنواع العصير الباقية، و لا شي ء من المربيات إذا لم تكن مسكرة و إن شم منها رائحة المسكر.

(مسألة 159): اللبن تابع للحيوان الذي يتكون فيه، فيحرم ما كان من حيوان يحرم أكله، و يحل ما كان من حيوان يحل أكله. نعم لبن الإنسان حلال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 229

(مسألة 160): الأحوط وجوبا اجتناب الأبوال الطاهرة. نعم يجوز استعمالها للتداوي و إن لم يبلغ مرتبة الضرورة.

(مسألة 161): الظاهر حلية الريق من الحيوان المأكول اللحم. أما من الحيوان غير المأكول اللحم فالأحوط وجوبا اجتنابه إذا كان له وجود معتد به غير مستهلك. نعم يحل ريق الإنسان.

الفصل السابع في بعض الأحكام العامّة

(مسألة 162): يحرم أكل و شرب ما يكون مضرا ضررا يبلغ حد الخطر و الخوف علي الحياة، أو علي عرض الإنسان بحيث يلزم هتكه و وهنه. بل الأحوط وجوبا اجتناب ما يخشي معه من تعطيل إحدي القوي التي أنعم اللّه تعالي بها علي الإنسان، إلا لدفع ضرر مساو أو أهم.

(مسألة 163): العادات الضارة- كالتدخين و الأفيون- لا تحرم إلا

أن يبلغ احتمال الضرر حدا يصدق معه الخوف من الضرر المحرم بسبب استعمال الشي ء، و لا تحرم بدون ذلك، كما إذا كانت من سنخ المعد و المهيّئ للضرر بحيث لا يترتب عليه الضرر إلا بضميمة أمور غير معلومة الحصول كطول العمر و حدوث بعض المضاعفات في البدن و غير ذلك. نعم إذا كان من شأن تلك العادة الاستحكام بنحو لا يتخلي صاحبها عنها عادة و كان من شأنها أن تجر للمهالك أو الفضائح فالظاهر حرمة الإقدام عليها. كما لا يحسن بالإنسان العاقل أن يخضح نفسه لعادة تسيطر عليه و تستعبده و إن لم تكن ضارة بنفسها.

(مسألة 164): إذا انحصر الدواء بأكل ما هو حرام حل بمقدار الحاجة و إن لم يضطر للتداوي من المرض لعدم كونه مهلكا. إلا في المسكر و لحم الخنزير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 230

و شحمه و غيرهما من أجزائه، فإنه لا يجوز التداوي بها حينئذ. نعم مع توقف الحياة عليه فالظاهر جوازه. و يلزم حينئذ التأكد من ذلك.

(مسألة 165): الأحوط وجوبا عدم الاكتحال بالمسكر، إلا مع الاضطرار، لتوقف شفاء العين عليه.

(مسألة 166): يجوز للمضطر بل يجب تناول المحرم بقدر ما يمسك رمقه. و يستثني من ذلك الباغي و العادي فلا يجوز لهما تناول المحرم و إن لزم التلف. نعم لو تابا و عزما علي عدم العود لما هما فيه حل لهما بل وجب عليهما تناول ما يسد الرمق.

(مسألة 167): الباغي هو الخارج علي الإمام الحق، و الذي يخرج للصيد بطرا و لهوا، لا لأجل الأكل أو التجارة. و العادي هو قاطع الطريق و الذي يخرج لأجل السرقة ممن يحرم السرقة منه. و في شموله لبقية وجوه العدوان علي الغير

بوجه محرم- كالذي يخرج لقتل محترم الدم أو هتك عرض محترم العرض- إشكال.

(مسألة 168): إنما يحرم سد الرمق علي الباغي و العادي إذا كان البغي و العدوان هما منشأ الاضطرار للحرام، أما إذا كان منشأ الاضطرار عاما حتي في حال عدم البغي و العدوان فالظاهر عدم حرمة سد الرمق علي الباغي و العادي، كما في وقت المجاعة العامة.

(مسألة 169): يحرم الأكل و الشرب و كل تصرف في مال من هو محترم المال إلا بإذنه أو بإحراز رضاه بالتصرف المذكور. و يستثني من ذلك من تضمّنته الآية (61) من سورة النور، و هم الآباء و الأمهات و الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات و من يتوكل عن المالك علي بيته فيدفع إليه مفتاحه و الصديق. و يلحق بهم الزوجة و الولد. فيجوز الأكل من بيوتهم مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 231

عدم إحراز الرضا. نعم يشكل الأكل مع الظن بعدم الرضا، فضلا عن العلم.

و كذا مع عدم إحراز رضا صاحب البيت بالدخول فيه.

(مسألة 170): يقتصر في الأكل علي الطعام- كالخبز- و الإدام- كاللحم المطبوخ- و التمر، دون غير ذلك كالحلوي و المربيات و نحوها مما يؤكل بنفسه من دون أن يكون إداما، فإنه لا يجوز أكلها إلا مع العلم برضا صاحبها.

(مسألة 171): يستثني من عدم جواز الأكل من مال الغير أكل الإنسان من ثمرة النخل و الشجر و الزرع التي يمر بها. علي ما تقدم في آخر الكلام في بيع الثمار و الزرع و الخضر من كتاب البيع.

(مسألة 172): يحرم أكل الإنسان من طعام لم يدع إليه، و في الحديث:

«من أكل طعاما لم يدع إليه فإنما أكل قطعة من النار»،

كما أن من دعي إلي طعام حرم عليه أن يأخذ ولده معه. نعم يحل الأمران مع العلم برضا صاحب الطعام أو قيامه بما يكون قرينة عرفا علي رضاه بذلك.

(مسألة 173): يحرم الجلوس علي مائدة يشرب عليها الخمر، كما يحرم الأكل منها. نعم يختص ذلك بحال شرب الخمر و لا يعم ما قبل ذلك و إن تهيأ صاحبها لأن يسقي الخمر عليها، كما لا يعم الطعام المجعول عليها بعد شرب الخمر. هذا كله مع قطع النظر عن النهي عن المنكر، أما إذا لزم من الجلوس عليها التشجيع علي المنكر أو كان في القيام منها نهيا عنه حرم الجلوس مطلقا، بل قد يحرم حينئذ الدخول للدار أو مواصلة صاحبها، أو غير ذلك حسب اختلاف المقامات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 232

الفصل الثامن في آداب المائدة

و اللازم- قبل النظر فيها- الاهتمام بطيب المكسب و حل الطعام و تجنب الحرام، ففي الحديث أن من أدخله بطنه النار فبعدا له. مضافا إلي ما في ذلك من سوء الأثر في النفس و في السلوك. بل عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«كسب الحرام يبين في الذرية».

إذا عرفت هذا، فلندخل فيما عقد له هذا الفصل.

(مسألة 174): يستحب الاقتصاد في الأكل و يكره الإسراف و الإفراط فيه، و الامتلاء من الطعام. قال اللّه تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا خفّ بطنه، و أبغض ما يكون العبد من اللّه إذا امتلأ بطنه»، و عنه عليه السّلام قال: «ليس بدّ لابن آدم من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاما فليجعل ثلث بطنه للطعام

و ثلث بطنه للشراب و ثلث بطنه للنفس، و لا تسمنوا تسمّن الخنازير للذبح»، و في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السّلام: «لا تجلس علي الطعام إلا و أنت جائع و لا تقم عن الطعام إلا و أنت تشتهيه و جوّد المضغ.».

(مسألة 175): تستحب غسل اليدين قبل الطعام و بعده، و الاستلقاء بعده و وضع الرجل اليمني علي اليسري حين الاستلقاء.

(مسألة 176): يستحب التسمية قبل الطعام و التحميد بعده، بل يستحب التحميد قبله أيضا و في أثنائه. و من نسي التسمية في أول الطعام أتي بها متي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 233

ذكر يقول: «بسم اللّه علي أوله و آخره».

(مسألة 177): يستحب الأكل و الشرب باليمني و يكره باليسري، إلا في العنب و الرمان فيؤكلان باليدين معا.

(مسألة 178): يستحب البدء بالملح و الختم به، أو البدء بالخل و الختم به، أو البدء بالملح و الختم بالخل. و الأول أفضل.

(مسألة 179): يستحب استقصاء الطعام عند الأكل تكريما له و عدم ترك شي ء منه و إن قلّ، و ذلك بأمور.

الأول: مص الأصابع، ففي الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «فمن مص أصابعه التي أكل بها قال اللّه عز و جل: بارك اللّه فيك»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام:

«إني لألحس أصابعي من المأدوم حتي أخاف أن يري خادمي أن ذلك من الجشع».

الثاني: لطع الإناء، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يلطع القصعة و يقول: من لطع القصعة فكأنما تصدق بثمنها».

الثالث: استقصاء الفاكهة من قشرها، و عدم رمي القشر و فيه شي ء منها.

الرابع: تتبع ما يسقط من الطعام في المنزل مهما

كان قليلا، فقد أكدت الأخبار علي ذلك، و أنه شفاء من كل داء، و أنه ينفي الفقر عمن أكله و من ولده و ولد ولده إلي السابع، و أنه يكثر الولد، و أنه مهور الحور العين. و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه كان يتتبع من الطعام الذي يسقط من الخوان مثل السمسمة فيأكله، و عنه عليه السّلام أنه قال: «إني لأجد الشي ء اليسير يقع من الخوان فأعيده فيضحك الخادم».

بل اللازم احترام الطعام و تكريمه كأدب عام لا يختص بالمائدة، فعن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 234

النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من وجد تمرة أو كسرة ملقاة فأكلها لم تستقر في جوفه حتي يغفر اللّه له». و في بعض الأخبار أنه تجب له بذلك الجنة. و عنه صلّي اللّه عليه و آله:

«من وجد كسرة فأكلها كان له حسنة، و من وجدها في قذر فغسلها ثم رفعها كان له سبعون حسنة». و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي عائشة فرأي كسرة كاد أن يطأها فأخذها و أكلها، و قال: يا حميراء أكرمي جوار نعم اللّه عليك، فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم».

و مما يؤسف له تسامح الناس في ذلك كثيرا، خصوصا أهل النعم منهم، بطرا و أشرا و كفرا بنعمة اللّه تعالي و استهوانا بها، و أمنا من مكر اللّه تعالي و من تغييره ما بهم من نعمة. فما أكثر ما القي منها في الطرق و المزابل، و ما أكثر ما استهين بها بصورة تقشعر لها الأبدان، و إنا للّه و إنا إليه راجعون، و نعوذ به من حلول سخطه

و تحويل عافيته و سلب نعمته.

(مسألة 180): يستحب تخليل الأسنان بعد الطعام بالعيدان لإخراج ما تبقي فيها، و قد ورد التأكيد عليه في الأخبار و أنه مصلحة للثة و مجلبة للرزق، و أن تركه يوجب تغير رائحة الفم فيتأذي بذلك الملك. و يجوز التخلل بكل عود. لكن يكره بعود الريحان و الرمان و القصب و الخوص و الآس و الطرفاء.

(مسألة 181): يستحب أكل بقايا الطعام في الفم مما يناله اللسان، و إلقاء ما أخرجه الخلال منه و يكره أكله.

و هناك آداب و مستحبات كثيرة للمائدة و للطعام لا يسع المقام استقصاءها، فلتطلب من المطولات.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و له الحمد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 235

كتاب الميراث

اشارة

و هو ما حصله الإنسان بجدة أو جمعه بكده و أتعب فيه بدنه و أجهد فيه نفسه، و ربما يكون قد أغمض في مطالبه لا يهمه أن حصله من حلال أو حرام، سالكا في ذلك طرق الشبهات و الآثام، أو يكون قد بخل به علي نفسه، فلم ينتفع به في دنياه و لا في آخرته، ثم يتركه لمن بعده- بعد أن تحمل تبعته- يأكلونه و يتنعمون به، فيكون المهنأ لغيره و الوزر علي ظهره.

فعلي العاقل الرشيد الاهتمام بأمرين.

الأول: طيب المكسب و حل المال الذي يتركه، و أداء حق اللّه تعالي فيه، و الخروج عن تبعاته، و اكتساب ما يتيسر له من الحسنات به، و لا يبخل علي نفسه بماله، فإنه ليس له من ماله إلا ما قدم.

الثاني: أن يكون ورثته أهلا للإحسان لحاجتهم و تدينهم و حسن تصرفهم فلا يضيع المال فيهم، بل يؤجر علي تركه لهم و تعففهم به عما عند الناس، و استغنائهم

بسببه عنهم. و نسأله تعالي التسديد و التوفيق و حسن العاقبة في الدنيا و الآخرة.

و يقع الكلام في كتاب الميراث في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 236

الفصل الأول في موجبات الإرث

و هي قسمان.

الأول: النسب، و له ثلاث مراتب، لا ترث المتأخرة شيئا مع ميراث السابقة و إن بقي منها واحد، إلا أن تنعدم السابقة أو تكون ممنوعة من الميراث لأحد موانع الإرث الآتية.

الاولي: الأب و الام- دون الأجداد و الجدات- و الأولاد و إن نزلوا ذكورا و إناثا.

الثانية: الأجداد و الجدات و إن علوا- كآباء الأجداد و أجدادهم- و الإخوة و الأخوات، و يلحق بهم أولادهم و إن نزلوا، كأولاد أولادهم، و أولاد أولاد أولادهم.

الثالثة: الأعمام و الأخوال و إن علوا، كأعمام الآباء و الأمهات و أخوالهم، و أعمام الأجداد و الجدات و أخوالهم، و يلحق بهم أولادهم و إن نزلوا.

القسم الثاني: السبب. و هو الزوجية و الولاء. و للولاء مراتب ثلاث: لا ترث المتأخرة شيئا مع السابقة:

الأولي: ولاء العتق.

الثانية: ولاء ضمان الجريرة.

الثالثة: ولاء الإمامة. و جميعها متأخرة عن مراتب النسب. أما الزوجية فهي سبب للميراث مع جميع المراتب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 237

الفصل الثاني في موانع الإرث

و هي ثلاثة.

الأول: الكفر، فلا يرث الكافر المسلم، و يرث المسلم الكافر. من دون فرق في الكافر بين أقسامه و لا في المسلم بين المؤمن و المخالف.

(مسألة 1): لا يحجب الكافر المسلم، بل يحجب المسلم الكافر و إن كان الميت كافرا، سواء كان الوارث المسلم مساويا للوارث الكافر في الطبقة أم أبعد منه، فإذا مات مسلم أو كافر و له ولد كافر و ولد مسلم كان الميراث للمسلم دون الكافر، و كذا إذا كان له ولد كافر و أخ أو ابن أخ مسلم، فإن الميراث يكون للمسلم دون الكافر.

(مسألة 2): يستثني مما تقدم ما إذا كان الميت كافرا و له أولاد صغار و ورثة مسلمون أبعد منه طبقة، فإن

علي المسلمين أن ينفقوا من تركته علي أولاده الصغار حتي يكبروا فإن أسلموا كان لهم ميراث أبيهم، و إن لم يسلموا أخذ ورثته المسلمون بقية ميراثه. و إن أسلم أولاده و هم صغار دفعت التركة للحاكم الشرعي و أنفق عليهم منها حتي يكبروا، فإن بقوا علي الإسلام دفع إليهم ميراث أبيهم، و إن لم يبقوا عليه دفع ما تبقي من تركته لورثته المسلمين.

(مسألة 3): إذا انحصر الوارث المسلم للكافر بالإمام لم يحجب ورثته الكفار. و يستثني من ذلك ما إذا ارتد المسلم عن فطرة و كان له ورثة كفار و انحصر وارثه المسلم بالإمام، فإن ميراثه بسبب الارتداد لما اكتسبه قبل ارتداده يكون للإمام لا لورثته الكفار، أما ميراثه بالموت لما اكتسبه بعد ارتداده فإنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 238

يكون لورثته الكفار، دون الإمام. و كذا المرتد الملي فإن ميراثه بالموت لما ملكه حال إسلامه و بعد ارتداده يكون لورثته الكفار دون الإمام. و قد تقدم جملة من أحكام الارتداد في مبحث ما يحرم بالكفر من كتاب النكاح.

(مسألة 4): مع تعدد الوارث المسلم إذا أسلم الوارث الكافر قبل قسمة الميراث ورث، فإن كان هو أقرب ممن سبقه من المسلمين حاز الميراث كله دونهم، و إن كان في طبقتهم شاركهم في الميراث. و أما مع اتحاد الوارث المسلم فإن الميراث له، و إسلام الوارث الكافر لا يوجب ميراثه. نعم إذا لم يكن للميت وارث و كان ميراثه للإمام فإن الوارث الكافر إذا أسلم يحوز الميراث من الإمام ما دامت التركة موجودة و لم ينفقها الإمام، أما إذا أنفقها و خرجت عنه فلا شي ء للذي أسلم.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 238

(مسألة 5): إذا انحصر الوارث بالزوج فحيث يكون الميراث كله- كما يأتي في ميراث الأزواج- فهو بحكم الوارث الواحد الذي سبق أن إسلام الوارث الكافر لا يمنعه من الميراث و لا يستحق الكافر معه بإسلامه شيئا. أما إذا انحصر الوارث بالزوجة فحيث إنها لا تستحق إلا الربع و الباقي للإمام يجري حكم تعدد الوارث، فإن أسلم الوارث الكافر قبل قسمتها مع الإمام ورث، و إن أسلم بعد قسمتها مع الإمام لم يرث.

(مسألة 6): يلحق بالقسمة سائر وجوه تصفية الميراث المشترك، كما إذا وهب بعض الورثة حصته المشاعة للباقين، أو صالح عليها بمال أو أوقفها أو غير ذلك.

(مسألة 7): إذا أسلم الكافر بعد قسمة بعض التركة دون بعضها فالظاهر جريان حكم عدم القسمة، فيرث من الكل حتي ما قسم.

(مسألة 8): إذا قسم بعض الورثة و أخذ حصته و بقي باقي التركة مشاعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 239

بين الباقين فهو بحكم عدم القسمة، كما إذا ترك الميت ثلاثة إخوة فاتفقوا علي تعيين حصة أحدهم و بقي اثنان شريكين في باقي التركة فإن الوارث الكافر يختص بالميراث أو يشارك فيه بالإضافة إلي تمام التركة حتي الحصة التي اختص بها أحد الإخوة.

(مسألة 9): إذا تصرف الورثة بأجمعهم في عين التركة قبل القسمة تصرفا مخرجا عن الملك فإن كان بعوض جري علي العوض حكم التركة فإذا أسلم الوارث قبل قسمته ورث منه، و إذا أسلم بعد قسمته لم يرث. و إن كان التصرف من دون عوض- كالصدقة و الهبة- فالظاهر نفوذ التصرف منهم و عدم ضمانهم للعوض لو أسلم الوارث

الكافر. و كذا الحال في التصرف المتلف للعين كالأكل، فإنه لا ضمان معه. و يجري ذلك في تصرف بعضهم في حصته في المسألتين السابقتين، فإنه إن كان تصرفا بعوض جري علي العوض حكم الميراث في حق من يسلم، و إن كان تصرفا متلفا أو مخرجا عن الملك من غير عوض فلا ضمان علي المتصرف، و إنما يجري حكم الميراث في حق من أسلم علي الباقي من التركة لا غير.

(مسألة 10): إذا تصرف بعض الورثة في التركة تصرفا متلفا للعين أو ناقلا لها من دون رضا البقية، فإن كان الباقي واحدا كان التصرف المذكور بمنزلة القسمة، و إن كان الباقي متعددا لم تتم القسمة إلا أن يقسم الباقون حصصهم من التركة أو من عوضها.

(مسألة 11): المراد من المسلم و الكافر الوارث و الموروث ما يعم المسلم و الكافر تبعا كالطفل و المجنون المتصل جنونه بصغره اللذين يكفي في الحكم بإسلامهما انعقاد نطفتهما من أب مسلم، كما يكفي إسلام أبيهما أو من يكفلهما في الحكم بإسلامهما تبعا، كما تقدم في الثامن من المطهرات، من مباحث الطهارة من الخبث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 240

الثاني من موانع الإرث: القتل، فلا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله بلا حق و إن كان خطا، أما إذا كان بحق فهو يرثه، كما لو كان قصاصا أو دفاعا أو لهدر دمه بمثل سبه للّه تعالي أو النبي صلّي اللّه عليه و آله أو غير ذلك.

(مسألة 12): لا فرق في القتل بين القتل بالمباشرة، كما لو رماه بطلقة فمات، و التسبيب، كما لو كتفه و ألقاه للأسد فافترسه.

(مسألة 13): لو أمر غيره بقتل رجل فامتثل أمره و قتله فعل حراما، إلا

أنه لا يكون قاتلا، و لا يمنع ذلك من ميراثه من المقتول.

(مسألة 14): إذا اشترك جماعة في قتل واحد حرموا كلهم من إرثه.

(مسألة 15): القاتل كما لا يرث من المقتول لا يحجب غيره عن ميراثه ممن هو أبعد منه و إن كان متقربا به، فإذا قتل الأب ولده فإن كانت له أم و أولاد كان ميراثه لهم، و إلا كان ميراثه للجد و الاخوان، ثم لمن بعدهم من طبقات الورثة. و إذا قتل الولد أباه و لم يكن له أولاد غيره كان ميراثه لولد الولد مع وجوده، ثم لمن بعدهم من طبقات الورثة، و لو لم يكن له وارث غير القاتل إلا الإمام كان الميراث للإمام.

الثالث من موانع الإرث: الرق، فلا يرث العبد و إن انحصر به الميراث.

و حيث كان الابتلاء بذلك نادرا أو منعدما في زماننا فلا نطيل بذكر فروعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 241

الفصل الثالث في ميراث المرتبة الاولي

و هم الأب و الام و الأبناء كما تقدم.

(مسألة 16): للأب المنفرد تمام المال و كذا للأم المنفردة. و لو كان مع أحدهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع و الباقي لأحد الأبوين.

(مسألة 17): للولد المنفرد تمام المال، و كذا للبنت المنفردة. و لو كان مع أحدهما زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و الباقي للابن أو البنت. و لا ينتقل شي ء من الميراث للمراتب اللاحقة، لما سبق في الفصل الأول من أن المرتبة اللاحقة لا ترث مع إرث السابقة و إن بقي منها واحد.

(مسألة 18): إذا انفرد الأبوان بالميراث كان للأب الثلثان و للام الثلث، إلا أن يكون للميت إخوة، فيحجبون الام عما زاد عن السدس، و يكون الباقي للأب،

و ذلك بشروط.

الأول: أن يكونوا للأب أو للأبوين، فلا يحجب الإخوة للام وحدها.

الثاني: أن يكونوا أخوين فما زاد، أو ما هو بمنزلتهما، و هو الأخ و الأختان، أو أربع أخوات، فلا يحجب الأخ الواحد أو مع أخت واحدة، و لا ثلاث أخوات فما دون.

الثالث: أن يكونوا أحياء منفصلين بالولادة، لا حملا.

الرابع: أن لا يكونوا مماليك و لا كفرة، و في اشتراط أن لا يكونوا قاتلين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 242

للميت إشكال. و الأظهر عدم الاشتراط، بل يحجب القاتل. فإذا تمت هذه الشروط حجب الإخوة الأم عما زاد عن السدس هنا و في جميع صور وجود الأب. أما مع فقد الأب فلا يحجبونها.

(مسألة 19): إذا كان الوارث الأبوان مع زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للام الثلث أو السدس- علي التفصيل المتقدم في المسألة السابقة- و الباقي للأب.

(مسألة 20): إذا تعدد الأبناء الذكور و اختص الميراث بهم كان المال بينهم بالسوية، و كذا إذا تعددت البنات و اختص الميراث بهن. و إذا كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و كان الباقي بين الأبناء أو البنات بالسوية.

(مسألة 21): إذا اجتمع الأبناء الذكور و الإناث و انحصر الميراث بهم كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. و إذا كان معهم زوج أو زوجة، كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و الباقي بين الأبناء و البنات للذكر مثل حظ الأنثيين.

(مسألة 22): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع ابن واحد أو أبناء متعددين كان لأحد الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

و لو كان هناك أيضا زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و

لأحد الأبوين السدس و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

(مسألة 23): إذا ترك الميت أبوين مع ابن واحد أو أبناء متعددين كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

و لو كان هناك أيضا زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

(مسألة 24): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع بنت واحدة كان لأحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 243

الأبوين الربع و للبنت الباقي. و لو كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج الربع، و للزوجة الثمن، و الباقي بين أحد الأبوين و البنت، لأحد الأبوين ربعه و للبنت ثلاثة أرباعه.

(مسألة 25): إذا ترك الميت أبوين مع بنت واحدة كان لكل واحد من الأبوين خمس، و للبنت ثلاثة أخماس. و لو كان معهم زوج كان له الربع، و لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للبنت. أما لو كان معهم زوجة فإنه يكون لها الثمن، و الباقي يقسم أخماسا، لكل واحد من الأبوين خمسه، و للبنت ثلاثة أخماسه.

(مسألة 26): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع بنتين أو أكثر كان لأحد الأبوين الخمس، و الباقي للبنات تقسم بينهن بالسوية. فإن كان معهم زوج كان له الربع، و لأحد الأبوين السدس، و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية، أما لو كان معهم زوجة فلها الثمن، و الباقي بين أحد الأبوين و البنات، لأحد الأبوين خمسه و للبنات أربعة أخماسه، تقسم بينهن بالسوية أيضا.

(مسألة 27): إذا ترك الميت أبوين مع بنتين أو أكثر كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية. فإن كان معهم

زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و لكل واحد من الأبوين السدس و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية أيضا.

(مسألة 28): إذا ترك الميت أحد الأبوين أو كليهما مع ابن واحد أو أكثر أو بنت واحدة أو أكثر كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و لكل واحد من الأبوين السدس و الباقي للأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين أيضا.

(مسألة 29): أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند عدمهم، و يحجبون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 244

المرتبة الثانية- و هي الأجداد و الإخوان- و يأخذ كل فريق منهم نصيب من يتقرب به، فأولاد الابن يأخذون نصيب أبيهم، و أولاد البنت يأخذون نصيب أمهم، و ذلك بأن يفرض من يتقربون به موجودا، فما يستحقه من الميراث يستحقه المتقربون به، فإذا كان للميت أولاد كثيرون قد توفوا في حياته و لم يعقب عقبا باقيا إلا بعضهم فرض ذلك البعض موجودا وحده حين وفاته فما يستحقه من الميراث يستحقه عقبه، دون غيرهم من ورثته، كالزوج و الزوجة.

(مسألة 30): لا يتوقف ميراث أولاد الأولاد علي فقد الأبوين، بل يرثون معهما و يحجبونهما عما زاد علي السدس، كما أنهم يحجبون الزوجين عن نصيبهما الأعلي و هو النصف و الربع، و ينزلونهما إلي النصيب الأدني و هو الربع و الثمن.

(مسألة 31): إنما يرث أولاد الأولاد إذا لم يكن للميت ولد للصلب، و إلا حجبهم و كان الميراث له دونهم و إن كان واحدا و أنثي، لأنه أقرب منهم للميت من حيثية البنوة.

(مسألة 32): أولاد أولاد الأولاد مهما نزلوا يقومون مقام آبائهم، طبقة

بعد طبقة، فترث الطبقة اللاحقة عند فقد الطبقة السابقة، و لا ترث مع وجودها و إن كان الموجود واحدا و أنثي- لأنها أقرب منها للميت.

(مسألة 33): يقتسم أولاد كل ولد مع تعددهم نصيب أبيهم أو أمهم بينهم، فإن اتحدوا جنسا كان بينهم بالسوية، و إن اختلفوا كان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

(مسألة 34): يختص الولد الذكر الأكبر بالحبوة، و هي مصحف أبيه الميت و خاتمه و سيفه و ثيابه. و يستحب لبقية الورثة أن يعطوه بقية أقسام السلاح الذي للميت و كتب العلم التي اتخذها للانتفاع و الراحلة- و هي البعير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 245

الذي كان الميت يتخذه لسفره- و الرحل، و هو ما يجعل علي ظهر البعير حين الركوب، بل الأحوط استحبابا العموم لكل ما يختص الميت به من الأثاث، خصوصا ما يختص به في سفره.

(مسألة 35): لا يشترط في استحقاق الولد الأكبر للحبوة أن يكون بالغا و لا رشيدا، فيستحقها الصبي، بل الحمل، السفيه، بل المجنون.

(مسألة 36): لا يشترط في استحقاق الحبوة أن يترك الميت غيرها مما يكون لبقية الورثة، فلو انحصرت التركة بها كانت للولد الأكبر و لم يستحق غيره شيئا.

(مسألة 37): لا يبتني استحقاقه للحبوة علي تعويضه للورثة ما يقابلها من التركة، بل يستحقها بتمامها من أصل التركة، زائدا علي حصته من غيرها.

نعم هي متأخرة عن الدين المستوعب للتركة، فإذا أرادها كان عليه أن يؤدي ما يقابلها من الدين. و لو كان الدين مستوعبا لبقية التركة و لبعض الحبوة كان مقدما عليها و كان علي المحبو أن يفي ما يقابل ذلك البعض من الدين، فإذا كان مجموع التركة ثلاثين، و ما يقابل الحبوة منها عشرة، و كان الدين

خمسة و عشرين لحق الحبوة خمسة من الدين، فإذا وفاها استقل بالحبوة. أما إذا كان الدين ينقص عن مقدار الحبوة من التركة فلا يلحق الحبوة منه شي ء و وجب وفاؤه من غيرها. نعم إذا امتنع الورثة من الوفاء لم يستقل بالحبوة إلا بعد وفائه.

فإن وفاه فالظاهر عدم جواز رجوعه علي الورثة، و إن أرجع للحاكم الشرعي كان له ترخيصه في الوفاء بنية الرجوع عليهم فله الرجوع حينئذ، و يجري هذا في واجبات التجهيز التي تخرج من أصل التركة، فإنها تخرج مما عدا الحبوة مع وفائه بها، و لا تخرج من الحبوة إلا مع عدم وفاء ما عدا الحبوة بها.

(مسألة 38): في جواز الوصية بأعيان الحبوة لغير الولد الأكبر إشكال،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 246

فاللازم الاحتياط بعدم الوصية بها لغيره، أو بإمضاء الولد الأكبر للوصية المذكورة، أو بالتصالح بين الولد الأكبر و الموصي له بها. و يجري ذلك في الوصية بثلث جميع التركة بنحو يشملها، فيجري الاحتياط المذكور بالإضافة إلي ثلث الحبوة.

(مسألة 39): إذا كانت أعيان الحبوة مرهونة علي دين في ذمة الميت وجب علي الورثة وفاء الدين من غير الحبوة مع سعته لوفائه كسائر الديون.

لكن ذلك لا يوجب حقا للمحبو عليهم بحيث له إلزامهم به أو يكون له الوفاء عنهم و الرجوع عليهم. أما إذا كان الدين في ذمة غير الميت فيقوم المحبو مقام الميت حسب اتفاقه مع المدين الذي سلطه علي رهن الأعيان المذكورة.

(مسألة 40): الظاهر دخول القلنسوة و الجورب و النعل في الحبوة، لتبعيتها للثياب. و كذا غمد السيف لتبعيته للسيف.

(مسألة 41): المراد بالثياب هي التي كان الميت يلبسها معدا لها للبس، دون ما أعده للبس و لم يلبسه أو لبسه

صدفة من دون إعداد للبس، أو لبسه ثم أعرض عنه و تركه، فضلا عما اتخذه للادخار أو التجارة، و كذا الحال في الخاتم.

(مسألة 42): المراد بالمصحف هو المصحف الذي كان الميت يقرأ فيه معدا له لذلك، علي نحو ما تقدم في الثياب. و المراد بالسيف هو الذي اتخذه لنفسه ليقاتل به.

(مسألة 43): إذا تعدد المصحف أو الخاتم أو السيف كان الجميع حبوة.

(مسألة 44): المراد بالولد الأكبر هو الأسبق ولادة لا علوقا.

(مسألة 45): إذا تعدد الولد الأكبر للميت بأن ولد له أكثر من واحد في وقت واحد. فالظاهر اشتراكهم في الحبوة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 247

(مسألة 46): تختص الحبوة بولد الصلب، و لا يستحقها الأكبر من أولاد الأولاد، و لا من أولاد الولد الأكبر.

(مسألة 47): قيل: يستحب لكل من الأبوين الوارثين لولدهما إطعام الجد و الجدة المتقرب به سدس الأصل إذا زاد نصيبه عن السدس.

الفصل الرابع في ميراث المرتبة الثانية

و هي الإخوة و الأجداد. و قد سبق أنها لا ترث مع المرتبة السابقة، و إنما ترث مع فقدها.

(مسألة 48): إذا ترك الميت أخا واحدا أو أختا، أو جدا أو جدة، كان له المال كله. سواء كان الأخ و الأخت للأب و الام، أم للأب وحده، أم للام وحدها، و سواء كان الجد أو الجدة للأب أم للام. فإن كان معه زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي للأخ أو الأخت أو الجد أو الجدة.

(مسألة 49): إذا ترك الميت إخوة فقط فالمال كله لهم، فإن كانوا كلهم للأبوين قسّم المال مع اتحاد الجنس بينهم بالسوية، و مع اختلافه للذكر مثل حظ الأنثيين. و كذا إن كانوا كلهم للأب فقط. أما إذا كانوا للام فقط فالمال

يقسم بينهم بالسوية حتي مع اختلافهم في الجنس. فإن كان مع الإخوة زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي يكون للإخوة علي النحو المتقدم.

(مسألة 50): لا يرث الإخوة و الأخوات للأب فقط مع الإخوة و الأخوات للأبوين، و إنما يرثون مع فقدهم. أما الإخوة للام فقط فإنهم يرثون مع الإخوة للأبوين و مع الإخوة للأب فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 248

(مسألة 51): إذا ترك الميت إخوة بعضهم من الأبوين أو الأب فقط و بعضهم من الأم، فإن كان الذي من الام واحدا- ذكرا أو أنثي- كان له السدس، و إن كان متعددا كان له الثلث يقسم بينهم بالسوية. و الباقي للذي من الأبوين أو الأب فقط، فإن كان واحدا انفرد به، و إن كان متعددا متحد الجنس قسّم بينهم بالسوية، و إن كان متعددا مختلف الجنس قسّم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان مع الإخوة في مفروض هذه المسألة زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للإخوة من الام نصيبهم المتقدم- و هو السدس مع الاتحاد و الثلث مع التعدد- و الباقي للإخوة من الأبوين أو الأب.

(مسألة 52): حيث سبق أن الأجداد في مرتبة الإخوة فلا يفرق في ذلك بين الجد القريب و الجد البعيد، كأب الجد و جده و أم الجد أو الجدة و جدهما.

نعم يحجب الجدّ القريب الجد البعيد، فلا يرث البعيد مع وجود من هو أقرب منه، سواء كان الأقرب سببا لاتصال الأبعد بالميت، كأب الأب مع جد الأب، أم لم يكن كأب الأم مع جد الأب.

(مسألة 53): إذا ترك الميت جدا و جدة للأب و انحصر ميراثه بهما كان المال بينهما

للجد الثلثان و للجدة الثلث، فإن كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي بين الجدين للجد ثلثاه و للجدة ثلثه.

(مسألة 54): إذا ترك الميت جدا و جدة للام و انحصر ميراثه بهما كان المال بينهما بالسوية. و إذا كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع و الباقي للجدين بالسوية.

(مسألة 55): قد يترك الميت أجدادا بعضهم للام و بعضهم للأب أو الأبوين، و ذلك لا يكون في الجد إلا إذا كان بعيدا كجد الأب و الام. و حينئذ إذا انحصر الميراث بهم كان للذي من قبل الام الثلث فإن كان واحدا انفرد به، و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 249

كان متعددا اقتسموه بالسوية. و الباقي للذي هو من قبل الأب أو الأبوين، فإن كان واحدا انفرد به، و إن كان متعددا فإن اتحدوا في الجنس كان بينهم بالسوية و إن اختلفوا اقتسموه بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع. و لمن هو من قبل الام من الأجداد الثلث علي النحو المتقدم. و الباقي لمن هو من قبل الأب من الأجداد علي النحو المتقدم أيضا.

(مسألة 56): إذا اجتمع الجد أو الجدة- واحدا أو متعددا- مع الأخ أو الأخت- واحدا أو متعددا- فالمشهور أن الجد كواحد من الإخوة، فإن كان الجد للام قاسم الإخوة من الام نصيبهم المتقدم بالتساوي، و إن كان الجد للأب قاسم الإخوة من الأب نصيبهم المتقدم بالتساوي مع اتحاد الجنس، و بالتفاضل- للذكر مثل حظ الأنثيين- مع اختلاف الجنس، كالجدة مع الإخوة، و الجد مع الأخوات. و إن اجتمع الجد أو الجدة

للأب مع الإخوة للام وحدهم كان كما لو اجتمع الأخ أو الأخت للأب مع الإخوة للام، و إن اجتمع الجد أو الجدة للأم مع الإخوة للأب وحدهم كان كما لو اجتمع الأخ للأم مع الإخوة للأب.

و لكن الذي يظهر من النصوص أن الجد مطلقا- للأب كان أو للأم- مع الإخوة كواحد من الإخوة للأب، و الجدة كواحدة من الأخوات للأب. و لا يكونان كواحد من الإخوة للام. و عليه إن انحصر الميراث بالجد- حتي لو كان للام- و الإخوة للأب كان كواحد منهم يقسم الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، و إن كان معهم أخ أو إخوة للأم كان للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم- من السدس أو الثلث- و الباقي للجد و الإخوة من الأب، و إن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي للجد و الإخوة من الأب. و إن انحصر الميراث بالجد- حتي لو كان للام- و الأخ أو الإخوة للام كان للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم، و الباقي للجد، و إن كان معهم زوج أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 250

زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم و الباقي للجد.

و يتعين العمل علي ذلك، و إن كان الاحتياط بالصلح حسنا جدا.

(مسألة 57): يقوم أولاد الإخوة مقام الإخوة مقام الإخوة عند فقد الإخوة بأجمعهم فيشاركون الجد مع وجوده، و يستقلون بالميراث مع فقده. و يحجبون المرتبة الثالثة، و هي الأعمام و الأخوال. أما مع وجود بعض الإخوة فلا يرث أولاد الإخوة و إن كانوا ولدا لغير الموجود. من دون فرق بين أقسام الإخوة من كونهم للأبوين أو

لأحدهما. فإذا وجد الأخ أو الأخت للأب فقط أو للأم فقط لم يرث أولاد الإخوة للأبوين مع فقد آبائهم.

و هكذا الحال في أولاد أولاد الإخوة مهما نزلوا فإنهم يرثون- و يشاركون الجد- مع فقد من هو أعلي منهم طبقة و لا يرثون مع وجود بعض من هو أقرب منهم طبقة.

(مسألة 58): يرث أولاد الإخوة و الأخوات نصيب من يتقربون به بأن يفرض آباؤهم ورثة للميت، فما يرثه كل منهم يرثه ولده، فإذا كان للميت مثلا خمسة إخوة قد أعقب منهم عقبا باقيا اثنان أخت لأبيه و أخ لامه، يفرض الأخوان المذكوران هما الوارثان للميت، و حيث كان ميراث الأخ للأم السدس و للأخت من الأب الباقي، يكون ميراث عقب الأخ للأم السدس و إن كثروا، و الباقي لعقب الأخت للأب و إن كان واحدا ذكرا أو أنثي.

(مسألة 59): إذا كان عقب الأخ أو الأخت واحدا انفرد بحصة من يتقرب به. و إن كان متعددا اقتسموه بالسوية إن كان من يتقربون به أخا أو أختا للميت من طرف امه فقط. و كذا إذا كان من يتقربون به أخا أو أختا للميت من طرف أبيه، إذا كان العقب متحدين في الجنس، و إذا كانوا مختلفين في الجنس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 251

فالمشهور أنهم يقتسمونه بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين، و لا يخلو من إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح بينهم.

الفصل الخامس في ميراث المرتبة الثالثة

و هي الأعمام و الأخوال، و قد تقدم أنها لا ترث مع وجود المرتبة الثانية.

(مسألة 60): إذا ترك الميت عما واحدا أو عمة واحدة أو خالا واحدا أو خالة واحدة كان له الميراث كله. فإن كان معه زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و

الباقي للعم أو العمة أو الخال أو الخالة.

(مسألة 61): إذا تعدد الأعمام و انحصر الميراث بهم في طبقتهم كان لهم المال كله، إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة فيستثني نصيبهما المتقدم، و يبقي الباقي للأعمام. و حينئذ إن اتحدوا في الجنس- بأن كانوا كلهم ذكورا أو إناثا كان المال بينهم بالسوية، و إن اختلفوا في الجنس كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك عما و عمة مثلا كان للعم الثلثان و للعمة الثلث. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأعمام جميعا إخوة لأب الميت من أبويه أو من أبيه فقط أو من امه فقط، و أن يكونوا مختلفين.

نعم لا يرث المتقرب بالأب فقط مع وجود المتقرب بالأبوين و إنما يرث مع فقده فيقوم مقامه، أما المتقرب بالأم فقط فإنه يرث مع كل منهما، نظير ما تقدم في الإخوة. و لا يفرق في ذلك بين صورة انحصار الميراث بالأعمام- كما هو المفروض في هذه المسألة- و مشاركة الأخوال لهم.

(مسألة 62): إذا تعدد الأخوال و انحصر الميراث بهم في طبقتهم كان لهم المال كله، إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة، فيستثني نصبيهما المتقدم، و يبقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 252

الباقي للأخوال. و حينئذ يقتسمون المال بالسوية. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأخوال جميعا إخوة لام الميت من أبويها أو من أبيها فقط أو من أمها فقط، و أن يكونوا مختلفين.

نعم لا يرث المتقرب بالأب فقط مع وجود المتقرب بالأبوين، أما المتقرب بالأم فإنه يرث مع كل منهما، نظير ما تقدم في الأعمام.

(مسألة 63): إذا اجتمع العم أو الأعمام مع الخال أو الأخوال، كان للخال أو الأخوال

الثلث، يقسم بينهم علي النهج المتقدم، و للعم أو الأعمام الباقي يقسم بينهم علي النهج المتقدم. إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة، فيكون للزوج النصف و للزوجة الربع، و للأخوال الثلث، و للأعمام الباقي، فيقع النقص علي الأعمام وحدهم.

(مسألة 64): أولاد الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات يقومون مقام الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات عند فقدهم جميعا، و لا يرثون مع وجود بعضهم، فلا يرث ولد العم مع وجود أبيه أو غيره من الأعمام. بل لا يرث ولد العم مع الخال. و كذا الحال في ولد الخال، فإنه لا يرث مع وجود أبيه أو غيره من الأخوال، و لا مع وجود العم.

(مسألة 65): يستثني مما تقدم ما إذا ترك الميت عمه أخا أبيه لأبيه فقط و ابن عمه أخي أبيه لأبيه و امه، فإن ابن العم يمنع العم حينئذ. و لو كان معهما خال أو خالة حجب ابن العم و كان الميراث للعم و الخال أو الخالة. و لو تعدد العم أو ابن العم أو كان معهما زوج أو زوجة ففي حجب العم و ميراث ابن العم إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 66): يرث أولاد الأعمام و الأخوال ميراث من يتقربون به علي النحو المتقدم في ميراث أولاد الإخوة، و يقتسمونه بينهم لو تعددوا علي النحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 253

المتقدم هناك. فراجع المسألتين الأخيرتين من الفصل السابق.

(مسألة 67): الأعمام و الأخوال طبقات مترتبة، فأعمام الميت و أخواله مقدمون علي أعمام أبويه و أخوالهما، و أعمام الأبوين و أخوالهما مقدمون علي أعمام الأجداد و أخوالهم و هكذا، و كل طبقة لا ترث إلا مع فقد جميع أفراد الطبقة السابقة

عليها. بل أولاد كل طبقة و إن نزلوا يقومون مقام آبائهم، و يقدمون علي الطبقة اللاحقة. و كل صنف منهم يرث نصيب من يتقرب به.

و يقتسمون النصيب بينهم مع تعددهم علي النهج المتقدم في ميراث أولاد الإخوة المتقدم في المسألة الأخيرة من الفصل السابق.

(مسألة 68): قد يجتمع لوارث جهتان، و ذلك علي صور.

الاولي: أن يكونا من نوع واحد، كالجدودة في مثل الجد للأب و للأم.

الثانية: أن يكونا من نوعين من طبقة واحدة، كالخؤولة و العمومة.

و مثاله ما إذا كان زيد أخا عمرو لأبيه، و هند أخت عمرو لامه، فتزوج زيد هندا فأولدها بكرا، فإن عمر يكون عم بكر و خاله، و مثل ذلك ما إذا كان الشخص عم أبي الميت و خال امه أو بالعكس.

الثالثة: أن تكون إحدي الجهتين نسبا و الأخري سببا، كالقرابة و الزوجية، كما لو كان الزوجان ابني عم. و في الصور الثلاث يتعين الميراث من كلتا الجهتين، إلا أن تكون إحداهما مانعة من الأخري، فيرث بالجهة المانعة دون الممنوعة، كما في أخ هو ابن عم، كما لو تزوج زيد هندا فأولدها عمرا، ثم تزوجها أخوه فأولدها بكرا، فإن بكرا أخو عمرو لامه و ابن عمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 254

الفصل السادس في الميراث بالولاء

و قد تقدم أن الولاء متأخر عن مراتب النسب الثلاث، فلا يكون سببا للميراث مع وجود أحدها. كما تقدم أنه ثلاث مراتب أيضا، و لا ترث المتأخرة شيئا مع وجود المتقدمة.

الأولي: ولاء العتق، فإن من أعتق عبدا كان له ميراثه بشروط أعرضنا عن ذكرها كما أعرضنا عن فروع ذلك، لندرة الابتلاء بالعتق في عصورنا أو عدمه.

الثانية: ولاء ضمان الجريرة. و المراد بالجريرة دية قتل الخطأ الذي تتحمله عاقلة القاتل،

و هم ورثته علي تفصيل يأتي في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالي، فإذا لم يكن للإنسان وارث نسبي، و لا معتق وارث فإن له أن يتولي شخصا علي أن يضمن جريرته، فإن فعل ذلك كان الضامن وارثا له.

(مسألة 69): لا بد في حصول الولاء من ضمان الجريرة، فيترتب عليه الميراث، من دون حاجة للتنصيص عليه. نعم لا يضر التنصيص عليه مع ضمان الجريرة. و لا يكفي في الولاء الالتزام بالإرث وحده من دون ذكر ضمان الجريرة، فإن اقتصر علي الالتزام بالإرث لم يترتب الميراث، فضلا عن ضمان الجريرة.

(مسألة 70): ضمان الجريرة من العقود. فهو عقد يتضمن الولاء من شخص لآخر علي أن يضمن جريرته، و لا بد فيه من الإيجاب و القبول كسائر العقود، فيقول الضامن مثلا: واليتك علي أن أعقل عنك و أضمن جريرتك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 255

فيقول المضمون: قبلت، أو يقول المضمون عنه: واليتك علي أن تعقل عني و تضمن جريرتي، فيقول الضامن: قبلت.

(مسألة 71): يمكن فسخ عقد ضمان الجريرة بالتقايل من الطرفين. بل في لزومه في حق كل منهما بحيث ليس له فسخه من دون رضا الطرف الآخر إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 72): يشترط في المضمون عنه أن لا يكون له من يعقل عنه من الأرحام أو المعتق. و في اشتراط عدم الوارث له و إن لم يكن عليه عقل كالنساء إشكال، و كذا الإشكال في بطلان عقد ضمان الجريرة لو حصل العاقل أو الوارث من الأرحام و تجدد بعد العقد.

(مسألة 73): ضمان الجريرة إنما يقتضي ميراث الضامن للمضمون، و لا يقتضي ميراث المضمون للضامن، إلا أن يكون الضمان من الطرفين.

(مسألة 74): إذا مات ضامن الجريرة لم ينتقل

الضمان لورثته.

(مسألة 75): ضامن الجريرة يرث جميع المال، إلا أن يكون معه زوج أو زوجة، فيكون للزوج النصف و للزوجة الربع، و لضامن الجريرة الباقي.

الثالثة: ولاء الإمامة. فإن الإمام وارث من لا وارث له من المراتب السابقة للنسب و الولاء.

(مسألة 76): إذا لم يكن للميت وارث إلا الزوجة كان لها الربع، و الباقي للإمام. أما إذا انحصر الميراث بالزوج فإنه له النصف بالأصل، و يرد عليه النصف الثاني أيضا، و لا يرثه الإمام.

(مسألة 77): إذا أوصي من لا وارث له بماله كله في المسلمين و المساكين و ابن السبيل نفذت وصيته و لم يكن للإمام شي ء. أما إذا أوصي بجميع ماله في غير ذلك فلا تنفذ وصيته إلا في الثلث، و كان الباقي للإمام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 256

(مسألة 78): إذا كان الإمام ظاهرا كان الميراث له يعمل به ما يشاء. و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه كان يفرقه في فقراء أهل بلد الميت. و أما في عصر الغيبة فيجري عليه حكم سهم الإمام عليه السّلام من الخمس يراجع فيه الحاكم الشرعي و عليه أن يتولي صرفه في مصارف السهم المذكور. و الأولي صرفه في المحتاجين من أهل بلد الميت.

(مسألة 79): المراد بمن لا وارث له من يعلم بعدم الوارث له من الأرحام المسلمين و المعتق و ضامن الجريرة، كالذي يسلم من الكفار وحده و يموت قبل أن يحصل له وارث مسلم من الطبقات السابقة أو ينفرد بنسبه حتي يبعد من يشاركه في النسب بحيث لا يصدق عليه أنه رحمه. و يلحق به اللقيط قبل أن يعرف أهله، دون من كان له وارث من المسلمين إلا أنه لا يعرف بسبب

انقطاعه عن أهله و بعده عنهم كالمسافر المنقطع و الحاضر المنحاز عن أهله لخوف أو نحوه، بحيث لا يعرف أهله، فإن مثل هذا لا يرثه الإمام، بل يرثه أهله و إن كانوا مجهولين، فيجري علي تركته حكم مجهول المالك من وجوب الفحص عن صاحبه. و مع اليأس عن العثور عليه يجوز أن يتصدق به علي الفقراء عن صاحبه، علي ما تقدم في ذيل كتاب اللقطة.

الفصل السابع في ميراث الأزواج

الزوجية من أسباب التوارث بين الزوجين إذا كانت دائمة، أما إذا كانت منقطعة فلا توجب التوارث إلا مع اشتراطه في عقد الزواج، و في صحة اشتراط الميراث لأحدهما دون الآخر إشكال.

(مسألة 80): لا يشترط في توارث الزوجين الدخول، فلو مات أحدهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 257

قبل الدخول ورثه الآخر، إلا في زواج المريض فإنه لا يصح من دون دخول، فلا يترتب عليه الميراث، كما تقدم في أواخر فصل العيوب و الشروط من كتاب النكاح.

(مسألة 81): يلحق بالزوجية العدة الرجعية، فإنها بحكم الزوجية يثبت التوارث مع موت أحد الزوجين فيها. كما تقدم في أواخر الفصل الرابع من كتاب الطلاق. كما يلحق بها المطلقة من قبل المريض إلي سنة بشروط تقدمت في آخر الفصل الثالث من كتاب الطلاق أيضا.

(مسألة 82): مما تقدم يظهر أن للزوج النصف من زوجته إذا لم يكن لها ولد ذكر و لا أنثي، و إن نزل كولد الولد، و الربع إذا كان لها ولد. و للزوجة الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد، و الثمن إذا كان له ولد. و لا ينقصان عن ذلك و لا يزادان مع جميع طبقات الميراث. إلا الزوج مع عدم وجود وارث للزوجة غير الإمام، فإنه له تمام المال، و

ليس للإمام شي ء، كما تقدم في الفصل السابق.

(مسألة 83): مع تعدد الزوجات و ما الحق بهن يشتركن في سهم الزوجية المتقدم بالتساوي.

(مسألة 84): الزوج كسائر الورثة يرث نصيبه من جميع ما تتركه الزوجة من الأرض و غيرها من المنقول و غيره. أما الزوجة فإنما ترث نصيبها من المنقول- كالنقود و البضائع و السفن و الحيوانات و غيرها- دون الأرض المجردة أو العامرة بالبناء أو الزرع أو نحوهما، فإنها لا ترث من عينها و لا من قيمتها. نعم ترث مما ثبت فيها من البناء و الشجر و الأخشاب و الآلات و نحوها.

و للوارث دفع قيمة ذلك و يجب عليها القبول بها.

(مسألة 85): الثابت في الأرض إن كان تابعا لها أو للبناء عرفا لم تستحق الزوجة من عينه بل من قيمته كعريش العنب و الناعور و تجهيز الماء و الكهرباء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 258

و الأبواب و المغاسل و نحوها. و إن لم يكن تابعا لها و إنما ثبت فيها لتوقف أداء وظيفته علي ذلك، فالظاهر أنها تستحق سهمها من عينه كالمعامل المنصوبة في الأرض و المكائن الزراعية و نحوها، فليس للوارث إلزامها بقبول القيمة.

(مسألة 86): كيفية التقويم في البناء أن تقوّم أجزاؤه بذاتها لا بما أنها مبنية. و في مثل النخل و الشجر أن يقوّم بما هو نخل أو شجر أو نحوها غير مستحق للبقاء في الأرض.

(مسألة 87): ترث الزوجة من عين ثمرة النخل و الشجر و الزرع الموجودة حال موت الزوج، و ليس للوارث إجبارها علي القيمة.

(مسألة 88): إذا لم يدفع الوارث القيمة فإن كان عن تراض منه و منها و اتفاق بينهما فهما علي اتفاقهما. و إن لم يكن عن تراض منهما

كان لها سهمها من اجرة أجزاء البناء علي من استوفي منفعته. و لها سهمها من عين ثمرة الشجر و نحوه.

(مسألة 89): إذا انقلعت الشجرة أو انكسرت أو انهدم البناء قبل دفع القيمة للزوجة فالظاهر أن لها المطالبة بسهمها من العين و ليس للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. بخلاف ما إذا كان البناء مستعدا للانهدام و الشجر مستعدا للقلع أو القطع، فإنه ليس لها المطالبة بسهمها من العين، بل للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. نعم إذا خرج الشجر عن كونه شجرا بل صار حطبا فالظاهر أنه كالثمر تستحق سهمها من عينه و ليس للوارث إجبارها علي أخذ قيمته.

(مسألة 90): القنوات و العيون و الآبار ترث الزوجة من آلاتها، و للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. أما الماء الموجود فيها فإنها ترث من عينه، و ليس للوارث إجبارها علي أخذ قيمته.

(مسألة 91): إذا حفر سردابا أو بئرا قبل أن يصل إلي حد النبع فإن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 259

فيه بناء استحقت منه، و كان للوارث إجبارها علي أخذ القيمة، و إن لم يكن فيه بناء فلا تستحق منه شيئا- كالأرض- حتي لو كان له قيمة في نفسه أو كان سببا في زيادة قيمة الأرض التي حفر فيها. و مثل ذلك ما إذا شق في الأرض طريقا أو أنشأ فيها سدة ترابية أو نحو ذلك.

(مسألة 92): إذا لم يدفع الوارث القيمة للزوجة فإن كان ذلك عن رضا منه بمشاركتها في العين و إسقاط منه لحقه في التبديل بالقيمة نفذ ذلك عليها و عليه و ليس له الرجوع فيه، و إن لم يكن كذلك، بل كان عن عجز منه عن القيمة أو تسويف منه في دفعها فلا

يلزم بذلك، و له دفع القيمة متي شاء.

(مسألة 93): المدار في القيمة علي قيمة يوم الدفع. إلا أن يتصالح الوارث و الزوجة علي قيمة معينة قبل الدفع، فتلزم عملا بمقتضي الصلح.

(مسألة 94): الزوجة و إن كانت لا ترث من الأرض- كما سبق- إلا أنها ترث من الحقوق المتعلقة بالأرض كحق السرقفلية و حق الخيار الذي لا يشترط فيه المباشرة و ينتقل للوارث، فإذا باع الزوج الأرض أو اشتراها بخيار إلي أجل ثم مات ورثت الزوجة الحق المذكور و لم يختص به غيرها من الورثة، بل هي مثلهم في السلطنة علي إعمال الحق المذكور بالنحو الذي يأتي توضيحه في الخاتمة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 95): ما يخرج من أصل التركة كالديون و الواجبات المالية يؤخذ من أرض و غيرها من أقسام التركة بالنسبة، فإذا كان مجموع التركة مثلا مائة و عشرين ألف دينار ثلثها أرض و ثلثاها غير أرض، و كانت الأمور المذكورة من الديون و غيرها بقدر أربعين ألف دينار، فثلثها يخرج من الأرض، و ثلثاها من الباقي لعدم المرجح، و عليه يكون ثمن الزوجة ثلثي العشرة آلاف دينار. و لا مجال لإخراجها بأجمعها من غير الأرض المستلزم لكون ثمن الزوجة خمسة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 260

آلاف دينار، لأن في ذلك إجحافا بالزوجة، و لا لإخراجها بأجمعها من الأرض المستلزم لكون ثمن الزوجة عشرة آلاف دينار تامة، لأن في ذلك إجحافا ببقية الورثة. و هذا أمر قد يغفل عنه.

الفصل الثامن في ميراث ولد الملاعنة و الزنا و الحمل و المفقود

(مسألة 96): تقدم في فصل اللعان من كتاب الطلاق أن ولد الملاعنة ترثه امه و من يتقرب بها- كالإخوة للام و الجد للام و الأخوال- دون الأب و من يتقرب به- كالإخوة للأب و

الجد للأب و الأعمام- و علي ذلك يكون إخوته لأبويه بحكم إخوته لأمه، فيشاركون إخوته لأمه في ميراثهم، و تكون قسمة الميراث بين الجميع بالسوية.

(مسألة 97): كما ترثه امه و من يتقرب بها يرثه بقية الورثة غير الأب و من يتقرب به كالزوجين و ضامن الجريرة و الإمام. و علي ذلك يفرض كما لو لم يكن له أب و لا من يتقرب به و تجري علي تركته قسمة المواريث في حق غيرهم وفق الضوابط المتقدمة فيمن لم يكن له أب و لا من يتقرب به، فلا نطيل بإعادتها.

(مسألة 98): لا يرث ولد الملاعنة أباه، و لا قرابة أبيه كإخوته من أبيه وجده لأبيه و أعمامه، و لا يرثه أبوه و لا أحد منهم.

(مسألة 99): إذا ادعي الأب بعد الملاعنة الولد و أكذب نفسه الحق الولد بالأب و ورث الأب دون قرابة الأب، فإنه لا يرثهم بذلك. أما الأب فلا يرث الولد إذا ادعاه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 261

(مسألة 100): يرث ولد الملاعنة امه و إخوته من امه و إخوته من أبيه و امه، لكن يحكم عليه بأنه أخوهم من أمهم لا غير.

(مسألة 101): يرث ولد الملاعنة جده لأمه مطلقا، و كذا يرث أخواله إذا ادعاه أبوه بعد الملاعنة. و أما إذا لم يدعه أبوه ففي ميراثه من أخواله إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 102): يرث ولد الملاعنة بقية الناس و يرثونه بأسباب الميراث الشرعية كالزوجية و الولاء.

(مسألة 103): إذا تبرّأ الأب من جريرة ابنه و من ميراثه فلا أثر للتبرؤ من الميراث، فإن مات الولد ورثه أقرب الناس إليه سواء كان الأب أم غيره.

(مسألة 104): ولد الزنا لا يرثه أبوه الزاني و لا من يتقرب

به و لا يرثهم هو، و لا ترثه أمه الزانية و لا من يتقرب بها و لا يرثهم هو، بل يثبت التوارث بينه و بين غيرهم من الورثة كأولاده و الزوج أو الزوجة، كما يورث و يرث بالولاء كولاء ضمان الجريرة و الإمامة علي النحو المتقدم في غيره. و قد تقدمت الإشارة إلي ذلك في أوائل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(مسألة 105): إذا كان الزنا من أحد الأبوين مع الشبهة من الآخر ثبت التوارث بينه و بين صاحب الشبهة و من يتقرب به دون الزاني و من يتقرب به، كما تقدم هناك أيضا.

(مسألة 106): الحمل حين موت المورث يرث منه إذا سقط حيا بأن صاح أو تحرك حركة الحياة أو غير ذلك مما يعلم منه حياته. أما إذا سقط ميتا فإنه لا يرث و إن كان حيا قبل انفصاله عن امه و تمام ولادته.

(مسألة 107): تثبت حياة المولود بالبينة و هي رجلان عدلان. كما تثبت بشهادة أربع نساء. و لو شهدت امرأة واحدة ثبت بشهادتها ربع الميراث، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 262

كانتا اثنتين ثبت نصف الميراث، فإن كنّ ثلاثا ثبت ثلاثة أرباع الميراث. نعم لو حصل العلم بقولها أو قولهن ثبت له تمام الميراث في حق من حصل له العلم.

(مسألة 108): إذا سقط حيا فورث سهمه ثم مات ورثه أقرب الناس إليه.

(مسألة 109): إذا علم باتحاد الحمل عزل له عند قسمة الميراث سهم واحد، و إن علم بتعدده عزل له بقدره، و لو شك في ذلك اقتصر علي الأقل. إلا أن يرضي الورثة بعزل الأكثر احتياطا. كما أنه إن علم بكونه ذكرا عزل له سهم الذكر، و إن علم بأنه أنثي عزل

له سهم الأنثي، و إن جهل حاله عزل له سهم الذكر احتياطا حتي يتبين الحال. فإن تبين حاله عمل عليه. و إن مات و لم يتبين حاله تعين الصلح بين وارثه و بقية الورثة.

(مسألة 110): المفقود لغيبة و نحوها إذا لم يعلم حياته و لا موته يتربص بماله أربع سنين مع الفحص عنه في الأرض، و عشر سنين من دون فحص و لو لتعذر الفحص، ثم يحكم بموته، فيدفع ماله لوارثه بعد مدة التربص. كما أنه إذا مات له مورث قبل مضي مدة التربص حكم بإرثه منه. أما إذا مات بعد مدة التربص فلا يحكم بإرثه منه. و قد تقدم في أواخر كتاب الدين ما ينفع في المقام، لأن المقامين من باب واحد.

هذا إذا لم يكن له من يكلف بالإنفاق عليه، أما مع وجوده- كما لو كان له أولاد محتاجين- فيجوز الإنفاق عليه من ماله قبل مدة التربص.

(مسألة 111): إذا تعارف اثنان بالنسب و تصادقا عليه توارثا، علي تفصيل تقدم في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 263

الفصل التاسع في ميراث الخنثي و ما يشبهه

المعيار في الذكورة و الأنوثة في الإنسان شرعا علي العضو الذكري و العضو الانثوي، فواجد العضو الذكري وحده ذكر، تترتب عليه أحكام الذكر شرعا، و واجد العضو الانثوي وحده أنثي تترتب عليه أحكام الأنثي شرعا، و لا عبرة بغير ذلك من لوازم الذكورة و الأنوثة الغالبية ظاهرة كانت- كاللحية في الذكر و كبر الثديين في الأنثي- أو خفية كالإحساسات الغريزية التي يدركها الشخص نفسه و كالهر مونات الذكرية و الانثوية التي يعرفها أهل الاختصاص في زماننا هذا، لإمكان الشذوذ الخلقي في اللوازم المذكورة.

و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: أنه لا يتحول الذكر

أنثي و لا الأنثي ذكرا بعملية جراحية أو أدوية تستهدف الفوارق الجسدية بين الجنسين. نعم لو تبدل الحال خلقيا بمعجزة أو نحوها تحقق التحول عرفا، إلا أن ذلك لو وقع فهو شذوذ في التكوين لا يخضع لسيطرة الإنسان.

الثاني: أن الخنثي هو الإنسان الواجد للعضوين معا، و لا عبرة بغيرهما من الخواص مهما كانت. و حينئذ إن علم بأنه من أحد الجنسين، لعدم كون العضو الآخر حقيقيا، و إنما هو بصورة العضو عمل علي العلم المذكور. و إلا فلا طريق للعلم بأنه من أحد الجنسين، مع قطع النظر عن الأمارات الآتية، لأنه بعد كون معيار الجنس هو العضو دون بقية الخواص، و فرض وجود العضوين معا، كيف يتيسر العلم بأنه من أحد الجنسين!. و من ثم لا بد من النظر في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 264

العلامات الشرعية. و هو ما عقد له هذا الفصل.

(مسألة 112): الخنثي إن كان يبول من فرج الرجال دون فرج النساء الحق بالرجال و استحق ميراثهم، و إن كان يبول من فرج النساء دون فرج الرجال الحق بالنساء و استحق ميراثهن.

(مسألة 113): الخنثي إن كان يبول من الفرجين معا كان العمل علي ما يسبق منه البول. فإن كانا سواء في ذلك فالعمل علي ما ينبعث منه البول و يقوي اندفاعه.

(مسألة 114): إذا لم يعلم حال الخنثي من جهة البول، فإن تيسر عدّ أضلاعه من الجانبين، فإن اختلفت بأن كانت سبعة عشر تسعة في اليمين و ثمانية في اليسار فهو رجل، و إن تساوت بأن كانت ثمانية عشر في كل جانب تسعة فهو أنثي.

(مسألة 115): إذا لم يتيسر الرجوع للأمارات السابقة في تعيين حال الخنثي إما لتعارضها أو لعدم وضوحها، كما

لو مات قبل أن يبول أو لم يتضح عدد أضلاعه، صار الخنثي مشكلا الذي يأتي حكمه.

(مسألة 116): يعطي الخنثي المشكل نصف نصيب الذكر و نصف نصيب الأنثي. و ذلك بأن يفرض ذكرا و يقسم الميراث بينه و بين بقية الورثة علي الفرض المذكور، ثم يفرض أنثي و يقسم الميراث بينه و بين بقية الورثة علي الفرض المذكور. ثم يعطي هو و بقية الورثة نصف كل من السهمين الحاصل في الفرضين. مثلا إذا ترك الميت ولدا ذكرا و خنثي، يقسم الميراث اثني عشر سهما، فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له ستة و للذكر ستة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له أربعة و للذكر ثمانية، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين، و هو خمسة و يعطي الذكر نصف كل من السهمين، و هو سبعة. و إذا ترك الميت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 265

ذكرين و خنثي يقسم الميراث ثلاثين سهما فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له عشرة، و لكل من الذكرين عشرة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له ستة، و لكل من الذكرين اثني عشر، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين، و هو ثمانية، و يعطي كل من الذكرين نصف كل من السهمين و هو أحد عشر. و إذا ترك الميت أبا و ولدا خنثي يقسم الميراث أربعة و عشرين سهما، فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له عشرون و للأب أربعة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له ثمانية عشر و للأب ستة، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين و هو تسعة عشر، و يعطي الأب نصف كل من السهمين و هو خمسة. و علي هذا تجري قسمة الميراث في جميع فروض المسألة.

(مسألة 117):

من ليس له عضو الذكر و لا عضو الأنثي يورث بالقرعة يكتب علي سهم (عبد اللّه) و علي سهم (أمة اللّه) ثم يدعو المقرع اللّه و يبتهل إليه في كشف الحال، ثم يطرح السهمان في سهام ليس عليها كتابة ثم تشوش السهام ثم يأخذ المقرع سهما فسهما حتي يقع علي أحد السهمين المكتوب عليهما فأيهما خرج أولا عمل عليه، و ورث المولود علي مقتضاه.

(مسألة 118): الأحوط وجوبا أن يكون الاقتراع برضا الورثة كلهم عند إرادة معرفة الحال من أجل قسمة المال، و لا يكتفي بتسرع شخص بالاقتراع من دون مراجعتهم. بل الأحوط وجوبا أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 119): يستحب أن يقول المقرع عند الدعاء: (اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود حتي كيف يورث ما فرضت له في الكتاب).

(مسألة 120): إذا لم يعلم حال المولود أنه ذكر أو أنثي لموانع خارجية، كما لو غرق أو أكله السبع أو نحو ذلك، ففي الرجوع للقرعة- كما في الفاقد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 266

للعضوين- أو للتنصيف- كما في الخنثي المشكل- وجهان فلا يترك الاحتياط بالتصالح.

(مسألة 121): من له رأسان علي صدر واحد أو بدنان علي حقو واحد يترك حتي ينام ثم ينبه، فإن انتبها جميعا كان له ميراث واحد، و إن انتبه أحدهما دون الآخر كان له ميراث اثنين. و الظاهر التعدي من الميراث إلي سائر أحكام الواحد و المتعدد.

الفصل العاشر في ميراث الغرقي و المهدوم عليهم

الغرقي و المهدوم عليهم إن علم بالمتقدم منهم موتا و المتأخر ورث المتأخر من المتقدم و لم يرث المتقدم من المتأخر، و إن علم بتقارنهم في الموت

لم يرث بعضهم من بعض، و إن جهل المتقدم و المتأخر ورث بعضهم بعضا.

(مسألة 122): كيفية التوارث بينهم أن يفرض كل طرف حيا حين موت الآخر، فيرث من مال الآخر الأصلي الذي كان له في حياته، ثم يعكس الفرض، فيفرض الآخر حيا حين موت صاحبه، فيرث من ماله الذي كان له في حياته دون المال الذي ورثه من الأول. مثلا: إذا غرق الزوجان و كان للزوج أربعمائة دينار و للزوجة أربعة آلاف درهم، و لم يكن لهما أولاد، فرض الزوج حيا حين موت زوجته فيرث منها ألفا درهم، ثم فرضت الزوجة حية حين موت زوجها فترث منه مائة دينار، فيدفع لورثة الزوج الآخرين ثلاثمائة دينار بقية تركته الأصلية و ألفا دينار التي ورثها من زوجته، و يدفع لورثة الزوجة ألفا درهم بقية تركتها الأصلية و مائة دينار التي ورثتها من زوجها. و يجري هذا لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 267

كان الغرقي أو المهدوم عليهم الذين يرث بعضهم من بعض أكثر من اثنين، كأب و أم و ولدهما. فيفرض الام و الولد حيين حين موت الأب فيرثان من ماله الأصلي، و يفرض الأب و الولد حيين حين موت الام فيرثان من مالها الأصلي، و يفرض الأب و الام حيين حين موت الولد فيرثان من ماله الأصلي، ثم يدفع لوارث كل منهم غير الغريق بقية مال مورثه الأصلي و ما ورثه من الغريقين الآخرين.

(مسألة 123): كما يفرض كل طرف حيا حين موت الآخر من أجل ميراثه منه، كذلك يفرض حيا من أجل ميراث الحي غير الغريق من المال الأصلي للغريق لو كان لحياته أثر في ذلك. مثلا: إذا غرقت الزوجة مع ابنتها من غير الزوج

و لم يكن لها ذرية غيرها و بقي الزوج، فالزوج يرث من المال الأصلي للزوجة الربع لا النصف، للحكم ببقاء بنتها حين موتها، و الثلاثة الأرباع الباقية من مال الزوجة للبنت الغريقة مع أمها تدفع لورثة البنت. كما أنه لو كان للبنت في الفرض مال أصلي فلا يكون بتمامه لأبيها، بل له منه الثلثان، للحكم بحياة أمها حين موتها فترث من المال المذكور الثلث، و يكون لورثة الام، و منهم الزوج.

(مسألة 124): كما يفرض كل طرف حيا من أجل ميراثه من الآخر و من أجل ميراث الحي منه- كما تقدم- كذلك يفرض حيا من أجل منع ميراث غريق آخر منه لو كان حاجبا له. مثلا: لو غرق أب و ولداه، فلا توارث بين الولدين الأخوين، للحكم بحياة الأب عند موت كل منهما فيكون حاجبا للآخر، لأن الأب يحجب الأخ، فيحكم في الفرض مع تأخر الورثة الأحياء لكل منهم عن صاحبيه طبقة بانتقال المال الأصلي لكل من الولدين للأب، و بانتقال المال الأصلي للأب لهما معا. مثلا: إذا كان للأب غنم، و للولد الكبير ألف دينار و للصغير ألف درهم حكم بميراث الأب من الولدين الدراهم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 268

و الدنانير، و بميراثهما من أبيهما الغنم بالتناصف. و الظاهر عدم ميراث كل منهما من الأب ما ورثه الأب من الآخر. فلا يرث الكبير من أبيه الدراهم التي ورثها من الصغير، و لا يرث الصغير من أبيه الدنانير التي ورثها من الكبير، بل يقتصر ميراثهما علي الغنم يدفع لورثة كل منهما حصته منه و يختص الوارث الحي للأب بالدراهم و الدنانير.

(مسألة 125): لا يشترط في ميراث بعضهم من بعض التوارث من الجانبين، بل لو

كان أحد الطرفين يرث من الآخر دون العكس ثبت الميراث كذلك، فلو غرق إخوان لأحدهما أولاد دون الآخر ورث صاحب الأولاد أخاه و لم يرثه أخوه، بل يكون ميراثه لأولاده، فيصير لهم ماله الذي كان عنده في حياته و ما ورثه من أخيه الغريق معه.

(مسألة 126): لا يشترط في ميراث بعضهم من بعض أن يكون لكل من الطرفين مال، فلو كان لأحد الطرفين مال دون الأخر ورث من ليس له مال من صاحبه و لم يرث صاحبه منه، فيكون المال لوارث من ليس له مال، و لا يبقي لوارث من له مال شي ء إذا كان الغريق حاجبا له. مثلا: إذا غرق أخوان لام و لكل منهما عم ليس له وارث غيره بعد الأخ و كان لأحدهما مال دون الآخر فالمال يصير لعم من ليس له مال، و لا يبقي لعم من له مال شي ء.

(مسألة 127): إذا مات المتوارثون بغير الغرق و الهدم، فهنا صور.

الاولي: أن يعلم بالمتقدم و المتأخر، و لا إشكال في ميراث المتأخر من المتقدم دون العكس.

الثانية: أن يعلم بالتقارن، و لا إشكال- حينئذ- في عدم التوارث، نظير ما تقدم في الغرقي و المهدوم عليهم.

الثالثة: أن يتردد الأمر بين التقارن و عدمه. و حينئذ إن علم تاريخ موت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 269

بعضهم و جهل تاريخ موت الآخر حكم بميراث مجهول تاريخ الموت من معلوم تاريخ الموت دون العكس، فإذا مات الأب و الابن و علم بأن الأب مات عند الزوال و لم يعلم بتاريخ موت الابن حكم بميراث الابن من الأب و عدم ميراث الأب من الابن. و إن جهل تاريخ موت كل منهما حكم بعدم التوارث منها، فكل منهما

لا يرث الآخر.

الرابعة: أن يعلم بعدم التقارن مع الجهل بالمتقدم و المتأخر، فإن علم بتاريخ موت أحدهم و جهل تاريخ موت الآخر حكم بميراث مجهول تاريخ الموت من معلوم تاريخ الموت، نظير ما سبق في الصورة الثالثة. و إن جهل تاريخ الموت في الكل فقيل بالرجوع للقرعة في تعيين الوارث. و لكن الظاهر عدم الرجوع إليها، بل يحكم بعدم التوارث. و إن كان الأحوط استحبابا الصلح و لو بالرجوع للقرعة.

هذا كله في فرض التوارث من الجانبين، أما إذا كان الميراث من جانب واحد- كما إذا مات أخوان لأحدهما أولاد دون الآخر- فمع العلم بالتقارن لا ميراث كما تقدم. و مع عدم العلم به أو العلم بعدمه فإن علم تاريخ موت المورث و جهل تاريخ موت الآخر حكم بالميراث. و إن جهل التاريخان فلا ميراث، و إن كان الأحوط استحبابا التصالح.

ثم أنه لا يفرق في هذه المسألة بتفاصيلها بين موتهم جميعا حتف الأنف، و موتهم جميعا بسبب غير الغرق و الهدم- كالقتل في الحرب و افتراس السباع- و اختلافهم بأن مات بعضهم حتف أنفه و بعضهم بسبب غير الغرق و الهدم، أو بسبب الغرق أو الهدم، بل و كذا لو مات بعضهم بالغرق و بعضهم بالهدم. فالمعيار في هذه المسألة علي عدم موتهم جميعا بالغرق و عدم موتهم جميعا بالهدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 270

خاتمة

فيها مسائل:

الأولي: سهام المواريث المتقدمة إنما تجري فيما يقبل القسمة عرفا و لو بنحو الإشاعة و هي الأموال عينا كانت أو دينا أو منفعة، و كذا الحقوق المقابلة بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدم الكلام فيه في آخر كتاب الإجارة، فلو بيع قسم الثمن بين الورثة قسمة سهام المواريث. أما

الحقوق غير المقابلة بالمال كحق القصاص و الخيار- فهي لا تقبل القسمة، حتي بنحو الإشاعة، و لا تجري السهام فيها، بل يشترك فيها الورثة بنحو المجموعية، فالحق الواحد يكون ملكا لجميع الورثة و يكون تحت سلطنة الكل بنحو المجموعية فليس لكل منهم إعماله أو إسقاطه إلا برضا الآخرين. أما لو صالحوا عنه بمال قابل للقسمة ففي جريان سهام المواريث فيه إشكال، بل الظاهر قسمته بين الكل بالتساوي، إلا مع قيام القرينة علي ابتناء الصلح من الكل علي قسمته قسمة المواريث، فيكون العمل علي ذلك.

الثانية: سهام المواريث المتقدمة إنما تجري بعد خروج الديون و الواجبات المالية و واجبات التجهيز و الوصية، فالمراد بالثلث أو السدس مثلا في المواريث هو الثلث أو السدس من الباقي بعد إخراج الأمور المذكورة، لا من أصل التركة. و لعل هذا من الواضحات.

الثالثة: يلحق بمال الميت الذي يجري عليه الميراث و تنفذ منه الوصايا و الديون دية قتله، سواء كانت مستحقة ابتداء و هي دية الخطأ أم كانت بدلا عن القصاص في القتل العمدي إذا رضي أولياء الميت. و أما دية الجروح و الأعضاء فما كان منها بسبب العدوان عليه في حياته فهو قد ملكه قبل موته و صار من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 271

أمواله الحقيقية التي تركها. و ما كان منها بسبب العدوان عليه بعد وفاته ينفق في وجوه البر عنه، و لا يلحق بأمواله و لا يجري عليه الميراث. نعم يوفي منه ديونه لو انحصر وفاؤه به، لأنه من أفضل وجوه البر.

الرابعة: يرث الدية كل من يرث المال عدا الإخوة للام فقط، فإنهم لا يرثون منها. و ألحق بهم المشهور كل من يتقرب بالأم فقط كالأخوال و أبنائهم،

و لا يخلو عن إشكال. بل الأظهر عدم إلحاقهم بالإخوة، بل هم يرثون من الدية كغيرهم من الورثة.

الخامسة: قد تختلف قسمة المواريث عند المخالفين عن قسمتها عندنا، و حينئذ إذا ثبت للمؤمن حق بمقتضي قسمتها عندهم لا يثبت بمقتضي قسمتها عندنا جاز له الأخذ به إلزاما لهم بمقتضي دينهم. و الملزم بذلك هو الوارث الذي يدخل عليه النقص و يأخذ المؤمن منه ما يستحقه في مذهبه، لا الميت، فلا بد من كون الوارث المذكور مخالفا ليلزم بمقتضي مذهبه، سواء كان الميت مؤمنا أم مخالفا، و لا أثر لكون الميت مخالفا في ذلك.

السادسة: لما كان الميراث يجري علي ما يملكه الميت فلا تورث الأراضي الميتة التي قد سبق تسجيلها باسم الميت شراء من الدولة أو هبة منها لعدم ملكيته لها، كما سبق في أول كتاب إحياء الموات. بل هي علي إباحتها الأصلية يملكها كل من يحييها و ليس للورثة منعه منه. نعم لا يجب عليهم التنازل للمحيي بالطابو و لهم أخذ مال في مقابل ذلك.

كما أن الأرصدة التي في البنوك التابعة لجهات غير مالكة لا يجري عليها التوارث و ما يؤخذ في مقابلها إما مباح أصلي أو مجهول المالك. نعم الأحوط وجوبا لمن يقبض المال أن يدفعه للورثة علي نحو سهام المواريث و عدم خروجه في المال المذكور عن مقتضاها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 273

كتاب القصاص و الديات

اشارة

قد شدد اللّه تعالي في كتابه المجيد و علي لسان رسوله الأمين و الأئمة من أهل بيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين في دم المؤمن و انتهاك حرمته و أكد علي ذلك، فقد قال تعالي مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَليٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ

نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، و عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنه قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يغرنكم رحب الذراعين بالدم، فإن له عند اللّه قاتلا لا يموت، قالوا: يا رسول اللّه و ما قاتل لا يموت؟ فقال: النار»، و في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك الأشتر (رضوان اللّه عليه): «إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي ء أدني لنقمة و لا أعظم لتبعة و لا أحري بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، و اللّه سبحانه مبتدء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة»، و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «من قتل مؤمنا متعمدا أثبت اللّه علي قاتله جميع الذنوب، و بري ء المقتول منها. و ذلك قول اللّه عز و جل إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحٰابِ النّٰارِ». إلي غير ذلك.

بل ورد التشديد في الإعانة علي قتل المؤمن و الاشتراك فيه و الرضا به، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «و الذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء و الأرض شركوا في دم امرئ مسلم و رضوا به لأكبهم اللّه علي مناخرهم [وجوههم] في النار»، و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الرجل ليأتي يوم القيامة و معه قدر محجمة من دم فيقول: و اللّه ما قتلت و لا شركت في دم، فيقال: بلي ذكرت عبدي فلانا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 274

فترقي في ذلك حتي قتل فأصابك من دمه»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«من أعان علي مؤمن بشطر

كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه». إلي غير ذلك.

و كذا يحرم إيواء القاتل و منعه من أولياء المقتول، كما تظافرت بذلك الأخبار عن أهل بيت العصمة الأطهار صلوات اللّه عليهم أجمعين.

لكن الجرم مهما عظم فباب التوبة منه مفتوح، رحمة من اللّه تعالي بعباده و استصلاحا لأمرهم و إبعادا لهم عن القنوط المهلك. نعم التوبة مشروطة.

أولا: بتسليم المعتدي نفسه لأولياء المقتول، فإن شاؤوا اقتصوا، و إن شاؤوا أخذوا الدية، و إن شاؤوا عفوا.

و ثانيا: بأداء الكفارة إن رضي أولياء المقتول بالدية و لم يقتصوا، و قد تقدم التعرض لها في كتاب الكفارات.

و قد جعل اللّه سبحانه القصاص حقا لأولياء المقتول علي القاتل و ثقّل في الدية تعظيما لحرمة القتل و ردعا عنه، قال عز اسمه وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.

كما أنه تعالي قد خص القصاص بالمعتدي و لم يرض به علي غيره عدلا منه تعالي في الحكم، قال عز اسمه وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْريٰ، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن أعتي الناس علي اللّه عز و جل من قتل غير قاتله و من ضرب من لم يضربه» و الأخبار في ذلك كثيرة.

لكن مع كل ذلك نري كثيرا من الناس ينتهكون حرمات اللّه تعالي و يتعدون حدوده- استخفافا و تهاونا و طغيانا و تجبرا- فهم يستخفون بالدماء و يتسرعون في إهراقها ثم هم يمنعون القاتل من أن يقتص منه و يدافعون عنه عصبية و حمية. كما أنهم يعصبون الدم بغير القاتل من الأهل و العشيرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 275

و يقتصون منهم، رجوعا لعادات الجاهلية الجهلاء، و اندفاعا وراء العصبية

الحمقاء، و استجابة لدعوة الشيطان الرجيم، و عزوفا عن دين اللّه القويم و صراطه المستقيم أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، و إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللّٰهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّٰهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، و إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ.

و قد رأينا أن نقتصر في هذا الكتاب علي المهم من أحكام القصاص و الديات علي ما هو مورد للابتلاء من ذلك سدا لحاجة المؤمنين، مع إيكال بقية الفروع و الأحكام للمطولات، حيث يضيق المقام عن استقصاء الكلام فيها. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و يقع الكلام في ذلك في قسمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 276

القسم الأول في القصاص

اشارة

و هو جزاء الجناية علي البدن بمثلها، و الكلام فيه في ضمن فصول.

الفصل الأول في قصاص النفس

من قتل نفسا كان لأولياء المقتول الاقتصاص منه و قتله بشروط.

الأول: أن يكون كاملا، بأن يكون عاقلا بالغا، فلا قصاص علي المجنون و إن كان عامدا و كذا الصبي، و إن بلغ خمسة أشبار علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 128): في ثبوت القصاص علي السكران إذا بلغ حدا لا يعتد بقصده عن العقلاء إشكال. نعم لو كان يعلم من نفسه أنه إذا سكر اعتدي فأقدم علي السكر كان عليه القصاص. كما أنه إذا لم يكن سكره أثر في جنايته فلا إشكال في عدم القصاص عليه. كما إذا رمي بما لا يقتل عادة فقتل اتفاقا أو رمي حيوانا فأصاب إنسانا، كما يتحقق ذلك من السكران كثيرا.

الثاني: أن يكون القتل عمدا، فإن لم يكن عمدا لم يكن عليه قصاص.

بل تثبت بقتله الدية علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 129): القتل علي أنحاء ثلاثة.

الأول: العمد، و يتحقق بالقصد للقتل و إن كان بفعل ما لا يوجبه عادة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 277

كما إذا رمي رجلا بحصاة صغيرة أو ضربه بعصا صغيرة ضربة خفيفة أو دفعه دفعا خفيفا فصادف قتله بذلك. كما يتحقق بالقصد إلي إصابة المقتول بما يتوقع به القتل عادة، بحيث لا يستغرب تحقق القتل به، و إن لم يقصد بذلك القتل.

الثاني: الشبيه بالعمد، و يتحقق بما إذا قصد إصابة المجني عليه بما لا يوجب القتل عادة من دون أن يقصد به القتل فصادف حصول القتل.

الثالث: الخطأ المحض، و هو الذي لا يقصد به إصابة المجني عليه، كما لو رمي شاة أو كافرا مهدور الدم فأصاب إنسانا مسلما فقتله. و أولي من ذلك

ما إذا لم يقصد به الفعل الذي تحقق به القتل، كما إذا مشي علي سقف فخسفه فوقع علي شخص فقتله، أو أخذ السلاح الناري ليصلحه فانطلقت منه رصاصة فأصابت شخصا فقتلته و نحو ذلك.

الثالث: أن يكون المقتول حرا إن كان القاتل حرا، فلا يقتص من الحر بقتل العبد و يقتص من العبد بقتل الحر أو العبد. و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك و في فروعه بعد عدم الابتلاء به أو ندرته.

الرابع: أن يكون المقتول مسلما إن كان القاتل مسلما، فلا يقتص من المسلم بقتل الكافر، و يقتص من الكافر بقتل المسلم و الكافر.

(مسألة 130): إذا قتل الكافر المسلم دفع الكافر إلي أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه و إن شاؤوا عفوا. و كذا يدفع لهم ماله. و إن أسلم قبل الاسترقاق لم يسترق، و كان لهم القتل أو العفو.

(مسألة 131): إذا قتل الكافر كافرا اقتص منه إلا أن يسلم القاتل قبل القصاص فلا يقتل حينئذ، بل ليس لأولياء المقتول إلا الدية إن كان للمقتول دية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 278

(مسألة 132): إذا تعود المسلم قتل الذمي اقتص منه بعد أن يعطي فضل ما بين دية المسلم و الذمي فإن دية الذمي، ثمانمائة درهم، علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

الخامس: أن لا يكون القاتل أبا للمقتول، فلا يقتص من الأب لو قتل ابنه، و يقتص من الابن لو قتل أباه، كما يقتص من الام لو قتلت ولدها، و من الولد لو قتل امه، لكن بعد رد فاضل الدية إن كان ذكرا.

السادس: أن لا يكون المقتول مجنونا، فإن من قتل مجنونا لا يقتص منه.

(مسألة 133): الأحوط وجوبا عدم

الاقتصاص من الرجل إذا قتل الطفل غير البالغ.

السابع: أن يكون القاتل مبصرا، فإن كان أعمي فلا قصاص، بل تثبت الدية و تحملها عاقلته، لأنه في حكم قتل الخطأ.

الثامن: أن يكون القتل محرما، فلو كان سائغا في حق القاتل فلا قصاص، كما في سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام، و المرتد الفطري قبل توبته، و المقتول بقصاص أو حدّ، و المهاجم لو قتل دفاعا.

(مسألة 134): الظاهر ثبوت القصاص بقتل من عليه القتل حدا- كاللائط و الزاني المحصن- إذا تولاه من ليس له إقامة الحد. و كذا بقتل من عليه قصاص إذا تولاه من ليس له القصاص من دون توكيل منه.

(مسألة 135): إذا قتل المولود الشرعي ولد الزنا المحكوم بإسلامه ثبت لوليه القصاص، و لكن يعطي للقاتل فاضل الدية، فإن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم كما يأتي.

(مسألة 136): يثبت القصاص علي الرجل بقتله للرجل و للمرأة، و يثبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 279

القصاص علي المرأة بقتلها للرجل و للمرأة. لكن لو قتل الرجل المرأة لم يقتل بها إلا بعد دفع فاضل الدية له، فإن دية المرأة نصف دية الرجل. أما لو قتلت المرأة الرجل فهي تقتل به لا غير، و لا يجب عليها دفع فاضل الدية لأوليائه.

(مسألة 137): إذا اجتمع اثنان علي قتل واحد فأمسكه أحدهما و قتله الآخر كان القصاص علي القاتل، و كان علي من أمسكه أن يخلّد في السجن حتي يموت عقوبة و حدّا، فإن كان معهم ثالث ينظر إليهم لا يغير عليهم و هو يقدر علي التغيير كانت عقوبته أن تسمل عيناه.

(مسألة 138): إذا أمر رجل رجلا بقتل رجل آخر فقتله كان علي القاتل القصاص، و

علي الآمر أن يخلّد في السجن حدا و عقوبة. إلا أن يكون المأمور عبدا للآمر، فيقتل الآمر و يخلّد العبد في السجن. و يجري ذلك فيما لو كان الآمر أو المأمور أو المقتول امرأة. أما لو كان المأمور صغيرا غير مميز أو مجنونا كذلك فيقتل الآمر مطلقا و لا شي ء علي المأمور. و أما لو كان المأمور صبيا مميزا فلا قصاص علي الآمر و لا علي المأمور، بل يخلّد الآمر في السجن، و تثبت الدية علي المأمور تؤديها عنه عاقلته، كما يظهر مما يأتي في الديات.

(مسألة 139): إذا اشترك أكثر من واحد في قتل واحد ثبت القصاص عليهم. و حينئذ يتخير الولي في استيفائه بين وجوه.

الأول: أن يقتص منهم جميعا بعد رد فاضل الدية علي كل منهم، فإذا كانا اثنين رد عليها دية تامة بينهما، و إن كانوا ثلاثة رد عليهم ديتان بينهم، لكل منهم ثلثا دية، و إن كانوا أربعة رد عليهم ثلاث ديات بينهم لكل منهم ثلاثة أرباع الدية، و هكذا.

الثاني: أن يقتص من واحد منهم، و حينئذ يجب علي من بقي أن يرد علي ولي المقتص منه ما فضل من الدية، فإن كان من بقي واحدا دفع إليه نصف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 280

الدية، و إن كانا اثنين دفع كل واحد منهما ثلث الدية، و إن كانوا ثلاثة دفع إليه كل منهم ربع الدية، و هكذا.

الثالث: أن يقتص من بعضهم أكثر من واحد. مثلا إذا كان المشتركون في القتل أربعة كان له أن يقتص من اثنين، بعد أن يدفع لكل منهما نصف الدية، و يدفع الاثنان الباقيان كل منهما ربع الدية لوليي المقتص منهما فيكون لكل واحد من المقتولين المقتص

منهما ثلاثة أرباع الدية، و هكذا بقية الصور المتصورة.

و الضابط أن علي كل مشترك من دم القتيل بنسبة شركته، فإن استوفي منه أكثر من ذلك بالاقتصاص منه كان له الفاضل من الدية علي المستوفي للقصاص و علي من لم يقتص منه ممن شارك في القتل بنسبة شركتهم. و من ذلك يظهر أنه لو كان المشترك في القتل امرأة فقد لا يكون لها رد مع الاقتصاص منها، لأن ديتها نصف دية الرجل، فلو كان القاتل للرجل امرأتين كان لولي القتيل قتلهما معا من دون رد عليهما. و لو كان القاتل رجلا و امرأة كان له قتل الرجل و ترد المرأة علي ولي الرجل نصف الدية، و له قتل المرأة، و يرد الرجل نصف الدية علي ولي القتيل لا علي ولي المرأة، و علي هذا النهج تجري بقية الصور المتصورة.

(مسألة 140): في كل مورد يجوز القصاص مع رد الولي فاضل الدية، يتعين تقديم رد الفاضل للجاني ثم الاقتصاص منه، و لا يحل الاقتصاص منه قبل الرد. أما لو كان الرد من غير الولي- كما تقدم في المسألة السابقة- فلا يتوقف الاقتصاص علي تقديم الرد، بل يجوز الاقتصاص للولي قبله، و يجب بعده أن يرد بقية الجناة علي ورثة المقتص منه.

(مسألة 141): إذا قتل الجاني أكثر من واحد كان لأولياء كل قتيل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 281

الاقتصاص منه. فإن اجتمعوا علي الاقتصاص منه فلا شي ء لهم. و إن عفا بعضهم أو رضي بالدية و قبل بها الجاني لم يسقط حق الباقين من القصاص.

و إن سبق بعضهم بالقصاص من دون مراجعة الباقين فقد استوفي حقه. و هل يسقط حق الباقين، أو ينتقلون للدية- كما فيمن تعذر الاقتصاص

منه- وجهان أقواهما الثاني.

(مسألة 142): المسلمون تتكافأ دماؤهم، فكل مسلم محترم الدم يثبت القصاص بقتله مهما كان نسبه و من أي فرقة كان، بعد مراعاة الشروط المتقدمة.

الفصل الثاني في أحكام القصاص

(مسألة 143): لا يثبت القصاص إلا بعد موت المجني عليه، فمن اقتص قبله بعد الجناية كان ظالما للجاني و كان لولي الجاني حينئذ القصاص من المقتص، أو الرضا بالدية أو العفو. نعم إذا مات المجني عليه الأول بعد قتل الجاني ثبتت ديته في مال الجاني المقتول.

(مسألة 144): لا يستحق ولي المقتول مع القتل العمدي إلا القصاص.

و ليس له الإلزام بالدية بدلا عن القصاص إلا برضا الجاني. و حينئذ فلهما التراضي بما زاد علي الدية أو نقص عنها.

(مسألة 145): إذا توقف القصاص من ولي المقتول علي رده فاضل الدية للجاني كان لولي المقتول الخيار بين القصاص مع الرد و أخذ الدية، و ليس للجاني الامتناع من الدية.

(مسألة 146): إذا تعذر القصاص في قتل العمد للخوف من القاتل أو موته أو لمنع السلطان من القصاص أو نحو ذلك ثبتت الدية في ماله، فإن لم يكن له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 282

مال بقيت في ذمته كسائر ديونه. نعم إذا هرب القاتل فلم يقدر عليه و لم يكن له مال أخذت الدية من قرابته الأقرب له فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة كانت الدية علي الإمام، و لا يتعدي لغير ذلك من صور تعدد القصاص.

(مسألة 147): إذا صالح الجاني علي الدية ثم امتنع من أدائها فلا يعود حق القصاص و يبقي مطالبا بالدية، و كذا إذا عجز عن أدائها فإنها تبقي في ذمته كسائر ديونه و لا يتحملها عاقلته عنه و لا الإمام.

(مسألة 148): إذا أراد ولي المقتول القصاص من

القاتل، فخلصه شخص أو قوم حتي امتنع الاقتصاص علي الولي الزم الذي خلصه بإرجاعه و حبس حتي يحضره، فإن فدي نفسه بالدية و رضي بها ولي المقتول فذاك، و إن لم يفعل حتي مات القاتل الزم بالدية.

(مسألة 149): يثبت حق القصاص لولي الميت و هو وارث المال و في ثبوته للزوج و الزوجة إشكال، نعم هما يرثان من الدية لو رضي بها الوارث بدلا عن القصاص. و كذا من الدية الثابتة ابتداء، و هي دية الخطأ. و أما ما تعارف عند كثير من القبائل من إناطة الأمر بغير الوارث، كرئيس القبيلة و أكابرها فهو من عادات الجاهلية التي ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان. و اللازم علي المؤمنين نبذ ذلك و الرضوخ لأحكام اللّه تعالي و المحافظة علي حدوده لينالوا بذلك رضاه و يستحقوا رحمته، و إلا تعرضوا لنقمة اللّه تعالي و عقابه في الدنيا و الآخرة.

(مسألة 150): لولي الميت القصاص، و أخذ الدية برضا الجاني و بدونه علي اختلاف الصور المتقدمة. كما أن له العفو، بل إلا الإمام فإنه ليس له العفو، لا بد له إما من القصاص أو أخذ الدية.

(مسألة 151): إذا كان المقتول مسلما و ليس له أولياء من المسلمين إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 283

الإمام و كان له أولياء من أهل الذمة عرض عليهم الإمام الإسلام فمن أسلم منهم فهو وليه، فإن شاء اقتص و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدية، و إن لم يسلم منهم أحد كان الأمر للإمام، و ليس له إلا القصاص أو أخذ الدية، كما تقدم.

(مسألة 152): إذا كان ولي المقتول مولي عليه لصغر أو جنون فالظاهر أن لوليه العمل علي ما

فيه صلاحه من القصاص أو الدية أو العفو. و الأحوط وجوبا له الاقتصار علي مقتضي المصلحة المهمة التي يكون تفويتها تفريطا في حقه عرفا. و مع عدم وضوحها للولي ينتظر به حتي يرتفع الحجر عنه فيعمل حقه بنفسه.

(مسألة 153): إذا كان ولي الميت محجورا عليه لسفه أو فلس لم يمنعه ذلك من طلب القصاص، كما لا يمنعه من الرضا بالدية.

(مسألة 154): يجوز لولي الميت المبادرة بالقصاص و إن كان الأولي استئذان الإمام، أو نائبه الخاص، و في عصر الغيبة يستأذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 155): إذا تعدد الأولياء كان لكل منهم الاقتصاص من القاتل منفردا، لكن مع ملاحظة حق الآخرين، فإن رضوا بالقصاص فذاك، و إن أراد بعضهم الدية دفع له سهمه منها، و إن عفا بعضهم دفع سهمه من الدية لأولياء المقتص منه. و إن كان بعضهم غائبا لم يبطل حقه، بل ينتظر حتي يحضر فيعمل حقه، و كذا إذا كان مجنونا أو صغيرا فإنه لا يبطل حقه بل يعمله وليه أو ينتظر به ارتفاع الحجر عنه، كما تقدم.

(مسألة 156): للولي استيفاء القصاص بنفسه مباشرة، أو بتوكيل غيره علي أن يقوم به مجانا أو بأجرة، و تكون الأجرة عليه لا علي المقتص منه.

(مسألة 157): إذا كان المقتول ناقصا- كمقطوع اليد أو الرجل أو فاقد العين- ثبت القصاص أو الدية علي قاتله و إن كان تاما و لا يجب علي أولياء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 284

المقتول رد دية العضو الناقص علي القاتل. نعم إذا كان المقتول مقطوع اليد اليمني قصاصا أو كان قد جني عليه في قطعها فأخذ ديتها كان علي أوليائه رد دية اليد قبل القصاص، و إذا أخذوا الدية استثنوا دية اليد. و

في عموم ذلك لليد اليسري فضلا عن بقية الأعضاء إشكال، بل منع.

(مسألة 158): المقتول عمدا إن كان عليه دين و ليس له مال فلأوليائه القصاص و لا يضمنون الدين. نعم إذا عفوا في قتل العمد و الخطأ ضمنوا الدين. و لو أخذوا الدية كان عليهم وفاء الدين منها.

(مسألة 159): اللازم في القصاص قتل الجاني بما يجهز عليه من دون تعذيب و مثلة و نحوهما حتي لو كان قد قتل المجني عليه بالوجه المذكور.

و المشهور أنه لا يقتص منه إلا بالسيف، و لكن الظاهر الاكتفاء بكل ما يجهز عليه كالسلاح الناري. هذا كله مع استسلامه للقصاص جبرا أو اختيارا، أما مع امتناعه بحيث لا يمكن الاقتصاص منه إلا مباغتة فالظاهر جواز ما تيسر من الوجوه مع تحري الأبعد عن التعذيب و الأقرب للإجهاز.

(مسألة 160): إذا أراد ولي الدم أن يقتص من الجاني فضربه ضربة غير قاتلة كان ضامنا لما حصل منه، فإن كان عامدا و كانت الضربة مما يقتص فيه كان علي ولي الدم القصاص، و إلا كان عليه دية الضربة له، ثم يقتص منه. نعم إذا ضربه ضربة قاتلة حتي ظن أنه أجهز عليه لكنه عولج فبرئ فالأحوط وجوبا سقوط القصاص بذلك.

(مسألة 161): ليس للمجني عليه قبل موته حق العفو أو اختيار القصاص أو الدية، و لو اختار شيئا من ذلك فلا أثر له، بل يبقي الحق للولي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 285

الفصل الثالث في قصاص الطرف

و المراد منه ما لا تبلغ فيه الجناية إزهاق النفس، سواء اقتضت إتلاف عضو- كاليد و العين- أم لا، بل مجرد الاعتداء علي البدن بمثل الجرح و الخدش. فإنه يثبت في ذلك القصاص بالمثل في الجملة علي تفصيل يتضح مما

يأتي.

(مسألة 162): يشترط في قصاص الطرف ما يشترط في قصاص النفس من كمال الجاني- بالبلوغ و العقل- و عمده، و حرية المجني عليه إذا كان الجاني حرا، و إسلامه إذا كان الجاني مسلما، و عدم كون الجاني أبا للمجني عليه و عدم كون المجني عليه، مجنونا بل و لا صبيا علي الأحوط وجوبا، و أن يكون الجاني مبصرا، و أن تكون الجناية محرمة، علي التفصيل المتقدم هناك.

(مسألة 163): الظاهر أن الجناية عمدا علي الطرف موجبة لتخيير المجني عليه بين القصاص و الدية، فإن اختار الدية فليس للجاني الامتناع، بخلاف الجناية علي النفس، كما تقدم.

(مسألة 164): إذا جنت المرأة علي الرجل كان له القصاص بالمثل لا غير، و إذا جني الرجل علي المرأة كان لها القصاص منه بلا رد ما لم تبلغ دية الجناية ثلث دية قتل الرجل، فإذا بلغت ثلث الدية نزلت ديتها إلي النصف و كان عليها رد فاضل الدية. فمثلا: إذا قطع الرجل إصبعا أو إصبعين أو ثلاثا من أصابع المرأة كان لها القصاص من دون رد، فإن قطع أربعا كان لها القصاص مع رد نصف دية الأصابع المذكورة. و إذا فقأ الرجل عين المرأة أو قطع رجلها كان لها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 286

لها القصاص بفق ء عينه أو قطع رجله مع رد نصف دية العين و الرجل، و هو ربع دية النفس، و هكذا.

(مسألة 165): المعيار في بلوغ الثلث و عدمه علي وحدة الجناية عرفا و تعددها، فإذا كان قطع الأربع الأصابع دفعة واحدة عرفا كانت الجناية أكثر من الثلث و ثبت الرد، أما إذا كان متفرقا بحيث تعد جنايات متعددة فكل جناية دون الثلث و لا ردّ فيها.

(مسألة 166):

لا يشترط في القصاص في الأطراف التساوي في السلامة و العيب، فيقتص للمعيبة بالسليمة و للسليمة بالمعيبة بلا رد. نعم إذا كانت اليد شلاء فالأحوط وجوبا عدم القصاص فيها، بل الدية و هي ثلث دية اليد الصحيحة.

(مسألة 167): تقطع اليد باليد، فإن كان للجاني مماثل للمقطوع من حيثية اليمين و اليسار كان هو المقدم في القصاص، فتقطع اليمين باليمين و اليسار باليسار، و إلا سقطت المماثلة في ذلك، فإن لم يكن للجاني يد قطعت رجله مع مراعاة المماثلة من حيثية اليمين و اليسار مع الإمكان، و يسقط مع التعذر.

(مسألة 168): إذا فقأ الأعور عينا واحدة من ذي عينين كان له القصاص، فيفقأ عينه و إن صار أعمي. و أظهر من ذلك ما لو فقأ عين أعور مثله.

(مسألة 169): إذا فقأ صحيح العينين العين الصحيحة من الأعور تخير المجني عليه بين القصاص من إحدي عيني الجاني مع أخذ نصف دية الإنسان و أخذ دية تامة من دون قصاص. نعم لو كان عور الأعور لجناية جان فالأحوط وجوبا مع اقتصاصه عدم أخذ فاضل الدية.

(مسألة 170): في إذهاب الرؤية من العين مع بقائها القصاص إن أمكن من دون تعد علي الجاني بأكثر مما جني و مع خوف التعدي تتعين الدية. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 287

الحال في جميع منافع الأعضاء إذا ذهبت مع بقاء العضو سالما.

(مسألة 171): يثبت القصاص في إزالة الشعر إذا لم يكن فيه إفساد لمحله بل كان ينبت ثانيا. و كذا إذا كان فيه إفساد لمحله بحيث لا ينبت ثانيا إن أمكن القصاص، و إلا تعينت الدية.

(مسألة 172): يثبت القصاص في قطع الذكر من الرجل و الفرج من المرأة بالمثل، أما لو

قطع الرجل فرج المرأة أو المرأة فرج الرجل فلا قصاص، بل تتعين الدية. نعم إذا قطع الرجل فرج امرأته و امتنع عن دفع الدية كان للمرأة القصاص بقطع ذكره.

(مسألة 173): يثبت القصاص في الأسنان ذات الأصول الثابتة في أصل الفك. و لا يسقطه نباتها بعد ذلك و إن عادت كحالها الأول. نعم الأحوط وجوبا عدم القصاص إذا كانت لغير البالغ، لما تقدم في شروط القصاص. و أما الأسنان النابتة في اللحم غير ذات الأصول- المسماة بالأسنان اللبنية- فالظاهر وجوب القصاص فيها بمثلها إذا كان الجاني و المجني عليه كبيرين، و إن كان الفرض نادرا. أما القصاص عنها بالسن الأصلية فهو لا يخلو عن إشكال. و الأحوط وجوبا عدمه، و الرجوع إلي الدية سواء عادت أم لم تعد.

(مسألة 174): لا بد من المماثلة في قصاص الأسنان، فلا يقتص لأسنان المقدم بالطواحن و لا العكس، و لا يقتص بشي ء منها بالأنياب و لا العكس، بل الأحوط وجوبا عدم الاقتصاص للعليا بالسفلي و بالعكس. بل و عدم الاقتصاص للثنيتين المتوسطتين بالرباعيتين اللتين علي جانبيهما و بالعكس، بل يرضي في جميع ذلك بالدية. نعم الظاهر عدم إخلال اختلاف الجانب بالمماثلة عرفا، فيقتص لما في الجانب الأيمن بما في الجانب الأيسر و بالعكس. و إن كان الأحوط وجوبا الحفاظ علي المماثلة في الجانب مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 288

الإمكان و عدم الإخلال بها إلا مع التعذر كما إذا لم يكن للجاني سن مماثل في الجانب الذي اعتدي علي مثله في المجني عليه. و يجري جميع ذلك في الأصابع و في جميع الأطراف.

(مسألة 175): إذا قطع شي ء من جسد الإنسان أو شق ثم ألصق و أعيد إلي ما كان

عليه قبل الجناية- كما يشيع ذلك في عصورنا- فالظاهر سقوط القصاص. بل يشكل ثبوت الدية، و يحتمل الرجوع للحكومة التي يأتي الكلام فيها في الديات، فاللازم التصالح. نعم إذا أصلح النقص بأجنبي لم يمنع من القصاص، كما لو فقأ عينه فزرع عين حي أو ميت بدلها، أو قطعت شحمة أذنه فوضع بدلها لحمة من بدنه أو بدن غيره بعملية تجميل أو نحو ذلك.

(مسألة 176): إذا جني بما يستوجب القطع أو الشق ثم اقتص منه فأراد إصلاحه بإلصاقه و إعادته علي ما كان عليه قبل القصاص لم يمكّن من ذلك، و لو فعل أعيد القصاص عليه لإبقاء النقص. نعم في منعه من إصلاح النقص بأجنبي- نظير ما تقدم في المسألة السابقة- إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 177): إذا قطع منه شي ء و اقتص لنفسه ثم تسني للمجني عليه أن يعيد ما قطع منه بنفسه و رجع الحال إلي ما كان عليه قبل الجناية، فإن كان يعلم قبل الاقتصاص بقدرته علي الإصلاح و حصوله منه ثم اقتص بنفسه كان عليه القصاص، و إن لم يعلم بذلك أو وكّل شخصا بالقصاص و لم يباشره فلا قصاص عليه، بل الدية إن كان قد اقتص بنفسه جاهلا بالحال. و إن قام غيره مقامه في الاقتصاص فلا دية عليه أيضا، بل يتحملها المباشر، إلا أن يكون تابعا للإمام فتكون علي بيت مال المسلمين. نعم إذا كان المجني عليه غارّا لمطالبته بالقصاص مع علمه بحصول الإصلاح كان لمن يؤدي الدية الرجوع بها عليه.

و علي كل حال ليس للمقتص منه منع المجني عليه من الإصلاح، فضلا عن أن يلزمه بعد حصول الإصلاح بإرجاع الحال إلي ما كان قبله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص:

289

(مسألة 178): يثبت القصاص في الجراح و الشجاج مع انضباطها و عدم كون القصاص معرضا للنفس للهلاك أو معرضا للعضو التلف أو الضرر.

(مسألة 179): لا يثبت القصاص في الجرح الواصل للجوف و لا الناقل للعظم عن محله، و لا الواصل لام الرأس، و لا الهاشم للعظم.

(مسألة 180): لا يثبت القصاص في كسر العظم حتي كسر الذراع علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 181): في الجراح و الشجاج التي يثبت فيها القصاص لا بد من مساواة القصاص للجناية طولا و عرضا و عمقا و تكفي المساواة العرفية. كما أنه يجوز الاقتصاص بالأقل. و في استحقاق الدية للزائد إشكال.

(مسألة 182): إذا اقتص من الجاني فسرت الجناية عليه بوجه غير متوقع لطوارئ خارجية فمات أو تلف عضو منه أو نحو ذلك فلا قصاص له و لا دية.

و كذا إذا سرت الجناية بنفسها بوجه غير متوقع لا لطوارئ خارجية و كان القصاص بأمر الإمام أو الحاكم الشرعي. و أما إذا لم يكن بأمره فلا قصاص، و في سقوط الدية للسراية إشكال، فاللازم التصالح.

(مسألة 183): في ثبوت القصاص في الضرب بالسوط و غيره، و في اللطمة و نحوها إشكال، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الدية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 290

خاتمة

فيها مسائل.

الأولي: إذا لجأ الجاني لحرم مكة المعظمة لم يقتص منه في النفس و لا في الجراح و لا في غيرها، بل لا يبايع و لا يشاري و لا يطعم و لا يسقي و لا يكلم حتي يخرج منه. نعم إذا جني في الحرم اقتص منه فيه. و لا يلحق بالحرم المذكور حرم المدينة المشرفة و لا مشاهد الأئمة عليهم السّلام، إلا أن يلزم من القصاص فيها هتكها، فيحرم.

الثانية: يستحب العفو

عن القصاص في النفس و الطرف و غيرهما، كما حثّ علي ذلك الكتاب المجيد و تظافرت به الأخبار، قال تعالي وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لٰا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَكُمْ. و في الحديث: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ قال: يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفي عنه من جراح أو غيره». و يتأكد ذلك في النادم التائب، فإن في الندم و تأنيب الضمير من الألم النفسي ما قد يزيد علي العقاب البدني.

و خصوصا إذا استسلم للقصاص الذي فيه من كسر النفس و الإقدام علي تحمل المشقة ما يطفئ غضب المعتدي عليه و يشفي غيضه و ما يستحق به المستسلم للشكر الجزيل و الجزاء الجميل.

الثالثة: إذا عفا من بيده القصاص عن القصاص فليس له الرجوع في ذلك، لأن حقه قد سقط بالعفو و لا يعود بعد سقوطه، قال تعالي فَمَنِ اعْتَديٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذٰابٌ أَلِيمٌ، و عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية أنه قال: «هو الرجل يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يعتدي، فله عذاب أليم، كما قال اللّه عز و جل».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 291

القسم الثاني في الديات

اشارة

الدية هي المال المفروض تداركا للجناية الواردة علي النفس أو البدن.

و هي تثبت بالأصل في مورد الخطأ، و مع العمد في مورد لا قصاص فيه. كما تثبت شرعا بدلا عن القصاص في مورد تعذره، و تثبت بالتراضي بدلا عن القصاص مع إمكانه، كما يتضح مما تقدم.

و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في دية النفس

(مسألة 184): دية قتل المسلم عمدا أحد أمور.

الأول: مائة من الإبل. و لا بد من كونها مسنة. و الأحوط وجوبا أن تكون داخلة في السنة السادسة، و أن تكون فحولة لا إناثا.

الثاني: مائتان من البقر. و يكفي فيه ما يصدق عليه أنه بقر. و إن كان الأحوط استحبابا أن تكون إناثا مسنّة، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

الثالث: ألف من الغنم. و يكفي فيه ما يصدق أنه شاة.

الرابع: ألف دينار ذهب. و قد تقدم في كتاب الزكاة أن الدينار أربعة غرامات و ربع تقريبا، فتكون الدية أربعة كيلوات من الذهب و ربع الكيلو تقريبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 292

الخامس: عشرة آلاف درهم فضة. و قد تقدم في كتابي الزكاة و اللقطة أن الدرهم ثلاثة غرامات إلا ربع عشر الغرام تقريبا، فتكون الدية ثلاثين كيلوا إلا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

السادس: مائتا حلّة، و كل حلة ثوبان إزار و رداء، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي برود اليمن.

(مسألة 185): الأحوط وجوبا الاقتصار في كل خصلة من خصال الدية الستة علي من يناسبه، فيؤخذ من أهل الإبل- و هم أهل البوادي- الإبل، و من أهل البقر البقر، و من أهل الغنم الغنم، و من أهل الدنانير الدنانير، و من أهل الدراهم الدراهم، و من أهل الحلل الحلل، و إن كان بعض الناس من أهل

أكثر من نوع واحد خيّر بينهما. نعم من لم يكن من أهل شي ء من هذه الخصال كأهل المدن في زماننا- يتخير بين الخصال الستّ.

(مسألة 186): في مورد ثبوت التخيير فالذي يخير هو الجاني و من يقوم مقامه ممن يكلف بدفع الدية، لا من يستحق الدية. نعم إذا ثبتت الدية بالصلح بدل القصاص أمكن جعلها علي وجه آخر، كما يمكن الزيادة علي الدية.

(مسألة 187): دية العمد يؤديها الجاني نفسه. نعم إذا ثبتت بالصلح بدل القصاص أمكن أن تجعل علي غيره.

(مسألة 188): تؤدي دية العمد في سنة. و المراد بذلك أنها تؤدي في سنة من حين ثبوتها لا من حين حصول القتل. نعم إذا ثبتت بالصلح بدل القصاص أمكن تحديد مدة أدائها علي خلاف ذلك.

(مسألة 189): تقدم في أول الكلام في القصاص أن الخطأ علي قسمين.

الأول: شبه عمد. و يتحقق بما إذا قصد إصابة المجني عليه بما لا يوجب القتل عادة، من دون قصد للقتل إذا صادف حصول القتل به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 293

الثاني: خطأ محض. و هو الذي لا يقصد به إصابة المجني عليه، بل يصيبه من دون قصد. و فيهما معا الدية دون القصاص.

(مسألة 190): دية شبه العمد هي الخصال الست المتقدمة، إلا أن الأحوط وجوبا أن تكون الغنم فيها ذكرانا. كما أن أسنان الإبل فيها تختلف فتتردد بين وجهين.

الأول: أن تكون ثلاثا و ثلاثون منها حقّة- و هي الداخلة في السنة الرابعة- و ثلاث و ثلاثون جذعة- و هي الداخلة في السنة الخامسة- و أربع و ثلاثون ثنيّة- و هي التي ولدت بطنين- كما ان الأحوط وجوبا أن تكون كلها حامل.

الثاني: أن تكون أربعون منها حامل بين الثنية، و هي ولدت

بطنين، كما سبق، و بازل عامها- و هي الداخلة في السنة التاسعة- و ثلاثون بنت لبون- و هي الداخلة في السنة الثالثة- و ثلاثون حقة. و يحسن مع ذلك الاحتياط بالصلح.

(مسألة 191): دية شبه العمد يؤديها الجاني نفسه، كدية العمد، فإن امتنع من أدائها أو مات ثبتت في ماله، فإن لم يكن له مال كانت كسائر الديون الثابتة في ذمته.

(مسألة 192): دية الخطأ المحض هي الخصال الست المتقدمة، إلا أن الأحوط وجوبا في أسنان الإبل فيها أن تكون ثلاثون حقة- و تقدم شرحها و ثلاثون ابنة لبون، و عشرون ابن لبون- و هما ما يدخل في السنة الثالثة و عشرون بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية. و يمكن التراضي علي غير ذلك.

(مسألة 193): دية الخطأ المحض في القتل و الأطراف و الجروح و غيرها علي العاقلة، و هي عشيرة الجاني. علي ما يأتي توضيحه في محله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 294

(مسألة 194): تؤدي دية قتل الخطأ في ثلاث سنين من حين القتل، من دون فرق بين شبه العمد و الخطأ المحض.

(مسألة 195): إذا وقع القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم كانت الدية مغلظة، و هي دية و ثلث من دية المقتول في غيرها، رجلا كان أو امرأة. و يختص ذلك بدية القتل و لا يعم دية الأطراف و الجروح و غيرهما. و لا يلحق بحرم مكة حرم المدينة المنورة و لا غيره من الأماكن المقدسة، كالمساجد و المشاهد المشرفة.

(مسألة 196): دية المرأة نصف دية الرجل من جميع الخصال الست المتقدمة. و يجري فيها التغليظ المتقدم إذا قتلت في الحرم أو في الأشهر الحرم.

(مسألة 197): يستثني من ثبوت الدية

في قتل المسلم خطأ ما إذا قتل في أرض الكفر بتخيل كونه كافرا، فإنه لا تثبت به الدية حينئذ و تثبت به الكفارة لا غير.

(مسألة 198): دية ولد الزنا، من الأبوين معا إذا حكم بإسلامه تبعا لأبويه أو لأنه أظهر الإسلام ثمانمائة درهم، و دية المرأة علي النصف من ذلك.

و يجري فيهما التغليظ المتقدم. و أما ديات الأعضاء و الجروح و نحوها فإنها تنسب للدية المذكورة بنسبة دية أعضاء و جروح غيره لديته، فدية عينه مثلا أربعمائة درهما و دية إصبعه ثمانون درهما، و هكذا. و أما إذا كان الزنا من أحد الأبوين دون الآخر فدية الولد دية الولد الشرعي.

(مسألة 199): دية الذمي ثمانمائة درهم، و دية المرأة علي النصف، و يجري فيهما التغليظ المتقدم، و علي ذلك تنسب ديات الأعضاء و الجروح و نحوها، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 295

(مسألة 200): لا دية لكافر غير ذمي.

(مسألة 201): إذا أدّب الزوج زوجته تأديبا مشروعا بما لا يوجب القتل عادة فصادف موتها فعليه ديتها. و كذا الولي إذا أدّب المولي عليه.

(مسألة 202): تقدم في كتاب الإجارة أن الطبيب ضامن ما لم يتبرأ من الضمان. لكن ذلك يختص بما إذا أوكل العلاج له. أما إذا اذن له في وجه خاص، فقام به و لم يتجاوزه، فأدّي ذلك إلي التلف، فلا ضمان عليه مطلقا، كما لو اذن له في شق خراج في بدنه فشقّه فمات بسبب الشق بوجه غير متوقع، فإنه لا دية حينئذ. نعم إذا لم يستند التلف لأصل الشق، بل لخصوصية فيه غير مأذون فيها بالخصوص اختارها بمقتضي اجتهاده توقف عدم ضمانه علي براءته من الضمان، كما إذا استند

لكيفية الشق أو لعدم ربطه بعد تنظيف الخراج أو نحو ذلك. و كذا يضمن إذا كان غارّا، بأن أظهر أنه من أهل الخبرة و المعرفة و لم يكن كذلك، بل لا تنفع البراءة من الضمان حينئذ. كما أنه لو كان العمل مما لا يستبعد معه التلف كان عليه القصاص حينئذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 296

الفصل الثاني في ديات قطع الأعضاء و نحوها مما في البدن

تمهيد: في الأرش و الحكومة

في كل اعتداء علي الإنسان المحترم الدم الدية. فإن كان لذلك الاعتداء مقدر شرعا مستفاد من دليل عام أو خاص عمل عليه، و إن لم يثبت لذلك مقدر شرعا ففيه الأرش، و قد يسمي بالحكومة. و الأحوط وجوبا في تحديده الرجوع لحكمين عادلين يحكمان به. فإن اتفق الطرفان علي تعيينهما فذاك، و إن اختلفا رجعا للحاكم الشرعي في تعيينهما، و لا بد أن يبتني حكم الحكمين علي ملاحظة الدية الشرعية المنصوصة للنفس و الأطراف و الجروح و غيرها، و مقايسة غير المنصوص به حسبما يتوصل إليه اجتهادهما بعد إعمال منتهي طاقتهما. و لا بد مع ذلك من التصالح بين الطرفين الجاني أو عاقلته و المجني عليه أو وارثه إما علي الرجوع للحكمين قبل تحكيمهما أو علي ما حكما به بعد تحكيمهما و صدور الحكم منهما.

إذا عرفت هذا، فيقع الكلام في هذا الفصل في ديات القطع المنصوصة و غيرها. و هو يكون في أمور.

الأول: الشعر:

(مسألة 203): إذا أزيل شعر اللحية من الرجل، فإن عاد و نبت ثانيا ففيه ثلث دية الرجل، و إن لم ينبت ففيه الدية كاملة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 297

(مسألة 204): إذا أزيل شعر الرأس من الرجل فإن نبت ففيه الأرش و الحكومة، و إن لم ينبت فالمشهور أن فيه الدية كاملة. و الأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 205): إذا أزيل شعر رأس المرأة فإن نبت ففيه مهر نسائها، و إن لم ينبت ففيه ديتها.

(مسألة 206): إذا أصيب الحاجب فذهب شعره و لم ينبت فديته نصف دية العين، و هو ربع الدية التامة، و في بعضه بالنسبة. فإن نبت ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 207): في أبعاض الشعر المتقدم غير الحاجب الحكومة، سواء كان

التبعيض في مساحة منبت الشعر أم في طول الشعر، كما إذا قصة و قصره.

و كذا الحال في بقية شعر البدن كأهداب العينين و شعر العانة و غيرهما.

الثاني: العين:

(مسألة 208): إذا قلعت أو فقئت العين من شخص- رجل أو امرأة- كان له نصف ديته، و في العينين معا ديته كاملة. من دون فرق بين العين الصحيحة و العمشاء و الجاحظة و الحولاء و غيرها.

(مسألة 209): في العين الصحيحة من الأعور ديته كاملة، و إذا كان عورة بجناية جان عليها ففي ثبوت تمام الدية أو نصفها وجهان، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 210): في العين القائمة إذا لم تكن مبصرة ثلث ديتها.

(مسألة 211): في شتر جفن العين الأعلي ثلث دية العين، و في شتر جفنها الأسفل نصف دية العين. و كذا الحال في قطعهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 298

(مسألة 212): ليس في الأهداب شي ء إذا أصيبت مع الأجفان، و إنما يثبت فيها الأرش- كما تقدم- إذا أصيبت وحدها.

(مسألة 213): إذا أصيب الجفن مع العين ثبت لكل ديته، و لا تتداخل الديتان.

الثالث: الأنف:

(مسألة 214): إذا قطع مارن الأنف- و هو ما لان منه- كله من شخص ففيه ديته تامة، و كذا فيما زاد عليه حتي يستأصل كله. نعم مع تعدد الجناية بأن قطع شخص المارن أولا ثم قطع هو أو غيره ما زاد عليه من الأنف ثبتت الدية في المارن، و كان في الزائد الأرش و الحكومة.

(مسألة 215): إذا قطع من شخص طرف الأنف المشرف علي الفم ففيه نصف ديته. و في كل واحد من جانبيه و هو الظاهر من المنخر ثلثها.

و كذا في إزالة الحاجز بين المنخرين، لكن مع التصالح عليه بين الطرفين علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 216): إذا نفذت نافذة في أحد المنخرين و برئت ففيها عشر الدية، و إن لم تبرأ ففيها ثلث الدية.

الرابع: الأذن:

(مسألة 217): في قطع الاذن من أصلها من شخص نصف ديته، و في قطع الأذنين معا منه دية تامة. من دون فرق بين الاذن الصماء و غيرها.

(مسألة 218): إذا قطع بعض الاذن ففيه من دية الأذن بنسبة المقطوع لمجموع الاذن. نعم يثبت ثلث دية الاذن في قطع شحمتها، و هي اللحمة التي في أسفلها.

(مسألة 219): في خرم الاذن و ثقبها الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 299

الخامس: الشفة:

(مسألة 220): إذا استؤصلت الشفتان معا من شخص ففيهما ديته تامة.

(مسألة 221): إذا استؤصلت الشفة العليا وحدها من شخص ففيها نصف ديته. و إذا قطع بعضها ففيه من الدية المذكورة بنسبة المقطوع لمجموع الشفة.

(مسألة 222): إذا شقت الشفة العليا حتي بانت منها الأسنان ثم عولجت و التأمت و برئت ففيها خمس ديتها، و إن لم تلتئم و بقي شينها قبيحا ففيها خمس ديتها و ثلث الخمس. و فيما عدا ذلك منها الحكومة و الأرش.

(مسألة 223): إذا استؤصلت الشفة السفلي وحدها من شخص ففيها ثلثا ديته، و إذا قطع بعضها ففيه من الدية المذكورة بنسبة المقطوع لمجموع الشفة.

(مسألة 224): إذا شقت الشفة السفلي حتي بانت الأسنان منها ثم التأمت بالتداوي و العلاج ففيها خمس ديتها، و إن لم تلتئم و بقي شينها قبيحا ففيها نصف ديتها. و فيما عدا ذلك منها الحكومة و الأرش.

(مسألة 225): إذا أصيبت الشفة فتقلصت من دون جرح أو قطع ففيها الحكومة.

السادس: اللسان:

(مسألة 226): في لسان الصحيح ديته كاملة. و في لسان الأخرس ثلث ديته. و في أبعاضهما الحكومة.

(مسألة 227): في قطع لسان الطفل الذي لم يتكلم الدية كاملة، إلا أن يعلم بأنه أخرس ففيه ثلث الدية.

السابع: الأسنان:

(مسألة 228): في الأسنان بجموعها إذا أسقطت من الإنسان ديته كاملة.

(مسألة 229): تقسم الدية علي ثمانية و عشرين سنا المقدم منها- و هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 300

الأنياب الأربعة و ما بينها- اثني عشر، و المؤخر منها- و هو الأضراس- ستة عشر. لكل واحد من المقدم نصف عشر الدية تكون بحساب الدنانير خمسين دينارا، و مجموعها ستمائة دينار. و لكل واحد من المؤخر ربع عشر الدية تكون بحساب الدنانير خمسة و عشرين دينارا، و مجموعها أربعمائة دينار.

(مسألة 230): يكفي في ثبوت دية السن انفصال ما ظهر منه خارج اللثة بكسر أو نشر أو نحوهما، و لا يشترط فيه قلعه من أصله. و في انفصال بعض ما ظهر منه بكسر و نحوه الأرش و الحكومة.

(مسألة 231): من نقصت أسنانه خلقة فقلعت كلها نقصت ديتها بالنسبة.

(مسألة 232): في الأسنان الزائدة الأرش و الحكومة، سواء قلعت مع الأصلية أم وحدها.

(مسألة 233): إذا ضربت السن انتظر بها سنة، فإن وقعت غرم الضارب ديتها، و إن اسودت فعليه ثلثا ديتها، و إن تغيرت بغير السواد أو لم تتغير ففيها الأرش و الحكومة.

(مسألة 234): إذا أسقطت السن السوداء ففيها ربع ديتها.

(مسألة 235): ما سبق يختص بدية الأسنان ذات الأصول النابتة في الفك، و أما الأسنان النابتة في اللحم غير ذات الأصول- المسماة بالأسنان اللبنية فالظاهر فيها الأرش. و الأحوط وجوبا تقديره لكل سن ببعير، من دون فرق بين نبات غيرها مكانها و عدمه. نعم

إذا كان عدم نبات غيره ناشئا عن خلل في الفك بسبب الجناية علي السن، ففيه الأرش و الحكومة غير ما ثبت بسبب سقوط السن.

(مسألة 236): لو ثبت مكان السن المقلوع سنا حقيقية- من إنسان أو حيوان- أو صناعية فجني عليها جان فأزالها أو كسرها فعليه ضمان نقص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 301

ذلك، و المرجع فيه الصلح، و مع التشاح يرجع للحاكم الشرعي.

الثامن: اليد:

(مسألة 237): في قطع كل يد من شخص نصف ديته، و في اليدين معا ديته تامة.

(مسألة 238): المدار في قطع اليد علي العضو الخاص، المنتهي بالمنكب، سواء قطع من تمام الكف أم مما زاد عليها، بأن قطع مع الذراع أو مع العضد أو مع أبعاضهما، فتثبت دية اليد في ذلك كله من دون زيادة و لا نقيصة.

نعم إذا قطعت الكف مثلا فثبتت دية اليد ثم قطع الذراع بجناية أخري ففيه الأرش و الحكومة، و كذا في كل جناية أخري بعد قطع الكف.

(مسألة 239): في شلّ اليدين معا الدية، و في شلّ إحداهما نصفها، كما هو الحال في القطع.

التاسع: الأصابع:

(مسألة 240): في أصابع اليدين بتمامها من شخص ديته، و كذا في أصابع الرجلين.

(مسألة 241): تقسم دية الأصابع علي عشرة، فلكل إصبع عشر الدية.

(مسألة 242): تقسم دية الإبهام علي مفصلين، ففي قطع المفصل الأعلي منهما وحده نصف دية الإبهام، و لا تتم دية الإبهام إلا بقطعه من أصله. و تقسم دية بقية الأصابع علي ثلاثة مفاصل، ففي قطع المفصل الأعلي وحده ثلث دية الإصبع، و في قطع الثاني ثلثاها، و لا تتم دية الإصبع إلا بقطعه من أصله.

(مسألة 243): في فصل كل ظفر من اليد أو الرجل خمسة دنانير.

(مسألة 244): في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الأصلية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 302

العاشر: الثديان:

(مسألة 245): في ثدي المرأة نصف ديتها، و في الثديين معا تمام ديتها.

و في حلمة ثديها ربع ديتها، و في الحلمتين معا نصف ديتها.

(مسألة 246): في حلمة ثدي الرجل ثمن ديته، و فيما زاد عليها من ثديه الأرش و الحكومة.

الحادي عشر: الذكر:

(مسألة 247): في قطع الذكر الدية تامة. من دون فرق بين الصغير و الكبير، الشاب و الشيخ، حتي العنين. نعم في ذكر الخصي ثلث ديته. و كذا في الذكر المشلول غير ذكر العنين.

(مسألة 248): يكفي في ثبوت الدية التامة قطع الذكر من الحشفة فما زاد.

و أما قطع بعض الحشفة ففيه الأرش و الحكومة. و الأحوط وجوبا كونه من الدية بنسبة المقطوع لتمام الحشفة.

الثاني عشر: البيضتان:

(مسألة 249): في قطع بيضة الرجل نصف ديته، و في قطع البيضتين معا دية تامة. و الأحوط استحبابا التصالح بين الجاني و المجني عليه عن اليسري بما بين نصف الدية و ثلثيها، و عن اليمني بما بين نصفها و ثلثها.

(مسألة 250): في بيضتي الخصي إن كانتا موجودتين ثلث ديته.

الثالث عشر: قبل المرأة:

(مسألة 251): في قطع قبل المرأة ديتها تامة. من دون فرق بين السليمة و المعيبة- كالرتقاء و القرناء- و البكر و الثيب و الصغيرة و الكبيرة.

(مسألة 252): المشهور أن في قطع كل من الشفرين الكبيرين من المرأة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 303

نصف ديتها و فيهما معا ديتها تامة. لكن الظاهر أن فيهما الأرش و الحكومة.

و كذا في قطع بقية أجزاء الفرج. لأن القبل ليس خصوص الشفرين الكبيرين، فلا بد من توزيع الدية علي تمام الأجزاء، و لا طريق للتوزيع المذكور إلا الحكومة.

الرابع عشر: الرجلان:

(مسألة 253): في قطع رجل واحدة من الشخص نصف ديته، و في قطعهما معا ديته كاملة.

(مسألة 254): المدار في قطع الرجل علي العضو الخاص المنتهي في أصل الفخذ، سواء قطع من تمام القدم حيث مفصل الساق أم من الركبة أم من أصل الفخذ، نظير ما تقدم في اليدين. كما أن في قطع أصابعهما ما تقدم عند الكلام في الأصابع.

(مسألة 255): في شلّ الرجلين دية كاملة، و في شلّ إحداهما نصف الدية، كما هو الحال في القطع.

(مسألة 256): في قطع كل عضو لا يؤدي وظيفته- لشلل أو نحوه- ثلث الدية، كذكر الخصي و أنثييه و لسان الأخرس و عين الأعمي و اليد الشلاء و نحو ذلك. و يستثني من ذلك ذكر العنين كما تقدم.

و هناك فروع كثيرة أعرضنا عنها خوف التطويل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 304

الفصل الثالث في ديات الجرح و الصدع و الكسر و نحوها

(مسألة 257): إذا جرح الرأس جرحا خفيفا يسلخ الجلد و لا يأخذ من اللحم ففيه جزء من مائة جزء من الدية، و هي بعير أو عشرة دنانير أو نحوهما من بقية أصناف الدية.

(مسألة 258): إذا جرح الرأس جرحا يأخذ من اللحم يسيرا ففيه جزءان من مائة جزء من الدية.

(مسألة 259): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم و لا يبلغ الغشاء الرقيق الذي يحيط بالعظم ففيه ثلاثة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 260): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم حتي يصل الغشاء الرقيق الذي يحيط بالعظم ففيه أربعة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 261): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم حتي يصل إلي العظم و يوضحه ففيه خمسة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 262): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في العظم و يهشمه

ففيه عشر الدية، فإن نقل العظم عن موضعه ففيه عشر و نصف يعني خمسة عشر جزء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 263): إذا هشم عظم الرأس أو نقل من مكانه من دون جرح ففي جريان الحكم السابق عليه إشكال، و الأحوط وجوبا فيه الرجوع للأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 305

(مسألة 264): إذا جرح الرأس جرحا يبلغ أم الدماغ- و هي جلدة رقيقة تجمع الدماغ تحت الجمجمة- ففيه ثلث الدية، و كذا الحال إذا نزل الجرح إلي جوف الدماغ.

(مسألة 265): إذا أعطيت الدية في المسألة السابقة من الإبل كفي فيها ثلاث و ثلاثون، و يسقط الكسر و هو ثلث بعير، أما في غير الإبل فلا يسقط الكسر حتي في البقر و الغنم.

(مسألة 266): الجروح المتقدمة بمراتبها المختلفة إذا حصلت في الوجه كانت ديتها مثل ديتها إذا حصلت في الرأس، فالمراد بالرأس ما يقابل الرقبة لا خصوص منبت الشعر.

(مسألة 267): إذا نفذ الجرح في الخد إلي فضاء الفم و لم يكن جرحا واسعا يري منه داخل الفم فديته مائة دينار، فإن كان جرحا واسعا يري منه داخل الفم فديته مائتا دينارا، فإن التأم و بقي أثره و شينه كان فيه خمسون دينارا للشين، فيكون مجموع ديته مائتين و خمسين دينارا.

(مسألة 268): إذا أبينت من الخد قطعة من اللحم بقدر الدرهم من دون أن تكون الإصابة مظهرة للعظم ففيها ثلاثون دينارا.

(مسألة 269): إذا كان في الخد جرح غير نافذ فبرئ ففيه عشرة دنانير.

لكن في استحقاقها بمجرد ذلك أو بشرط أن يبقي له أثر بعد البرء إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح. و أما جرح الوجه في غير الخد فيلحقه حكم الجروح في الرأس بمراتبها السابقة كما

تقدم.

(مسألة 270): إذا خرق السهم أو الطلقة الخد حتي نبتت في عظم الحنك كان فيها مائة و خمسون دينارا، مائة منها لخرق الخد و خمسون لإصابة عظم الحنك. و كذا الحال في كل إصابة تبلغ العظم و توضحه في الوجه فإن لها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 306

خمسين دينارا إذا التحمت من دون شين، فإن التحمت مع الشين زادت الدية للشين و قدرت الزيادة بستة دنانير و ربع، و لكن الأحوط وجوبا فيها الصلح.

(مسألة 271): لو كسر الأنف من دون أن يقطع منه شي ء و من دون أن تفقد بسببه حاسة الشم ففيه الحكومة، سواء جبر علي غير عيب أم لا.

(مسألة 272): في الجناية علي الرقبة بحيث تميل إلي أحد الجانبين و تقف بحيث لا يستطيع الإنسان أن يلتفت نصف الدية. و أما في غير ذلك من الجنايات علي الرقبة من جرح أو كسر أو غيرهما ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 273): في كسر الظهر من شخص ديته كاملة، و كذا إذا أصيب فاحدودب أو تعذر بسببه الجلوس، نعم إذا كسر ثم جبر من غير عيب ففيه مائة دينار. و لو حصل بسببه عيب آخر ثبتت دية ذلك العيب.

(مسألة 274): لما كان الظهر و الصلب عظاما متصلة بانتظام فالمراد بكسرها ليس هو كسر عظم واحد منها، كما في كسر عظمي العضد و الساق، بل فصلها علي وجه يختلّ نظامها و بنحو يشبه كسر العظم الواحد، بحيث يصدق عرفا أنه كسر.

(مسألة 275): في جرح الظهر جرحا يظهر فيه العظم خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 276): الترقوة هي العظم الناتئ المعترض في أعلي الصدر بين وسط الرقبة و المنكب. و

في كسرها إذا جبرت من غير عيب أربعون دينارا فإن نقل العظم عن موضعه كان فيه عشرون دينارا زائدا علي دية الكسر.

(مسألة 277): صدع العظم عبارة عن شقه من دون أن ينفصل، و هو في المسمي في عرفنا بالصدع إذا عرفت هذا ففي صدع الترقوة اثنان و ثلاثون دينارا، و في نقبها عشرة دنانير. و المراد بالنقب حفر العظم و إن لم يخرج من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 307

الجانب الآخر و يكون ثقبا.

(مسألة 278): في جرح الترقوة جرحا يظهر فيه عظمها خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يخرج العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 279): في كسر الترقوة إذا لم تجبر أو جبرت علي عيب الأرش و الحكومة.

(مسألة 280): في كسر كل ضلع من الأضلاع العليا المسامتة للقلب خمسة و عشرون دينارا، و في صدعه اثنا عشر دينارا و نصف. و في نقبه بالمعني المتقدم- ستة دنانير و ربع، و في نقله عن موضعه سبعة دنانير و نصف.

(مسألة 281): في الجرح الذي يظهر فيه عظم أحد الأضلاع المذكورة ستة دنانير و ربع، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 282): في كسر كل ضلع من الأضلاع السفلي عشرة دنانير، و في صدعه سبعة دنانير، و في نقله عن موضعه خمسة دنانير، و في نقبه- بالمعني المتقدم- ديناران، و نصف و كذا في الجرح الذي يظهر فيه عظم أحد الأضلاع المذكورة، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 283): في رضّ الصدر إذا انثني و تقوس أحد جانبيه مائتان و خمسون دينارا، و إذا انثني و تقوس كلا جانبيه خمسمائة دينار، و إذا رض من غير أن ينثني ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 284):

في رض كل كتف إذا انثني و تقوس مائتان و خمسون دينارا، و إذا رض كلاهما ففيه خمسمائة دينار. و إذا رض أحدهما أو كلاهما من غير أن ينثني ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 285): في جرح الصدر أو الكتف حتي يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، فإذا لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 308

(مسألة 286): في كسر المنكب إذا جبر من غير عيب مائة دينار، و في صدعه ثمانون دينارا-، و في نقل عظامه عن موضعها بعد الكسر خمسون دينارا زيادة علي مائة دينار للكسر. و في فك مفصله- المسمي في عرفنا بالفسخ- من دون كسر ثلاثون دينارا. و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا.

و كذا في الجرح الذي يظهر به عظمه، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 287): إذا رض المنكب فلم يجبر أو جبر علي عيب فديته ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 288): في كسر العضد إذا جبر من غير عيب خمس دية اليد مائة دينار، و في نقل عظامه خمسون دينارا، و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا، و كذا في الجرح الذي يظهر عظمه، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 289): إذا كسر العضد و لم يجبر أو جبر علي عيب ففيه الأرش و الحكومة. و كذا في صدعه من دون كسر.

(مسألة 290): في الجناية علي الساعد- الذي هو عظم الذراع و الذي له قصبتان- بالكسر و غيره الأرش و الحكومة، و إن كان المظنون أنه في كسره بكلا قصبتيه مائة دينار، و في كسر إحداهما خمسون دينارا، و في جرحه حتي

يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، و في إحدي القصبتين أربعون دينارا. لكن ذلك لا يغني عن الاحتياط بالصلح أو بالحكومة في ذلك و في بقية صور الجناية علي الساعد، نعم لا إشكال في أن دية القرحة فيه التي لا تبرأ ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 291): في كسر المرفق- الذي هو المفصل بين العضد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 309

و الذراع- إذا جبر من غير عيب مائة دينار، فإن رضّ و بقي عيبه ففيه ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار و هي ثلث دية النفس.

(مسألة 292): في صدع المرفق ثمانون دينارا، و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا. و في جرحه حتي يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، و في نقل عظامه خمسون دينارا. و في فك مفصله ثلاثون دينارا.

(مسألة 293): المفصل بين الذراع و الكف هو الرسغ أو الرصغ، و قد يسمي بالزند أيضا، و في رضّه إذا جبر علي غير عيب مائة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار، و هي ثلث دية اليد، فإن لم يجبر أو جبر علي عيب ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 294): دية الكف إذا كسرت فجبرت علي غير عيب أربعون دينارا، و دية صدعها اثنان و ثلاثون دينارا، فإن جرحت حتي يظهر العظم فديتها خمسة و عشرون دينارا، و دية نقل عظامها عشرون دينارا و نصف دينار، و دية نقبها عشرة دنانير. و الأحوط استحبابا الصلح لاحتمال زيادتها علي ذلك و أن دية كسر الكف مائة دينار، و دية نقل عظامها خمسون دينارا، و غير ذلك.

(مسألة 295): في كسر الأصابع الأرش و الحكومة.

(مسألة 296): في كل ورك إذا

كسر ثم جبر من غير عيب خمس دية الرجل مائة دينار. فإن رض فلم يجبر أو جبر علي عيب فديته ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 297): إذا صدع الورك ففيه ثمانون دينارا، و في نقل عظامه خمسون دينارا، و إذا جرح حتي ظهر العظم ففيه خمسة و عشرون دينارا، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 310

لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة. و في فكه ثلاثون دينارا.

(مسألة 298): الفخذ بحكم الورك في جميع ما تقدم، و فك الفخذ هو عين فك الورك، لأن الورك لا يتصل إلا بالفخذ.

(مسألة 299): في نقل عظم الفخذ خمسة و عشرون دينارا.

(مسألة 300): في كل ركبة إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، و إن رضّت فلم تجبر أو جبرت علي عيب ففيها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 301): إذا انصدعت الركبة فديتها ثمانون دينارا. فإن نقلت عظامها ففيها خمسون دينارا، و في نقبها خمسة و عشرون دينارا، و كذا في جرحها إذا ظهر العظم فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة، و في فك الركبة ثلاثون دينارا.

(مسألة 302): في كل ساق إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، و مع بقاء العيب فديتها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 303): إذا انصدعت الساق فديتها ثمانون دينارا، و في نقل عظامها خمسون دينارا، و في نقبها اثنا عشرة دينارا و نصف دينار، و في جرحها إذا ظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 304): في كل كعب إذا رض و جبر علي غير عيب سدس دية

النفس مائة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار. و الكعب هو قبة القدم. و فيما عدا ذلك من جناياته الحكومة.

(مسألة 305): في كل واحد من القدمين إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، فإن لم تجبر أو جبرت علي عيب ففيها الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 311

(مسألة 306): في نقل عظام القدم خمسون دينارا، و في نقبها خمسة و عشرون دينارا، و كذا في جرحها حتي يظهر العظم، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة، و كذا في غير ما تقدم من الجنايات علي القدم و في الجنايات علي أصابعه إلي الأرش و الحكومة أيضا.

(مسألة 307): لو نفذت نافذة- برمح أو خنجر أو طلقة أو نحوها- في شي ء من أطراف البدن- كاليد و الرجل و الرقبة- من دون كسر عظم ففيها مائة دينار، و المراد بالنفوذ أن تخترق العضو من جانب لآخر و تثقبه، أما مع كسر العظم فتضاف إليها دية كسره. و لا يدخل في ذلك ثقب الأنف و الاذن، فقد تقدم التعرض لديتهما عند الكلام في دية قطع الأنف و الاذن، و كذا لا يدخل في ذلك ثقب الخد فقد تقدم الكلام فيه في أوائل هذا الفصل.

(مسألة 308): إذا نفذت نافذة من إحدي جهات البدن إلي الجوف ففيها ثلث الدية، و إن أعطيت من الإبل كفي ثلاثة و ثلاثون بعيرا، و يسقط الكسر، و هو ثلث بعير. و المراد بالجوف داخل الصدر و البطن.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 311

(مسألة 309): إذا نفذت نافذة

من أحد جانبي البدن للآخر، كما لو رماه في بطنه فخرجت الرمية من ظهره ففيها أربعمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار، و الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا أصابت البطن و لو من أحد الجانبين، أما في غير ذلك كما لو اخترقت الصدر و الظهر فالأحوط وجوبا الرجوع للأرش و الحكومة.

(مسألة 310): إذا عيب شي ء مما في الجوف من الأمعاء أو غيرها بسبب الجناية المتقدمة في المسألتين السابقتين كان فيه الأرش و الحكومة زيادة علي الدية المتقدمة فيهما. و كذا الحال لو عيب شي ء مما في الجوف من دون جرح نافذ، فإن فيه الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 312

(مسألة 311): إذا جرح الجسد- غير الرأس و الرقبة- جرحا يبلغ العظم و يظهره ففيه أربعون دينارا، إلا ما تقدم في جروح الأعضاء كاليدين و الرجلين و غيرهما، كما تقدم دية جروح الرأس و الرقبة. و أما إذا لم يبلغ الجرح في الجسد العظم ففيه الأرش و الحكومة، و قد تقدم في أول الفصل جروح الرأس و الرقبة.

(مسألة 312): إذا نفذت نافذة من الرمح أو خنجر في شي ء من أطراف اليدين فديتها مائة دينار.

(مسألة 313): في كل فتق للجوف ثلث الدية- ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار- كفتق السرة و البيضة و نحوهما من مواضع البطن و منافذها.

و في فتق كلتا البيضتين بجناية واحدة أربعمائة دينار، فإن كان الفتق ضخما بحيث يمنع من المشي أو يوجب تشوهه شديدا بسبب تباعد الرجلين ففيه أربعة أخماس الدية ثمانمائة دينار.

(مسألة 314): في اللطمة في الوجه إذا اسود أثرها ستة دنانير، و إذا اخضر ثلاثة دنانير، و إذا أحمر

دينار و نصف و إن كانت في البدن فهي علي النصف.

و إن كانت في غير الوجه من الرأس ففيها الأرش و الحكومة. و كذا إذا كانت في الرقبة.

(مسألة 315): الظاهر عموم المسألة السابقة لغير اللطمة من أنحاء الضرب، كالوكزة و الضرب بالسوط و بالخشبة و نحوها، بل الظاهر العموم للصدمة من دون ضرب. نعم يشكل العموم بحصول الأثر المذكور من غير صدمة، كما في العصر و العض و القرص و غيرها، و حينئذ فالأحوط وجوبا ثبوت الأرش و الحكومة.

(مسألة 316): إذا لم يؤثر الضرب أحد الألوان الثلاثة المتقدمة ففيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 313

الأرش و الحكومة.

(مسألة 317): تشارك المرأة الرجل في جميع ما تقدم حتي تبلغ الجناية ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية صارت المرأة علي النصف.

(مسألة 318): المقادير المتقدمة للجنايات المختلفة من الجروح و الكسور و غيرها و إن قدرت تارة بالإبل و اخري بالدنانير، إلا أنها ترجع إلي نسبة المقادير المذكورة إلي مجموع الدية من جميع أصنافها المتقدمة في دية النفس، فإذا ذكر في دية الجناية بعير مثلا أجزأ ما يساوي عشرة دنانير من الذهب أو مائة درهم من الفضة أو بقرتان أو عشر شياه، و إذا ذكر في ديتها خمسون دينارا مثلا أجزأ ما يساوي خمسمائة درهم من الفضة أو خمس من الإبل أو عشر بقرات أو خمسين شاة و هكذا. و ليس التنصيص علي خصوص بعض الأصناف إلا لذكره في بعض النصوص من دون إلزام به بخصوصه.

(مسألة 319): من افتض امرأة بالوطء أو بغيره وجب عليه مهر مثلها، نعم لا مهر لها إذا كانت زانية بأن تكون راضية بالوطء من غير شبهة. و كذا إذا رضيت بإزالة بكارتها بغير

الوطء. أما إذا أزال بكارتها الزوج بالوطء فليس لها إلا تمام المهر المسمي لها بالعقد. أما الوطء بعد زوال البكارة فقد تقدم حكمة في أواخر فصل المهر من كتاب النكاح.

(مسألة 320): في إفضاء المرأة ديتها، و الإفضاء هو اتصال مجري الحيض و الغائط و انخرام الحاجز بينهما.

(مسألة 321): إذا كان المفضي للمرأة زوجها فإن كان بسبب غير الوطء ففيه الدية، و كذا إذا كان بسبب الوطء قبل أن تكمل تسع سنين و طلقها. نعم إذا كان طلاقها بعد أن خيط الجرح و التأم ففي ثبوت الدية إشكال و اللازم الاحتياط. أما إذا لم يطلقها و أمسكها فلا شي ء عليه. و كذا إذا كان الإفضاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 314

بسبب وطئها بعد إكمال تسع سنين فإنه لا شي ء عليه أيضا حتي لو طلقها. نعم لو تعمد إفضاءها فالظاهر ثبوت الدية مطلقا في الصغيرة و الكبيرة مع الطلاق و بدونه.

(مسألة 322): إذا وطأ الرجل زوجته قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها كان عليه الإنفاق عليها ما دامت حية حتي لو طلقها. بل و إن تزوجت علي الأحوط وجوبا. نعم لو خيط الجرح و التأم ففي وجوب الإنفاق عليها إشكال، و اللازم الاحتياط.

الفصل الرابع في ديات المنافع

(مسألة 323): إذا أدّت الجناية إلي ذهاب العقل ففيه الدية كاملة. و إذا أدت إلي نقصه أو صار المجني عليه مجنونا جنونا أدواريا ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 324): إذا ذهب العقل بجناية لها دية بنفسها تداخلت ديتها مع دية ذهاب العقل و ثبت الأكثر دية، فمثلا إذا استند ذهاب العقل لضربة واحدة ثبتت دية ذهاب العقل و سقطت دية الضربة، أما إذا استند ذهاب العقل لضربات متعددة يثبت في مجموعها أكثر من دية

ثبتت دية الضربات و سقطت دية ذهاب العقل، كما أنه لو بلغت دية الضربات دية تامة تداخلت مع دية العقل و ثبتت دية واحدة. نعم إذا استند ذهاب العقل للضربة الأخيرة فقط ثبتت لكل ضربة من الضربات السابقة ديتها، و لم يتداخل مع دية العقل إلا دية الضربة الأخيرة، فتسقط.

(مسألة 325): إذا نقص العقل بجناية ذات دية ثبت أكثر الأمرين من دية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 315

تلك الجناية و أرش ما ذهب من العقل الثابت بمقتضي الحكومة.

(مسألة 326): إذا علم بعدم عود العقل إلي ما كان عليه قبل الجناية وجبت الدية و كان علي الجاني تسليمها بمجرد الجناية، و إن احتمل عوده انتظر به سنة من حين الجناية، فإن عاد في أثناء السنة فلا دية له، و تثبت دية الجناية إن كان لها دية مقدرة، و إن لم تكن لها دية مقدرة ثبت لها الأرش و الحكومة، و إن لم يعد العقل في أثناء السنة وجب علي الجاني أداء الدية، فإن عاد العقل بعد السنة لم يسترجع الجاني الدية.

(مسألة 327): إذا ذهب السمع كله ففيه الدية كاملة، و في ذهاب سمع إحدي الأذنين نصف الدية، و في نقص السمع يثبت من الدية بنسبة الفائت لمجموع السمع، و في عموم ذلك لما إذا كان السمع قبل الجناية ناقصا عن المتعارف في إحدي الأذنين أو في كلتيهما إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 328): إذا ادعي المجني عليه ذهاب السمع بالجناية فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه أجّل سنة و امتحن المجني عليه في أثنائها بأن يترصّد و يستغفل و يصاح به، يكرر عليه ذلك في السنة فإن سمع أو قامت البينة علي أنه سمع

لم يستحق الدية، و إلّا استحلف و اعطي الدية.

(مسألة 329): لا بد في استحلافه علي ذهاب سمعه كله من أن يحلف هو و خمسة أشخاص آخرون علي ذلك، و إذا لم يحصل له العدد المذكور كرّر هو الحلف بدل من ينقص منه، فان حلف معه أربعة حلف هو مرتين، و إن حلف معه ثلاثة حلف هو ثلاث مرات، و إن حلف معه اثنان حلف هو أربع مرات، و إن حلف معه واحد حلف هو خمس مرات، و إن لم يحلف معه أحد حلف هو ست مرات.

(مسألة 330): إذا عاد السمع قبل السنة فلا دية، و يثبت الأرش

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 316

و الحكومة، و إن عاد بعد السنة لم تسقط الدية.

(مسألة 331): إذا ادعي المجني عليه نقص السمع في كلتا الأذنين فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فإن أقام الجاني البينة فلا شي ء له، و إن لم يقم البينة حلف المجني عليه، فإن ادعي نقص سدس سمعه حلف مرة واحدة، و إن ادعي نقص ثلث سمعه حلف مرة و حلف معه رجل، و إن ادعي نقص نصف سمعه حلف هو و حلف معه رجلان، و إن ادعي نقص ثلثي سمعه حلف هو و حلف معه ثلاثة رجال، و إن ادعي نقص خمسة أسداس سمعه حلف هو و حلف معه أربعة رجال، و إن لم يكن معه من يتمم يمينه ضوعف عليه اليمين بقدر الناقص. و المدار في نقص السمع علي المسافة.

(مسألة 332): إذا ادعي المجني عليه نقص سمع إحدي الأذنين قيست بالإضافة إلي الاذن الصحيحة، فيثبت له من الدية بنسبة نقص سمع المعيبة عن سمع الصحيحة. و كيفية الاختبار: أن تسد

التي أصيبت سدا جيدا، ثم يضرب له بالجرس من إحدي الجهات الأربع و يبعد عنه صاحب الجرس حتي ينتهي إلي أقصي مسافة يدعي السمع فيها فإن صدقه الجاني، و إلا عيّن الموضع الذي يدعي انه منتهي سمعه و ضرب له الجرس من بقية الجهات الأربع، فإن تساوت المسافة التي يدعي السمع فيها صدق، و إن اختلفت كذب، و تعاد عليه التجربة حتي تتفق المسافة التي يدعيها من الجهات الأربع. و حينئذ تسدّ الأذن الصحيحة سدا جيدا و تجري التجربة المتقدمة في الاذن المصابة، فتقاس المسافتان، و يعطي من الدية بنسبة نقص مسافة السمع في الاذن المصابة عن مسافة السمع في الاذن الصحيحة، لكن بعد اليمين، فإن كان النقص بمقدار السدس حلف مرة، و إن كان بمقدار سدسين حلف مرة و حلف معه رجل آخر، فان لم يحلف معه رجل حلف مرتين، و هكذا لكل سدس رجل يحلف معه أو يمين يكرره، نظير ما تقدم في المسألة السابقة. هذا مع احتمال تساوي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 317

الأذنين في السمع، أما مع العلم باختلافهما فيه فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 333): لا بد في الاختبار المذكور في المسألة السابقة من عدم وجود ما يعيق امتداد الصوت من بعض الجهات، بأن يكون في مكان منبسط لا تختلف جهاته بالارتفاع و الانخفاض، و يكون هادئا ليس فيه ضجيج في بعض الجهات أو جميعها يمنع من سماع الصوت أو يوجب تشويشه، و أن يكون الهواء ساكنا لئلا يصرف الصوت إلي خصوص بعض الجهات أو يشوشه.

(مسألة 334): إذا كان ذهاب السمع أو نقصه بجناية علي البدن، كما لو ضربه علي رأسه أو علي اذنه أو قطع اذنه أو اذنيه، تتداخل الجنايتان

و تثبت دية أعظمهما علي نحو ما سبق في ذهاب العقل بتفصيله.

(مسألة 335): إذا ذهبت الرؤية من العينين معا ففيها الدية كاملة، و في ذهاب الرؤية من إحداهما نصف الدية. و في نقص الرؤية منهما أو من إحداهما يثبت من الدية بنسبة الفائت لمجموع الرؤية. و في عمومه لما إذا كانت الرؤية قبل الجناية ناقصة عن المتعارف في إحدي العينين أو في كلتيهما إشكال، فاللازم الاحتياط بالصلح.

(مسألة 336): إذا ادعي المجني عليه فقده للرؤية فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه اختبر بأن يقابل بعينيه الشمس، فإن كان كاذبا لم يتمالك حتي يغمض عينيه و إن كان صادقا بقيتا مفتوحتين. و يؤكد ذلك باليمين، فيحلف هو و يحلف معه خمسة رجال أو يكرر اليمين، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 337): تقدم في السمع أنه ينتظر به سنة، فإن عاد في أثنائها لم يستحق الدية و كان له الأرش و الحكومة، و إن لم يعد فيها استحق الدية، و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 318

يسقطها عوده بعد السنة، و في جريان ذلك في الرؤية إشكال. و لا يبعد كون رجوع الرؤية مطلقا كاشفا عن عدم فقدها بالجناية فلا تستحق الدية، بل الأرش، و إن كان الأحوط وجوبا مع الشك الصلح.

(مسألة 338): إذا ادعي المجني عليه نقصان الرؤية في عينيه معا، فإن علم بمقدار رؤيته قبل الجناية من حيثية المسافة قيست رؤيته بعد الجناية بالإضافة لرؤيته قبل الجناية، و اعطي من الدية بنسبة النقص من رؤيته قبل الجناية. و إن جهل مقدار رؤيته قبل الجناية قيست رؤيته بعد الجناية في المسافة برؤية من هم في سنّه، و اعطي من الدية بنسبة نقص رؤيته

عن رؤيتهم.

(مسألة 339): إذا ادعي المجني عليه نقصان الرؤية في إحدي عينيه قيست رؤية العين المصابة برؤية العين الصحيحة، و اعطي من الدية بنسبة نقص العين المصابة عن رؤية العين الصحيحة. هذا مع احتمال تساوي العينين في الرؤية. أما مع العلم باختلافهما فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 340): كيفية قياس الرؤية في العينين بسد إحداهما و فتح الأخري و قياس نظرها إلي الجهات الأربع علي نحو ما تقدم في قياس السمع. و لا بد فيه من أن لا يكون في يوم غيم أو نحوه مما يضعف الرؤية، و أن لا يكون في موضع تختلف جهاته في امتداد الرؤية علي نحو ما تقدم هناك.

(مسألة 341): لا بد مع الاختبار المذكور في كلتا العينين أو في إحداهما من اليمين لكل سدس من الرؤية من قبل المجني عليه أو ممن يحلف معه، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 342): إذا كان النقص في الرؤية من غير حيثية المسافة ففيه الأرش و الحكومة، كما لو حدثت غشاوة أو عمي عن الألوان أو غير ذلك. و لا بد فيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 319

من الإثبات بالطرق العامة في الدعوي من البينة و اليمين و نحوهما علي ما يراه الحاكم الشرعي عند التخاصم.

(مسألة 343): إذا كان ذهاب الرؤية أو نقصها بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم في ذهاب العقل و ذهاب السمع.

(مسألة 344): إذا ذهب الشم كله من الأنف من كلا المنخرين ففيه الدية كاملة، و في عموم ذلك لما إذا كان الشم قبل الجناية ناقصا عن المتعارف إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 345): إذا ادعي المجني عليه ذهاب الشم كله فإن صدقه الجاني فذاك، و إلا اختبر بالحراق،

بأن يحرق شي ء و يدني من أنفه، فإن دمعت عيناه و نحّي رأسه فهو كاذب، و إلا صدّق. لكن لا بد من ضم اليمين اليه من المجني عليه و من غيره، أو مضاعفة اليمين عليه، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 346): في ذهاب الشم من أحد المنخرين الأرش و الحكومة، نعم لو رجع إلي نقص نصف الشم ففيه الدية.

(مسألة 347): إذا ادعي المجني عليه ذهاب الشم من أحد المنخرين، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدّقه سدّ المنخر الصحيح سدا محكما ثم يختبر المنخر المصاب بالحراق، نظير ما تقدم، فإن لم ترجع دعواه إلي نقص مقدار الشم كفي يمين واحد.

(مسألة 348): إذا ادعي المجني عليه نقص الشم ففي تحديد مقدار النقص إشكال، فاللازم الرجوع للأرش و الحكومة بعد إثبات حدوث النقص بالطرق العامة في الدعوي.

(مسألة 349): إذا كان ذهاب الشم أو نقصه بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي النحو المتقدم في المنافع السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 320

(مسألة 350): إذا ذهب النطق كله ففيه الدية كاملة. و إذا ذهب بعضه ثبت بعضها بالنسبة.

(مسألة 351): إذا ادعي المجني عليه ذهاب النطق كله، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فإن كانت الجناية بضربه علي هامته ضرب علي لسانه بإبرة، فإن خرج الدم أحمر فهو كاذب، و إن خرج أسود فهو صادق. و إن كانت الجناية بنحو آخر كان علي الحاكم اختباره بما يراه دليلا و إجراء حكم التداعي العام، و علي كل حال لا بد من اليمين من المجني عليه و من غيره أو مضاعفة اليمين عليه علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 352): النقص في النطق يقاس علي حروف المعجم،

فتقسم الدية عليها، و يعطي المجني عليه من الدية بنسبة ما لا يفصح به منها.

(مسألة 353): الظاهر أن حروف المعجم التي تقسم عليها الدية ثمانية و عشرون حرفا- كما هو المشهور، و يقتضيه النظر في النصوص- بجعل الهمزة فيها دون الألف، لأنها هي التي تنطق بنفسها عرفا، و أما الألف فهي و إن عدت من الحروف عند أهل العربية، إلا أنها لا تنطق بنفسها بل تقوم بغيرها نظير قيام الحركة بالحرف، و نظير قيام الواو و الياء اللينتين به، لكن يحسن مع ذلك الاحتياط بالصلح.

(مسألة 354): لو كان المجني عليه لا يحسن العربية، و حروف معجم لغته مخالفة لحروف معجم اللغة العربية أشكل قياس نقص نطقه علي حروف معجم اللغة العربية، بل الأحوط وجوبا الرجوع فيه للأرش و الحكومة.

(مسألة 355): إذا ادعي المجني عليه نقص النطق، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فلا بد من يمينه مع يمين غيره أو مضاعفة اليمين عليه علي نسبة ما نقص من كلامه، علي نحو ما سبق في نقص السمع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 321

(مسألة 356): إذا كان ذهاب النطق أو نقصه بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم في ذهاب العقل.

(مسألة 357): في ذهاب الذائقة أو نقصها بحيث لا يميز الطعوم أو بعضها الأرش و الحكومة، و يرجع في طريق إثبات ذلك للطرق العامة في الدعوي، و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم.

(مسألة 358): في ذهاب الصوت كله حتي مثل البحّة و الغنّة الدية كاملة، و في نقصه و عيبه الأرش و الحكومة. و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان، نظير ما تقدم.

(مسألة 359):

في الجناية علي الرجل الموجبة لعدم سيطرته علي بوله أو علي غائطه الدية كاملة، و كذا لو أوجبت الجناية فقد السيطرة عليهما معا، و يجري ذلك في المرأة إلا أن في سلس البول وحده لها ثلث ديتها. و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان نظير ما تقدم.

(مسألة 360): إذا أوجبت الجناية علي الرجل عجزه عن الجماع كان فيها الدية كاملة. و إن أوجبت له عدم إنزال المني ففيها الأرش و الحكومة.

(مسألة 361): من داس بطن إنسان حتي أحدث عمدا كان عليه القصاص أو يدفع ثلث الدية، و له اختيار أيهما شاء لا للمجني عليه. أما لو كان ذلك خطأ فعليه ثلث الدية لا غير، و الأحوط وجوبا الاقتصار في الحدث علي الغائط وحده أو هو مع البول، دون الريح و البول من دون غائط، بل المرجع فيهما الأرش و الحكومة.

(مسألة 362): في شلل العضو من اليد و الرجل و الأصابع و غيرها ثلثا دية ذلك العضو، نعم تقدم أن في العجز عن الجماع الدية تامة، مع أنه قد يرجع لشلل الذكر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 322

(مسألة 363): تشارك المرأة الرجل في ديات المنافع المتقدمة ما لم تبلغ ثلث دية الرجل، فإذا بلغت ثلث الدية صارت المرأة علي النصف من الرجل، نظير ما تقدم في الفصول السابقة.

الفصل الخامس في دية الحمل و الميت و الحيوان

(مسألة 364): إذا كان الحمل نطفة فديته عشرون دينارا، و إذا كان علقة فأربعون دينارا، و إذا كان مضغة فستون دينارا، و إذا صار فيه العظام فثمانون دينارا، و إذا كسيت العظام لحما فمائة دينار من دون فرق بين الذكر و الأنثي، فإذا تمت خلقته و ولجته الروح كانت ديته دية النفس إن كان ذكرا

فألف دينار، و إن كان أنثي فخمسمائة دينار.

(مسألة 365): تمكث النطفة في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة فتمكث أربعين يوما، ثم تصير مضغة فتمكث أربعين يوما فهذه مائة و عشرون يوما ثم تكون عظاما بعد ذلك، ثم تكسي لحما، فإذا تمّ للجنين خمسة أشهر فلا بد أن يكون قد ولجته الروح، و ليس المراد بولوج الروح ما تحسه الحامل من حركة الجنين في الشهر الرابع، بل ما يكون بعد تمامية خلقته قرب الشهر الخامس.

(مسألة 366): هل تتدرج الدية بتدرج المراتب المتقدمة، فإذا دخل في دور العلقة زاد علي العشرين دينارا دينارين دينارين حتي يتم دور العلقة في آخر الثمانين يوما فتتم له الأربعون دينارا، فإذا دخل في دور المضغة زاد دينارين دينارين حتي يتم دور المضغة في آخر المائة و العشرين يوما، فتتم له الستون دينارا و هكذا، حتي تتم المائة أولا، بل تنتقل الدية بين المراتب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 323

الخمس دفعة واحدة، فتزيد عشرين عشرين دينارا حتي تتم المائة؟ وجهان، و اللازم الاحتياط بالصلح.

(مسألة 367): لا فرق في ثبوت دية الجنين بين الجناية عليه بإسقاطه حيا ثم يموت و بما يقتضي موته في بطن امه ثم سقوطه ميتا أو موتها قبل سقوطه و لو بسبب آخر.

(مسألة 368): إذا كان الحمل أكثر من واحد فلكلّ ديته.

(مسألة 369): إذا قتلت المرأة و هي حبلي فمات جنينها و لم يعلم أنه ذكر أو أنثي فديته نصف دية الذكر و نصف دية الأنثي.

(مسألة 370): إذا أفزع شخص رجلا عن زوجته حال الجماع فعزل عنها و أنزل المني خارج الفرج من دون أن يريد ذلك كان علي المفزع لصاحب المني عشرة دنانير.

(مسألة 371): إذا كان

الجنين من الزنا فديته إذا كان نطفة ستة عشر درهما، و إذا كان علقة اثنان و ثلاثون درهما، و إذا كان مضغة ثمانية و أربعون درهما، و إذا كان عظاما أربعة و ستون درهما، فإذا اكتسي اللحم فثمانون درهما، فإذا ولجته الروح فديته دية ولد الزنا ثمانمائة درهم إن كان ذكرا و أربعمائة درهم إن كان أنثي، و الذي يرث الدية هو الإمام. هذا إذا كان الزنا من الأبوين معا، أما إذا كان من أحدهما فقط فديته دية الحمل من غير زني و يرثها غير الزاني من الأبوين.

(مسألة 372): دية الحمل بجميع مراتبه علي القاتل في العمد و شبهه، و علي عاقلته مع الخطأ، كما هو الحال في دية الإنسان المولود.

(مسألة 373): من قطع رأس ميت مسلم أو فعل به ما يوجب موته لو كان حيا فعليه مائة دينار ذكرا كان الميت أو أنثي و لا كفارة عليه، هذا إذا كان عامدا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 324

أما مع الخطأ فلا دية عليه، بل عليه كفارة قتل الخطأ لا غير.

(مسألة 374): في قطع أعضاء الميت و جراحاته الدية بالنسبة، و هي عشر ديته لو كان حيا.

(مسألة 375): لا يستحق وارث الميت ديته، بل تنفق في وجوه البر عنه، نعم إذا كان مدينا دينا لا تفي به تركته وجب وفاء الدين من ديته، و لو لأنه أفضل وجوه البر عنه، و كذا الحال في حجة الإسلام، بل الأحوط وجوبا تقديمها علي الدين.

(مسألة 376): إذا كان الميت ولد زنا مسلما فديته عشر ديته إذا كان حيا ثمانون درهما، نظير ما تقدم في الحمل قبل أن تلجه الروح.

(مسألة 377): الأحوط وجوبا دفع دية الميت للحاكم الشرعي ليصرفها

في وجوه البر عنه.

(مسألة 378): دية الجنين و الميت و إن سبق تقديرها بالدنانير، إلا أن المراد بها ما يساوي نسبة الدية المذكورة للدية التامة من جميع أصناف الدية المتقدمة و لا تختص بالدنانير، نعم لا يجري ذلك في دية ابن الزنا، بل هي تقدر بالدراهم لا غير.

(مسألة 379): كل حيوان قابل للتذكية- سواء كان مأكول اللحم أم لا- إذا ذكاه أحد بغير إذن مالكه عمدا أو خطأ فليس للمالك إلا أرش النقص، و هو تفاوت قيمته بين كونه حيا و كونه ميتا. و ليس له إلزام المذكي بأخذ الحيوان المذكي و دفع قيمته حيا. نعم إذا اتفقا معا علي ذلك فلا بأس به، و كذا إذا لم يكن للمذكي قيمة، كما في جملة مما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 380): لا بد في تعيين الأرش من ملاحظة جميع ظروف الحيوان المذكي من الزمان و المكان و غيرهما بما في ذلك حال صاحبه، فإن قيمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 325

الحيوان المذكي عند القصاب الذي يتهيأ له بيع اللحم ليست كقيمته عند المستهلك الذي لا يتهيأ له بيعه.

(مسألة 381): إذا قتل الحيوان- غير الكلب و الخنزير- من دون تذكية ضمن القاتل قيمة الحيوان، إلا أن يكون فيه بعد الموت ما ينتفع به و يكون له قيمة كأنياب الفيل فيستثني حينئذ من القيمة المضمونة، و كذا الحال في كل حيوان مملوك.

(مسألة 382): من جني علي غير الكلب و الخنزير بكسر أو جرح أو نحوهما كان عليه أرش العيب الحادث، و هو فرق القيمة بين واجد العيب و فاقده، و لا ضابط لذلك، بل هو يختلف باختلاف الحيوانات و الأحوال، نعم من فقأ عين حيوان ذي قوائم أربع

كان عليه ربع ثمنه.

(مسألة 383): من جني علي بهيمة حامل فأسقطت حملها كان عليه لصاحبه عشر قيمتها.

(مسألة 384): لا ضمان في الجناية علي الخنزير، إلا أن يكون لذمي ملتزم بشروط الذمة، فعلي الجاني قيمته إذا تلف و أرشه إذا تعيّب.

(مسألة 385): دية كلب الصيد المعلّم أربعون درهما.

(مسألة 386): من قتل كلب الحراسة للغنم و البستان المحوط بحائط لزمه قيمته، و الأحوط وجوبا ذلك في كلب الزرع غير المحوط، بل في مطلق كلب الحراسة، و أما بقية الكلاب فلا دية لها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 326

الفصل السادس في العاقلة

و هي التي تتحمل عن الجاني دية الخطأ المحض، كما تقدم. و العقل هو تحمل الدية.

(مسألة 387): عاقلة الجاني هم الرجال من عشيرته، و هم الذين يتقربون إليه بالأب، كالإخوة و الأعمام و أولادهم و يدخل فيهم الآباء و إن علوا و الأبناء و إن نزلوا، و لا يشترك معهم الجاني نفسه.

(مسألة 388): يشترط في ضمان كل فرد من العاقلة التكليف- بالبلوغ و العقل- من حين الجناية إلي حين الأداء.

(مسألة 389): في سقوط العقل عن الفقير بالمعني الشرعي إشكال و الأظهر العدم، نعم لا إشكال في سقوطه عن العاجز الذي لا يجد ما يدفعه و لا يقدر عليه بالتكسب و نحوه، و لا يجب عليه الاستدانة، و لا بيع مستثنيات الدين.

(مسألة 390): لا فرق في العقل بين من يتقرب بالأبوين و من يتقرب بالأب وحده، و لا يتقدم الأول علي الثاني.

(مسألة 391): إذا لم يكن للجاني عشيرة كان عاقلته وليه المعتق له، فإن لم يكن له ولي معتق كان عاقلته ضامن الجريرة، فإن لم يكن ضامن الجريرة كان عاقلته الإمام عليه السّلام، نظير ما تقدم في طبقات الميراث.

لكن عقل الإمام لجنايته مشروط بأن لا يكون له مال، فإن كان له مال كان عليه أداء الدية من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 327

ماله، و لا يجب علي الإمام عقله.

(مسألة 392): إذا عجزت العاقلة عن أداء الدية كانت الدية في مال الجاني، فإن لم يكن له مال كان علي الإمام أداء الدية عنه.

(مسألة 393): إنما تتحمل العاقلة دية الخطأ المحض كما تقدم، أما دية العمد و شبه العمد فهي علي الجاني و في ماله، و يستثني من ذلك ما إذا هرب القاتل المتعمد فلو يقدر عليه و لم يكن له مال فإن الدية تؤخذ من قرابته الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة كانت ديته علي الإمام و لا يتعدي لغير ذلك كما تقدم في أول الفصل الثاني من أحكام القصاص.

(مسألة 394): تضمن العاقلة كل جناية عن خطأ محض، سواء كانت علي النفس أم علي الطرف أم كانت من سنخ الجروح و الكسور و نحوها، و تؤدي الجميع في ثلاث سنين، كما تقدم في دية النفس.

(مسألة 395): لا تضمن العاقلة الجناية إذا ثبتت بإقرار الجاني، بل تكون في مال الجاني نفسه. نعم إذا أقرت العاقلة نفسها بصدور الجناية الخطأ من الجاني لزمها إقرارها، و عليها أن تؤدي الدية. و كذا إذا ثبتت الجناية بالبينة فإنها تكون علي العاقلة.

(مسألة 396): إذا صالح الجاني المجني عليه بمال غير الدية لم تلزم العاقلة به، و كان في مال الجاني.

(مسألة 397): إنما تتحمل العاقلة دية جناية الخطأ من الجاني علي غيره.

أما لو جني علي نفسه خطأ فلا دية له، و لا تتحمل العاقلة شيئا.

(مسألة 398): لا تتحمل العاقلة من دية الخطأ في الجروح و نحوها إلا جرحا

يوضح العظم فما زاد علي ذلك، أما ما نقص عنه فعلي الجاني نفسه.

(مسألة 399): لا تتحمل العاقلة دية الحيوان أو أرشه، و إن كانت الجناية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 328

عليه خطأ.

(مسألة 400): تقسّط الدية علي العاقلة بالسوية، من دون فرق بين الغني و الفقير و القريب و البعيد. و إن مات بعضهم قبل أداء حصته وزعت حصته علي الباقين، و لا يجب أداؤها من تركته.

الفصل السابع في موجبات الضمان

اشارة

و الكلام هنا لا يختص بالجناية علي النفس و البدن، بل يعم الجناية علي المال علي ما أشرنا إليه في كتاب الغصب، فالكلام هنا فيما يوجب تحمل درك ما وقع و ضمانه، فيستحق به القصاص بشروطه، و الدية في الجناية علي النفس و البدن، و الضمان بالمثل أو القيمة في الجناية علي المال. و أسباب الضمان ترجع إلي أمرين المباشرة و التسبيب، فالكلام في مقامين.

المقام الأول: في المباشرة:
اشارة

من استند إليه الحادث بالمباشرة يتحمل دركه و عليه ضمانه ما لم يكن من غيره تسبيب مضمن يرفع الضمان عنه، علي ما يتضح في الأمر الثاني.

(مسألة 401): لا بد في المباشرة الموجبة للضمان من صحة نسبة الفعل للمباشر عرفا، و لا يكفي مجرد استناده إليه علي نحو استناده للآلة، فمن ألقي حجرا من شاهق علي شي ء فكسره كان مباشرا للكسر و عليه ضمانه، أما إذا ألقاه من شاهق و لم يكن ذلك الشي ء تحته إلا أن شخصا وضع ذلك الشي ء تحت الحجر بعد إلقائه فأصابه الحجر فالمباشر عرفا هو الثاني الذي وضع الشي ء تحت الحجر، لا الأول الذي رمي بالحجر. و كذلك سائق السيارة فإنه إذا أصاب إنسانا أو حيوانا فقتله لا يكون مباشرا للقتل إلا إذا كانت إصابته له مستنده

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 329

لسيرة، أما إذا استندت لقفزان الشخص أو الحيوان أو دفع شخص آخر لهما أمامه بحيث لا يقدر علي تجنب إصابتهما لفقده السيطرة بسبب اندفاعه في السرعة فلا يكون مباشرا للقتل، بل يستند القتل إليهما، أو إلي من دفعهما.

(مسألة 402): يضمن الطبيب و البيطري و الممرض و إن لم يكونوا مباشرين للعلاج، علي تفصيل تقدم في كتاب الإجارة.

(مسألة 403): إذا انقلب النائم أو تحرك

فأتلف شيئا ضمن، و إن جني علي نفس إنسان أو بدنه كانت جنايته خطأ محضا فتحمله عاقلته.

(مسألة 404): إذا قتلت الظئر- و هي المرضعة لولد غيرها- الولد بحركتها أو انقلابها عليه حال نومها، فإن كانت قد أخذت الولد طلبا للعز و الفخر كانت جنايتها عليه في مالها، و إن كانت قد أخذته لفقرها أو لحاجته إليها أو غير ذلك كانت جنايتها علي عاقلتها. و يجري التفصيل المذكور في الجناية علي الولد بغير القتل من جرح أو كسر أو غيرهما.

(مسألة 405): إذا اصطدم شخصان فأصيب أحدهما أو كلاهما، فإن علم باستناد الإصابة لأحدهما لسرعة سيره تحمل ما يجنيه علي غيره. و إن علم باستنادها لهما معا أو احتمل ذلك ذهب نصف الجناية هدرا و ثبت نصفها علي الطرف المجني عليه أو علي عاقلته، فإن كانت الجناية علي أحدهما فقط كان علي الآخر أو علي عاقلته نصف ديته، و إن كانت عليهما معا كان علي كل منهما أو علي عاقلته نصف الجناية التي وقعت علي الآخر. نعم إذا اصطدم الفارسان فمات أحدهما و لم يعلم باستناد الجناية لأحدهما فقط كان علي الحي أو عاقلته دية الميت تامة.

(مسألة 406): إذا اصطدمت سيارتان أو سفينتان أو غيرهما، فإذا أصيب أحد السائقين أو كلاهما جري ما تقدم من التفصيل بين العلم باستناد الإصابة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 330

لأحدهما و عدمه. و أما إذا أصيب غير السائقين من الركاب فلا يذهب شي ء من الجناية هدرا، بل إن علم باستناد الإصابة لأحد السائقين فقط تحمل هو أو عاقلته تمام دية الجناية الحاصلة، و إلا كانت الجناية علي السائقين أو عاقلتهما بالسوية. و نظير ذلك دية الجنين لو كان الاصطدام بين

امرأتين كلاهما أو إحداهما حامل.

(مسألة 407): من أفزع إنسانا بصيحة أو غيرها فمات أو جن أو أصابه عيب آخر كان الضمان علي الصائح أو عاقلته، و كذا إذا تحرك حركة غير اختيارية بسبب فزعه فسقط من شاهق أو نحوه فمات أو كسر أو نحو ذلك، و نظيره أيضا ما إذا كان ذلك سببا لنفور الدابة فسقط راكبها فمات أو كسر، أو سقط مال تحمله فتلف.

(مسألة 408): من أخاف شخصا ففرّ منه أو تحرك حركة اختيارية بسبب خوفه فأصابه عطب أو كسر أو غيرهما ففي ضمان المخيف إشكال.

(مسألة 409): إذا سقط شخص من دون اختياره علي آخر فمات أو كسر أو جرح أو غير ذلك فلا شي ء علي الشخص الذي سقط.

(مسألة 410): إذا دفع شخصا علي مال فأتلفه كان الضمان علي الدافع و ليس علي المدفوع شي ء، و كذا إذا دفعه علي إنسان فجرحه أو كسره. أما إذا دفعه علي إنسان فقتله كانت دية المقتول علي المدفوع، و يرجع المدفوع بالدية علي الذي دفعه. و لو أصاب المدفوع شي ء كان علي الدافع.

(مسألة 411): من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو له ضامن حتي يرجع إلي منزله، فيجب عليه ديته إذا جهل أمره، أو علم بموته، و إن لم يعلم أنه هو الذي قتله. نعم إذا علم بموته حتف أنفه من دون دخل لإخراجه من منزله فلا شي ء عليه. كما أنه لو علم بقتل غيره له كان لأوليائه الرجوع علي كل من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 331

المخرج و القاتل، فإن رجعوا علي المخرج رجع علي القاتل بما دفع، و إن رجعوا علي القاتل لم يرجع علي المخرج بشي ء.

(مسألة 412): إذا دفع أهل الصبي الصبيّ

لامرأة لترضعه فدفعته لغيرها علي أن ترضعه من دون إذنهم ففقد الطفل أو مات كان لهم الرجوع علي التي دفعوه لها، فتجب عليها ديته في مالها. إلا أن يعلم بموته حتف أنفه من دون دخل لدفعه للأخري، كما أنه لو علم بقتل الطفل من شخص آخر كان لأوليائه الرجوع علي القاتل و علي التي دفعوه لها، علي نحو ما تقدم في المسألة السابقة. و الظاهر جريان ذلك فيما لو أصاب الطفل كسر أو جرح أو غيرهما من الأمور المضمونة.

تتميم:

يسقط الضمان عن المباشر في موارد.

الأول: ما إذا كان المجني عليه معتديا علي الجاني و كان الجاني مدافعا له عن اعتدائه، فإن المعتدي مهدور الدم و المال و لا سبيل علي المدافع، و يلحق بذلك من اطلع علي قوم في منزلهم ليشرف عليهم و ينظر إلي عوراتهم، فإن لهم أن يردعوه و يرموه فإن أصابوا عينه أو جرحوه أو قتلوه فلا دية له و كانت الجناية عليه هدرا.

الثاني: ما إذا كان المجني عليه معتديا علي طريق المسلمين، كالنائم في الطريق و الواضع متاعه فيه بنحو يزاحم المارة، فإنه إذا أصابه المار و جني عليه أو علي ماله من دون علم كانت جنايته هدرا و لم يكن عليه ضمان.

الثالث: ما إذا رمي في موضع قد يمر فيه إنسان و حذّر، فمر إنسان فأصابه و هو لا يعلم، فإنه لا دية له، بخلاف ما إذا لم يحذّر، فإنه إن أصابه كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 332

الدية علي عاقلة الرامي. و كذا إذا خاطر المجني عليه بنفسه، فمرّ في المكان المعرض للجناية مع علمه بالحال فأصابه الجاني من دون عمد. و الأحوط وجوبا قصور ذلك عما

إذا كان الجاني معتديا في اختيار المكان الذي يرمي فيه، كما لو رمي في ملك المجني عليه من دون إذنه أو في طريق المسلمين.

الرابع: ما إذا كان المجني عليه أو وليه قد أذن في الجناية فيما إذا كان له السلطنة علي ذلك، كما في الجنايات الخفيفة غير الخطيرة، أو الخطيرة التي لها مبرر، كما في موارد دفع الأفسد بالفاسد عند العلاج، دون القتل أو تعطيل العضو الذي يتعرض معه الإنسان للخطر من دون مبرر، بل مطلق تعطيل العضو من دون مبرر و إن لم يتعرض معه للخطر علي الأحوط وجوبا. و ربما كان هناك موارد اخري قد تظهر عند الكلام في المقام الثاني.

المقام الثاني: في التسبيب.

(مسألة 413): لو فعل بشخص ما يعرضه للضرر و يعجز معه من التخلص منه فحصل الضرر عليه ضمن، كما لو كتفه أو حبسه فافترسه السبع أو جرفه السيل أو نحو ذلك. و كذا لو ألقاه في أرض مسبعة فافترسه السبع من دون أن يقدر علي التخلص منه. نعم لو كان الضرر بمباشرة شخص آخر مختار كان المباشر هو الضامن، كما إذا حبسه و ذهب فجاء شخص آخر فقتله. كما أنه لو لم يكن لما فعله به أثر في حصول الضرر عليه فلا دية له، كما لو مات حتف أنفه.

(مسألة 414): لو أغري شخص حيوانا- كالكلب و الأسد- بإنسان فجني عليه كانت الجناية و الضمان علي المغري، و كذا إذا أغري به صبيا غير مميز أو مجنونا. أما إذا أغري به صبيا مميزا أو كبيرا عاقلا فالجناية علي المباشر أو علي عاقلته، إلا أن يكون الإغراء بطريق الأمر و كان المأمور عبدا للآمر، كما تقدم في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 333

فصل

قصاص النفس، نعم قد يستحق المغري التعزير، كما تقدم هناك أن الآمر يخلد في السجن عقوبة و حدا، فراجع.

(مسألة 415): إذا كان المجني عليه في المسألتين السابقتين قادرا علي التخلص من الجناية فتسامح و لم يفعل لم تكن الجناية مضمونة علي الحابس و المغري. فيجب عليه ديته إذا جهل أمره أو علم بموته و إن لم يعلم أنه هو الذي قتله.

(مسألة 416): من أضر بالطريق كان ضامنا لما يحدث بسببه من قتل أو جرح أو تلف مال، كما لو حفر فيه حفيرة فسقط فيها رجل أو حيوان، أو طرح حجرا، أو أثبت وتدا فعثر به المار، أو دق مسمارا في حائط في الطريق فجرح به المار أو شق ثوبه، أو نحو ذلك. و كذا لو ألقي قشرا في الطريق فزلق به المار فضره أو ضر ماله.

(مسألة 417): من نصب ميزابا أو غيره علي الطريق بنحو لا يضر بالمارة لعلوه و أحكمه، ثم وقع بزوبعة أو نحوها فأضر بنفس أو بدن أو مال فلا ضمان عليه.

(مسألة 418): من حفر في ملك غيره، أو وضع فيه شيئا، أو بني بناء بغير إذن المالك فهو ضامن لما يحدث بسببه علي المالك، و علي من يدخل فيه بإذن المالك. و أما ضمانه لما يصيب الداخل بغير إذن المالك عدوانا ففيه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 419): لا فرق في الضمان في المسألتين السابقتين بين أن يكون إحداث ما أحدث في الطريق أو في ملك الغير لمصلحة الطريق أو لمصلحة ذلك الغير و أن لا يكون كذلك. نعم لو أحدث ولي المالك في الملك شيئا بغير إذنه لم يكن ضامنا لما يحدث علي المالك بسببه إذا لم يكن مفرطا

منهاج الصالحين (للسيد

محمد سعيد)، ج 3، ص: 334

في حقه عرفا.

(مسألة 420): لا بد في الضمان فيما سبق من عدم تعمد المضرور المرور بالمكان مع الالتفات لما حدث فيه، فإن تعمد المرور بالمكان ملتفتا لما حدث فيه لتخيل تمكنه من تجنب الضرر فوقع في الضرر فالظاهر عدم الضمان علي من أحدث فيه ما أحدث، و أظهر من ذلك ما إذا أقدم علي الضرر و تعمد إيقاعه بنفسه أو ماله. بل لو كان يحمل نفسا أخري أو مالا لشخص آخر فتعمد العبور بالمكان لتخيل تجنب الضرر أو إقداما علي الضرر كان هو الضامن للضرر علي تلك النفس أو ذلك المال، دون من أحدث بالمكان ما أحدث.

(مسألة 421): من حفر شيئا في ملكه أو وضع شيئا فيه فهو لا يضمن ما يحدث بسببه لمن يدخل فيه بغير إذنه، بل حتي لمن دخل فيه بإذنه، إلا أن يكون مخدوعا و مغرورا من قبله.

(مسألة 422): من بني جدارا في ملكه أو في مكان مباح أو مأذون له فيه لم يضمن ما يحصل بسبب سقوط الجدار. نعم إذا سقط الجدار علي الطريق أو علي ملك إنسان غيره فأصاب المارة أو صاحب الملك و من يتعلق به و كان ذلك بتقصير من بأني الجدار لميلان الجدار أو عدم إحكامه كان الباني ضامنا لما حصل. و لو كان ذلك منه غفلة من دون تقصير ففي الضمان إشكال.

و هل الضامن هو المباشر للبناء أو صاحب الجدار الباذل لبنائه و الآمر به؟

الظاهر الأول.

(مسألة 423): لو بني الحائط محكما ثم طرأ عليه الخلل و صار في معرض السقوط كان لمن يتعرض للضرر- كالجار أو المارة- إصلاحه أو تهديمه بعد استئذان المالك و وجب علي المالك الرضا بذلك، و إن

امتنع لزم مراجعة الحاكم الشرعي. و لو منع المالك أو غيره من تهديمه بحيث تعذر ذلك فسقط،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 335

فهل يكون المانع ضامنا لما يحدث بذلك من تلف في النفوس أو الأموال؟

إشكال. بل لا إشكال في عدم الضمان لو لم يكن المانع مقصرا لاعتقاده إحكام الحائط و لم يتدخل الحاكم الشرعي. و كذا إذا لم يلتفت أحد لحصول الخلل في الحائط و لم يطالب بإصلاحه أو تهديمه حتي سقط.

(مسألة 424): من وضع شيئا علي مرتفع و كان معرضا للسقوط فسقط و تلف، أو أصاب شيئا فأتلفه كان ضامنا لما حصل. و إن لم يكن معرضا للسقوط فسقط بشي ء غير متوقع من ريح أو نحوها فلا ضمان عليه.

(مسألة 425): لو أراد إصلاح سفينة في الماء فغرقت بفعله ضمن ما حصل من جناية علي النفس أو البدن مع عجز المجني عليه عن التخلص، أما ما أصيب فيها من مال فهو يضمنه حتي لو قدر صاحبه علي تخليصه فلم يفعل.

نعم لو كان مأذونا من قبل المجني عليه أو علي ماله في الإصلاح و لم يتجاوز ما اذن له فيه و تبرأ من ضمانه عليه فلا ضمان عليه، كما لو وقعت السفينة في خطر و طلبوا منه إصلاحها أملا بالنجاة فخاف من تفاقم الخطر فتبرأ من الضمان فقبلوا منه ففعل ما هو الأقرب بنظره لدفع الخطر فأخطأ، كما أنه لو اذن له في أمر خاص- كدق مسمار- ففعله غافلا عن ترتّب الضرر و حصل الضرر فلا ضمان و إن لم يتبرأ من الضمان.

(مسألة 426): من أجّج نارا في ملكه فإن كانت في معرض السراية لغيره فسرت و أتلفت كان ضامنا لتلفها، و إن لم تكن

في معرض السراية فسرت اتفاقا لطارئ غير متوقع فلا شي ء عليه. أما لو فعل ذلك في ملك غيره من دون إذنه كان ضامنا لما يحدث بسببها مطلقا.

(مسألة 427): يجب علي مالك الحيوان الصائل- كالبعير المغتلم و الكلب العقور و نحوهما- منعه و الاستيثاق منه، فإن فرّط في ذلك كان ضامنا لما يصيبه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 336

الحيوان من نفس أو بدن أو مال. و إن لم يكن مفرطا في ذلك فلا ضمان عليه، كما لو لم يعلم بحاله، أو استوثق منه و منعه فأفلت، نعم لا يجري ذلك في مثل الهرّة مما هو صائل بطبعه و يتعارف التحفظ منه بسبب توقع الابتلاء به فإن صاحبه لا يضمن ما يفسده، بل علي الناس التحفظ منه. إلا أن يخرج في وضعه عن المتعارف و يكون لجني صاحبه له أثر في إفساده و ابتلاء الناس به، بحيث لو لا ذلك لم يألف البيوت أو لم يفسد و لا يؤذي الناس ففي عدم ضمان صاحبه حينئذ لما يفسده إشكال.

(مسألة 428): إذا تعارف منع الحيوان في وقت دون وقت، فما أصابه ذلك الحيوان في الوقت الذي يتعارف منعه فيه مضمون علي صاحبه، و ما أصابه في الوقت الذي يتعارف عدم منعه فيه غير مضمون علي صاحبه، كالماشية التي يتعارف إطلاقها في النهار لترعي و منعها في الليل.

(مسألة 429): من دخل دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم ضمنوا جنايته، و إن كان دخوله بغير إذنهم فلا ضمان عليهم، أما لو عقره الكلب خارج الدار فإن كان عقره ليلا فلا ضمان عليهم لتعارف إطلاقه للحراسة و تحفظ الناس منه، و إن كان عقره نهارا ضمنوا لعدم تعارف التحفظ منه، فيلزمهم منعه

لئلا يضر بالناس و يمنعهم من سيرهم.

(مسألة 430): يجوز قتل الحيوان الصائل بغير إذن صاحبه دفاعا عن النفس أو المال أو الأهل، بل قد يجب. و يجب أيضا لدفع ضرره الواجب الدفع، كما لو خيف منه علي مؤمن، لكن لو أمكن في الثاني الاستئذان من صاحبه وجب، و إلا فمن الحاكم الشرعي، و مع تعذره ليقتل بلا استئذان. أما قتله لغير ذلك- كالانتقام منه لو أفسد أو أضر- بغير إذن صاحبه فهو حرام، و حينئذ لو قتله من دون تذكية ضمن، و إن ذكاة و لو تذكية اضطرارية ضمن الأرش، و هو فرق ما بين قيمة الحيوان الحي و قيمة اللحم. أما إذا كان قتله دفاعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 337

أو لدفع ضرره الذي تقدم في الصورتين الأوليين فإن التفت للتذكية فذكاه فلا شي ء عليه، و كذا إن ذهل عنها أو تعذرت فلم يذكه. أما إذا التفت للتذكية و لم يذكه تسامحا فهو ضامن لقيمته و هو حي، لأنه معتد حينئذ بقتله من غير تذكية.

و لا يكفيه أن يدفع قيمة اللحم المذكي.

(مسألة 431): من ركب دابة و سار بها بحيث كان هو المسيّر لها كان عليه ما أصابت بيديها و ليس عليه ما أصابت برجليها، أما إذا كان لها قائد يقودها أو سائق يسوقها من دون أن يكون للراكب دخل في سيرها فلا شي ء علي الراكب حتي إذا أصابت بيديها.

(مسألة 432): إذا ركب الدابة شخصان كان الضمان عليهما بالسوية.

(مسألة 433): من قاد دابة كان عليه ما أصابت بيديها حال سيرها و ليس عليه ما أصابت برجليها.

(مسألة 434): من ساق دابة كان عليه ما أصابت برجليها حال سيرها، و في ضمانه لما أصابت بيديها

إشكال.

(مسألة 435): إذا وقف الراكب بدابته كان عليه ضمان ما تصيب بيديها و رجليها.

(مسألة 436): الدابّة الواقفة من دون راكب إذا أصابت شيئا فلا ضمان علي أحد. نعم إذا وقف بها شخص في طريق المسلمين فأضرت بالمارة كان ضامنا لضررها، لما سبق من حرمة الطريق.

(مسألة 437): إذا سارت الدابة بنفسها من دون سائق و لا راكب و لا قائد فأصابت شيئا فلا ضمان علي أحد إلا مع التفريط.

(مسألة 438): ما سبق في المسائل المتقدمة من ضمان من سبق مختص بما إذا لم يكن هناك من تستند إليه الجناية عرفا، و إلا كان هو الضامن، كما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 338

نخس يدها أو رجلها شخص آخر فضربت برجلها شيئا فأضرت به، كما أن ما سبق من عدم ضمانهم لما تصيبه برجليها أو يديها مختص بما إذا لم يفرطوا، أما مع تفريطهم فعليهم الضمان مطلقا، كما إذا أدخلها شخص في مزرعة غيره من غير إذنه فأتلفت الزرع، أو أوقفها قرب المزرعة و لم يربطها فدخلت و أتلفت الزرع، و نحو ذلك.

(مسألة 439): إذا ألقت الدابة راكبها لم يضمن مالكها ما يصيبه، إلا أن ينفرها هو أو غيره، فيضمن المنفر لها، لاستناد الجناية إليه.

(مسألة 440): إذا اجتمع سببان من أسباب الضمان المتقدمة أو أكثر، و استندت الجناية للجميع اشترك في الضمان فاعل الجميع، كما إذا وضع أحد حجرا في الطريق، و حفر آخر حفيرة فيه، فعثر أحد المارة بالحجر فسقط في الحفيرة فمات، فإن ديته تكون علي الشخصين معا يشتركان فيها. نعم إذا لم يكن أحدهما معتديا فالضمان علي المعتدي، كما لو وضع صاحب الحجر الحجر في ملكه و حفر الآخر في الطريق فعثر شخص

بالحجر و سقط في الحفيرة فمات، فإن ديته تكون علي حافر الحفيرة.

(مسألة 441): من خدع شخصا فأصابه بسبب ذلك ضرر علي النفس أو البدن ضمن ما أصابه، كما إذا دعاه للسير في طريق فيه حفيرة يخشي منها أو حيوان كاسر و كان الداعي عالما بذلك و المدعو غافلا عنه فسار فيها فسقط فمات أو كسر، و كذا لو دعاه لطعام أو شراب مسموم، أو غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 339

خاتمة في الفصول العشائرية

تعارف في أوساط العشائر- خصوصا من أهل الأرياف و البوادي- إجراء عقوبات و ضمانات تحل بها المشاكل الناجمة عن تعدي بعضهم علي بعض، و هي قد تبتني علي أمور.

الأول: تحكيم رؤساء العشيرة أو من يرتضونه في حل النزاع. و هذا أمر لا يحل شرعا، فإن الحكم في ذلك للحاكم الشرعي، و هو الفقيه العادل المأمون علي الدنيا و الدين، و الذي لا تأخذه في اللّه لومة لائم. و علي ذلك يحرم منهم الحكم حتي لو كان علي طبق الحكم الشرعي، و لا ينفذ في حق الآخرين، فإنه من حكم الطاغوت، و قد قال تعالي يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً. نعم إذا لم يبتن الرجوع لهم علي تحكيمهم، بل علي مجرد استئمانهم علي بيان الحكم الشرعي و تنفيذه جاز ذلك. و لزمهم التحفظ في أخذ الحكم بالرجوع لمن يجب تقليده من العلماء، علي ما هو مذكور في محله، و وجب علي الآخرين تنفيذه إذا تأكدوا من عدم خطئهم في معرفته.

كما أنه لو كان الرجوع لهم من أجل الرضا بما ينسبونه و يرجحونه في حل المشكلة من دون حكم منهم و

لا إلزام بما ينسبون، حل الرجوع لهم و حل منهم التدخل في حل المشكلة. لكن لا ينفذ ما ينسبونه في حق كل أحد إلا برضاه، و لا يحل لأحد أن يجبره عليه.

الثاني: البناء علي أن بعض الأمور جنايات تستدعي الضمان و العقوبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 340

مع أنها ليست من الجنايات شرعا، كتزوج الرجل المرأة من غير رضا أهلها و عشيرتها، و أخذها لبيته الذي هو إما باطل شرعا- كما إذا كانت بكرا و كان أبوها موجودا- من دون أن يكون جناية يستحق بها الضمان و العقاب، أو صحيح يحرم المنع من إيقاعه، كما يحرم السعي لنقضه بعد إيقاعه، فالحكم بأن هذه الأمور جنايات حكم بغير ما أنزل اللّه تعالي، و قد قال عز اسمه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ. و قال سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ. و قال تعالي وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ. و قال عز و جل أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. كما أن بعض الأمور جرائم و آثام إلا أنها ليست من الجنايات المضمونة بالمال أو المعاقب عليها من قبل الناس، بل لا تقتضي إلا الردع نهيا عن المنكر، كالزنا و العياذ باللّه، فالحكم فيها بالضمان حكم بغير ما أنزل اللّه أيضا.

الثالث: إلزام عشيرة الجاني بجنايته و تحميلهم دركها من ضمانات أو عقوبات، و لا يشرع من ذلك إلا حمل العاقلة لدية الخطأ المحض، علي ما تقدم تفصيله. و الحكم بغير ذلك حكم بغير ما أنزل اللّه، و لا ينبغي للمؤمن انتهاك حرمة اللّه تعالي فيه.

الرابع:

جعل عقوبات و ضمانات ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان علي الجاني أو عشيرته، و الكلام فيه كما سبق.

نعم إذا ابتنت هذه الأمور الثلاثة علي التنسيب لحل المشكلة من دون حكم و إلزام فلا بأس به، و لا ينفذ علي أحد إلا أن يرضي بالقيام به بطيب نفسه، نظير ما تقدم في الأمر الأول.

(مسألة 442): المال المدفوع إن لم يكن بعنوان الدية لم يشرع جعله و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 341

أخذه، إلا إذا كان جعله بعنوان التنسيب و دفع برضا صاحبه، كما سبق. و كذا إن كان بعنوان الدية لأمر ليس هو جناية شرعية يستحق بها الدية. و إن كان بعنوان الدية لجناية لها دية شرعا بحيث كان مستحقا شرعا فهو يعود للمجني عليه أو لوارثه كما تقدم، و لا يجوز لغيرهما من أفراد العشيرة أخذه، و لا أخذ شي ء منه إلا برضاه، و إذا لم يدفع للمجني عليه و لا لوارثه، بل دفع لرئيس العشيرة- مثلا- فلا تبرأ ذمة الجاني إلا بعد وصوله لهما. نعم إذا كان المجني عليه أو وارثه قد و كل رئيس العشيرة أو غيره في القبض عنه برئت ذمة الجاني بالدفع للشخص الذي و كله، و كان علي ذلك الشخص إيصال المال للمجني عليه أو لوارثه أو لمن يرضي بإيصاله له.

(مسألة 443): كثيرا ما تكون الدية المدفوعة أقل من الدية الشرعية.

و حينئذ لا تبرأ ذمة الجاني إلا برضا المجني عليه أو وارثه و إبرائهما. و إذا كان المجني عليه أو وارثه قاصرا لم يكن لوليه الإبراء عنه، لأنه مخالف لمصلحته، بل تبقي حصته بتمامها في ذمة الجاني لا تبرأ ذمته إلا من مقدار ما دفع.

(مسألة 444):

إذا رضي المجني عليه أو وارثه بالدية فليس لهما بعد ذلك حق الشكاية علي الجاني و طلب عقوبته حسب القوانين الوضعية. نعم ليس عليهما السعي لرفع العقوبة عنه إذا كان اعتقاله بمقتضي الحق العام تبعا للقانون الوضعي، إلا باتفاق خاص زائد علي دفع الدية.

(مسألة 445): لا يجوز الاشتراك في «المشية» التي هي مقدمة للحكم بالفصل إذا ابتني علي الخروج عن الميزان الشرعي حسبما بيّن فيما سبق. نعم إذا كان الغرض من «المشية» الشفاعة من أجل العفو أو التخفيف ممن بيده شرعا ذلك فلا بأس بالاشتراك فيها. و كذا إذا كان الغرض منها التوسط للإصلاح و وقف الفتنة من دون نظر لكيفية الحل، و لا إعداد له، و لا اشتراك فيه، لحث الشارع الأقدس علي إصلاح ذات البين، بل قد يجب ذلك علي من يستطيعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 342

و يحسنه، كما إذا خيف من تركه تفاقم الفتنة و ما يستتبع ذلك من انتشار الفساد و إراقة الدماء و انتهاك الحرمات.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يسدد المصلحين و الساعين في الخير، و يوفق المؤمنين للتمسك بدينهم، و التزام أحكامه و تعاليمه، و عدم الخروج عنها إلي تعاليم الجاهلية، و نبذ الحمية و العصبية. إنه الموفق و المعين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

انتهي الكلام في كتاب القصاص و الديات، آخر نهار السبت العشرين من شهر جمادي الثانية، الذي هو يوم ذكري الميلاد المبارك الميمون لام الأئمة المعصومين فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين صلوات اللّه تعالي عليها و علي أبيها و بعلها و بنيها أجمعين، من سنة ألف و أربعمائة و سبعة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و التحية، في

النجف الأشرف ببركة المشهد المشرّف علي مشرفه الصلاة و السّلام، و به ختام الجزء الثالث من رسالتنا (منهاج الصالحين) المشتمل علي القسم الثاني و الأخير من أحكام المعاملات.

و نسأله سبحانه و تعالي العون و التوفيق و التأييد و التسديد، مع قبول السعي و صلاح النية و حسن العاقبة في جميع الأمور و تمام العافية و السعادة في الدنيا و الآخرة، و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.